المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
سيرج ميكايلوف
سيرج ميكايلوف

نار تحت الرماد في الساحل الأفريقي

الأربعاء 25/مايو/2016 - 01:51 م

أخشى أن تؤدي الأزمة في منطقة الساحل الأفريقي الى بروز أفغانستان جديدة، ولا أغالي في توقعي هذا. فعلى رغم أوجه التباين التاريخي والجغرافي او الثقافي بين هاتين المنطقتين (أفغانستان والساحل الأفريقي)، يجمع بينهما ضعف بنيوي: شلل القطاع الزراعي، والبؤس الريفي الدراماتيكي- أقل من 0.5 في المئة من السكان متصل بشبكة التيار الكهربائي- وغياب فرص العمل، وتفاقم التوترات الناجمة عن (النزاع على) الأرض والمياه والكلأ، وتفاقم الانقسام الاتني والديني، وانتشار الأسلحة الخفيفة وضعف المؤسسات العامة فتغيب سلطة الدولة ما إن نبتعد عن المدن. وبرزت انظمة مافيوية تعتاش من التهريب (الافيون في افغانستان، والكوكايين والمهاجرين في الساحل)، وذاع التطرف الإسلامي وتربع محل الاسلام التقليدي والمتسامح، وسرت عدوى الأزمات الاقليمية (بوكو حرام الى جنوب منطقة الساحل، وليبيا الى الشمال)، وانتشرت. والخطر كبير في دول منطقة الساحل. والحق يقال الكارثة الانسانية ليست محتمة. ولكن السياسات الحالية، إذا لم تتغير، تنتهي لا محالة الى طريق مسدود. ولا يجدي التعويل على قوات أجنبية، سواء كانت فرنسية أم لا، لإرساء الأمن. والشعوب المضيفة تنظر الى القوات الأجنبية، عاجلاً ام آجلاً، على انها قوات احتلال، وهذه خلاصة التجربة الغربية الفاشلة في أفغانستان. وليس التحدي «قتل الأشرار»، على قول الأميركيين في أفغانستان، بل معالجة أسباب إحباط شباب لا يملك فرصة الاندماج الاقتصادي او الاجتماعي وهو نهبٌ للتطرف الاسلامي، وسبل تحصيل العيش مسدودة في وجهه ما خلا عمليات التهريب التي تمسك بمقاليدها المجموعات المسلحة.

ومنطقة الساحل هي في مثابة براميل بارود يطوقها رجال يحملون مشاعل مضطرمة ويعدون لاشعال فتيلها. ويسعى الجيش الفرنسي الى إخماد هذه النيران. ولكن قواته متواضعة الحجم: 3500 رجل في مساحة تبلغ ستة الى سبعة اضعاف مساحة فرنسا. ولكن إرساء الأمن في المنطقة هذه يقتضي أجهزة دولة سيادية ترسي النظام من طريق قوات الأمن والجيش والقضاء، وتعزيز او إعادة بناء القوات المسلحة في هذه الدول وقوات الشرطة ومؤسسات الإدارة، وأنظمة القضاء. ولكن هذه الدول تفتقر الى موارد مالية، ولا تملك وسائل هذا الحل.

والنفقات الأمنية في هذا الدول تعاظمت، وبلغت 4 في المئة من الناتج المحلي. ولكن الانفاق الأمني لا يزال غير كافٍ لإرساء الاستقرار. وتفتقر دول الساحل الى الأمن والعائدات والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وهي اقتطعت النفقات الأمنية من الأموال المخصصة للتنمية. وشأن أفغانستان، لا يرغب أحد في تمويل عملية بناء أجهزة الدولة الوطنية او تحسين أدائها من طريق الإعداد وتسليم العتاد والأجهزة اللازمة، في وقت تذهب المساعدات الى مؤسسات يعمها الفساد، ومعايير ادارة شؤونها اتنية أو زبائنية ورواتب الجنود التابعين لها غير منتظمة. والأولوية هي لإخماد النيران التي تعسّ في الرماد من طريق توفير فرص عمل، والتنمية الريفية وتنظيم العمل في الأانشطة غير الرسمية المدينية. ومن الأولويات كذلك معالجة المسألة السكانية (النمو السكاني المطرد والأمن وفرص العمل)، اي ما أغفلته وكالات الإغاثة والمساعدة.

ولم تعرف منطقة الساحل مرحلة الانعطاف السكاني- الجمع بين انخفاض معدلات وفاة الرضع والأطفال وتدني الخصوبة- التي تعم أصقاع العالم. ففي النيجر، على سبيل المثل، معدل الخصوبة على حاله منذ عقود ويفوق 7 اطفال للسيدة الواحدة. وكان يعد في 1960 3 ملايين نسمة، وبعد عشرين عاماً يتوقع ان يرتفع عدد السكان الى 40 مليوناً أو الى 60 أو90 مليوناً في 2050. وأراضي هذا البلد صحراوية، و8 في المئة من التربة فحسب صالحة للزراعة. ويستبعد ان يجد 60 مليون نيجيري قوتاً لهم في 2050. فالقطاع الزراعي هش، والمساحات الزراعية ضيئلة ويتوقع ان تتضاءل رقعتها على وقع الاحتباس الحراري. وهذه الدينامية تساهم في اندلاع توترات كبيرة. والهجرة الى دول الجوار شائكة، على رغم ان بعضها أكثر ثراء. فمثل هذه الهجرات الإقليمية يتزامن مع عوامل كثيرة، منها تضاعف عدد سكان ساحل العاج 6.5 منذ الستينات، وارتفاع عدد الأجانب المقيمين على أراضيه الى ربع السكان. وهذه العوامل وثيقة الصلة بالمشكلات الهوياتية والاتنية والعقارية والسياسية التي ساهمت في تمزق ساحل العاج. وفي 2050، ستتربع نيجيريا في المرتبة الثالثة من سلم الدول الأكثر سكاناً، ويرتفع عدد سكانها الى ما بين 350 و400 مليون نسمة. ولكن هل يسع هذا البلد استقبال نحو 30 او 40 مليون نيجيري، الى مثل هذا العدد من السودانيين والماليين؟

ويدعو أهل الريف في منطقة الساحل الى تحسين مستوى العيش تحسناً سريعاً. وهذا التحسين يقتضي صون الطرق وتوسيعها وتحسين الزراعة والخدمات الزراعية والطبية الحيوانية، ومد المنازل بمياه الشفة والكهرباء وانشاء نظام صحي فعال. وهذه مطالب عادية، ولكن دول منطقة الساحل تفتقر الى موارد للنزول عليها. فالعائدات الاقتصادية قليلة. وحريّ بالمساعدات الدولية ان تؤدي دوراً راجحاً في تلبية هذه المطالب، والتنسيق بين الاستراتيجيات. فعلى سبيل المثل، ثمة 16 خطة استراتيجية في الساحل صاغتها 16 منظمة إغاثة. وتمس الحاجة الى قبول المنظمات الدولية تمويل إرساء الأمن، وإيلاء الأولوية للتنمية الريفية - وهو ما عزفت عنه منذ 30 عاماً. وفي مالي، اقتصرت المساعدة لقطاع الزراعة وتربية المواشي، وهو قطاع يعتاش منه 70 في المئة من السكان، على 3.7 في المئة من 3.4 بليون يورو وعدت الجهات المانحة بها في مؤتمر تشرين الأول (أكتوبر) 2015. نقلا عن الحياة

* مدير البنك الدولي السابق، مستشار عدد من الحكومات الأفريقية، عن «لوموند» الفرنسية، 2/5/2016، إعداد م. ن.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟