المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الإعلام الجهادي: كيف وظفت التنظيمات الجهادية وسائل الإعلام؟

الثلاثاء 26/أبريل/2016 - 11:18 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
رانيا مكرم
باتت وسائل الإعلام التقليدية والحديثة سلاحا فاعلا بامتياز في يد التنظيمات الجهادية حول العالم كما لم تكن في السابق، لا سيما بعد أن تحولت إلى إحدى أهم أدوات الجيل الرابع من الحروب، ومعارك السيطرة على العقول والقلوب، والتأثير في الرأي العام، والتي أبدت تنظيمات جهادية إجادةً في توظيفها لتحقيق أهدافها، لا سيما وأنها أظهرت إدراكا مبكرا لأهمية وسائل الإعلام في دعم ونشر مسيرتها الجهادية بين مريديها.
وقد مر ما يمكن تسميته بـ "الإعلام الجهادي" بعدة مراحل ابتداءً من "إعلام القاعدة" ذلك التنظيم الذي كانت له الريادة في توظيف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وصولا إلى "إعلام داعش" الذي مثل طفرة في توظيف واستخدام الجماعات الجهادية لوسائل الإعلام على  اختلافها، بل وامتلاك إستراتيجية إعلامية متكاملة. بشكل فرض واقعا جديدا للإعلام الجهادي، وفتح مساحات لبحث فاعلية هذا الإعلام ومجال وحدود تأثيره.
وعلى الرغم من حداثة مصطلح الإعلام الجهادي، وارتباطه بشكل أو بآخر بظهور تنظيم القاعدة، وتوظيفها لوسائل الإعلام التقليدي والحديث، فإن ثمة اتجاها يشير إلى أن "الإعلام الجهادي" قد ظهر بشكل مختلف عن الموجود على  الساحة الآن من خلال جماعات غير مسلحة استخدمت الإعلام في نشر أفكارها وحشد مؤيدين لها، يبرز منها إقليميا جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتمدت منذ بدايتها على  إصدار صحف ومجلات ورقية كان أولها صحيفة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية التي صدرت عام 1933، وكذلك التيار الديني بقيادة الإمام الخميني في إيران أثناء الثورة الإسلامية، الذي استخدم الأحاديث المسجلة من منفاه على  شرائط الكاسيت كوسيلة للحشد الجماهيري، حيث كانت تلقَى هذه الأحاديث على الحشود في ساحة "أزادي".

حرصت جماعات الفكر الجهادي النشطة عملياتيا على امتلاك أدوات وآليات اتصال مع جمهورها ومريديها، والعمل على التواصل بغرض الحشد مع المتعاطفين أو المذبذبين
أولا: مراحل التطور
منذ بداية ظهور جماعات الفكر الجهادي النشطة عملياتيا، حرصت هذه الجماعات بدورها على امتلاك أدوات وآليات اتصال مع جمهورها ومريدها، والعمل على التواصل بغرض الحشد مع المتعاطفين أو المذبذبين من جمهور الرأي العام، وقد مر الإعلام الجهادي بأكثر من مرحلة تطور أهمها:
- منابر المساجد والدروس الدينية: حيث اقتصرت آليات التواصل بين الجماعات ذات الأفكار الجهادية مع جمهورها من خلال الدروس الدينية في المساجد عقب الصلوات، وفي خطب الجمعة، وقد نشطت هذه الجماعات بشكل كبير من خلال هذه الأدوات البسيطة، مستغلة تأثير الحديث عن الدين على عقول المتلقيين لخطابها الديني المغلوط، لا سيما أن ظهورها قد تزامن مع حقبة من الفقر والعوز قد اجتاحت عدد من دول المنطقة، قبل ظهور الطفرة النفطية.
- المنشورات السرية: وذلك من خلال العمل على  إصدار صحف ومجلات محدودة الانتشار هي اقرب للمنشورات، توزع بحرص على  المتلقين، وكذلك من خلال انخراط أعضاء هذه الجماعات والمحسوبين عليها في أنشطة اجتماعية خدمية للمجتمع المحلي الذي تنشط فيه، بهدف حشد متعاطفين ومؤيدين قاعدين – أي لا يمارسون الجهاد المسلح، ولا ينتظر منهم الانخراط فيه- لها.
- ترشيد التوظيف الإعلامي: وقد كان أول ظهور لإستراتيجية إعلامية ذات ملامح واضحة لتنظيم أو جماعة جهادية، خلال عام 1988، عندما اتخذ زعيم تنظيم القاعدة قرار إنشاء "إدارة إعلام القاعدة"، التي أطلق عليها فيما بعد اسم "الجناح الإعلامي" للتنظيم، والتي عنيت في هذا الوقت بإصدار البيانات الصادرة عن قيادات التنظيم، وتعميمها على  مختلف معسكراتها.
- الاستعانة بشبكة الإنترنت: كان سبق الظهور الأول لجماعة جهادية على شبكة الإنترنت من نصيب تنظيم القاعدة، من خلال منتديات جهادية كبرى أنشأتها قيادات التنظيم، كوسيلة لنشر أفكار التنظيم في الفضاء الإلكتروني، والتغلب على التضييق الذي بات يعانيه التنظيم على  الأرض، كما أنشأ التنظيم مؤسسة "الأندلس للإنتاج الإعلامي" عام 2009، ثم مؤسسة "السحاب للإنتاج الإعلامي" وشركة "الكتائب".
- الاتجاه إلى الإعلام المرئي: وذلك من خلال توزيع مقاطع الفيديو لقادة تنظيم القاعدة على  القنوات الإخبارية حول العالم، مثل قنوات "abc" و"nbc" الأمريكية و"الجزيرة" القطرية. فيما مثل بث مقاطع فيديو لأحداث 11 سبتمبر أعدها التنظيم، منعطفا مهما في هذا الإطار، حيث توسع الأخير في تصوير عملياته وبثها على  قناته الخاصة على  شبكة الإنترنت "فجر".
- الجهاد بدون قائد: وهو مفهوم حديث أسهم في انتشار القيادي في تنظيم القاعدة "أبو مصعب السوري" الذي اقترح الجهاد المنفرد عبر الإنترنت دون قيادة، من خلال مؤلف له نشر على  الانترنت بعنوان "الإستراتيجية اللا مركزية للجماعات الجهادية" لتلافي أثر انهيار التنظيمات بمقتل قياداتها، فيما مثلت شبكات التواصل الاجتماعي منطلقا مناسبا لهذه الفكرة، لاسيما مع ظهور العديد من الحسابات والصفحات التي تعبر عن الجماعات الجهادية تحمل العديد من أسمائها.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن؛ ثمة مسارين أساسيين لا بد من فهمها للوقوف على  مدى قدرة أي تنظيم جهادي على الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام المختلفة؛ الأول: يأتي من منطلق رؤية كمّية لاستخدام التنظيم للإعلام، فعلي سبيل المثال، يلاحظ أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قد وظف سبعه أذرع إعلامية لبث رسالته حول العالم، تتنوع بين القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ومكاتب الاتصال على الأرض، والثاني، يتمثل في ارتباط الوسيلة بالنص المستخدم والهدف المرجو بلوغه، حيث يلاحظ استعانة التنظيمات الجهادية كافة ببعض النصوص الدينية ونزعها من سياقها لتوظيفها في تبرير ما يمارسونه من عنف، الذي يهدف منه بث روح الرعب والرهبة في نفس المتلقي، تمهيدا للاستحواذ عليه إما إقناعا أو رضوخا.
وقد حددت دراسة نشرتها مؤسسة "أبحاث الدفاع النرويجية" عام 2006 تحت عنوان "Jihadism On The Web"  ثلاث فئات تستهدفهم التيارات الجهادية من خلال مواقع الإنترنت الخاصة بها: أوله؛ ما يسمى وفقًا للدراسة بـ"المجاهدين القاعدين" المؤيدين والمتعاطفين مع الفكر الجهادي، ويكون غالبيتهم من الشباب وغالبًا ما يكون الهدف هو التواصل معهم واستمرار الحصول على دعمهم وولائهم. وثانيها؛ الرأي العام ويكون الهدف مع هذه الفئة التأكيُد على نفوذ التنظيمات الجهادية في المجتمع إما بغرض حشد التأييد أو التخويف من مواجهتها. وثالثه؛ جمهور الخصوم من أجهزة الدولة ومؤسساتها ومؤيديها بهدف إضعاف موقفها والتأثير على هيبتها وإظهارها بمظهر العاجز في مقابل قوتها.
كان سبق الظهور الأول لجماعة جهادية على شبكة الإنترنت من نصيب تنظيم القاعدة، من خلال منتديات جهادية كبرى أنشأتها قيادات التنظيم
ثانيا: نموذج توظيف تنظيم "داعش" لوسائل الإعلام
مثل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" طفرة جديدة من توظيف الجماعات الجهادية لوسائل الإعلام، نظرا لما أبداه من حرفية عالية في هذا التوظيف سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة، بهدف الحصول على  تأييد أوسع والنجاح في تجنيد عناصر جديدة لاسيما من فئة الشباب، وهي الفئة الأكثر استخداما لوسائل الإعلام الحديث على  اختلافها، والأكثر تأثرا بمحتواها.
فمن خلال ملاحظة المنتج الإعلامي النهائي الذي يخرج عن التنظيم، يمكن القول بأن الأخير قد رصد مبالغ ضخمة لتمويل بعض القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، والمواقع الإلكترونية، والمجلات بهدف ترويج فكر التنظيم في العالم من خلال 12 لغة. فيما كانت البداية هي إعلان التنظيم عن إصدار أول صحيفة رسمية للخلافة الإسلامية، أطلق عليها اسم "دابق Dabiq"، والتي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية، بهدف تبليغ رسالة الخلافة، وتوزيعها مجانا ضمن نطاق سيطرة التنظيم في كل من سوريا والعراق.
ويشير المخرج النهائي الذي جاءت به "دابق" إلى أن ثمة مهنية واضحة للقائمين على  اختيار تصميم المجلة، مما جعلها جاذبة للمتلقي، فيما سعى القائمون عليها على  التركيز على  أهداف التنظيم والتعريف بها، والتمهيد لفكرة الخلافة، وتجميل صورتها، في الوقت الذي اختفت فيه آثار الدمار التي ألحقها التنظيم بمناطق سيطرته ، وحل بدلا منها صورا للمقاتلين تظهر شجاعتهم في مواجهة النيران.
ويأتي هذا التطور النوعي في نشاط "داعش" الإعلامي المتمثل في إصدار "دابق"، وسط تطورات أخرى مثل الحديث عن إمكانية تغيير اسم التنظيم من "الدولة الإسلامية في الشام والعراق" إلى "الدولة الإسلامية"، والإعلان عن "خريطة الخلافة الإسلامية" و"جواز سفر داعش" و" وثيقة غير كافر" وظهور "أبو بكر البغدادي أمير التنظيم"، في الوقت الذي تشغل فيه تطورات "داعش" على الأرض مساحة واسعة من الإعلام العربي والعالمي، وتستحوذ على اهتمام الرأي العام، تحقيقا لما يسعى إليه التنظيم، الذي يعتمد على التأثير في الرأي العام من خلال حرب إعلامية يبث من خلالها الرعب في نفوس المواطنين، لحثهم على الاستسلام لحكمهم أو للنزوح بعيدا عنهم، من جانب، وحشد التأييد من أوساط المتعاطفين والمؤيدين لما يروجه التنظيم من أفكار، وما يعرضه من بطولات، وهو ما يلاحظ من خلال الفيديوهات التي يبثها التنظيم على  وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الصور التي تعرضها مجلة "دابق" والتي تظهر عناصر التنظيم أبطالا في مواجهة النيران لإعلاء كلمة اللـه والجهاد في سبيله.
وإلى جانب الإصدارات المطبوعة، وظف التنظيم الإعلام المرئي والمسموع لخدمه أهدافه الترويجية، فعمل على  إنشاء أذرع إعلامية له، منها: ستديو "أجناد" حيث يتم فيه تسجيل الأناشيد الدينية والجهادية، المصاحبة لمقاطع الفيديو المصورة لعمليات التنظيم. وقناة "الفرقان" وتم تأسيسها بدعم من تنظيم القاعدة. وقناة "الاعتصام" التي تختص ببث المعارك في سوريا والعراق من خلال عدد من المراسلين. وقناة "الحياة"، المتخصصة في إجراء الحوارات التليفزيونية مع قيادات التنظيم، وعمل مونتاج للفيديوهات التي تصور عمليات قتل المختطفين التي يقوم بها التنظيم. بالإضافة إلى قنوات موجهة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجح التنظيم في السيطرة على  بعض القنوات الفضائية في العراق وسوريا. إلى جانب إذاعة "البيان" التي يتم بثها في الموصل والأنبار في العراق، والرقة في سوريا وعلى شبكة الإنترنت.
وفي إطار استعانة التنظيم بوسائل الاتصال الحديث وشبكة الانترنت، يشير نشاط التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى امتلاك التنظيم لإستراتيجية تسويق إلكتروني على  درجة عالية من التنسيق والتخطيط، ووجود فريق عمل إعلام اجتماعي، ويمكن القول بأن استخدام "داعش" لمواقع التواصل الاجتماعي إنما يتم من خلال عدد من الآليات، أولها: الحساب الرسمي للتنظيم، الذي يبث من خلال التسجيلات الخاصة ببيانات التنظيم، وثانيها: حسابات المناطق التي يفرض سيطرته عليها، ويتم من خلالها بث فيديوهات حية ومسجلة للتطورات على  الأرض في هذه المناطق، وثالثها: الحسابات الخاصة بمقاتلي التنظيم، التي يهدف من خلالها هؤلاء نشر تجاربهم الشخصية في القتال بين صفوف التنظيم.
كما تطرح الكيفية التي يظهر بها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الفيديوهات الخاصة به وعبر حساباته على  "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب" العديد من التساؤلات حول إمكانات التنظيم الإعلامية ومستوي حرفية كوادره، نظرا لاهتمام التنظيم بتقنيات وزوايا التصوير وجودة الصورة، بشكل يدل على  وجود متخصصين في هذا المجال بين عناصره، وأن ثمة إستراتيجية إعلامية يسعي لتنفيذها القائمون على  التنظيم، لا سيما بعد إنشائه لمركز إعلامي أطلق عليه اسم "مركز الحياة الإعلامي"، وتشكيله لوزارة خاصة به في العراق، تولاها عضو التنظيم محمد العدناني، الذي تم استهدافه وقتله في محافظة الأنبار العراقية، بعد ذلك.
رصد داعش مبالغ ضخمة لتمويل بعض القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، والمواقع الإلكترونية، والمجلات بهدف ترويج فكر التنظيم في العالم من خلال 12 لغة
ثالثا: تجنيد النساء: تناقض الفكر والممارسة
بات لافتا للنظر تنامي ظاهرة تجنيد النساء وانضمامهن للجماعات الإرهابية وانخراطهن في العمل الدعوي والإعلامي لهذه الجماعات، إلى جانب قيامهن أيضا بأعمال خطرة واشتراكهن في القتال، وقد برز تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في هذا الإطار، من خلال تركيزه على  الترويج لفكرة أن المرأة جزء أساسي وفاعل في دولة الخلافة التي يدعو إليها التنظيم من خلال نشر صور وفيديوهات "للداعشيات" الجديدات وهن يمارسن فنون القتال كتدريب أو يقدن عمليات الخطف والاعتقال لنساء من خارج التنظيم.
تدعو هذه الظاهرة للتأمل لأكثر من سبب لعل أهم هذه الأسباب هو التناقض الذي يتعامل به التنظيم مع المرأة بشكل عام، فمن جانب يزدري التنظيم النساء ويمارس ضدهن أقسي أنواع التمييز والعنف، من سبي واغتصاب وقتل، ومن جانب آخر يسند إلى أعضاءه من النساء مهمة التجنيد والدعوة والترويج لأفكار التنظيم، فضلا عن الاشتراك في عمليات السبي والاعتقال، في الوقت الذي يثير فيه سلوك "الداعشيات" للحيرة أيضا من موقفهن حيال التنظيم وإقدامهن على  التطوع فيه من تلقاء أنفسهن، متأثرات بالخطاب الإعلامي الذي نجح في تجنيد الأوربيات كما العربيات.
من الجدير بالذكر أن ظاهرة اعتماد الجماعات الإرهابية في المنطقة على  النساء قد بدأ من خلال تنظيم القاعدة، التي أصدرت أول بيان إعلامي لها عن البدء في تجنيد النساء وقبول انضمامهن للتنظيم بشكل علني عام 2003، كما أنشأ التنظيم موقعا إلكترونيا لمجلة نسائية مطبوعة أطلق عليها "الخنساء"، في عام 2004، أشرفت على تحريرها عضوة في التنظيم تسمي "أم أسامة"، والتي اعتقلت على  يد السلطات السعودية لنشاطها في الذراع الإعلامية النسائية للتنظيم، وهي أول إصدار نسائي خالص، إذ اكتفى التنظيم لفترة طويلة بمخاطبة النساء عبر زاوية ثابتة في سواء عبر زاوية ثابتة في مجلة "صدى الملاحم" بعنوان "حفيدات أم عمارة"، ثم عمل على  إصدار مجلة ثانية وهي "الشامخة" عام 2011، وهي مجلة حاولت الجمع بين النقيضين، وهما سبل الانخراط في الجهاد، والحياة الطبيعية للمرأة في بيتها ومع شركاء حياتها. في حين بدء الإعلان عن توظيف المرأة في كتائب الجهاد الإلكتروني للتنظيم في عام 2008، كما أصدر التنظيم بيانا إعلاميا يدعو فيه النساء إلى الهجرة إلى اليمن لمشاركة مقاتلي التنظيم نشاطهم هناك عام 2010.
وقد استطاع تنظيم داعش البناء على  خبرات سابقيه في استخدام النساء كآلية للترويج لأفكار التنظيم وتجنيد أعضائه مستفيدا بالتقدم التكنولوجي الذي أتاح مزيدا من الفرص للاستفادة من وجود عناصر نسائية في التنظيم، فتزامن بروز اسم تنظيم "الدولة الإسلامية بالعراق والشام" مع إعلانه عن وجود عناصر نسائية في التنظيم لا سيما من الأجنبيات، حيث كشف تسجيل مصور للتنظيم حمل اسم "الإصدار الفاجعة" والذي بث خلال شهر يناير 2014، عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" عن حجم الحضور النسائي في صفوف التنظيم، وركز مقطع الفيديو على  وجود خمس مهاجرات من جنسيات ولهجات مختلفة، يتهمن الجيش الحر في سوريا باستهداف أسر مقاتلي "داعش" والاعتداء عليهن، وركز الفيديو على  التحاق بعض الفتيات بإخوانهن الذكور للقتال في سوريا، ومن بينهن الفتاة السعودية التي أثارت جدلا واسعا على  وسائل التواصل الاجتماعي "ندى معيض" التي لقبت نفسها "أخت جليبيب" الذي سبقها أخاها للقتال في تل رفعت بسوريا.
ومنذ ذلك الحين توالت مظاهر تركيز تنظيم "داعش" على  جهود نسائه سواء من خلال العمل الإلكتروني والإعلامي المقروء من خلال إصدارات التنظيم، والعملياتي على  الأرض أيضا واشتراكهن في أعمال العنف، التي وثقت بمقاطع الفيديو المصورة، والتي أظهرت في أكثر من فيديو وجود مقاتله أو أكثر من النساء في صفوف رجال التنظيم تشترك معهم في عمليات الذبح للرهائن، فضلا عن الصور التي تبدو فيها الداعشيات كمشرفات على  عمليات اختطاف واقتياد عدد من النساء لا سيما الأيزيديات في العراق.
وفي هذا السياق، أكد تقرير لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة بدار الإفتاء المصرية، أن تنظيم داعش يستغل النساء لتحقيق أهدافه حيث حول النساء إلى ميليشيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتدريبهن على العمل الإعلامي للعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء والشباب للتنظيم. موضحا أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد ساحة للحرب بالنسبة لهن، كما دشن التنظيم مؤسسات خاصة بالنساء أهمها مؤسسة "الزوراء"، لتعليم النساء وإعدادهن للمشاركة في القتال وحمل السلاح، وتعليمهن الإسعافات اللازمة في الحروب، وتدريبهن على العمل الإعلامي، المكتوب والمصور، بهدف استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء. فيما اعتبر التقرير أن كتيبة "الخنساء" هي النموذج الأبرز للدور العملياتي للمرأة داخل التنظيم، إذ تتولى المرأة الداعشية بنفسها عمليات الاعتقال والتعذيب التي تمارس ضد النساء اللاتي يخرجن عن قواعد التنظيم.
وقد عمل تنظيم "داعش" على  إسناد جزء مهم من وجوده على  الفضاء الإلكتروني إلى ما يمكن أن يطلق عليه "جيش من النساء" المنضمات إلى التنظيم، واللائي بدأ نشاطهن في الظهور تحت اسم "المناصرات" و"المهاجرات" على  مواقع "فيس بوك"، و"تويتر" وبدأت صورهن التعبيرية على  صفحاتهن الخاصة تتبدل بصور للدماء والرؤوس المعلقة، وعلم التنظيم، غير أن ملاحقة الحسابات المحسوبة على التنظيم والتابعة لأعضائه وإغلاقها قد دفعت إلى استخدام حسابات وهمية في محاولة اختراق الجروبات الاجتماعية والصفحات النسائية على الفيس بوك بهدف اختراق العقول وتغيير المفاهيم، لا سيما في أوساط الشباب البسيط والنساء سهلة الانقياد وراء الخطاب الديني المغلوط، وذلك من خلال التركيز على  الحديث عن مشكلات المجتمعات العربية، وما يعتبرونه تضييقا على  المتدينين مثل إغلاق بعض المساجد، ومنع الأذان، وتغيير المناهج الدينية أو إلغائها من المدارس.
ويشير الخبراء إلى أن التناقض الذي يبديه تنظيم داعش في التعامل مع المرأة في المناطق الخاضعة لسيطرته، غالبا ما لا تؤثر على  الفئة المستهدفة من الشباب من الجنسين وعلي وجه الخصوص من الفتيات اللاتي يتطوعن بالانضمام للتنظيم، رغم ممارسات الأخير مع النساء وفتواه بشأن السبي ونكاح الجهاد وغيرها من الفتاوى المثيرة للجدل، ولذلك لعدة أسباب، من بينها أن فئة المتطوعات عادة ما ينشأن في بيئة متشددة يغلب عليها الفكر التكفيري والمتشدد، وهو ما يتسق مع نمط تطوع الفتيات في المنطقة، حيث تسعى هذه الفتيات إلى اللحاق بأخيها أو زوجها أو أبيها، أو تكون ضحية المفاهيم المغلوطة وغسيل المخ عبر أجهزة إعلام التنظيم النشطة في الفضاء الإلكتروني، والتي نجحت في استقطاب العديد من الفتيات الأوربيات.
امتلاك التنظيم لإستراتيجية تسويق إلكتروني على درجة عالية من التنسيق والتخطيط، ووجود فريق عمل إعلام اجتماعي
رابعا: ملاحظات ختامية
من خلال العرض السابق يمكن إبداء بعض الملاحظات
- يمثل تنظيم "داعش" أحد أبرز ظواهر الجيل الرابع من الحروب، وان توظيفه لوسائل الإعلام الحديثة إنما هو امتداد للاستخدام الرقمي لتنظيم القاعدة، وأن الجيل الثالث من المهاجرين إلى أوربا وكذلك المتحولون دينيا هم الفئات الأكثر تأثرا بأفكار التنظيم، وأن نمط التجنيد الرئيسي لتنظيم "داعش" قد أصبح من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بدلا من الاتصال المباشر الذي ساد في السابق.
- أن الإعلام ليس أداه ثانوية لدي تنظيم "داعش"، بل إنه أداة رئيسية، ضمن البنية الاتصالية التي شكلها التنظيم، حيث يوظف الأخير الإعلام ضمن إستراتيجية متكاملة تتسم بالمركزية، ووفرة الأموال، فرص السيطرة على  المجال الاتصالي، حيث يقوم التنظيم بتسجيل أسماء الصحفيين العاملين على  الأراضي الخاضعة له، ويشترط لممارسة عملهم حصولهم على  تصاريح خاصة بذلك، ومن قبل التصاريح، إعلان هؤلاء الصحفيين البيعة لأمير التنظيم. وقد استطاع التنظيم استخدام كل وسائل الإعلام لخدمه وتحقيق أهدافه، حيث القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية والمجلات الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
- لابد من التأكيد على عاملين أساسيين يتوقف عليهما على  مدي قدرة التنظيم على  الاستخدام الأمثل للإعلام، الأول هو رؤية كمية لاستخدام التنظيم للإعلام، والتي يلاحظ منها أن الأخير قد وظف سبعة أذرع إعلامية لبث رسالته حول العالم، تتنوع بين القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ومكاتب الاتصال على الأرض، والثاني، هو ارتباط الوسيلة بالنص والهدف، حيث يلاحظ استعانة التنظيم ببعض النصوص الدينية ونزعها من سياقها لتوظيفها في تبرير ما يمارسونه من عنف، الذي يهدف منه بث الرعب والرهبة في نفس المتلقي.
- لا خلاف حول النجاحات التي حققها التنظيم على صعيد استخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، واستطاعته إخافة قطاع من المواطنين الذين سارعوا إما إلى النزوح والاستسلام لحكم التنظيم ومجاراته في العراق، وكذلك حشد بعض المؤيدين، وتثبيت العناصر المنتمية له، فضلا عن قدرته على  إثارة جدل واسع في الغرب، بعد نشر صور وفيديوهات لمجاهدين بريطانيين  أيديهم ملطخة بالدماء ويحملون رؤوس مقطوعة بفرحة، ورفعهم لشعارات مثل "لا تموت سوى مرة واحدة .. لماذا لا تجعلها شهادة؟".
- أن غياب تغطية إعلامية محايدة للأحداث التي تقع على الأرض جعلت من إعلام "داعش" المؤثر الوحيد على  المتلقي سواء مؤيد أو معارض لما يمارسه التنظيم، ووفق العديد من الخبراء فإن عدم وجود جهة محايدة تنقل الأحداث بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق التي تشهد صراعا بين التنظيم والجهات الرسمية، وكذلك عدم وجود مراسلين للتغطية، فضلا عن عدم تعاون الحكومة، قد سهل على التنظيم أن يكون هو مصدر المعلومة، وبالتالي غابت حقيقة رفض قطاع واسع من المواطنين للتنظيم، ووجود جهود فعلية لصد هجومه على  بعض المناطق ونجاحها في ذلك. ولذلك فإن تقدم التنظيم ونجاحه على صعيد القتال يظل مرهونا بقدرته على  الصعيد الإعلامي، الذي يثبت تقدمه فيه بشكل كبير.
- لا يسيطر التنظيم فقط على المشهد في المناطق الخاضعة لسيطرته عن طريق وسائل الإعلام الخاصة به، بل يسعي إلى تكميم الأفواه وضمان انفراده على  الساحة التي يسيطر عليها، حيث أشار تقريرا لمنظمة مراسلون بلا حدود جاء بعنوان "المعركة الإعلامية، الوجه الآخر لحرب الدولة الإسلامية" نشر على  موقع المنظمة في 24 أكتوبر 2014، إلى أن تنظيم داعش قد حدد 11 قاعدة تحكم عمل الصحفيين الراغبين في تغطية أنشطتها في محافظة دير الزور السورية، منها؛ مبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي والعمل تحت رقابة المكاتب الإعلامية التابعة للتنظيم، إلى جانب حظر تصوير المواقع أو الأحداث الأمنية.
وفي العراق عمل تنظيم الدولة الإسلامية على إصدار منشورات رسمية تحمل ختم التنظيم وتوزيعه على مقاتليه لحثهم على استهداف جميع الصحفيين الذين يقدمون على  الإساءة للتنظيم لصالح الحكومة العراقية بالقتل، ومصادرة معداتهم. في حين تشير بعض التقارير الصحفية الراصدة لتطورات الوضع في المدن المحاصرة من قبل التنظيم في العراق، إلى أن قادة التنظيم يكافئون المقاتلين على  خطف المراسلين والصحفيين الأجانب. وأن التنظيم قد لجأ لحيلة جديدة لاصطياد معارضيه في الداخل السوري والعراقي لا سيما في الرقة السورية ونينوي العراقية، عن طريق فتح حسابات وهمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، توهم المستخدمين بأنها موجهة ضد تنظيم "داعش" يتم من خلالها تحديد أماكن هؤلاء القبض عليهم بعد ذلك. وكذلك للكشف عن الصحفيين الأجانب الموجودين في سوريا، والذين يستخدمون "فيس بوك" للتواصل مع المدنيين.
- في ضوء ما يمثله الإعلام من سلاح أساسي لتنظيم "داعش" وليس مكملا أو ثانويا، فإن الهدف منه ليس فقط مجرد استجلاب المؤيدين، إذ أن وسائل اتصال التنظيم تتعدي استخدام الإعلام فقط بل امتدت لتأطير علاقات مع التنظيمات الجهادية الأخرى، وهو ما يشير إلى أن إستراتيجية "داعش" على  الأرض قد وضعت من قبل خبراء، كما هو الحال في تعامل التنظيم مع الإعلام.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟