المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
فيودور لوكيانوف
فيودور لوكيانوف

سَعي روسيا الى دَور جيو - استراتيجي عالمي

الأربعاء 13/أبريل/2016 - 11:40 ص

سار التدخل الروسي في سورية على ما ارتُجي منه قبل ستة أشهر، أي لدى بدء التدخّل. وأبرز الأهداف الروسية المعلنة، محاربة الإرهاب. لكن الرؤية الروسية لمحاربة الإرهاب تتباين مع الرؤية الأميركية. وترى موسكو أن لا غنى عن تعزيز قوة الدولة السورية. فهي الجهة «الوحيدة» القادرة على وقف تقدّم «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة. وأفلحت الحملة الروسية في إنقاذ النظام السوري وتعزيز قدرات جيشه، وغيّرت موازين القوى في ميدان المعارك.

وسعت موسكو الى تغيير إطار علاقاتها بالغرب من طريق التدخل في الشرق الأوسط. فقبل ستة أشهر، كانت أوكرانيا مدار العلاقات الروسية – الغربية. واليوم، تعاظم هامش مناورة روسيا التي لم تسع في أوكرانيا الى أكثر مما حصلت عليه: اتفاق مينسك الذي رمى الى بلوغ حل. وعلى رغم مكانتها البارزة في الحسابات الروسية والأوروبية، ليست الأزمة الأوكرانية سوى أزمة ثانوية وفرعية على الصعيد الدولي. وخلافاً لذلك، الأزمة السورية محورية وبارزة. لذا، التدخل الروسي في سورية هو السبيل الى استعادة مكانة بارزة في العلاقات الدولية. ورمت روسيا الى اختبار قدراتها العسكرية واستعراضها.

كان تدخل أميركا في العراق كارثياً، ونجم عن انسحابها بروز «داعش». وفي أفغانستان، كان التدخل الأميركي أنجح. فعدد القوات الأميركية المرابطة هناك كان وازناً وساهم في الاستقرار. وفي سورية، لم تنسحب روسيا من القاعدة العسكرية البحرية (في طرطوس)، وعززت قدراتها، وقلّصت العتاد في القاعدة الجوية الجديدة (في اللاذقية). ومع الوقت، نرى ما ستؤول إليه الأمور.

ولا شك في أن كييف تمر في أزمة سياسية عميقة. لذا، تتعثر في التزام اتفاقات مينسك. وإذا لم تف التزاماتها - وهذا ما يرجح - اضطرت موسكو الى دحض المزاعم بأنها المسؤولة عن العرقلة. ويرى الغرب أن روسيا تعرقل دوران عجلة اتفاقات مينسك، على رغم أن الديبلوماسيين الغربيين يوجهون سهام النقد الى كييف وراء الأبواب الموصدة، لكنهم في العلن يعفونها من المسؤولية. ولا يصبّ تحول أزمة الدونباس الى نزاع مجمد في مصلحة روسيا. وتعصى إدارة مثل هذا النزاع في منطقة مترامية الأطراف من غير التعاون بين أوكرانيا وروسيا التي تعود إليها الكلمة الفصل في أعمال الانفصاليين، وهي تسيطر عليهم، في وقت يبدو أن خطوات كييف غير متوقعة. وإذا لم يرغب الأوكرانيون في تجميد النزاع، لن يجمد.

وفي عام 2012، كان العالم أكثر استقراراً. وكانت روسيا واحدة من حلقات القوى الكبرى في العالم. لكن أحوال اليوم مختلفة. وتفاقم التوتر بين أوروبا وروسيا حول أوكرانيا منذ منتصف مطلع الألفية الثالثة. لكن الى 2013، تظاهر الاتحاد الأوروبي وروسيا بأن العلاقات بينهما على خير ما يرام، وإثر الأزمة الأوكرانية، برز التوتر بينهما. واستنفد نموذج العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وبدأ فصل جديد من العلاقات الدولية. ومكانة روسيا في النظام العالمي ملتبسة، وقبل 3 سنوات، كان ثمة إجماع على أنها جزء من أوروبا الكبرى. لكن اليوم، تبدّد الإجماع، وينظر إلى روسيا على أنها قوة يعتد بها، إثر الحملة العسكرية في سورية. فالقدرة على توسّل القوة، امتياز لا يستخف به.

ويرى الروس أن استخدام القوة يحول دون الاستخفاف ببلدهم. وهذه رؤيتهم التقليدية للقوة «الصلبة». وبوتين هو مرآة الثقافة الروسية ونتاجها. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، دار النقاش الروسي على مسألة: ترجيح كفة القوة أم كفة القوة الناعمة؟ ولطالما انتقد الغرب افتقار روسيا الى مثل هذه القوة، وهي تعوّض عن نقصها باللجوء الى القوة. وثمة فائدة ترتجى من هذا النهج.

والنموذج الاقتصادي الروسي ضعيف، في وقت تقدم موسكو نفسها على أنها قوة وازنة. فروسيا تحث الخطى لبسط نفوذها السياسي والعسكري والجغرافي، لكن سياستها الاقتصادية مصابة بالشلل. وهذا فشل رهيب. وثمة تناقض في الجمع بين اقتصاد مصاب بالشلل والقوة الجغرافية السياسية. ويبدو أن عجلة الاقتصاد متوقّفة، سواء كان الحل الاقتصادي ليبرالياً أو مناوئاً لليبرالية. وهذا أمر غريب، ويشير الى مشكلات كبيرة في إدارة البلاد. وغياب السياسة الاقتصادية ترتب على النظام الاجتماعي - الاقتصادي الذي برز (بعد الحرب الباردة). وتوتر علاقات روسيا بألمانيا يعود، في شطر منه، الى مواقف موسكو، والى تخبّط برلين في مرحلة عسيرة على وقع أزمات. ومن أزمة اليورو الى أزمة أوكرانيا وصولاً الى أزمة اللاجئين، تؤدي ألمانيا دوراً راجحاً. لكنها لا تُقبل عليه وتتلكأ. ووجّهت برلين دفّة هذه الأزمات على أحسن وجه الى نهاية 2015، لكن الوضع اليوم أكثر تعقيداً. ويبدو أن تحريك عجلة نظام دار منذ نحو نصف قرن، متعذّر وعسير.

وليست استدارة روسيا الى الشرق مناوئة للغرب أو بديلاً من العلاقات معه. وهذه السياسة (الاستدارة) لن يكتب لها النجاح إذا لم ترسخ بما يقتضي التأنّي في إرساء علاقات وطيدة (مع الصين). والاستدارة مردها الى سعي روسيا الى الموازنة بين أجزائها الداخلية: فثلاثة أرباع أراضيها في آسيا وثلاثة أرباع سكانها يعيشون في الجزء الأوروبي منها. ومنذ نهاية الحرب الباردة، كان شاغلها الجزء الغربي منها. لكن الأمور لن تبقى على حالها، ويجب أن تتغير. والانعطاف الى الشرق هو سيرورة «طبيعية». فآسيا محورية في القرن الواحد والعشرين.

وتوسيع الناتو خلّف آثاراً سلبية في روسيا. ولكن، لم يكن ثمة مفر من التوسع هذا. فحين تنحسر قوة ما، تتربع محلها قوة أخرى: والدائرة الجيو - سياسية تلفظ الفراغ وتخشاه. الاتحاد السوفياتي خسر الحرب الباردة، وترتب على ذلك تقدُّم الـ «ناتو»، حيث أفل (الاتحاد السوفياتي). وأول موجة توسع «أطلسي» برزت في شباط (فبراير) 1999، في بولندا وتشيخيا وهنغاريا. وفي آذار (مارس) 1999، شن الـ «ناتو» حملته العسكرية الأولى ضد دولة ذات سيادة، هي يوغوسلافيا. ومذذاك، لم يعد حلف شمال الأطلسي قوة حماية شاغلها الديموقراطية والازدهار، وصار حلفاً يتدخل عسكرياً في الجوار الروسي.

بوتين لم ينسَ هذا التغير في دور الـ «ناتو». وفي أول مقالة نشرها في 30 كانون الأول (ديسمبر) 1999، بعنوان «روسيا على مشارف الألفية (الثالثة)»، عشية تعيينه رئيساً موقتاً، كتب: «للمرة الأولى في تاريخها، تواجه روسيا خطر التقهقر الى المرتبة الثانية أو الثالثة في سلم قوى السياسة الخارجية. ويجب وقف الانزلاق». وهذا ما فعله بوتين. وفي هذا المقال، يدور كلامه على الاقتصاد. فيومها كانت حال الاقتصاد بالغة السوء. ثم انشغل بالشؤون العسكرية والجغرافيا السياسية. لكن شاغله الهوسي مذذاك هو إحياء العظمة الروسية. نقلا عن الحياة

* رئيس تحرير مجلة «راشا ان غلوبل أفـــيرز»، رئيـــس المجلس الروسي للــشؤون الخارجية والدفاعية، عن «لوموند» الفرنسية، 3-4/4/2016، إعداد منال نحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟