المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
فرهد خوسروخافار
فرهد خوسروخافار

عولمة «الجهاد» من الشمال إلى الجنوب

الأربعاء 22/يونيو/2016 - 02:55 م

تنهال الهجمات على تنظيم «داعش» وتهدد وجوده في السنوات القادمة. ولكن قلق الذين انتسبوا إليه لن يتبدد، سواء كانوا في سورية والعراق أو أوروبا أو أميركا. والجامع بين دول الشمال والجنوب هو بروز مخيِّلة وصور جديدة مشتركة بين شرائح شبابية كثيرة. وشعور هذه الشرائح الجامع خلاصته: اضطراب سمته الأبرز هي «غياب الأمل في مستقبل ما». وشعور الافتقار إلى مستقبل يبلغ ذروته في إرادة الانفكاك (من المجتمع أو فرط عراه)، وهذه حال المنضمين إلى صفوف التطرف الإسلامي، أو الرغبة في الهرب من الواقع (المهاجرون إلى أوروبا)، أو الالتحاق بسورية والعراق (شباب أوروبي يغادر مسقط رأسه من أجل الـ «جهاد»).

ويجمع بين أوروبا والعالم العربي الافتقار إلى يوتوبيا سياسية للخروج من الأزمة. ففي أوروبا، أفلت نماذج اليوتوبيا الاشتراكية والشيوعية والقومية. وفي الجنوب، أخفقت الثورات العربية التي طعنت في العنف ورفعت لواء «السلمية» و «الكرامة»، ولم تكلل بالنجاح. واليوم، ثمة تقاطع مقلق بين الشمال والجنوب مداره العنف. فالشباب المتحدر من الشرائح المتوسطة والأوساط الشعبية ينجذب إلى «الجهادية». وعلى رغم أن «المنجذبين» قلة، فإن أعمالهم «الجهادية» تشير إلى قلق عميق في المجتمعات التي يتحدرون منها، وهو يبلغ مداه في أوساط قلة من الشباب الضالع في عنف «جهادي» أعمى. ومن الجنوب إلى الشمال، موجة الهجرة ضخمة وهائلة (فملايين من الناس يسعون إلى بلوغ الشمال للعيش عيشاً كريماً ولائقاً). ومن الشمال إلى الجنوب، الهجرة انتقائية: يهجر بعض آلاف الشباب بلادهم للـ «جهاد» في العالم العربي، وكانت أعدادهم لتكون أكبر لولا الإجراءات والقيود الرامية إلى الحؤول دون بلوغهم تركيا. وعلى رغم أن وجهتيهما متضادتان ومتباينتان، تشير الهجرتان هاتان إلى ضيق هو من بنات أصل اجتماعي واحد: غياب الأمل والاضطراب والقلق والرغبة في الهجرة أو العنف، أو الرغبة في الهجرة والعنف في آن واحد. وغياب يوتوبيا سياسية في أوروبا والعالم العربي يجمع الرغبة في الهجرة إلى خطر الموت أو إلى العنف الجهادي. وهجرة الشباب الأوروبي إلى سورية والعراق هي يوتوبيا هجرة تسعى إلى بلوغ ما يحسبون أنه محل أرفع: الالتحاق بـ «الدولة» ممثلة «الخلافة الإسلامية» التي تجسد نموذجاً سياسياً يغلب عليه الجانب الديني. ويسعى العرب المهاجرون إلى القارة القديمة إلى عيش لائق ويصدعون بخطر الموت على الطريق، فالسياسة في هذه الحال ليست في الصدارة، وهي تحل في المرتبة الثانية، فهجرتهم هي ما دون سياسية.

ويغلب على «الجهاديين» الذين يقصدون سورية أو العراق الأوروبيون (حوالى 5 آلاف أوروبي)، فعدد الأميركيين يقتصر على 150 شخصاً. وفي الولايات المتحدة عدد المسلمين البيض أقل من نظيره في أوروبا. والطبقات المتوسطة المسلمة هناك لا تميل إلى المشاركة في حرب دينية ضد بلدها، ولو انتهجت هذه سياسة خارجية أكثر «عداء للعرب» من سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، ففي أميركا، لا يبدو أن أفول اليوتوبيا السياسية يساهم في النفخ في التطرف الإسلامي.

وتشير أربع هجمات إرهابية بارزة في الولايات المتحدة إلى مشكلة «جهادية»: ففي 2009، أطلق نضال حسن، وهو طبيب أمراض عقلية في السلك العسكري متحدر من أصل فلسطيني، النار على 13 شخصاً، وجرح عشرات في فورت هود بتكساس؛ وفي 2013، فجر الشقيقان تسارناييف، وهما من أصل شيشاني، قنبلة أودت بحياة 3 أشخاص وأصابت 264 بجروح في ماراتون بوسطن؛ وفي 2015، قتل الزوجان رضوان فاروق وتشفين مالك 14 شخصاً وأصابا 22 آخرين بجراح في إطلاق نار في سان برناردينو؛ وأردى أخيراً عمر متين، الحارس الأمني المتحدر من أفغانستان، 49 شخصاً في إطلاق نار في ملهى ليلي يرتاده المثليون في أورلاندو. والشقيقان تسارناييف وتشفين مالك هما من جيل المهاجرين الأول، على خلاف الآخرين الذين يتحدرون من جيل المهاجرين الثاني من أبناء الطبقات الوسطى. ويشعر بعض أبناء هذه الشرائح الاجتماعية بالإحباط إزاء مصير المسلمين خارج الولايات المتحدة، ويشعرون بالاغتراب في بلد يرون أنه يساهم في قمع مسلمي العالم على وقع سياسة خارجية غير عادلة، فثمة لحمة إسلامية جامعة تشد أواصرهم إلى مسلمي أصقاع المعمورة. ويعمهم القلق حين يرون صورة أميركا تجلو على الوجه التالي: الافتقار إلى الأخلاق، والعلامة عليه التسامح مع «الشواذ»، والقسوة على المسلمين (قمع الفلسطينيين، ضربات الدرون في دول ينمو فيها «الجهاد»)، ويشعرون بالظلم وغياب العدالة. وهذا على خلاف الحال في أوروبا، حيث يسلط الضوء على قهر المسلمين في الخارج وتهميشهم الاجتماعي في الداخل (غالبية المسلمين الأوروبيين من الطبقات الشعبية). ويبدو أن الامبراطورية (الأميركية) وسياستها المعادية للعرب والمسلمين وقبولها «الفسق» (التسامح مع المثلية الجنسية) هي وراء الهجمات الإرهابية في أميركا، على خلاف الأسباب «الاجتماعية» للإرهاب في أوروبا، حيث وصمة الانتماء إلى شريحة من الناس والتهميش الاجتماعي يلعبان دوراً بارزاً في الإرهاب أكثر مما هي الحال عليه ما وراء المحيط الأطلسي، ففي الولايات المتحدة، البواعث «الجهادية» جغرافية- سياسية، بينما هي في أوروبا تتغذى من عوامل اجتماعية داخلية.

نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟