المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريتشارد تولّ
ريتشارد تولّ

تغيّـر المناخ... دراسات متضاربة النتائج و الدول الفقيرة أكبر المتضررين

الأربعاء 06/أبريل/2016 - 11:13 ص

الآثار المترتبة على تغير المناخ كثيرة. وبعض الأدبيات العلمية التي تتناول المسألة تخلص إلى أن الجفاف المتعاظم يصيب الزراعات ونموها ومحاصيلها، بينما يذهب بعضها الآخر إلى أن ثاني أوكسيد الكربون يخصّب التربة، ويسرِّع نضج النباتات، ويؤدي دور السماد. وتقرر بعض الدراسات أن أعراض التعب الناجمة عن الحرارة المرتفعة يتوقع أن تزداد، بينما تتقلص أعراض الإرهاق المتأتية من البرد. ولا تشك بحوث في زيادة الطلب على الطاقة تعويضاً عن زيادة موازية في حرارة المناخ، ولا في انتشار الأمراض بواسطة العدوى، أو في انقراض بعض الأنواع الحيوانية والنباتية. ومن العسير جمع هذه النتائج معاً، وربط بعضها ببعضها الآخر في إطار متماسك. ونفتقر إلى قرائن أو مؤشرات متجانسة تسوّغ رأياً مشتركاً وواحداً في نتيجة التغير المناخي، إن سلباً أو إيجاباً.

وإلى اليوم، لم ينشر إلا 27 تقريراً عاماً تقيس المفعول الاقتصادي المترتب على الظاهرة. ومناهج هذه التقديرات مختلفة. فـ11 تقديراً تقيس مفعول زيادة الحرارة 2.5 درجة فوق المتوسط الذي ساد ما قبل العصر الصناعي. و8 دراسات من هذه تخلص إلى تقرير أثر سلبي، بينما تخلص 3 دراسات إلى تقرير أثر إيجابي. وجملة التقديرات الـ27 تتوقع نتيجة إيجابية في العقدين المقبلين، تعقبها (بعد العقدين) نتيجة سلبية. ومتوسط نتائج الدراسات الـ11 يرجّح زيادة الحرارة 2.5 درجة، وتؤدي هذه الزيادة إلى خسارة الفرد الواحد 1.3 في المئة من دخله. وهذه الخسارة قليلة قياساً إلى خسارة اليونانيين ثلث ثروتهم الوطنية في 5 سنوات. وتفوق خسارة السوريين خسارة اليونانيين، وحصلت في سرعة وفي أقل من 5 سنوات.

وخلافاً لما يعتقد بعضهم، ليس التغير المناخي أخطر مشكلة تعانيها البشرية. وفي ضوء متوسط التقديرات الـ27، لا يختلف الأثر المترتب على زيادة الحرارة 3.5 درجة عن ذاك المتخلف عن زيادة الحرارة درجتين. ولكن المفاجآت السلبية أرجح وقوعاً من المفاجآت الإيجابية في ميزان التوقع الواحد، وفي ضوء زيادة واحدة. ولا يزعم أحد أن الظاهرة تعد البشرية بمستقبل مشرق. وتقود الشكوك إلى القول إن قرناً من التغير المناخي ليس أكثر ضرراً من خسارة عقد من النمو. وعلى هذا، فليس تغير المناخ مشكلة القرن الحادي والعشرين الأولى.

 

وتدل البحوث على أن التخصيب الناجم عن ثاني أوكسيد الكربون يفيد البلدان الغنية فوق ما يفيد البلدان الفقيرة. وتشكو هذه من 3 عوامل ضعف. فمعظمها يقع في مناطق حارة، وزيادة حرارة مناخها تقيد تكيفها وتعسِّره. وإذا تحول مناخ بريطانيا إلى مناخ يشبه المناخ الإسباني الحالي، ففي مستطاع البريطانيين اقتباس بعض عادات الإسبان. أما إذا ارتفعت حرارة البلدان الحارة، فليس في وسع أهل هذه البلدان الاقتداء بمثال سابق ومعروف. وتأثير أحوال الطقس وتغيّر المناخر في البلدان الفقيرة أشدّ منه في البلدان الغنية لأن الزراعة ترجح في الأولى، بينما ترجح الصناعة والخدمات في الثانية، وهي أقل تعرضاً لتقلبات الطقس الحادة ولتغير المناخ. وغالباً ما تفتقر البلدان الفقيرة إلى التدخل المنظم الذي تتولاه السلطات في ميادين الصحة، وتدبير الشواطئ والضفاف، والري على نطاق واسع. ومثل هذا التدخل يقلص آثار الظاهرة المناخية. وتدير نخب البلدان الفقيرة غالباً ظهرها للنتائج المتوقعة والناجمة عن تغير المناخ، وتميل إلى تجاهلها. فهي ترى أن هذه النتائج تصيب شطراً مهمشاً، سياسياً واقتصادياً، من السكان.

وأنا أكثر ميلاً إلى مكافحة تغير المناخ بواسطة مزيج من إجراءات تؤدي إلى التكيف معه وإجراءات تقلص انبعاثات غازات الدفيئة مثل الرسم على الكربون. وذلك أن المعالجات الحاسمة قلما تنجم عنها المفاعيل المرجوة والمتفائلة. أما التكيف فيقلل الحاجة إلى تقليص الانبعاثات. وفي المقابل، يقلص تقليل الانبعاثات الحاجة إلى التكيف. وتتفوق إستراتيجية التكيف على إستراتيجية تقليص الانبعاثات نتيجة محليتها وانتفاء حاجتها إلى الأطر الدولية وهيئاتها. وتستثني من العمل المحلي الخالص حماية السواحل وتوزيع الموارد المائية. وما عدا هذين المرفقين في مقدور النشاط الخاص الاضطلاع بأعباء القطاعات الأخرى.

وعلى البلدان النامية اختيار نهج من نهجين في مقاومة آثار التغير المناخي الحادة: فإما أن تقلص زيادة الحرارة وإما أن تقلص الفقر. ولا يخلو من الغرابة قول بعضهم أن مصير الفقراء الذين يعانون من تغير المناخ وحده يشغلهم، ولا يشغلهم مصير الفقراء في مجالات غير مجال المناخ. وعلى سبيل المثل، بنغلاديش هي أحد أكثر البلدان فساداً وسوء إدارة في العالم. وتصيب فيضاناتها الشطر الأكثر بؤساً من سكانها، وهم يقيمون في السهول الواطئة حيث الأرض رخيصة. والباعث على حماية هؤلاء السكان يكاد يكون معدوماً. ولا تحمل الفيضانات على صنيع المسؤولين السياسيين، غير المبالين وغير الكفوئين، ولا على غفلتهم وشللهم. ودوام هذه الحال يترتب عليه دوام هشاشة بنغلاديش ومصابها بالتغير المناخي.

وقلما يحصّل صغار المزارعين الأفريقيين من زراعة أرضهم عشر ما يحصّله نظام الزراعات الحديث من أرض يشبه مناخها مناخ الأرض الأفريقية. وتقليص الفرق بين المحاصيل ينجم عنه تحسين أحوال المزارعين بما يعوض الضرر الذي يلحقه تغير المناخ، وفي غضون وقت أقل. وإذا شاءت الهيئات الدولية صرف مساعدات مالية على المزارعين الأفريقيين فحريّ بها استثمار المال في تحديث الأبنية الزراعية بدلاً من استثماره في الطاقة الشمسية.

وحين يزعم الخبراء أن ارتفاع الحرارة يؤدي لا محالة إلى انتشار الأوبئة ينبغي النظر ملياً في هذه المزاعم. فالملاريا كانت وباء مزمناً في أجزاء واسعة من أوروبا وشمال أميركا، وبلغت مورمانسك الروسية المتطرّفة. وأدى تقليص مناطق انتشار الملاريا، ومراقبة الحشرات، واستعمال الكينين، إلى القضاء على الوباء. واقتصرت رقعة انتشاره على المناطق الإستوائية. وقد يحيي تغير المناخ جرثومة الوباء الطفيلية بسبب مواتاة الحرارة والرطوبة وتوالدها. ولكن حقيقة الأمر هي أن الملاريا مرض يترعرع في حضن الفقر. ويحسن بالممولين اقتطاع جزء من المال الذي يحتسبون صرفه على تقليص الانبعاثات، واستعماله في شراء المبيدات والناموسيات اليوم قبل الغد، أو في إعداد لقاح يقضي على الملاريا، حصل تغير المناخ أم لم يحصل.

وتدل هذه الأمثلة على أن التنمية والتغير المناخي متلازمان. وتقليص النمو في سبيل مكافحة التغير المناخي يلحق ضرراً يفوق الخير المرجو. ولا تترتب على السياسة المناخية، أي على القرارات التي تمليها هذه السياسة، أضرار لا عودة عنها. فتعليق هذه القرارات متاح حال التثبت من حقيقة الضرر. والطاقة المستخرجة من النباتات مثل واضح على هذا الأمر. فهذه الطاقة يحتاج استخراجها إلى أراض شاسعة. وعلى هذا، حلّت مزارع نخيل الزيت في جنوب آسيا الشرقي محل الغابة العذارء. واقتطعت مزارع قصب السكر في أميركا اللاتينية مساحات من المراعي، وأوكلت المراعي شطراً من الغابة. والخلاصة هي أن نهجاً مناخياً قد يقضي على الغابات. ولكن الرجوع عن هذا النهج جائز ومتيسر، على ما حصل فعلاً.

وما يدعو إلى الخشية هو بعض قرارات السياسة المناخية التي تنتهجها الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي. فالدولتان والهيئة الدولية قرّرت ألا تموّل بعد اليوم محطّات الكهرباء التي تعمل على الفحم في البلدان الفقيرة. ومعنى هذا اضطرار هذه البلدان إلى توليد الكهرباء بسعر أغلى وأمان أقل، وإلحاق ضرر أكيد بالتنمية. فالفحم هو أرخص مادة، من غير مقارنة، يمكن توليد الكهرباء منها.

أما في شأن تقديرات الفريق الحكومي المشترك والمولج اقتصاديات المناخ (أو GIEC)، وتقرير الفريق الصادر في 2007، وما أخذ على التقرير من أخطاء في احتساب الحرارة الكلية المتوسطة وحرارة البلدان القريبة من جنوب الكرة الأرضية - فردّنا أننا قدمنا على الدوام قياس تساقط الأمطار على مؤشر الحرارة. وفي متناولنا نماذج بيانية لتساقط الأمطار ومعدلاتها المستقبلية في أنحاء العالم. وأدركنا منذ بعض الوقت أن النماذج البيانية المناخية ليست موثوقة تماماً، خلافاً لتقديرنا. ولكن ما يمكن أن يستخلص من هذا أمران، الأول هو أن أثر انبعاثات غازات الدفيئة في تغيّر المناخ أقلّ من الحسبان، ويدعو الاستنتاج إلى التقليل من ضرر التغيّر. والثاني هو أن التقلبات الطبيعية أشدّ من الحسبان وعلمنا بها أقل، وهذا يدعو إلى تعاظم القلق. نقلا عن الحياة

* اقتصادي هولندي، استاذ اقتصاد التغير المناخي في جامعتي سوسيكس وأمستردام، عضو في فريق GIEC، عن «بوكس» الفرنسية، 4/2016، إعداد منال نحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟