المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ماجد كيالي
ماجد كيالي

المال السياسي وارتهانات الفصائل الفلسطينية

الثلاثاء 26/أبريل/2016 - 11:21 ص

عادت قضية المال السياسي إلى مركز النقاشات الفلسطينية من جديد، بعد الأخبار عن وقف مخصّصات الجبهتين الشعبية والديموقراطية من «الصندوق القومي الفلسطيني»، وفقاً لتعليمات الرئيس محمود عباس. بيد أن هذه النقاشات تجنّبت طرح الأسئلة الأساسية المتعلقة بهذا الموضوع، بحيث ركزت اهتمامها على حق الفصيلين في أخذ حصّتهما المالية بمعزل عن أي اعتبارات أخرى، وعلى لاشرعية هذا القرار، باعتباره مجرد قرار فردي يتوخّى الضغط لحسابات سياسية معيّنة.

في نقاش هذا الأمر، بديهي القول إن قرارات تعسّفية كهذه تأتي من قبيل المناكفة، إذ سرعان ما يتم التراجع عنها، أي أنها تأتي تهديداً عقابياً لإعادة تذكير الفصائل بضرورة ضبط أحوالها وخطاباتها، على إيقاع القيادة الفلسطينية، وهي هنا قيادة المنظمة والسلطة و «فتح».

ما يلفت الانتباه هذه المرة، أن حجم ردة الفعل المباشرة على هذا الموضوع كانت كبيرة، إذ وصل الأمر إلى حد إطلاق تصريحات من بعض قياديي الجبهة تكاد تقطع الروابط مع القيادة الفلسطينية، وإلى تسيير تظاهرة أحرقت صوراً للرئيس محمود عباس في غزة، فضلاً عن أن البيانات الصادرة عن الجبهتين رأت أن هذا الأجراء يضعف الفصائل في مقاومتها إسرائيل، ويقوض الوحدة الوطنية... إلخ. في المقابل، ومن دون التقليل من أهمية هذه الخطوة ولامشروعيتها، وفق المعادلات السياسية الحالية، ثمة قضايا أكبر وأخطر بكثير من قضية قطع المخصصات، وهي تستحق من الفصيلين، بل ومن مجمل الكيانات الفلسطينية، التوقف عندها ومناقشتها واتخاذ موقف حاسم في شأنها. في هذا الإطار مثلاً، يمكن الحديث عن تآكل شرعية الكيانات الفلسطينية، إذ إن آخر اجتماع للمجلس الوطني عقد قبل عقدين (1996)، أي أن ثمة كثيراً من التحولات والتطورات التي حصلت خلال هذه الفترة، وكثيراً من الخيارات التي لم تأخذ حقها من النقاش والمساءلة. أيضا ثمة المجلس التشريعي المغيّب منذ أكثر من عقد، والذي بات خارج الفترة القانونية المحددة له. فوق ذلك، نحن إزاء قضية على غاية كبيرة من الأهمية، تتعلق بالمخاوف الناجمة عن اختفاء مفهوم الشعب الفلسطيني، على خلفية تفكك مجتمعات الفلسطينيين، لا سيما مع ضعف كياناتهم السياسية وتهمش منظمتهم الجمعية (منظمة التحرير) بعد التحول إلى سلطة، فالمجتمعات الفلسطينية في الخارج تعيش الكارثة، في سورية ولبنان والعراق، ما قد يؤدي إلى تآكل مجتمعات اللاجئين، وتالياً ضياع أحد مصادر القوة والشرعية للفلسطينيين، واختزال الشعب الفلسطيني بفلسطينيي الضفة وغزة.

أما الجانب الذي يستحق النقاش هنا، فيتعلق بالمال السياسي، أو الاقتصاد السياسي للكيانات السياسية الفلسطينية، المفترض أنها حركة تحرر وطني. والقصد هنا أن هذه الحركة لم تتوقف في أي مناسبة عند مناقشة كيفية تدبّر أحوالها، وتأمين مواردها، إن من خلال تعزيز اعتمادها على ذاتها وعلى شعبها، أو من خلال تقليص نفقاتها، ومن ضمنه تقليص المظاهر التي لا تتناسب مع حركة تحرر وطني، وتقليص العدد الكبير من الموظفين العاملين في أجهزتها المتضخمة، والذي يفيض عن حاجتها، علماً أن هذا الأمر حدث منذ البدايات، وبخاصة منذ أوائل السبعينيات.

الملاحظ أن الفصائل اليسارية «الثورية» قلدت حركة «فتح» في كل شيء، وهي التي كانت تعتبرها فصيلاً يمينياً، وذلك بطرق الإنفاق أو حجم المتفرغين أو تشعب الأجهزة، وأيضاً باعتمادها على الدعم الخارجي بدل إيجاد شبكات دعم تعتمد على شعبها والمتعاطفين معها، فضلاً عن إيجاد مجالات للاستثمار لتنمية الموارد المتوافرة. والمعنى هنا أن هذه الفصائل رهنت نفسها لقيادة المنظمة، أو قيادة «فتح»، كما رهنت نفسها للأنظمة العربية، لا سيما المال الليبي، وبعده الإيراني، الأمر الذي كانت له ارتدادات سلبية على مواقف الفصائل وعلى استقلالية العمل الفلسطيني، وسلامة مساره، من دون إغفال التأثيرات السلبية على مستوى الديموقراطية والعلاقات الداخلية، سواء داخل كل فصيل أو بين الفصائل الفلسطينية.

والحال أن الاعتمادية العالية على الخارج، التي رهنت الكيانات السياسية الفلسطينية إلى هذه الدرجة أو تلك، أضعفت استقلاليتها، وأخضعتها لحسابات وتوظيفات سياسية مختلفة ومتضاربة، وأضرت بسلامة مسارها، كما أنها نمّت أشكالاً سلبية من علاقات الفصائل بمجتمعات الفلسطينيين، إذ إن هذه الاعتمادية «حررت» الفصائل من التزامها بعلاقات إيجابية مع شعبها، والتزامها بقضاياه وحقوقه، فضلاً عن أنها عززت طبقة القيادة المسيطرة في كل الفصائل على حساب الحراكات الداخلية والعلاقات الديموقراطية، التي هي علامة على حيوية الحركات السياسية.

على سبيل المثال، لنأخذ مصطلح «التفرّغ»، الذي بات الأكثر تداولاً وتعبيراً عن مضمونه، في تاريخ الحركة الوطنية للفلسطينيين، إذ أدى تفشي هذا الشكل في العمل الفلسطيني إلى غلبة قطاع المتفرغين، أصحاب المخصصات، على المناضلين الطوعيين، وتالياً إلى إضعاف البنى التنظيمية لصالح الأجهزة البيروقراطية والميلشيوية، وهذان بدورهما أديا إلى غلبة ثقافة الطواعية ومحاباة القيادة (ربّ العمل) بدل ثقافة النقد في التجربة السياسية الفلسطينية، وبالأخير فقد أدى كل ذلك إلى تفريغ هذه التجربة من طابعها التحرري أو الثوري، بحيث بات التحول من حركة تحرر إلى سلطة بمثابة تحصيل حاصل، وهذا أوصلنا أيضاً إلى فصائل باتت معنية أكثر من أي شيء آخر بتأمين موارد مالية منتظمة لموازناتها ورواتب متفرغيها، مع التقدير لكثير من المناضلين في هذه الفصائل، من الذين قدموا أهم سنوات عمرهم في سبيل الكفاح الوطني وحقوق شعبهم.

السؤال المطروح الآن هو: لماذا وقف مخصصات الجبهتين الشعبية والديموقراطية فقط، في حين يفترض وقف مخصصات كل الفصائل، ومن ضمنها «فتح» و «حماس»، ولا سيما تلك الجبهات التي ليس لها من الوجود سوى حصّتها أو الـ «كوتا» المالية الخاصة بها ومقعدها في هيئات منظمة التحرير؟ طبعاً نحن لا نقصد هنا قطع مخصصات أفراد رهنوا عمرهم في الكفاح الفلسطيني، إذ إن الأمر يستوجب إيجاد مخارج لهؤلاء تحررهم من التبعية لفصائلهم بسبب الرواتب، وإنما القصد هنا هو وقف موازنات الفصائل، لا سيما أن هذه تتدبر أمرها من هذه الدولة أو تلك، من دون أن تقدم كشف حساب لأحد، كما أن هذه الفصائل يفترض أن تشتغل على إيجاد موارد ذاتية لها من تبرعات منتسبيها والمتعاطفين معها.

أيضاً، وفي سياق الحديث عن المال السياسي، يلاحظ أن ثمة تناقضاً في التعامل مع هذه المسألة، ففي حين يأخذ بعض الفصائل على قيادة المنظمة والسلطة و «فتح» خضوعها للإملاءات السياسية الخارجية، بسبب ارتهانها للمساعدات من الدول المانحة ومحاولتها التعويض عن ضعف موقفها باستمداد بعض القوة من الدعم السياسي الخارجي، فإن هذا البعض يطالب هذه القيادة بتأمين حصصها المالية، أي انهم يريدون الغنم من دون الغرم، وهذا أمر لا يستقيم. والفكرة أن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية، وهي عندما تقدم دعماً مالياً أو سياسياً لحركة ما فهي تتوقع عوائد أو توظيفات سياسية معينة. هكذا، فإن أموال الدول المانحة (الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي والدول النفطية الخليجية) تأتي لأن قيادة المنظمة ذهبت نحو التسوية والسلطة، وتخلت عن مشروع التحرر الوطني، وليس من أجل مواصلة الكفاح المسلح، وهذا ما يدركه أي عاقل، وبحسب المثل: لا يمكنك أن تأكل الكعكة وأن تحتفظ بها في الوقت ذاته.

قصارى القول أنه لا تمكن معالجة مسألة الارتهان الخارجي من دون مراجعة الحركة الوطنية الفلسطينية أوضاعها، ومن دون تغييرات حقيقية في معناها ومبناها وأنماط عملها، وهذا يتطلب بداهة وقف اعتمادها المالي على الخارج، وتعزيز اعتمادها على شعبها، وتالياً وقف المخصصات للفصائل بدل المطالبة بها. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟