فى إطار احتفالات تحرير سيناء وعودتها كاملة إلى السيادة المصرية، لابد أن نتذكر ونُذَكِّر بحتمية رعايتها وتنميتها وتحديثها،وتشهد احتفالات هذا العام ثلاث تطورات حاسمة.الأول: قيام الجيش بإنهاء نشاط الاهاربيين من تكفيريين وداعشيين ومتأسلمين فى سيناء وإعادة الأمن إلى شبه الجزيرة، والثاني: أن قناة السويس الجديدة، وتنمية محور القناة، وإعادة الحياة إلى ترعة السلام التى تنقل المياه من النيل عبر سرابيوم إلى عمق سيناء، تشكل خطوات أساسية نحو مفهوم التنمية المقصودة والمبتغاة، والتى تستجيب للتحديات الأمنية الداخلية والخارجية على السواء وتشكل فاتحة جادة نحو تحقيق حلم تنمية سيناء، والثالث: الربط الاستراتيجى بين خطط التنمية الشاملة لسيناء والأمن القومى المصري، من ثم لم يعد من الممكن التراجع عن وضع خطط التنمية على الأرض والتخطيط لنتائجها وتداعياتها المختلفة على المجتمع المصري.
وتعود قضية تنمية سيناء إلى بداية الثمانينيات من القرن العشرين حينما أصدرت الولايات المتحدة وثيقة حول التعاون الإقليمى فى الشرق الأوسط Regional Cooperation in the Middle East، تستهدف المبادرة بمشروعات تعاون تغطى المجالات الاقتصادية والعلمية، وتمتد إلى قضايا المياه والطاقة والنقل والاتصالات بين العرب وإسرائيل، ثم عقد مؤتمرات عدة بدءًا من مؤتمر القمة الاقتصادى بالدار البيضاء عام 1994، والتى تستهدف الدفع نحو التطبيع بين العرب وإسرائيل، وكانت سيناء وخليج العقبة من بين المناطق المثالية للترويج لهذه المشروعات، ونظرًا لعدم حماس كل من الحكومات والشعوب العربية لذلك، ونظرًا لعدم رغبة إسرائيل فى حل القضية الفلسطينية واستمرار احتلالها للأراضى العربية فى سوريا ولبنان لم تنجح مثل تلك المشروعات.
بيد أن الحكومة المصرية، إدراكًا منها للارتباط الوثيق بين تنمية سيناء والأمن القومى المصرى والعربي، بادرت بالبحث فى استراتيجية التنمية الاقتصادية لسيناء، فمن ناحية؛ فإن جميع مصادر تهديد الأمن القومى المصرى أتت من الحدود الشرقية لمصر ومرت عبر سيناء، ومن ناحية أخرى؛ فإن احتمالات التنمية الاقتصادية والسياحية فى سيناء غير محدودة، مما يؤكد أنها يمكن أن تصير مصدرًا رئيسيًا للناتج القومى الإجمالى لمصر.
وقد ركزت الدراسات على أن التوسع فى تلك المجالات يمكن أن يستوعب ما بين 5 إلى 10 ملايين من الشباب، سواء من خريجى المدارس الفنية أو الجامعات أو من المزارعين فى الدلتا والصعيد، ويمثل ذلك هدفًا لا يمكن التخلى عنه، وأكدت الدراسات على أن مصادر المياه تتنوع ما بين المياه الجوفية، وهى وفيرة، ومياه النيل التى تنقلها ترعة السلام، وهى تكفى لزراعة الفواكه والخضروات ذات الجودة العالية، والتى يمكن أن يتم تجهيزها وإعدادها للتصدير مباشرةً، أو للصناعات الغذائية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، هذا فضلاً عن التوسع فى المحاجر بقصد استخراج كل من الأحجار الكريمة والأنواع الراقية من الرخام والجرانيت، وصناعة السفن وأنواع المراكب الشراعية والحديثة، وربما يصل الأمر إلى الغواصات البحرية باستخدام المياه الوطنية المحيطة بسيناء، أما السياحة؛ فلم يقتصر النقاش على إنشاء المنتجعات السياحية والتوسع فيها،ولكنه امتد إلى الصور الحديثة للسياحة مثل سياحة المؤتمرات والسياحة الطبية/ الصحية، وسباقات السيارات/ رالى السيارات، وإنشاء فروع لمؤسسات الترفيه العالمية مثل ديزنى لاند، والطيران الشراعى الدولي، بالإضافة إلى التوسع فى إنشاء الجامعات والمعاهد العلمية ذات التخصصات الحديثة بقصد إقامة مراكز تميز Centers of Excellence تستقطب الطلاب والباحثين من مختلف مراكز البحث الدولية، بما يضيف إلى القوة الناعمة المصرية فى الشرق الأوسط والعالم، وكان المستهدف من وراء تلك المشروعات زيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائحًا فى العام ، وهو عدد يقترب من حجم السياح فى اسبانيا واليونان آنذاك.
وتقوم أسس التوطين والتنمية بهذه الصورة على فكرة الاستيطان المتكامل أى إقامة تجمعات بشرية كبيرة تضم مدارس ومراكز رعاية صحية وطرقًا ممهدة ومراكز أمنية وشرطية وبنوكا ومراكز تجارية وعددا من المصانع التى تخدم كل تجمع بحيث تصير ليس فقط مراكز جاذبة، ولكن أيضًا مناطق متكاملة ومجتمعات مكتفية ذاتيًا فى احتياجاتها واحتياجات أطفالها، هكذا، يتم خلق مجتمعات متماسكة قوية لها مصالح مشتركة دائمة بدلاً من الطبيعة القبلية التى تستند فقط على علاقة الدم أو القرابة، ولاشك أن ذلك يؤدى إلى تغيير أصيل فى البنيان الديموغرافى لشبه الجزيرة.
ونحن على يقين أن سيناء لا تزال أرضًا بكرًا لم يتم اكتشافها بعد، على الرغم من العديد من التصريحات والبيانات التى صدرت فى العقود الماضية حول تنميتها، إن اكتشاف سيناء من حيث الموارد الموجودة بها أو احتمالات التنمية لها ومساهمتها فى الناتج القومى الإجمالى لمصر بصورة فعالة لا يمكن أن يتم إلا بتضافر الجهود الشعبية مع الحكومة، من ثم؛ فقد يكون من المفيد طرح استراتيجية التنمية الشاملة لسيناء على المواطنين للمشاركة الفاعلة فيها وتحمل مسئولياتها والحصول على عوائدها، ونظرًا للأهمية الاستراتيجية لسيناء بأكملها من حيث إنها تشكل جوهر الأمن القومى المصرى وفاتحة حماية الأمن القومى العربي؛ فقد يكون من المهم أن تعطى الأولوية للاستثمار فيها للمصريين ثم للاستثمار المشترك بين المصريين والأشقاء العرب، فالاستثمار المعاصر يعتمد على الشراكة قبل الانفراد أو الأحادية خصوصًا فى المشروعات الكبرى متعددة الجوانب، وقد يكون من المهم إصدار قانون خاص للاستثمار فى سيناء تختلف فيه القواعد والتيسيرات والإعفاءات وتداول رأس المال والأرباح عن قانون الاستثمار المتعلق بالوادى والصعيد، لأن الاستثمار فى سيناء لا يخضع فقط للقواعد الاقتصادية والمالية التقليدية، ولكنه يرتبط حتمًا بالأمن القومى المصرى من حيث نوع المشروعات ونوعية العاملين وطبيعة التدريب والخبرات والمهن اللازمة لها. نقلا عن الأهرام