المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
طارق عثمان
طارق عثمان

صراعات شرق المتوسط ومستقبل المنطقة

الأحد 19/يونيو/2016 - 12:09 م

من بين الحروب المختلفة الدائرة الآن فى العالم العربي، فإن الصراعات فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط هى الأكثر تأثيراً على مستقبل المنطقة.

بينما الحروب فى ليبيا و اليمن و التجاذبات فى شرق السودان، بالدرجة الأولى داخل دولة واحدة، فإن كل صراعات شرق البحر الأبيض متجاوزة للحدود السياسية التى سادت طيلة أغلب القرن العشرين. و هذا التجاوز ليس صدفة. إن كلاٍ من هذه الصراعات هو محاولةً لخلق كيان سياسى لم يكن موجوداً فى تاريخ العالم العربى الحديث (فى المائة و خمسين عاماً الماضية). إن أقوى التيارات السياسية فى العراق، و كلها شيعية التوجه (و إن بدرجاتٍ مختلفة)، تريد إعادة تشكيل الدولة العراقية (التى ظهرت بعد انهيار الامبراطورية العثمانية منذ قرن تقريباً). هذه التيارات أدركت أن صعود الشيعية السياسية فى العراق، و إن كان نجاحا تاريخياً لها، ليس ضماناً لأمنها، لأن أغلبها - و هو على صلات وثيقة بإيران - لا شك ذاهب الى صدام مع قوى سنية مختلفة فى المنطقة ترى - عن حق - أن التمدد الشيعى فى العقد الأخير يمثل خطراً على توازنات اجتماعية سادت لقرون. هذا أدى بالكثيرين من قادة هذه التيارات إلى قبول (ضمني) بسيادة حقيقية على جزء من - و ليس كل - العراق.

هذا الإدراك يتلاقى مع تطلعات (هى الآن واقعية) لأكراد شرق البحر الأبيض فى دولة مستقلة، و ليس فقط إقليم ذا حكم ذاتي. نقطة الاختلاف الرئيسية بين القوى الشيعية المؤثرة فى العراق و بين السياسيين الأكراد هى توزيع حقوق الاستفادة من حقول النفط فى شمال العراق. وعندما يصل الطرفان إلى حل توافقى (و هناك عدد من كبرى شركات البترول الدولية تساعد) فإن لحظة الانقسام الرسمى سوف تأتى سريعاً.

بالإضافة الى ذلك، فإن كل المشروعات السياسية الواقعية للأطراف الفاعلة فى الحرب السورية لا تتسق مع حدود الدولة السورية التى ظهرت فى عشرينيات القرن الماضي. على سبيل المثال، فإن النظام السوري، و بالرغم من نجاحاته العسكرية فى النصف الأول من العام الحالي، مدرك أن تكلفة السيطرة الدائمة على الثلث الشرقى لسوريا مرتفعة للغاية. و لذلك فإنه (أغلب الظن) بترجيح روسي، يحسب أن انتصاره الحقيقى فى الحرب السورية يكمن فى السيطرة ليس على كل الأرض، و لكن على الأراضى التى يعيش عليها الجزء الأكبر من السورين، و هى على طول ساحل البحر الأبيض و فى المناطق الجنوبية.

هذا أيضاً يتلاقى مع الفرصة التاريخية التى رأها حزب الله لتوسيع سيادته، لأول مرة، خارج نطاق الدولة اللبنانية. إن واحدا من أهم إنجازات حزب الله فى العامين الأخيرين هو إحداث تغير ديموجرافى فى عدد من المناطق الحدودية بين سوريا و لبنان، و فى ذلك (من وجهة نظر حزب الله) تأمين للبنان و تقليل من موجات الهجرة السورية إليه، و أيضا إيجاد مساحة جغرافية جديدة لسيطرة سياسية لحزب الله و لتوسع الشيعية السياسية.

و مع كل ذلك، فإن الجماعات الإسلامية (السنية) المسلحة فى شرق البحر الأبيض لا تعترف أساساً بأية حدود، و تريد أن تتواجد بشكل ما فى كل المنطقة. و إذا كان مشروع الدولة للكيان المسمى بداعش مؤكداً سوف يفشل، فإن جماعات مسلحة أخرى (بعضها سيخرج من عباءة داعش و غيرها) ستمثل ضغطاً مستمراً على دول المنطقة و حدودها. معنى كل ذلك، أن الحدود الرئيسية التى صاغت شرق البحر الأبيض فى المائة سنة الماضية هي، فى السيناريوهات الأقرب للحدوث، على طريق الزوال.

إن مفهوم الدولة ذات المرجعية العربية فى شرق البحر الأبيض يتعرض الآن للخطر الأكبر منذ تراجع العثمانيين عن المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى. إن الدولتين العربيتين الأكبر حجما و الأعمق تاريخاً فى تلك المنطقة - العراق و سوريا - قد فقدتا مركزيتهما، على الأقل للمستقبل المنظور. يترتب على ذلك، أن أغلب مؤسسات الدولة التى نمت فى تلك البلدين طيلة عقود القرن العشرين، تقريباً، قد تلاشت. الذى ما زال باقيا هو الأطر القبلية و الدينية، و هى محافظة على جزء من الهوية و بعض التراث، و لكن ليس على الدولة ذاتها.

إن مفهوم الشعب الواحد فى دول تلك المنطقة فى خطر. الانقسام السياسى و تآكُل الحدود وانهيار المؤسسات و تنامى السياسية الدينية فى مجتمعات (بدت - خطأ - و كأنها قد تجاوزت الهوية الطائفية الصرفة) يقضى على معنى فكرة الانتماء لما هو أوسع من القبيلة أو الطائفة.

أضف إلى ذلك أن شرق البحر الأبيض يفقد ببطء، و لكن بشكل واضح، ملايين من مسيحييه، و تلك ظاهرة تأخذ الكثير من الوجدان الجمعى العربي. و فى نفس الوقت، فإن كل التيارات الصاعدة فى المنطقة ليست عربيةُ الهوى. الشيعية السياسية فى العالم العربى - و هى ذات عمق تاريخي، و جمهور واسع، و ذكريات مأساوية - شديدة القرب من إيران (و هذا قبل أن يكون نجاحا إيرانيا، فهو إلى حدٍ كبير، خطأ عربيا). الطموحات الكردية هي، بالطبع، بعيدة عن العروبة. و تيارات الإسلام السياسى المسلح، بالضرورة، عابرة لكل القوميات. نقلا عن الأهرام

إن شرق البحر الأبيض أصبح الآن منطقة مفتوحة و مباحة للعديد من التجارب السياسية، أغلبها لأطراف غير عربية.

معنى ذلك أن كل الأفكار الصاعدة فى شرق المتوسط الآن قائمة على التجزؤ. و بالتالى فإن الجزء الأكبر من الشام، الذى تاريخياً ربط سواحل الخليج و شبه الجزيرة العربية بمصر و وادى النيل و شمال إفريقيا، فى طريقه إلى مستقبل غير عربي.

إن الكثير من هذه التجارب و المشروعات قد تعدى خط اللا عودة، و غالباً سوف يُحقق قدرا من طموحاته (و إن كانت استمراريته موضوعٌا آخر). لكن وجود نصف مشروعات سياسية بجانب بعضها (فى المستقبل القريب)، بعد مرحلة من الدموية و الصراع (ما يحدث الآن)، معناه المزيد من الفوضى، و إفراغ جزء كبير من شرق البحر الأبيض - لفترة طويلة - من أية هياكل يمكن أن تكون أُسس لدول عربية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟