المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

التنمية المستدامة فى ضوء منهج السياسات البديلة

الخميس 14/أبريل/2016 - 11:48 ص

الرؤية الاستراتيجية التى أعلنها الرئيس «السيسى» فى وثيقة «التنمية المستدامة مصر 20-30» تعد حدثا بالغ الأهمية ينبغى أن نقف أمامه طويلاً.

وذلك لأنه سبق لنا فى عديد الكتب والمقالات بل وفى لقاءات مباشرة مع كل من الرئيس السابق «مبارك» والرئيس المعزول «محمد مرسى» أن أكدنا أن أكبر المخاطر التى تحيط بمسيرة مصر صوب التقدم هو غياب الرؤية الاستراتيجية.

والرؤية الاستراتيجية حسب التعريف العلمى- هى سياسات بلد ما فى مجال السياسة الخارجية والداخلية فى الاعوام العشرين المقبلة.

وللتدليل على أهمية صياغة هذه الرؤية الاستراتيجية ذكرنا أكثر من مرة أن كل بلاد العالم الكبرى له رؤية استراتيجية منشورة.

ونظراً للأهمية القصوى للموضوع خصصنا القسم الثالث من كتابنا المرجعى الأساسى عن الثورة والذى نشره «المركز العربى للبحوث عام 2013» بعنوان «25 يناير: الشعب على منصة التاريخ» لموضوع واحد هو «الرؤى الاستراتيجية» ذكرت فيه مطالباتى لرئاسة الجمهورية فى عهد «مبارك» و«محمد مرسى» بضرورة صياغة رؤية استراتيجية لمصر، وإنشاء ما أطلقت عليه «المجلس الأعلى للتخطيط الاستراتيجى». ولكى أعطى الموضوع أبعاده الحقيقية ركزت على مشروعين أساسيين لصياغة رؤية استراتيجية مصر، الأول أشرف على وضعه المرحوم الدكتور «محمد منصور» أستاذ علم السياسة والذى كان مديرا لمركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز دعم القرار بمجلس الوزراء والذى صدر فى تقرير عام بعنوان «مصر 20-30»، والثانى هو الجهد الرائد الذى أشرف عليه أستاذ التخطيط العمرانى ووزير الإسكان الأسبق الدكتور »فتحى البرادعى« والذى صدر فى أربعة مجلدات كاملة.

ولم أكتف بذلك ولكننى أجريت مسحا شاملاً لرؤى استراتيجية مصرية رائدة من أهمها «رؤية مستقبلية لمصر فى عام 2012» للدكتورة «هبة حندوسة» والدكتورة «هناء خير الدين»، والرؤية الاستراتيجية الثانية والتى تعد قفزة نوعية فى الاستشراف المستقبلى هى «تقرير التنمية البشرية فى مصر عام 2005» وله عنوان دال هو «اختيار مستقبلنا: نحو عقد اجتماعى جديد»، وكانت المحررة الرئيسية للتقرير هى الدكتورة «هبة حندوسة».

أما الرؤية الاستراتيجية الثالثة فهى «مشروع مصر 20-30» الذى قام به منتدى العالم الثالث وأشرف عليه أستاذنا الراحل الدكتور «إسماعيل صبرى عبد الله» وكان الباحث الرئيسى له هو الدكتور «إبراهيم العيسوى» الأستاذ بمعهد التخطيط القومى وهو الذى قام بالجهد الأكبر فى تخطيط وتنفيذ المشروع، وهذه الرؤي تتضمن سيناريوهات متعددة بالغة الأهمية.

ومن الجدير بالإشارة أن الدكتور «إبراهيم العيسوى» نشر مؤخرا كتابا بالغ الأهمية عن العدالة الاجتماعية، هو أهم ما كتب عن الموضوع باللغة العربية على الإطلاق.

خلاصة رأينا أن موضوع الرؤية الاستراتيجية بالغ الأهمية، وذهبنا فى عرض الموضوع إلى أهمية أن تصوغ هذه الرؤية مجموعة من أكبر الخبراء على أن تعرض الوثيقة النهائية على حوار مجتمعى واسع المدى يشارك فيه الخبراء والمثقفون وممثلو النقابات المهنية والنقابات العمالية، ومراكز الأبحاث الجامعية وفئات المثقفين المختلفة.

وهذه المشاركة ينبغى أن تقوم على أساس القراءة النقدية للوثيقة. وهنا نصل إلى جوهر موضوع مقالنا. فهذه القراءة النقدية ينبغى ألا تكتفى بما أطلقناه عليه من قبل فى كتابنا «مصر بين الأزمة والنهضة» (دار نهضة مصر 2012) «النقد الاجتماعى المسئول» ولكن أهم من ذلك كله تقديم سياسات بديلة تصحح سلبيات الرؤى المطروحة وتعظم إيجابيات قيم أساسية لابد للرؤية الاستراتيجية أن تقوم على أساسها أهمها على الإطلاق التأليف الخلاق بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية مصداقاً لمقولاتنا أنه «لا حرية سياسية بغير عدالة اجتماعية» و«لا عدالة اجتماعية بغير حرية سياسية».

غير أنه أهم من ذلك كله أن منهج السياسات البديلة يقوم أساسا على فكرة مبدئية مبناها أن التنمية بالرغم من بساطة الكلمة- ميدان شاسع الأرجاء فيه أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وهذه الأبعاد لا تخضع فى اتجاهاتها إلى مرجعية واحدة تمتلك الحقيقة المطلقة كما كان أنصار «الشيوعية الكاملة» يزعمون، وكما فعل أنصار «الرأسمالية المتوحشة»!

وقد أدى «دهاء التاريخ» إلى أن يسقط منهج الشيوعية الكاملة حين انهار الاتحاد السوفيتى نحو عام 1989، ومن ناحية أخرى حين انهار النموذج الرأسمالى الجامح والذى كان صورة متوحشة من صور الرأسمالية الفجة عام 2008 حين انفجرت الأزمة المالية الكبرى فى الولايات المتحدة الأمريكية. وهى فى الحقيقة كانت أزمة اقتصادية وليست مجرد أزمة مالية، لأنها انطوت على السقوط النهائى للنموذج التقليدى الرأسمالى والذى كان يحرم تحريما قاطعا تدخل الدولة فى الاقتصاد. والدليل أن الرئيس «أوباما» ضخ من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين -حوالى 600 تريليون دولار لإنقاذ الشركات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى التى أشهرت إفلاسها.

وأصبح هناك اعتراف عالمى بأن تدخل الدولة فى الاقتصاد أصبح أمرا حتميا وإن اختلف علماء الاقتصاد الرأسماليون حول مدى تدخل الدولة.

ومن هنا يمكن القول أنه وفقا لمبادئ ما بعد الحداثة- سقطت الأنساق الفكرية المغلقة كالإيديولوجيات المغلقة التى كانت تدعى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة كالشيوعية والرأسمالية، وأصبحنا أمام ضرورة صياغة أنساق فكرية مفتوحة نحاول فيها التأليف الخلاق بين متغيرات كان يظن من قبل أنه يصعب التوفيق بينها مثل الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.

ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لمنهج السياسات البديلة، وذلك لأن القراءة النقدية لخطة الدولة التنموية وهى التى تقوم بالتخطيط لمشاريع التنمية وتنفيذها أيضا مع عدم استبعاد القطاع الخاص ولكن بشرط أن يعمل تحت إشرافها ورقابتها بالغة الأهمية. لأن رؤية الدولة التنموية التى أعلنها الرئيس «السيسى» عن مصر 20-30 قد تحمل تحيزات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية لواضعيها من الخبراء تعكس قناعاتهم الشخصية، بالرغم من كونها قد لا تعبر عن المطالب الحقيقية للناس، أو لا تحقق إشباع حاجاتهم الأساسية.

من هنا أهمية القراءة النقدية التى لابد أن يتبعها تقديم سياسات بديلة تسد النقص فى الوثيقة الأصلية، أو تصحح من انحراف توجهاتها، أو تعمق من أن يكون المعيار الأساسى لتقييم مشروعات التنمية أن تشبع حاجات الجماهير العريضة وألا تقف بغباء عند مؤشر ارتفاع معدل الدخل القومى باعتباره مؤشرا موضوعيا يكشف عن تحسن أحوال الجماهير مع أنهم فى ظل رؤى تنموية معينة- كما حدث فى عهد «مبارك»- أن زاد الأغنياء ثراء وزاد الفقراء فقراً!

 

ليس هناك سوى منهج السياسات البديلة!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟