زيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز الى مصر يعلق عليها المتابعون فى الخليج امالا كبيرة، بعيدا عن التمنى او زخرف القول، فان المحور السعودى (الخليجي) المصرى هو الذى يمكن ان يشكل رافعة حقيقية تنتشل الأمة من الكثير الذى تعانى منه اليوم من معضلات . من حق الفرد ان ينسى ولكن النسيان ليس رفاهية تتمتع بها الشعوب أو الدول. من المهم ان نتذكر انه كلما قوى محور السعودية (الخليج) ـ المصري، استطعنا الحفاظ على حد معقول من الأمن القومى العربى المستقل، وكلما ضعف هذا المحور تعرضت الامة للمخاطر. دعونا ننظر إلى الماضى القريب، انتصار الجيش المصرى فى حرب 1973 كان انتصارا للجندى المصرى من جهة، ومن جهة أخرى للتعاضد السعودي، لعلنا نتذكر ان الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، قاد معركة النفط و خصوصا تخفيض الانتاج التدريجى له لحرمان الالة الغربية، تلك معلومة عامة، ولكن المعلومة الاهم التى كثيرا ما تتجاهل، ان الملك المرحوم قرر بعد ايام من قرار التخفيض الذهاب خطوة ابعد ومنع بيع النفط للولايات المتحدة، ثم بدأت ظاهرة الطوابير الطويلة على محطات بيع الوقود فى المدن الامريكية، تلك الظاهرة (الطوابير) التى وصلت الى الجمهور الامريكي، من بعض العوامل المهمة التى جعلت من السيد هنرى كسنجر يحزم حقائبه باتجاه مصر بحثا عن حلول ، بقية القصة مروية فى أكثر من كتاب تاريخي، لعل دهاء المرحوم انور السادات ومقدرته السياسية هى التى اكملت القصة بحصول مصر على كل اراضيها المحتلة، ولو كان لدى كثيرين بعد نظر لحقق افضل من ذلك، ولكنه تاريخ يجب ألا ينسي. بيت القصيد هنا هو التعاون بين الرياض والقاهرة والفهم المشترك للمخاطر التى تواجه الأمة هو ما يحقق الانتصار . ولكن اليوم غير الامس ، على الرغم من اهمية العودة الى ذلك التاريخ لاخذ العبر . اليوم هناك حرب على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، كما ان هناك حربا على الحدود الغربية لمصر، وان اضفنا ما يحدث فى شبه جزيرة سيناء فإن الصورة تظهر واضحة المعالم بالظلال والالوان. وهناك خلل استراتيجى فى الجبهة الشمالية للخليج، يكاد يصل إلى حد تقسيم الاوطان فى كل من العراق و سوريا،وهى جبهة ليست بعيدة عن مصر، فهى تقع شمالها وتكاد تلامس حدودها البحرية، كما ان هناك فى كل من السعودية ومصر فواعل منخفضة الخطورة لما يعرف اليوم باللاعبين ما دون الدولة، أى جماعات الارهاب، ليس من المستبعد انهم يتغذون على دعم من مكان خارج الحدود، وعلى فكر لا يزال ينهش فى عقول شبابنا.
تلك اهمية اللقاءات التى تحدث اليوم فى مصر بين القيادة السعودية حاملة هموم اهل الخليج قاطبة، وبين القيادة المصرية قاعدة الامة والتى تحارب بشجاعة فى أكثر من جبهة، وكما يقال دائما فى النظرية السياسية ان (الكل اكبر من مجموع الاجزاء) هو بالضبط ما ينطبق على اهمية الجمع بين الموارد فى الخليج وفى مصر لمواجهة تلك التحديات، لان مجموع تلك الموارد سوف تكون أكبر بكثير من مجموع اجزائها. بهذا التفكير الاستراتيجى ينظر اهل النخبة فى الخليج إلى ذلك التكاتف المصرى السعودى الخليجي، ولا اشك فى ان هناك من متخذى القرار فى القاهرة من يسعى جاهدا لتطبيق تلك النظرية، فالرئيس عبدالفتاح السيسى كان له أكثر من تصريح منذ بدأ نضاله مع شعبه للتخلص من الكهنوتية السياسية، يردد ذلك فى أكثر من مناسبة، يقابله رجل هو الملك سلمان الذى خبر العمل السياسى بعمق، وعرف دهاليزه وتمرس بكل تفاصيله ، فهو الاقدر على تقييم الظرف العربى الحرج الحالى ومدى خطورته على الأمن القومى.
من المهم فى هذه المرحلة العمل على محاور عدة منها تجميع أكبر عدد من الدول المحيطة بالاقليم العربى التى لم تضربها بعد بشكل سلبى موجة العنف الواسع، ورص صفوف هذه الدول من اجل تحقيق اهداف واضحة، هى اولا انقاذ من وقع من الدول العربية المجاورة فى متاهة الدولة الفاشلة مثل اليمن وليبيا وسوريا وعدد آخر أقل الحاحا الان،لتصليب عود الدولة العربية الوطنية، وثانيا الوقوف بحزم امام الهجمة الايرانية على الجوار العربى، وهى هجمة يقوم جنودها اليوم بالعمل على الارض فى ارض عربية هى سوريا والعراق، كما يقوم خبراؤها بدعم العصيان فى اليمن وتقديم السلاح لتلك القوى الخارجة عن الدولة، وكما يقوم محازبوها من زاوية أخرى بتعطل الدولة العربية الاخرى وهى لبنان. وجود الملك سلمان فى القاهرة اليوم لا يماثل أى وجود لعاهل سعودى سابق، فهو تواجد مقرون بقرار تاريخى هو (عاصفة الحزم) ولعل أقرب الناس معرفة بالصراعات المسلحة فى عالمنا العربى هم المصريون، فهم يعرفون كم تكلف من الجهد والروح البشرية والعتاد وايضا الموارد، وما دفع اتخاذ قرار عاصفة الحزم الا تلك الهجمة الشرسة على الأمن القومى العربى الذى توجب على الكل ان ينهض للدفاع عن مصيره وكيانه.
من هنا فان المأمول ان تحقق هذه الزيارة اكثر من الحفاوة بين اشقاء، واعمق من التفهم للقضايا المطروحة، ولكن انتاج استراتيجية عنوانها الرئيسى هو الحفاظ على الأمن القومى العربي، وتمكين الشعوب العربية من تقرير مصيرها دون تدخل خارجي. فى هذه المرحلة التى تنهى الكثير من (قواعد اللعبة) الدولية السابقة التى عرفناها فى نصف قرن مضى تقريبا، وايضا انتهاء ما عرف منذ سنين بتضمين خارجى للأمن القومى sourcing out national security إلى استراتيجية (قلع شوكنا بايدينا) مع التحوط من تفاقم التدخلات الدولية فى مصير منطقتنا العربية. فليس اكثر فداحة من خلط (العلاقات الحسنة مع الاخرين) كمثل الاتحاد الروسى أو الاتحاد الاوروبى وأمريكا، وبين السماح لهم بالمطلق بالتدخل غير المنضبط فى شئوننا، هنا يجب ان نتوقف لنضمن استراتيجية (قلع الشوك) برسم حدود لقبول التدخل، فإن لم يكن بشروط ومن خلال الامم المتحدة ومجلس الامن محوط بزمن وباهداف محددة ، فإن الله لغنى عن مثل هذا التدخل وكذلك الأمة.
وعندما يصافح هذا الكلام عيون القراء يكون الملك الجليل سلمان بن عبدالعزيز قد انتهى مع اخيه الرئيس عبدالفتاح السيسى النظر فى الملفات الشائكة التى تحيط بالامن القومى العربي، وهى ملفات لا يجب ان تترك لتخرص البعض من المتابعين، أو لعبث البيروقراطيين، فهى أثمن بكثير من ذلك لانها متعلقة بمصير وأمن كل فرد فى هذه المنطقة، واكاد اقول من المحيط الى الخليج. لهذا يتوجب على الجميع ، بعد انتهاء الزيارة، ان يسهم كل بمقدرته الى الاشارة الى المخاطر الشاخصة، و دفع الجهود حثيثا للوصول إلى تكاتف فعال يتجاوز النظر إلى الشجرة للتطلع الى الغابة. نقلا عن الأهرام