المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
علي بايرام أوغلو
علي بايرام أوغلو

مؤشرات إلى عودة الوصاية العسكرية في تركيا

الأربعاء 15/يونيو/2016 - 11:22 ص

سقط ما سمته الحكومة التركية «ضبط الأمن المجتمعي» مع معركة كوباني. وكان القصد من هذه العبارة تفكيك مؤسسات حزب «العمال الكردستاني» الاجتماعية وإطاحة سعي الحزب هذا إلى الهيمنة على بعض المناطق بقوة السلاح. وعليه، لجأت الحكومة حينها إلى قانون الأمن الداخلي. ودارت مناقشات طويلة وانتقادات قاسية حول هذا القانون الجديد. فهو يمنح قوات الشرطة والأمن صلاحيات واسعة تطلق يدها على الأرض من دون الرجوع إلى أوامر ضبط قضائية تصدرها المحاكم. ولم يخفَ أن هذا القانون سيقوض يد الرقابة القضائية على الشرطة والأمن، ويؤدي إلى انتهاك حقوق الانسان. لكن نقل «الكردستاني» مسرح حربه إلى المدن والشوارع والأحياء، ساهم في صدور القانون هذا وكم أفواه منتقديه ومعارضيه.

وقالت الحكومة حينها إن كل حكومة «تشعر بأن ثمة عصياناً مسلحاً أو خطر حرب أهلية أو إرهاباً متفشياً، يحق لها اللجوء إلى مثل هذه التدابير حتى لو ظلمت بعض الأبرياء. ومن هذه الإجراءات فرض حظر التجول الذي يلقي الشبهة على جميع المواطنين من دون ذنب، وإعلان حال الطوارئ. وفرنسا فعلت ذلك إثر تعرضها لهجمات «داعش»، وليست تركيا أول من يلجأ إلى هذه التدابير». وقد يبدو هذا التسويغ في محله للوهلة الأولى. لكن إذا كانت هذه التدابير تؤدي إلى خلل في ميزان الديموقراطية والحكم وخلل في ميزان الرقابة والموازنة بين حقوق الإنسان والأمن، جاز النظر في المسألة. ولا شك في أن لكل بلد ظروفه الخاصة. ففي فرنسا قد يكون ما يترتب على إعلان الطوارئ محدوداً، لكن في تركيا فإن مثل هذه الإجراءات تؤدي مباشرة إلى الدوران في أجواء الدولة البوليسية، والمزاجية والقمعية الإدارية، وظهور معالم الوصاية العسكرية. وتغلب شيئاً فشيئاً كفة الإجراءات الأمنية على كفة الإجراءات السياسية، وتتربع محلها، وتصبح هي الفيصل وتغيب السياسة.

وركن حل المشكلات في الدول الديموقراطية التي تراعي سيادة القانون هو السياسة والعمل السياسي، وما الإجراءات الأمنية إلا استثناء يتوسل بها موقتاً وفي الحالات الصعبة، مع تقييدها بما يحول دون رسوخها وتحولها إجراءات دائمة. والمعادلة واضحة وبسيطة: لا يمكن لإجراء أمني أن يسمو فوق القانون. ولا يسع أي تدبير أمني موقت أن يسن قانونه الخاص. ولكن هل تركيا تسير على هذا الطريق؟ نعم، ومع الأسف، بدأت تنزلق إلى هذا الطريق الخطير. ولا شك في أن ما أقدم عليه حزب «العدالة والتنمية» خلال حكمه في الأعوام الـ 14 الأخيرة من تغييرات دستورية وتعديلات قانونية وقضائية واصلاحات جذرية من أجل اجتثاث البيروقراطية العسكرية واقتلاع هيمنة الحكم العسكري على مفاصل الدولة، هو ثورة ديموقراطية. ومع الوقت، نسينا أننا كنا نعيش في ظل حكم عسكري، ونحتكم إلى عادات وتقاليد فرضها العسكر في السياسة والقضاء والامن. واليوم، نعيش في ظل حكم مدني. ويعتبر ما تواجهه تركيا (انسداد العملية السياسية لحل القضية الكردية، واللجوء إلى الحل العسكري واستنفار أجهزة الأمن والجيش) خطوة إلى الوراء ونكوص عن الحكم المدني والتخلص من الوصاية العسكرية. واليوم، بلغتنا أخبار مشاريع قوانين ستعيد للعسكر جزءاً من سلطانه وهيمنته وقوته في الشارع بذريعة الحرب على حزب «العمال الكردستاني».

في السنوات الأخيرة، كان العسكر يحاكمون في محاكم مدنية، إثر إلغاء المحاكم العسكرية وخضوع الجيش للسلطة المدنية. لكن مشروع القانون الجديد ينص على إحالة أي تجاوز يقوم به العسكري أثناء أداء مهمته إلى محاكم عسكرية تشكل من جديد. وهذا يعني منح العسكر «خصوصية قضائية». وقد يعود بعض الجنرالات إلى ممارسات سالفة والتدخل في السياسة، طالما أمن جانب المحاكم المدنية. ومشروع القانون يمنح العسكر صلاحية مداهمة وتفتيش المنازل والمكاتب وأي محل مغلق في مسرح عملياته من دون الرجوع إلى القضاء، وهذه تعتبر أول وأقوى إشارة إلى عودة الوصاية العسكرية ولو كانت عودة متدرجة. ويحدد العمليات العسكرية ومكان وقوعها واتساع رقعتها، نفوذ تلك الوصاية العسكرية. لكن الأمر ليس مقروناً بالعسكر وعودة وصايته فحسب، فما نشاهده اليوم، على الأصعدة المدنية والسياسية والعسكرية، يسلط الضوء على تراجع الدولة الديموقراطية وسيادة القانون. نقلا عن الحياة

* كاتب، عن «يني شفق» الإسلامية التركية، 12/6/2016، إعداد يوسف الشريف

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟