المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
د‏.‏ محمد السعيد إدريس

أسئلة الموجة الثانية لإعادة التقسيم

الثلاثاء 17/مايو/2016 - 11:41 ص

مرت الذكرى الثامنة والستون لتأسيس الكيان الصهيونى فى فلسطين عام 1948 (الأحد 15/ مايو 2016) على العقل العربى عامة والمصرى خاصة خافتة.. باهتة وكأنها مفرّغة المعاني، على الرغم من كل الأحداث والتطورات التى تموج فى عالمنا العربى الذى يعيش الآن مخاض تفاعلات الموجة الثانية من تمزيقه وتقسيمه، وهى الموجة التى ترتبط ارتباطاً شديداً بوجود هذا الكيان الصهيوني، تماماً مثلما كانت الموجة التقسيمية الأولى التى جرى التخطيط لها ابتداءً من المؤتمر الصهيونى الأول فى مدينة بازل السويسرية عام 1897 ومن بعده المؤتمر الاستعمارى الأوروبى الذى عقد فى مدينة لندن البريطانية وامتد لعامين (1905- 1907) وحملت مقرراته اسم الرجل الذى خطط له وأشرف عليه »هنرى كامبل بترمان« وزير المستعمرات البريطانية، والتى بدأت إجراءاتها التنفيذية فى عامى 1916 (اتفاقية سايكس- بيكو)، 1917 (وعد بلفور)وإذا كانت الموجة التقسيمية الأولى قد انطلقت من قناعة مفادها أن الإبقاء على العالم العربى موحداً يعد خطراً مباشراً على المشروع الاستعمارى الأوروبي، وأن تقسيم الوطن العربي، بل والإمعان فى تمزيقه والحيلولة دون توحده هو أكبر ضمان لحماية المصالح الاستعمارية الأوروبية فى أرض العرب، فإنها ربطت بين نجاح مخطط التقسيم هذا وبين إقامة الكيان الصهيونى فى فلسطين. هذا يعنى ويؤكد أن مشروع تقسيم العرب ارتبط ارتباطاً شديداً بمشروع إقامة الكيان الصهيونى وهى الحقيقة التى ظل العقل العربى يتغافل عن تدبر معانيها لعقود طويلة.

والآن يلعب هذا الكيان الدور الأساسى فى المشروع التقسيمى الثانى لأرض العرب، والذى أخذ يحمل اسم »سايكس بيكو الجديد«، وهو المشروع الذى يعتبره الإسرائيليون انطلاقة تسيّد وانتصار المشروع الصهيونى للأبد على المشروع العربى التوحيدى الذى ظل الإسرائيليون ينظرون إليه باعتباره »خطراً وجودياً« لدولتهم الوليدة. فهم يعتبرون أن المشروع التقسيمى الأول أقام نواة المشروع الصهيوني، أى «دولة إسرائيل الصغرى فى فلسطين»، فى حين أن المشروع التقسيمى الثانى سيحقق هدفين مركزيين للمشروع الصهيوني. الأول، إقامة كيانات ودويلات عرقية ومذهبية مفرغة تماماً من الهوية الحضارية للأمة العربية، حيث ستحل تلك الهويات الفرعية البديلة العرقية والطائفية محل الهوية العربية الموحدة للأمة العربية، ومن ثم ستكون نهاية مفهوم الأمة العربية .

أما الهدف الثاني، أنه سيمكن دولة إسرائيل الصغرى بحدودها الضيقة فى فلسطين من التمدد نحو حدود »دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل« من ناحية، أى إقامة الدولة الأم للمشروع الصهيوني، ثم فرض السيطرة والهيمنة الإقليمية لتلك الدولة على جوارها الجغرافى من دويلات وكيانات عرقية وطائفية.

هذه الموجة التقسيمية الثانية لأرض العرب هى ثمرة تحالف صهيوني- أمريكي، مثلما كانت الموجة الأولى ثمرة تحالف صهيوني- أوروبي. بدأت هذه الموجة التقسيمية الثانية بالغزو ثم الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 التى جاءت ضمن دعوة أمريكية صريحة لإقامة »شرق أوسط كبير« يعتمد مبدأ »إعادة ترسيم الخرائط السياسية« أى إعادة تقسيم الدول القائمة.

وكان العراق هو مسرح تنفيذ هذا المخطط ابتداءً من تدمير الدولة العراقية وقدراتها الإستراتيجية لوضع نهاية للعراق كخطر إستراتيجى محتمل على أمن ووجود إسرائيل، ثم فرض دستور عراقى جديد يعتمد مبدأ «المحاصصة السياسية» وإطلاق الصراع الطائفى السُني- الشيعي، والصراع العرقى العربي- الكردى فى العراق ليتم تصديره، فى اللحظة المناسبة، إلى الجوار الجغرافى للعراق، وهو ما يحدث الآن فى سوريا، بإطلاق يد المنظمات الإرهابية وخاصة »داعش« لفرض واقع تقسيمى جديد للعراق، دعمته المساعى الكردية لإقامة فيدرالية كردية فى شمال سوريا، تتناغم مع فيدراليةـ أمر واقع ـ كردية فى شمال العراق، ثم جاءت دعوة بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونى لضم الجولان إلى الأبد لدولة إسرائيل لتكمل وتفضح مخطط التقسيم الثانى للأرض العربية، وهى الدعوة التى تزامنت مع مشروع قانون تُعده وزيرة العدل الإسرائيلية للعرض على الكنيست (البرلمان) ينص على إخضاع الضفة الغربية للقوانين والتشريعات الإسرائيلية وهو ما يعنى ضم الضفة الغربية إلى الدولة الصهيونية، ومع جهود قامت بها نائبة وزير الخارجية لـ »شرعنة« ضم إسرائيل للضفة الغربية انطلاقاً من الترويج لأكذوبة أن إسرائيل عندما فرضت سيطرتها على الضفة عقب عدوان يونيو 1967 لم تكن الضفة خاضعة لسيادة أى دولة، ومن ثم لا تعتبر أرضاً محتلة، ولكنها جزء أساسى من أرض إسرائيل.الغريب أن كل هذا يحدث فى ظل غياب شبه كامل للوعى العربى لا يربط بين إسرائيل وبين ما يحدث من تدمير للمصالح العربية بل أن كل ما تقوم به إسرائيل من دور أساسى فى الجولة الثانية من مخطط إعادة تقسيم أرض العرب، يتم فى مناخ غير مسبوق من التعاون أو على الأقل التفاهم العربي- الإسرائيلي.

كيف حدث هذا التحول فى الوعى وفى الإدراك العربى نحو الكيان الصهيوني، رغم كل الأدوار التدميرية التى يقوم بها هذا الكيان ضد العرب؟ بنيامين نتنياهو أجاب عن هذا السؤال المحوري، أو كلمة السر فى العلاقات العربية- الإسرائيلية الجديدة بالكشف عن أن «وجود مصالح مشتركة فى الوقوف ضد عدو مشترك هو إيران والإرهاب أسس لهذا التحول فى الموقف العربى نحو إسرائيل».

كيف أصبحت إيران عدواً للعرب بعد أن كانت، فى يوم من الأيام حليفاً على الأقل لبعضهم؟ وكيف تطورت هذه العداوة العربية لإيران إلى مستوى عداء إسرائيل لإيران واعتبارها تهديداً وجودياً؟ ومن أين جاء الإرهاب الذى تحول إلى عدو منافس أو بديل للكيان الصهيونى عند العرب؟ وما هى مسئولية إسرائيل فى إحداث هذا التحول؟ وكيف تحولت الموجة الثورية العربية من رافعة للنهوض العربى إلى معركة لتدمير الدول العربية يقودها الإرهاب الذى تتخفى وراءه دعوة إعادة التقسيم؟ وما هى حدود التورط الإسرائيلى فى دعم هذا الإرهاب؟

أسئلة مهمة بدون الإجابة عليها لن نستطيع فهم ألغاز الموجة الثانية لإعادة تقسيم العرب وتمزيق وحدتهم، ولن نستطيع الإفاقة من الغفلة التى نغرق فيها نحن العرب والكيان يحتفل بعيد تأسيسه الثامن والستين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟