القوقاز على حافة حرب كبرى جديدة بعدما استعرت النيران على خط التماس بين القوات الأرمنية والأذرية (الأذربيجانية). والسؤال الجوهري اليوم هو: هل ستندلع، كما قبل ربع قرن، حرب شاملة بين أرمينيا وأذربيجان، قد تنزلق إليها روسيا وتركيا وغيرهما من الدول، أم سيتمكن وسطاء دوليون من إرساء وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات؟ تدور مسائل خلاف كثيرة بين البلدين على مناطق متنازع عليها: منطقة قره باخ التي تتمتع بحكم ذاتي والتي تقع ضمن الأراضي الأذرية، واعتبار باكو أن أرمينيا تحتل مساحات من أراضيها.
ويشنّ الأذريون هجوماً مكثفاً. وأعلن الجيش الأذري أنّه سيطر على مرتفعات استراتيجية وعدد من القرى. فخطوط التماس تتغيّر. وتعتبر أذربيجان رسمياً اليوم، في حرب مع جيش جمهورية ناغورني قره باخ المعلنة من طرف واحد، وعديده خمس سكان الجمهورية البالغ عددهم 120 ألفاً. ودور الوسطاء الدوليين بارز في هذا النزاع، ومنهم دول قد تنزلق الى الصراع. وعلى رغم أن أذربيجان استخدمت المروحيات فحسب في الهجوم، لم تغفل أرمينيا تحذير الخصم. فهي وضعت طائرات سو-25 في حال التأهب، ويرجح أن تذكر (الخصم) بالقاعدة العسكرية الروسية في غيومري الأرمينية. وروسيا هي حليف أرمينيا، ويرتبط البلدان باتفاقات ثنائية ولحمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وقال الأمين العام للمنظمة، نيكولاي بورديوجا، أنّه على «تواصل» مع الجانب الأرميني. وحريّ بالأذريين أن يدركوا أن هذا التصريح هو في مثابة تحذير، إذا وفت روسيا بالتزامات تحالفها. وهو التزام غالباً ما يلفه بعض الشك، على رغم تعزيز القاعدة الروسية في غيومري في مطلع العام الحالي. ولدى الكرملين اليوم ما يكفي من المشاكل. لذا، لا ترغب موسكو في التورّط في نزاع قره باخ. ومن المتوقع أن تقف روسيا الى آخر لحظة، موقف الحياد. إذ إنّ دخولها الحرب إلى جانب أرمينيا يعني انتقال أذربيجان نهائياً إلى صفوف أعداء روسيا.
ولا يُستبعد تدخل مباشر تركي في الأزمة، وهي ستقتنص الفرصة السانحة لتدخل باكو في دائرة نفوذها. ولا يجب أن ننسى الزيارة الأخيرة للرئيس الأذري إلهام علييف إلى أنقرة واحتضان رجب طيب أردوغان له. وإيران لا تربطها صداقة وطيدة بتركيا، وهي تميل الى دعم أرمينيا. وفرنسا والولايات المتحدة من الوسطاء الدوليين التقليديين في أزمة قره باخ. وهذه لائحة غير كاملة بالبلدان التي يمكن أن تنجر تدريجاً إلى الأزمة في قره باخ. وخلاصة القول، إن ثمة أملاً ببقاء النزاع، على رغم دمويته، محصوراً في نطاقه المحلي، فيبقى أقرب إلى استعراض القوة، وليس حرباً جديدة. وحري بالوسطاء الدوليين التدخل بفاعلية أكثر، عوض الاكتفاء بالكلام والدعوة إلى «وقف القتال». نقلا عن الحياة
* محلل سياسي، عن موقع «روسبالط» الروسي، 2/4/2016، إعداد علي شرف الدين