المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

إستراتيجية التصنيع والتوسع العمرانى

الأحد 22/مايو/2016 - 11:50 ص

لا ينكر سوى جاهل أو حاقد مغزى الإنجازات الكبرى فى مشروعات شبكة الطرق الرئيسية الجديدة التى تربط أنحاء المعمور وغير المعمور من أرض مصر، ومشروع قناة السويس، مع تطوير الموانى والمطارات، ومشروعات بناء محطات الطاقة بكل أنواعها خاصة محطة الضبعة النووية، ومشروعات ربط سيناء بالوادى عبر شبكة من الأنفاق، حلُم بها عالمنا الكبير جمال حمدان، ومشروع استصلاح واستزراع مليون ونصف مليون فدان اعتمادا على تنمية مصادر جديدة للمياه. لكن واجب الباحث والصحفى- ما لم يكن بوقا للدعاية أو مروجا للشائعات- أن يبين كيف يمكن لهذه المشروعات الكبرى للبينة الأساسية الإنتاجية والتوسع العمرانى، أن تؤتى كامل ثمارها المرجوة، بتعزيز الأمن القومى والإنسانى فى مصر عبر التصنيع باعتباره رافعة التنمية الشاملة والمستدامة.

وأسجل أولا، أن التنمية الاقتصادية تعنى تغيير هيكل الاقتصاد، أى تغيير التكوين القطاعى للناتج المحلى الإجمالى، بالتحول من الأنشطة منخفضة الإنتاجية، ذات الفرص المحدودة لتسريع التغير التكنولوجى وتعظيم القيمة المضافة، نحو الأنشطة المرتفعة الإنتاجية ذات الفرص الأكبر للابتكار وزيادة القيمة المضافة. وتبين خبرة العالم من حولنا أن الارتقاء بالصناعة التحويلية هو الرافعة الأهم لتحقيق التنمية الاقتصادية بمفهومها السابق، لكن هذا لا يتحقق فى غيبة إستراتيجية للتصنيع وسياسة صناعية وسياسات اقتصادية، تستهدف: أن تكون الأسبقية للاستثمار فى الصناعة التحويلية مقارنة بغيرها من القطاعات والفروع الاقتصادية, وأن يتضاعف معدل نمو الصناعة التحويلية بما يرفع نصيبها فى الدخل القومى وقوة العمل والصادرات، وأن تشمل عملية التصنيع الارتقاء بكل فروع الصناعة؛ سواء منخفضة التكنولوجيا (مثل الغزل والمنسوجات)، أو متوسطة التكنولوجيا (مثل الكيماويات)، أو راقية التكنولوجيا (مثل الآلات)، وهى صناعات تتوافر لمصر قدرات فعلية وخبرات متراكمة واقتصاد متنوع، تسمح بتعميقها وانتشارها، وتحقق العائد المرجو للتوسع فى العمران وقاعدة الطاقة بتوفير فرص العمل وزيادة الإنتاج وإحلال الواردات ومضاعفة الصادرات.

وثانيا، إن تحقيق التصنيع بمعناه الضيق (أى تنمية وتعميق الصناعة التحويلية) يشترط توفير عناصره الأساسية، خاصة: توفير رأس المال اللازم للاستثمار والتمويل برفع معدلات الادخار والاستثمار المحلى؛ ودعم المنظمين والمبادرين والمبتكرين من الصناعيين، وتوفير البيئة التشريعية والمؤسسية المحفزة للاستثمار الصناعى؛ وتوفيِر قوة العمل عالية الإنتاجية بتطوير التعليم والتدريب المهنى، وتطوير منظومة ابتكار واستيعاب مواد ومعارف التكنولوجيا, وتوسيع السوق الداخلية والخارجية للمنتجات المصنعة، بجانب تطوير البنية الأساسية الإنتاجية، خاصة فى قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات. وينبغى أن تنطلق إستراتيجية التصنيع من حقيقة أنه لا تصنيع بغير تنمية شاملة، لأن مدخلاته ومخرجاته ترتبط بكل قطاعات إنتاج السلع والخدمات. والتصنيع بمعناه الواسع (أى تعميق الراوبط الأمامية والخلفية للصناعة التحويلية بغيرها من القطاعات والفروع الاقتصادية) لا يتحقق بإهمال الزراعة. فقد سبقت الثورة الصناعية تاريخيا الثورة الصناعية وتعمقت بفضل التصنيع؛ وفرت منتجات التصنيع من آلات ومعدات وأسمدة ومبيدات وغيرها رافعة لتعظيم الإنتاجية فى الزراعة، ووفرت منتجاتُ الزراعة مدخلات للصناعات الغذائية والنسجية وغيرها. كما لا يعنى التصنيع نكوصا عن اللحاق بثورة واقتصاد المعرفة، لأنه لا غنى عن منتجات الصناعة من أجهزة ومعدات لإنتاج المعرفة.

وثالثا، إنه بفضل التصنيع بمفهومه الواسع؛ تنتشر ثمار التحديث الصناعى التكنولوجى فى بقية قطاعات الاقتصاد, ولم تعد الدول الصناعية مجرد المُصَدِر الأهم فقط للسلع المصنعة, ومكوناتها ذات المحتوى المعرفى الأرقى والقيمة المضافة الأعلى, بل صارت المُصَدِر الرئيسى للمعرفة والتكنولوجيا والخدمات والغذاء والاستثمار! ولا يعنى التصنيع تجاهل معطيات العولمة؛ حيث ارتبط النمو السريع للبلدان الصناعية، المتقدمة والجديدة والصاعدة، بزيادة صادراتها من المصنوعات للسوق العالمية. لكنه مع تراجع النمو والطلب العالمى والبيئة التجارية العالمية غير المواتية، منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية فى أغسطس 2008، بلغت إستراتيجيات النمو الذى تقوده الصادرات حدودها القصوى، وأصبح من المستبعد جدا أن توفر الأسواق العالمية دفعة قوية للنمو الاقتصادى العالمى. ويفرض هذا المتغير الجديد والمهم زيادة الاعتماد على الأسواق المحلية والإقليمية؛ كما بين تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) فى عام 2015.

ورابعا، إن الحجم الأمثل للمشروع تحدده دون ريب الخصائص التكنولوجية وطبيعة النشاط الإنتاجى للمشروع الصناعى. وهكذا، لا يمكن إلا أن تكون كبيرة الحجم الصناعات التحويلية الثقيلة؛ لإنتاج الحديد والصلب والآلات والمعدات ووسائل النقل من سيارات وقاطرات وسفن والألومنيوم والهياكل المعدنية والأسمدة والأسمنت والغزل والنسيج والصباغة والبتروكيماويات وتكرير البترول واللدائن والمراجل والأجهزة الكهربائية وأجهزة الحاسبات والاتصالات وغيرها. لكن التصنيع يتطلب الاهتمام الكبير بتنمية وتوسيع المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التى حفلت الدراسات الأكاديمية والبحوث التطبيقية بنظريات واستنتاجات قللت من مكانتها, انطلاقا من اعتبار الحجم محددا لمستوى حداثة وإنتاجية وتنافسية وربحية المشروع، وسادت طويلا مقولة أن الصغير ليس جميلا!! لكن انقلابا فى المفاهيم قد حدث منذ سبعينيات القرن الماضى مع ظهور الشعار الأمريكى: المشروع الصغير جميل!! حين صمدت المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من المشروعات الكبيرة فى مواجهة الركود والانكماش الاقتصادى، ووفرت المشروعات الصغيرة والمتوسطة 98% من فرص العمل الجديدة فى الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى 1974 و1984. وبينما شهدت إيطاليا تطورا مبهرا للصناعات الصغيرة والمتوسطة وصف بالمعجزة الإيطالية، ساهمت الصناعات الصغيرة فى اليابان بنحو 47.5% من الصادرات بين عامى 1975 و1985, وبلغت المساهمة 33% فى الصناعات الإليكترونية. وغدا العاملون فى المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم، والعاملون الصناع لحسابهم الخاص، والمشتغلون فى القطاع الصناعى غير الرسمى، يمثلون ما يقرب من نصف عمالة الصناعة التحويلية فى العالم، وهو نصيب يتزايد. وللحديث بقية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟