المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

هل فى مصر نقابات..؟

الإثنين 09/مايو/2016 - 11:22 ص

للحقيقة والتاريخ، الدولة المصرية بدأت فى التفكك والتآكل سياسياً منذ أن تخلص السادات من زملائه فى 15 مايو 1971، بطريقة درامية تناسب شخصيته المفعمة بالنرجسية، ثم جاء عصر الانفتاح المشؤوم وزلزل قواعد الدولة الاجتماعية والاقتصادية، وتراجع دور الدولة المصرية ليحل محلها أشخاص من رشاد عثمان الى توفيق عبدالحى وحتى أحمد عز وأحمد أبوهشيمة، قوى اقتصادية تظهر فجأة، وبدون مقدمات لتنافس الدولة، وتحل محلها فى العديد من وظائفها وأدوارها، ثم تصبح فوقها مع تطور الزمن، وأخيراً جاء مشروع جمال مبارك وفكره الجديد ليجهز على ما تبقى من الدولة المصرية، حتى صارت الدولة المصرية شبه عمارة آيلة للسقوط، وبعد ثورة يناير 2011حاول الاخوان هدمها لأنهم مقاولو هدم، لا يجيدون غيره، ولا يعرفون سواه، ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتقوم بعملية ترميم ضخمة جداً لتعيد للدولة المصرية قوتها، وتنتصب واقفة، ولعل مشروع تجميل منطقة وسط القاهرة رمزية معبرة عن هذه العملية.

والنقابات ليس خارج عملية التآكل والانهيار، بل ان عملية اضعافها والتعدى على دورها التاريخى بدأت مبكراً منذ عهد محمد على باشا، الذى كانت أول قراراته الغاء بعض النقابات وتهميش البعض الآخر، والهيمنة على ما تبقي، ومع عصر السادات تم الاجهاز كلية على النقابات فى مصر، بحيث لم يبق من وظائفها الا ثلاث هي: أولا، نادى السياسى لتيار معين؛ «شلة» تتحكم فى النقابة، وتوظفها لخدمة قضاياها الداخلية ضد النظام السياسي، أو ضد التيارات السياسية المعاكسة لها، أو الخارجية فى اتخاذ مواقف معينة من قضايا اقليمية أو دولية، وثانياً، جمعية خيرية تقدم بعض الخدمات المعيشية مثل المصايف ومعارض السلع المعمرة، وأخيراً ممارسة الفساد فى أقبح صوره من خلال ابتزاز بعض الوزارات للحصول على شقق أو أراض زراعية، أو شاليهات وفيلات بأسعار زهيدة لمصلحة أعضاء النقابة، فى عملية مقايضة مع الحكومة؛ الأرض والشقق مقابل التأييد والدعم.

أى أن واقع النقابات فى مصر أنه؛ اما جماعة مصلحة، أو جماعة ضغط، من جانب وجمعية خيرية من جانب آخر، وفى كل الأحوال مؤسسة لممارسة الفساد الوظيفى المبرر سياسياً، الذى يتيح لفئة معينة التمتع بمزايا لا تتاح لباقى المواطنين، وفى الحقيقة لا تتاح لباقى النقابات، ولعل أكثر النقابات استفادة من هذا الفساد المبرر سياسياً هى النقابات التى تتقاطع مع الدولة فى عملها مثل نقابة الصحفيين والمحامين، وقد مارس هذا الفساد واستفاد منه الجميع من الناصريين والقوميين الى الاخوان المسلمين؛ وهما الجماعتان اللتان تتنافسان للسيطرة على النقابات.

وللحقيقة والتاريخ فان النقابة لها وظائف غير ذلك تماما، وقد نشأت فى بواكير الحضارة الاسلامية وفى أيامها الأولي، وكانت تسمى أرباب الحرب، أو الطوائف، أو أرباب الصنائع، أو النقابات، وكان لكل حرفة شيخ يسمى الأمين فى المغرب، والمعلم فى مصر والعريف فى الشام، والنقابة مؤسسة ينشئها أهل المهنة والاختصاص لتحقيق هدفين واضحين لا ثالث لهما، هما: حماية المجتمع من أهل المهنة، وحماية أهل المهنة من عوائد الزمان وتقلبات الأيام، هدفان واضحان لا لبس فيهما. هذان الدوران هما جوهر وجود النقابة، وبدونهما تكون شيئاً آخر، فالنقابة أهم من الوزارة التى تتولى الاشراف على نفس مجالها، فنقابة الأطباء أو المحامين أهم من وزارتى الصحة والعدل، لأنهما تشرفان على كل ما يتعلق بممارسة مهنتى الطب والمحاماة من حيث جودة الخدمة وأخلاقياتها، ومن حيث الأسعار أيضاً، لأن النقابة هى السلطة التى تعطى تراخيص ممارسة المهنة، وهى التى تسحبها أيضاً، ومن ثم فالنقابة هى المسئول الأول والأخير عن المهن التى تتولى الاشراف عليها، وهو مالم يحدث فى مصر، حيث النقابات تحولت الى شئ آخر، وفى الفترة الأخيرة تجاوزت النقابات ثلاثية جماعة الضغط، والجمعية الخيرية، والفساد؛ الى أنها أصبحت قبيلة يقف دورها عند الدفاع عن أعضائها بصورة قبلية عصبية ثأرية.وفى ظل هذه الحالة العبثية للعمل النقابى فى مصر لابد من وضع خطة لتجاوز هذه الحالة، والتأسيس لدور حقيقي، وتنموى وفعال للنقابات وذلك من خلال الخطوات الأتية:أولا: وضع قانون جديد للعمل النقابي، يلزم كل مهنة بأن توسس لها نقابة خاصة بها، ويتم التفريع فى النقابات وتنويعها؛ ويجب أن يتضمن القانون حدود عمل النقابة، ونطاق اختصاصاتها، ودورها ووظائفها، ويحقق لها الاستقلالية والحماية من التوظيف السياسى. ثانيا: تقوم كل نقابة بوضع لوائح ونظم واضحة تحدد دورها فى المجالين المحددين لها وهما: تحديد معايير أداء المهنة وأخلاقياتها وأسعارها، وحماية أعضاء النقابة من عوائد الزمان.

ثالثا: تضع كل نقابة شروط ومعايير أداء المهنة التى تتخصص فيها، وينبغى أن تستفيد من أفضل الممارسات العالمية فى تخصصها ومجال عملها، وتضع المعايير التى تضمن أداء المهنة بأفضل مستوياتها عالمية.

رابعاً: تضع النقابة جدولا واضحا ومحددا لمستويات أسعار الخدمة يكون أرشاديا وليس ملزما، ولكنه يحول دون الاستغلال والمبالغة والنصب.

خامسا: تقوم النقابة بفتح فروع لها فى كل منطقة على امتداد الجمهورية، وتقوم باصدار رخصة معتمدة لكل عضو فيها بعد اختباره، أو تدريبه، بحيث لا يدخل أى سباك الى أى منزل الا أذا كان يحمل رخصة من نقابة السباكين، تكون غير قابلة للتزوير مثل بطاقة الرقم القومى.

سادساً: تقوم النقابة بالتفتيش والمراقبة على المهن الثابتة مثل الأطباء والمعلمين، والمحامين والمهندسينة الخ، ويكون التفتيش الدورى لضمان أداء الخدمة على المستوى الذى حددته النقابة.

سابعاً: يكون للنقابات مكاتب خاصة لتلقى الشكاوي، ويتم الفصل فيها بنظام شفاف يشرك صاحب الشكوى، ويضمن حصوله على حقه. بهذا فقط يمكن أن تعود النقابات فى مصر الى دورها الطبيعى، الذى كانت عليه على مر التاريخ الاسلامى، وماهى عليه الآن فى جميع دول العالم المتقدم. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟