الأمر المؤكد أن قولنا سيكون قولاً منافياً للواقع وللحقيقة معاً إذا قلنا بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة العدو الصهيونى فاجأنا أو فاجأ المجتمع الدولى بأسره بما فيه من قوى دولية لها اعتبارها ومن أمم متحدة لها مكانتها بعقده جلسة تظاهرية لحكومته فى هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عدوان يونيو 1967، هى الأولى من نوعها، منذ حدوث ذلك الاحتلال البغيض.

وسيكون قولنا منافياً للواقع وللحقيقة إذا قلنا أن نيتانياهو فعل هذا فى غفلة منا نحن المصريين أو نحن العرب أو نحن العالم بأسره، لأننا إذا قلنا ذلك فإننا نختلق الوهم ونزعم أنه لديه اعتبار لرد فعل مصرى أو عربى أو حتى عالمي. فهو فعل ما فعل وقال ما قال فى وضح النهار. قاله بعد أن أخبر به وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى قبل يوم من إعلانه للعالم، وهو فعل ما فعل وهو يعد العدة للسفر إلى موسكو وللقاء الرئيس فلاديمير بوتين ليؤكد له رفضه لما ورد فى وثيقة المبعوث الدولى فى الأزمة السورية ستيفان دى ميستورا ذات الـ 12 بنداً وعلى الأخص ما ورد فى ختام البند الأول منها الذى يقول «... كما أنها (سوريا) بوصفها عضواً من الأعضاء المؤسسين فى الأمم المتحدة، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة وبمقاصده ومبادئه، ومازال الشعب السورى متلزماً بأن يستعيد مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية». وليؤكد رفضه أيضاً لما أشيع من وجود تفاهمات أمريكية روسية تمت أخيرا، وعبر عنها القرار الدولى رقم 2254 بشأن حل الأزمة السورية، ومن ثم وثيقة دى ميستورا. بل أن نيتانياهو زاد على ذلك بإعلانه أمام الرئيس الروسى فى لقائه معه (21/4/2016) أن «هضبة الجولان خط أحمر» وأنه «لا تنازل إسرائيلى عنها» وأن إسرائيل «ستبذل قصارى جهودها لمنع تبلور جبهة إرهاب إضافية ضدها فى هضبة الجولان».

ما فعله نيتانياهو بإعلانه هذه المواقف هو أقصى درجات التحدى ومخطئ جداً من يتصور أن الأمر يخص الجولان وحده، ولكنه، فى واقع الأمر، يخص كل شبر من الأرض، يعتقد الإسرائيليون أنه يهدد، أو قد يهدد الأمن الإسرائيلي، وكل شبر من الأرض تراه إسرائيل يخدم مصالحها، وعلى الأخص إذا كان هذا الشبر من الأرض يقع فى إحدى دول الطوق العربية الثلاث الكبرى التى يراها الفكر الإستراتيجى الإسرائيلى مرتكزات التهديد الوجودى للأمن الإسرائيلى وهى مصر وسوريا والعراق.

اسقطوا العراق فى مؤامرة كبرى لن يتجاوزها التاريخ أبداً. والآن يعتقد قادة هذا الكيان أن هذا هو وقت «جنى الثمار» بالنسبة لمن يعتبرونه «العدو السوري». فهم تعاونوا مع فصائل معارضة سورية منها ما هو سلفى جهادى إرهابى (جبهة النصرة)، ومنها ما هو «ليبرالي» حسب وصفه (الجيش الحر)، ويرون أن واجب إسرائيل أن تحصل على حصتها من المكاسب، وأن تسابق الجميع فى فرض الشروط.

نيتانياهو أوضح، بل أكد، فى اجتماع حكومته بالجولان عندما قال انه «حان الوقت لأن تعترف الأسرة الدولية أخيراً بأن «الجولان سيبقى فى السيادة الإسرائيلية إلى الأبد» وزاد: «لا أدرى إذا كانت ستتحقق تسوية فى سوريا تحافظ على مصالحنا فى ألا تكون قوات حزب الله وإيران وداعش فى سوريا أم لا»، وتبجح بالقول «لقد نشر مبعوث الأمم المتحدة فى سوريا مسودة تسوية، تقول المادة الأولى فيها أن تحكم سوريا الجولان، لمن سنعيده؟ لداعش أم لحزب الله أم لإيران؟ هذه سخافة. حان الوقت لأن تستوعب الأسرة الدولية الواقع. قصة الجولان انتهت. الجولان سيبقى كله فى أيدينا. لم تعد توجد مطالبة كهذه. يجب الاعتراف بأن كل سوريا هى جملة من الجيوب من الأقليات المضطهدة».

إشارة نيتانياهو إلى «الأقليات المضطهدة» أراد بها أن يؤكد أن سوريا لم تكن دولة فى يوم من الأيام، وأن ضم إسرائيل للجولان ليس اعتداء على سيادة أحد، لأن السيادة مرتبطة بوجود دولة، ولعل هذا ما يفسر تعمده إبلاغ جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى أثناء اجتماعه به أخيرا، بأنه «يشكك فى أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه من قبل»، ما يعنى أن الوقت أضحى وقت تقسيم سوريا وجنى الغنائم، وإسرائيل حريصة، بحكم الجوار، أن تكون أول من يجنى هذه الغنائم ويحصل على حصته من أراضى سوريا.

هذا المعنى الذى أكدته وتروج له اللجنة الوزارية التى سبق أن شكلها نيتانياهو برئاسة نائبة وزير الخارجية الإسرائيلى «تسيبى حوتوبلي» لشرعنة ضم إسرائيل للضفة الغربية، أى لصياغة الأسس الشرعية والقانونية لقرار ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، تحت مسمى «يهودا والسامرة» على أساس أنها «لم تكن واقعة تحت سيادة أى دولة عندما احتلتها إسرائيل عام 1967». وقد قامت تلك اللجنة بتعميم وترويج هذا الزيف عبر السفارات الإسرائيلية فى الخارج وبالذات السفارات الأوروبية للرد على قرار الدول الأوروبية مقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية المقامة بأراضى الضفة الغربية.

ما يقولونه بخصوص شرعنة ضم الضفة الغربية يقولونه الآن أيضاً بخصوص ضم الجولان، وما سبق أن أعلنوه سابقاً برفض أى انسحاب من «غور الأردن» بحجة الدفاع عن أمن إسرائيل، يقولونه الآن بخصوص الجولان أيضاً فالحدود بالنسبة لقادة إسرائيل «ليست مقدسة» عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل حسب قول المستشرق د. مردخاى كيدار الذى دافع عن إعلان نيتانياهو «أبدية سيطرة إسرائيل على الجولان» قبيل ذهابه للقاء الرئيس بوتين كى يفرض عليه أمراً واقعاً، فحسب قوله أن «سوريا لم تعد قائمة، وكل محاولات إنعاش الأسد كحاكم لن تنجح، وعليه، فلا يوجد ما يدعو إسرائيل لأن تدفع ثمن الجولان، سوريا تتفكك، وحدودها لم يقررها أبناء سوريا، بل الاستعمار البريطانى والفرنسى (سايكس بيكو) حسب مصالحهما قبل مائة سنة، وعليه فإن الدولة ليست مقدسة، والحدود ليست مقدسة». هكذا.. «الحدود ليست مقدسة»!!

أين مصر من هذا الفكر الصهيوني؟ هل يوجد فى مصر شخص واحد يتحمل مسئولية نفى أن ما يقوله الإسرائيليون الآن بخصوص سوريا، وما قالوه عن الضفة الغربية، وما فعلوه فى العراق يستثنى مصر، وبالتحديد يستثنى سيناء، كل سيناء. وإذا لم يكن لدينا من فى مقدوره نفى ذلك فماذا نحن فاعلون فى مواجهة هذا الخطر الصهيونى الذى لا يستثنى أحداً، مدامت الجولان لن تكون نهاية المطاف مادامت حدود إسرائيل ممتدة تحسمها متطلبات أمنها. السؤال ليس بعيداً أبداً عن الجدل الساخن الدائر الآن حول ملكية جزيرتى تيران وصنافير والموقف الإسرائيلى من هذا الجدل وخلفياته، والرؤية الإسرائيلية لمستقبل الأمن فى خليج العقبة وأطرافه، والمكاسب التى يجب أن تجنيها إسرائيل. نقلا عن الأهرام