المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عبد الفتاح الجبالي
عبد الفتاح الجبالي

الاستحقاقات الدستورية.. وعجز الموازنة

الأربعاء 30/مارس/2016 - 11:24 ص

من المتوقع ان تتقدم الحكومة المصرية غدا بمشروع الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية عن العام المالى 2016/2017 وذلك وفقا للنصوص الدستورية، والتى تنبع أهميتها من كونها البداية الرسمية لتطبيق الاستحقاقات الدستورية والقاضية برفع الانفاق الحكومى على مجالات الصحة والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى الى 10% من الناتج القومى الإجمالي، وذلك فى ظل ما يعانى منه الاقتصاد المصرى من ازمة مالية حادة حيث يصل العجز الكلى للموازنة العامة للدولة الى 11.3% من الناتج المحلى الإجماليعام 2014/2015 ومن المنتظر ان يتجاوز ذلك خلال العام المالى الحالي، وهو ما اقترن بارتفاع نسبتى التمويل الخارجيوالمصرفى للعجز، وادى الى ارتفاع معدلات التضخم بصورة كبيرة. وقد تزامن ذلك مع تدهور البنية الاساسية فى المجتمع والتراجع الحاد فى معدلات النمو وتدهور اداء وحدات الاقتصاد المختلفة مع تراكم المديونية المستحقة على وحداته الانتاجية.

الامر الذى يلقى بظلال كثيفة على صانع السياسة المالية ويصبح التساؤل المطروح هو كيف يمكن الوفاء بهذه الاستحقاقات الدستورية فى ظل الأوضاع سالفة الذكر. وقبل التعرض لهذه المسألة بالتفصيل يجدر بنا تصحيح خطأ شائع فى المجتمع المصرى عموما وبين المسئولين على وجه الخصوص اذ انهم حينما يتحدثون عن الموازنة يشيرون الى انها توزع على الأجور والدعم وخدمة الدين العام ولذلك لا يتبقى الا النذر اليسير للإنفاق على الجوانب الاجتماعية مثل الصحة والتعليم وغيرهما. وهى المقولة التى تتكرر كثيرا على ألسنة المسئولين، ووجه الخطأ هنا هو فى الخلط بين التقسيم الاقتصادى للموازنة (أجور ودعم وشراء سلع وخدمات. الخ) والتقسيم الوظيفى والذى يتم بمقتضاه تصنيف المصروفات العامة على الوظائف والأهداف التى تستهدف الحكومة تحقيقها سواء كانت أهداف اجتماعية أو اقتصادية وبالتالى فهو يوزع بين التعليم والصحة والدفاع والحماية الاجتماعية وغيرهم. وبالتالى فالأدق هو اما نتحدث عن عدم كفاية الأموال المتبقية للاستثمارات الحكومية بما فيها الاستثمار فى التعليم والصحة وذلك وفقا للتقسيم الاقتصادى او نقوم بتحليل الانفاق العام وفقا للتقسيم الوظيفى والذى يتيح التعرف على مدى عدالة توزيع النفقات على الوظائف الاجتماعية المختلفة.وهذا التبويب يساعد على تقييم مدى فعالية الإنفاق الحكومي. وبالتالى يسمح التصنيف الوظيفى بدراسة الاتجاهات العامة فى نفقات الحكومة على وظائف أو أغراض معينة بمرور الوقت. وأحد الأمثلة على ذلك عندما نتحدث عن قطاع التعليم، فهذا القطاع وفقا للتصنيف الوظيفى يشتمل على جميع الأجهزة القائمة على العملية التعليمية سواء كانت ضمن الحكومة المركزية والمقصود هنا وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وأيضا يشتمل على مديريات التعليم بالمحافظات، والجامعات وصندوق تطوير التعليم وغيرهم، وهذا المفهوم يسرى على باقى القطاعات.

ومن المتفق عليه ان الحالة الصحية والتعليمية تعد أحد أهم دعامات التنمية خاصة أن ضعف هذه الحالة لدى الأفراد يؤثر تأثيرا مباشرا على المجتمع بأكمله من حيث القدرات الإنتاجية وإمكانات التطور. وبالتالى فإن تطوير الإنفاق على قطاعى الصحة والتعليم يسهم مباشرة فى تحسين نوعية الحياة ويؤدى إلى جودة النمو. فعلى سبيل المثال يلعب الإنفاق على الصحة عدة أدوار فهو من جهة يسهم فى توصيل الخدمات الصحية إلى كافة أرجاء البلاد، خاصة تلك التى يعود النفع منها على القطاعات العريضة من السكان، مثل التطعيمات ضد الأمراض، ومعالجة انتشار الأوبئة والأمراض المستوطنة وغيرهما. كما أنه من جهة أخرى يسهم فى تعزيز قدرة الأسرة على تحمل تكاليف العلاج، ويرفع العبء عن كاهل المرضى من الفقراء وغير القادرين.

وقد اخذ الدستور الحالى بمبدأ أنه كلما زاد حجم الإنفاق العام، كلما كانت الخدمات المقدمة أفضل وأحسن. وهذا القول صحيح بعض الشيء، ولكنه ليس صحيحا بصورة مطلقة، إذ أن تخصيص اعتمادات أكبر فى الموازنة لا يعنى بالضرورة تقديم خدمات أفضل فالعبرة هنا بالسياسة الاتفاقية بالمجتمع، فقد تتوافر الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، مجانا وبكميات ونوعيات مناسبة، ولكن لأسباب معينة لا يستطيع الفقراء الوصول إليها إما لأنهم أفقر من أن يتحملوا التكاليف المصاحبة للاستفادة بهذه الخدمات (مثل فقدان الدخل) أو تكاليف الدواء أو المستلزمات المدرسية أو تكاليف الانتقال إلى مكان هذه الخدمة او نتيجة للمشاكل الإدارية فى السيطرة على الإنفاق. لذلك فإن هيكل الإنفاق العام لا حجمه هو المهم فى هذا المجال. مع اتفقنا بان الإنفاق العام على التعليم او الصحة يزيد من رأس المال البشرى وبالتالى يعد بمثابة استثمار قومى جيد يقوم بتغطية تكاليفه من خلال زيادة الإنتاجية وزيادة الدخول، من هنا فإن تركيب وهيكل الإنفاق العام لا مستواه هو المهم من وجهة نظرنا هذه. خاصة أن ضمان استمرارية السياسة المالية لا يتوقف فقط على عوامل تتعلق بالإنفاق العام أو الإيرادات العامة، ولكنه يرتبط أيضا بالسياسة النقدية خاصة سعر الفائدة والاتجاهات السكانية. وهذا لا ينفى بالطبع أهمية العمل على تحقيق فاعلية الإنفاق العام عن طريق ضمان التأكد من أن هذا الإنفاق يذهب فى الغرض المخصص له وهى الأمور التى ينبغى أن تتوجه إليها الاهتمامات فى عملية الإصلاح المالي.

كل هذه المؤشرات وغيرها تشير الى المشكلات العديدة التى يعانى منها الانفاق العام على الجوانب الاجتماعية وتتطلب وضع الاسس الضرورية لإصلاحها بغية تفعيل الانفاق العام وجعله يصب فى صالح الاهداف الرئيسية التى تقرر من اجلها. والتى تتمثل فى تحقيق هدفين اولهما تسهيل حصول المواطن على حزمة اساسية من الخدمات الاجتماعية، بدون اعباء تذكر وبحد أدنى من الاسعار على ان تتحمل الخزانة العامة الفروق السعرية فى هذا الصدد. وتوفير الامكانات الضرورية للحصول على هذه الخدمات،

وهنا يأتى الحديث عن كفاءة هذا الانفاق وعدالته. ونقصد بالعدالة هنا تحقيق التكافؤ الحقيقى فى الفرص المتساوية للحصول على الخدمة وذلك بتوزيع الانفاق العام بشكل متساو وفقا للاحتياجات لكل منطقة جغرافية والعمل على الوصول الى الاماكن المحرومة منه.خاصة فى ضوء القيود الشديدة على قدرة الافراد الفقراء فى الحصول على الخدمات مثل نقص المعرفة بشأن الخدمات المتوافرة خاصة بين غير المتعلمين. وصعوبة الوصول الى الخدمات فى هذه المناطق مع ماتعانيه هذه الاماكن اصلا من مشكلات مثل انخفاض نوعية العاملين بها فضلا عن تدنى مستوى الخدمة، وبمعنى اخر فمازالت هناك مشاكل عديدة فى الحصول على الخدمات الاجتماعية ذات النوعية الجيدة فى الكثير من هذه المناطق.

كل هذه الأمور وغيرها تشير الى الدور المحورى والاساسى للموازنة العامة فى سبيل تحقيق الأهداف التنموية التى نصبو اليها جميعا وهو ما يتطلب تكثيف الجهود لحل الازمة المالية الراهنة عبر العديد من المجالات التى يمكن التحرك خلالها لإحداث النقلة المطلوبة فى المالية العامة، سواء تمثل ذلك فى العمل على تنمية الموارد المحلية عن طريق توسيع الطاقة الضريبية لتشمل كافة قطاعات المجتمع وهو ما يتطلب رفع الوعى الضريبى والعمل على دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد القومى وإصلاح النظام الضريبى والإدارة الضريبية مع تكثيف الجهود لتحصيل المتأخرات الحكومية والضريبية وإصلاح الاختلالات المالية للهيئات الاقتصادية والوحدات العامة وجعلها مصدرا للإيراد وتبنى سياسة للشراء المركزى والتخلص من المخزون الراكد. ومن جهة أخرى العمل على رفع كفاءة الإنفاق العام خاصة فى مجالات الاهتمام الأساسى كالتعليم والصحة وتخليصه من التشوهات التى تحد من فاعليته والإسراع بتنفيذ موازنات البرامج والاداء. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟