المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

حتى لا تكون الصحافة مفترية ومفترى عليها

الأحد 15/مايو/2016 - 11:35 ص

أعتقد أن أخطر ما كشفت عنه أزمة الصدام الأخير بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين هو قوة التيار المعادى لحرية الصحافة، خاصة، والديمقراطية، عامة، وإن تستر بضرورة الأمن وتنفيذ القانون. والأمر أن حملة التشهير بالصحفيين، وما حفلت به من افتراءات، لم تنطلق من الدفاع الواجب عن حتمية التزام الصحفيين بالمهنية وأخلاقيات وقواعد ممارسة الحرية المسئولة. وأن قادة الحملة ضد الصحافة يجهلون أو يتجاهلون أن نبذ وهدر حرية التعبير والرأى والفكر والعقيدة وغيرها من الحريات الديمقراطية يقوض دستور 2014، ركيزة شرعية نظام ما بعد ثورتى 30 يونيو و25 يناير.

وفى سياق تجنب أن تكون الصحافة (مفترية)، أسجل أولا، أن المبادئ التى يتفق الصحفيون فى المجتمعات الديمقراطية عليها، والتى يحق للمواطنين مطالبتهم بها، تتلخص فى أنهم: يلتزمون بالحقيقة, وولاؤهم للمواطنين, ويتحققون ويتثبتون قبل النشر, ويتمتعون بالاستقلالية, ويراقبون السلطة, ويوفرون منبرا للنقد العام, ويسعون للإجماع الوطنى, ويبرزون الأمور المهمة ووثيقة الصلة بالموضوع, ويعملون على نشر الأخبار بدقة وموضوعية, ويحكّمون ضميرهم الشخصى والمهنى والوطنى. وتتميز قيم ومعايير الصحافة بأن التقيد بها ليس سهلا, خاصة وأن الصحفيين يواجهون ضغوطا للتنازل عنها كل يوم.

وعلى الصحفيين التقيد بقواعد الصحافة الثلاث التى حددها الناشر الصحفى الأبرز جوزيف بيولتزر: الدقة، والدقة، ثم الدقة؛ بالتحقق من صحة جميع المعلومات التى تكشف الحقيقة، لأن المصداقية أهم رصيد يملكه الصحفى، والدقة هى سبيل حماية ذلك هذه المصداقية. وعلى الصحفى أن يتحلى بالأمانة والنزاهة والشجاعة فى جمع وتقديم وتفسير ونشر المعلومات، ومع التسليم باستحالة تجنب أخطاء، فانها يجب أن تكون الاستثناء النادر. والتثبت من صحة المعلومات أول خطوة فى تحرير الأخبار, لتجنب أى أخطاء أو انتقاص من النزاهة والإنصاف, وعلى الصحفى إعادة النظر بعين متشككة, وتحرى مدى تصديق القراء ما ينشره من أخبار وتحقيقات؛ والنقل الدقيق للتصريحات، ومعالجة كل جوانب الأحداث.

وثانيا، أن الدول الديمقراطية توفر حماية قانونية للصحفيين ليتمكنوا من ممارسة الحق فى الحصول على المعلومات ونشرها؛ لكن هذا الحق مصحوب بمسؤولية أساسية هى نقل المعلومات بدقة ونزاهة وإنصاف. ويجب أن لا تغيب عن بال الصحفيين مهمتهم فى السعى إلى الحقيقة، وأن يتحرروا من الالتزام بأى مصلحة سوى حق الجمهور فى المعرفة, وأن يسعوا الى تقليص الضرر والأذى المحتمل للنشر لأدنى حد ممكن، لأنهم معرضون للمساءلة والمحاسبة. وقد يتيح انتماء الصحفى لحزب أو منظمة غير حكومية الاطلاع على قدر أكبر من المعلومات المتعلقة بها، لكن هذا الانتماء قد يهدد استقلالية الصحفى. ومن الأفضل عدم انتمائه لهذه التنظيمات، أو إعلان عدم أهليته لتغطية ما يتعلق بالمنظمات التى ينتمى لها.

وينبغى أن تكون للمؤسسات الصحفية ونقابة الصحفيين قواعد أو معايير للسلوك (أو مواثيق شرف) على الصحفيين التقيد بها، بالإضافة لتقيدهم بالقواعد الأخلاقية القومية. وينبغى نشر القواعد والمعايير للجمهور حتى يخضع الجريدة أو المحطة للمساءلة والمحاسبة إذا ما تم انتهاكها. وقد يمنع الصحفيون من إقامة علاقة عمل مع أى مصدر يزودهم بالأخبار، ولا ينبغى لهم قبول عروض السفر أو الإقامة المجانية لتغطية قصة إخبارية. وعندما يشعر الصحفى باحتمال تضارب المصالح عليه طلب إسناد مهمته لصحفى آخر.

وفى سياق تجنب جعل الصحافة (مفترى عليها)، أسجل ثالثا، من حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا فى15 أبريل 1995: إن ضمان الدستور لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها، سواء بالقول، أو بالتصوير، أو بطباعتها، أو بتدوينها، وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل، التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون، ولا يترددون وجلا، ولا ينصفون لغير الحق طريقا.. ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإيمان بها شكليا أو سلبيا، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غيره صمتا ولو بقوة القانون.. وقد أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة؛ بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام.

ورابعا، ما أوضحته أحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض من: أن وظيفة التشريع فى تنظيم الحريات الدستورية هى وضع التنظيم التفصيلى لممارستها فى إطار التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع، وإلا تحول النص الجنائى من أداة لضبط السلوك- عن طريق قاعدة واضحة تحظى باحترام الجميع- الى أداة تستخدمها السلطة العامة للتنكيل بالمعارضين السياسيين؛ على نحو يخضع للأهواء والنزوات. ومن المتعين أن تكون الأفعال التي تؤثمها القوانين محددة بصورة قاطعة غير مجهلة، حتي لا تقع المحكمة فى محاذير تنتهى بها الى ابتداع جرائم لم يقصدها المشرع. وسلطة المشرع- كغيرها من السلطات- مقيدة باحترام الصالح العام، الذى يقتضى عدم الجور علي الحريات أو البغى على حقوق الافراد،. فالغلو فى العقاب يمثل عدوانا بالغا لا يجوز لأى سلطة مهما كانت أن تفعله، ولو كانت سلطة التشريع.

وأخيرا، ما أعلنه حكم المحكمة الدستورية فى أول فبراير1997: أن قسوة عبارات النقد لا تصلح دليلا علي سوء نية الناقد، وانتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريرا يظل متمتعا بالحماية التي يكفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء. وإن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون الى المغالاة؛ وإذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال إن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها. وأن حسن النية سبب لإباحة جريمة القذف؛ إذا صدقت نية الفاعل واعتقد بمشروعية فعله؛ حيث ركن حسن النية فى جريمة القذف هو الاعتقاد بصحة وقائع القذف وخدمة المصلحة العامة وليس بقصد التشهير والتجريح. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟