المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد صلاح
محمد صلاح

سيناء... تهجير أم تعمير؟

الثلاثاء 05/أبريل/2016 - 11:06 ص

انشغل الجيش المصري، طوال الأسبوع الماضي، بحملة كبيرة ضد الإرهابيين في سيناء لم تحظ بتغطية إعلامية أو صحافية تناسب الحدث. فالإعلام اكتفى بنشر أو بث بيانات المتحدث العسكري من دون اجتهادات إضافية لانشغال الصحف والفضائيات بمواضيع، من وجهة نظر القائمين عليه ولأسباب تتعلق بآليات السوق وظروف الإعلانات، أكثر سخونة كقضية عزل المستشار هشام جنينة، أو مباراة كرة القدم بين مصر ونيجيريا وإنقاذ اللاعب حمادة طلبة هدفاً كاد يدخل مرمى الفريق المصري، أو براعة اللاعب رمضان صبحي في تسجيل هدف التفوق على المنتخب النيجيري، وكذلك متابعة صاحبنا الذي خطف الطائرة المصرية وأسرته وأصدقائه وتفاصيل حياته وظروفه، والمكان الذي نشأ وترعرع فيه، والتسجيلات المصورة له داخل الطائرة، وصور «السيلفي» التي التقطها مع الركاب وطاقم الطائرة. ولم تفت بعض الإعلاميين فرصة ارتفاع أسعار الدولار وقرارات أصدرها محافظ البنك المركزي طارق عامر، فانبروا للدفاع عن مصالح أصحاب القنوات من رجال الأعمال.

وبدعوى الوقوف خلف «المواطن الكادح» مارس هؤلاء عاداتهم في الضغط على الحكومة لتعرف أن للإعلام أنياباً ولرجال الأعمال مخالب، فكرروا الخطاب الإعلامي للإخوان والقنوات الموالية للجماعة والمواقع الإلكترونية الإخوانية، وأسهبوا في الحديث عن وضع حقوق الإنسان، ومحاكمة الكُتاب والأدباء بتهم ازدراء الأديان، وكذلك الإجراءات التي طاولت تنظيمات أهلية تتلقى تمويلاً من الخارج خارج سلطة الدولة.

عموماً هذه هي حال مصر، التي تموج بصراعات واحتكاكات لا تنتهي، ويعيش أهلها حياة صاخبة، على رغم الانطباع الذي يسود خارجها ويوحي بأن الناس تعيش رعباً والحكم يعاني عزلة ومرسي سيعود إلى المقعد الرئاسي الأحد المقبل! ستظل مصر محط الأنظار خصوصاً أن أحداثها لا تتوقف، والعرب يحبونها والغرب مهتم بها، وإذا كان الحدث جاذباً لاهتمامات أصحاب مصانع المياه الغازية ومروجي مساحيق الغسيل وبائعي مستحضرات التجميل وموزعي الأجهزة الكهربائية ومقاولي المنتجعات، فإن الصحف والفضائيات المصرية لن تهتم بما يجري في سيناء، وإنما ستركز على نشاط النخب والوقائع المثيرة للخناق والعراك والانقسام، وكذلك بالطبع تصرفات النواب. بالنسبة لسيناء يبقى السؤال قائماً: متى ينتهي العنف في شبه الجزيرة؟ يستغرب بعضهم لماذا لا يتخذ السيسي قراراً بتهجير السكان هناك إلى مدن أخرى، حتى يتهيأ المناخ للجيش للقضاء على الإرهابيين من دون أن يعيقه وجود السكان واختلاط الإرهابيين بهم، وصعوبة التفريق ما بين الإرهابي والمواطن المسالم؟ يستند هؤلاء في دعوتهم إلى التجربة المصرية في مدن القناة الثلاث: بورسعيد والإسماعيلية والسويس، عند التعاطي مع حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967 حيث جرى تهجير السكان منها إلى المدن المصرية المختلفة، لإعداد ساحة المعركة على مدى السنوات الست التالية حتى تمكن الجيش من عبور القناة واستعادة سيناء.

والحقيقة أن القياس مختلف والمقارنة لا تجوز، فالجيش المصري بعد حرب حزيران كان يستعد لمواجهة جيش معروف مكان تواجده ونقاطه الحصينة ومواقع مطاراته وعدد جنوده وضباطه، وعلى رغم الدعم الذي كان يلقاه الجيش الإسرائيلي من الأميركيين والغرب إلا أن المساندة العربية مثلت زاداً وزواداً للجيش المصري، وتكفي هنا الإشارة إلى موقف العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز كنموذج. الحال الآن على الأرض مختلف تماماً، فالإرهابيون مختلطون بالسكان يضربون ثم يختبئون بين العزل والأبرياء، هم يرتدون الملابس نفسها التي يرتديها الناس ويختلطون بالعامة، ويجهزون متفجراتهم في الخفاء ثم يضعونها في الشوارع التي تمر فيها آليات الجيش أو مدرعات الشرطة، أو يهجمون على المكامن وبعدها ينسحبون ليعيشوا وسط الناس وبين الأهالي. التعمير وليس التهجير هو ما تحتاجه سيناء التي أُهملت عقوداً. طبيعي أن تتخذ السلطات بعض الإجراءات الاحترازية للتعاطي مع مشكلة الأنفاق مع قطاع غزة، كما فعلت أولاً في تشرين الأول (أكتوبر) عندما أقامت منطقة حدودية عازلة مع القطاع بعمق 500 متر وبطول 14 كيلومتراً، لمنع تدفق الإرهابيين في أعقاب هجوم انتحاري على نقطة تفتيش كرم القواديس في شمال سيناء أسفر عن استشهاد 33 جندياً، ثم ثانياً مع اكتشاف قوات الجيش المصري أنفاقاً للتهريب بلغ طول أحدها نحو 1500 متر، حيث أقدمت السلطات في نيسان (أبريل) العام الماضي على توسيع المنطقة العازلة إلى ألف متر. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، بدأت قوات الجيش في غمر أنفاق غزة بمياه البحر، بهدف إقامة أحواض سمكية على طول الحدود مع القطاع. طبيعي أن تتواصل حملات الشرطة والجيش لمطاردة المتطرفين وحصارهم، لكن مسألة التهجير تهدد بنقل الإرهابيين من سيناء إلى باقي المدن المصرية فتزداد رقعة الإرهاب وخطورته. حتى الآن لا يوجد متر واحد يستطيع أن يقف عليه إرهابي ليرفع عليه علم «داعش»، وطالما أن هذا هو الوضع فالأمر يحتاج فقط إلى مزيد من الوقت حتى ينتهي التعمير دون التهجير. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟