المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

من التجارب المصرية الناجحة

الأحد 17/أبريل/2016 - 12:06 م

فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد فى الوقت الراهن، لا مانع من إعادة فتح الصفحات القديمة التى مر بها المصريون للتعرف على تلك التجارب المصرية الخالصة التى لجأ إليها الأوائل من الذين أسهموا فى وضع أسس، الدولة المصرية الحديثة، عندما كانت البلاد تمر بأوقات الأزمات فى زمانهم. ربما نستفيد لنفيد. وربما لا نحاول تكرارها فحسب وإنما نطورها أو نضيف لها تجارب أخرى أو نبتكر العشرات المشابهة لها كما فعل هؤلاء الأقدمون.وأظن الابتكار واجب مادامت الظروف العامة قد تغيرت عما كانت عليه فى أثناء تجاربهم الأولي.

نعرف جميعا بمبادرات الاقتصادى المصرى العظيم طلعت حرب لتأسيس الرأسمالية الصناعية المصرية التى أراد بها بناء اقتصاد مصرى مستقل فى مواجهة الرأسمالية الأجنبية التى كانت تحكم مفاصل الاقتصاد المصرى بدءا من جانبه الزراعى مرورا بالصناعى منتهيا بالتجارى ومعتمدة على السلاح العسكرى للاستعمار.

والذى يهمنا فى هذا الحديث اليوم هو تلك الحلقة النضالية التى تسرب منها طلعت حرب إلى السوق المصرية وإلى جموع المصريين ليأخذهم لصف مشروعه رغم أنف الرأسمالية التجارية سواء الأجنبية أو المصرية وتحديدا الحضرية. تهمنا تلك الحلقة النضالية التى تسرب منها طلعت حرب لسكان الحضر المصرى ثم سكان الريف فخطف الاغلبية الشعبية من وكر الرأسمالية التجارية.

والذى قد لا يعرفه أبناء وبنات الأجيال الحديثة أن، حتى أيام طلعت حرب، كان الريفيون فى الدلتا والصعيد وربما جموع سكان الحضر من المصريين غير الاغنياء يشترون السلع التى يحتاجونها تبعا لنظامين. كان الاول نظام «الدلالة» وهو نظام البيع بالتقسيط الذى يتم بمرور البائع أو البائعة على البيوت لبيع السلع بالتقسيط. وكان الاثنان، البائع والمشتري، يلتزمان بالاتفاق. وربما يكون هذا النظام يمارس فى القرى المصرية إلى الأن وخاصة فى القرى وفى صفوف فقراء الريف الذين لا يستطيعون الانتقال إلى الحضر.وتقوم به النساء «الدلالات» اللاتى يتخذن من هذه الحرفة مصدرا للارتزاق والعيش. أما النظام الثانى فكان من عادات وطقوس العمد وكبار ملاك الأرض. بعد كل حصاد كانوا يتجهون إلى محال صيدناوى حيث كان فى ميدان الخازندار أو فى شارع عبد العزيز ويشترون كل احتياجات أسرهم ليعودوا بعد ذلك إلى مديرياتهم وقراهم.

وعندما خرج الإنتاج المصرى من المنسوجات والوبريات من مصانع بنك مصر وشركاته لم يكن بالإنتاج الفاخر الذى تعرفنا عليه فى ستينات وسبعينيات القرن الماضى عندما كانت مصانع الغزل والنسيج والصباغة قطاعا عاما تقف كالقلاع الصناعية التى تجد منتجاتها مساحة معقولة فى متاجر العديد من العواصم الاوروبية.فى البداية كانت المنتجات الخارجة من مصانع طلعت حرب متواضعة فى تنوعها وفى جودتها. ولكنها كانت أفضل كثيرا من تلك المنتجات التى تنتج فى الورش الصغيرة والتى كانت توجه فى الأساس إلى أكثر الكتل الشعبية احتياجا لها. سلع كالملايات والمناديل المحلاوى والدموروالبفتةوالباطستة من الدرجة الثانية. كان إنتاج طلعت حرب أكثر تنوعا وفائق الجودة بالمقارنة بما تنتجه تلك الورش الصغيرة ولكنه لم يكن يرقى إلى مستوى ما يستورده التجار الأجانب وأقرانهم من المصريين من أقمشة حريرية وقطنية وصوفية. واعتمد الاقتصادى المصرى الكبير على عامل الزمن وعلى الخبرة الصناعية التى ستكتسبها مصانعه وصناعه من المصريين.

وبالفعل تحسنت المنتجات ولكنها لم تستطع المنافسة. بعد فترة كسرت حلقة المنافسة بعوامل ثلاثة، كان الاول هو الإجراء الذى اتخذه إسماعيل صدقى لزيادة الجمارك على السلع المستوردة مما فرض جانبا من الحماية على السلع المصرية الصنع. والثانى هو قيام الحرب العالمية الثانية وتوقف التجارة العالمية مما أدى إلى الاعتماد على منتج الصناعة المصرية وخاصة ما يمثل الاحتياجات المعيشية الاساسية. ثم العامل الثالث وهو الأهم فى حديثنا اليوم، وهو تأسيس المشروع التجارى لطلعت حرب وكان افتتاح فروع شركة بيع المصنوعات المصرية وانتشارها فى كل مديريات مصر.

كان تأسيس هذه الشركة بفروعها هو الاختراق الذى أحدثه طلعت حرب فى صفوف الرأسمالية التجارية الأجنبية والمصرية لكسر احتكارهما للنشاط التجارى للمنسوجات. كانت سياسة هؤلاء التجار الكبار بكل أسمائهم اللامعة فى السوق المصرية ترفض بيع المنتجات النسيجية التى تنتجها مصانع بنك مصر وشركاته فى محلاتهم التجارية. بل وفرض هؤلاء التجار حصارا داخليا عليها بحيث تباع فى حدود ضيقة. فلما اتجه الاقتصادى المصرى الكبير إلى عواصم المديريات ومراكزها وفتح فروعا لشركة بيع المصنوعات المصرية اخترق السوق القومية وذهب إلى حيث المستهلك الطبيعى لكل المنتجات الشعبية التى يحتاجها المواطنون من دمور وبفتة وباطستة وكستور، وقد استمرت شركة بيع المصنوعات هى المنفذ التجارى الأقرب إلى المستهلك المصرى على طول البلاد، وعرضها بحيث كان هذا المستهلك لا يعرف غيرها من المحال لأنها كانت توفر له كل احتياجاته من أقمشة وأدوات منزلية مصنعة أساسا فى مصر وبأيد مصرية خالصة سواء كانت من صنع وحدات طلعت حرب أو من غيره من المستثمرين المصريين الكبار أو المتوسطين. كانت هذه الفروع تحمل السلع حيث يتواجد المستهلك أو للمكان الأقرب منه.

وامتد هذا الاستمرار والانتشار إلى ما بعد تأميم بنك مصر وشركاته مع بداية حركة التأميمات الكبرى فى الستينيات. منذ هذا التاريخ عرفت السوق المصرية امتدادات للقطاع التجارى الكبير والذى يطرح المنتجات المصرية بكل انواعها. فعرف المستهلك، وخاصة المستهلك فى الدلتا وفى الصعيد، منافذ تجارية أخرى بجانب شركة بيع المصنوعات المصرية. ولم تعد تلك الفترة تشاهد امتناع أى من منافذ القطاع التجارى لطرح المنتجات المصرية فى منافذها. خاصة وقد تطورت الصناعات القطنية المصرية لتصبح خلال عقد زمنى واحد صناعة متكاملة تبدأ بحلج القطن لتنتهى بالملابس الجاهزة مرورا بالغزل والنسيج والصباغة، وكان لامتداد تلك الوحدات إلى الريف المصرى بدءا من عواصمه إلى مراكزه تأثيره الايجابى ليس فقط على انتاجية شركات بنك مصر، وإنما على محيطه الاجتماعى بنفس الدرجة، أبسط هذه التأثيرات أنه وفر فرص عمل لم تكن متوافرة وخاصة للمرأة الدلتاوية والصعيدية. كما أنه ربط السوق القومية بعضها ببعض وباتت البضائع التى تصنعها المصانع المصرية سواء كانت قطاعا عاما أو خاصا تجد طريقها إلى كل المساحة السكانية المصرية بنفس السعر وبنفس الجودة، وربما كنا الآن نمر بظروف مشابهة للتى مر بها إنتاج شركات بنك مصر عندما نقارن بين السلع المنزلية المستوردة التى تطرح فى المحال التجارية وعلى بعض الارصفة وبين تلك التى كانت تصنع قديما فى مصر وخاصة فى الوحدات الصغيرة والمتوسطة. لقد خنق الاستيراد العشوائى غير المراقب كل وحداتنا الصغيرة بدءا من تلك التى كانت تصنع الجوارب الرجالى إلى تلك التى كانت تصنع أدوات المطبخ كالحلل والادوات الزجاجية والبلاستيكية. لم نعد نجد سلعا مصرية. وفى نفس الوقت بدأنا نضع برنامجا بنكيا لإقراض الشباب لإعادة تنشيط الوحدات المتوسطة والصغيرة بهدف تشغيل الشباب وزيادة الانتاج المصري. فى هذه المرحلة لا يحتاج المقترضون إلى القروض فحسب وإنما يحتاجون إلى الحماية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟