المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
الإيكونوميست
الإيكونوميست

«بريكزيت» تقوض قوة بريطانيا والاتحاد الأوروبي

الأربعاء 22/يونيو/2016 - 03:08 م

تشير استفتاءات الرأي الى أن الاقتراع بنعم على مغادرة الاتحاد الأوروبي في 23 حزيران (يونيو) الجاري، هو احتمال متعاظم الحظوظ، ومثل هذا الاقتراع يقوض السياسة والاقتصاد البريطانيين وينزل بهما أضراراً دائمة. فخسارة الاتحاد الأوروبي أحد أكبر أعضائه، تخلف جرحاً عميقاً في جسد أوروبا. ومع تأجيج أمثال دونالد ترامب الأميركي ومارين لوبن الفرنسية مشاعر الخوف من الآخر والدعوة الى قومية اقتصادية، يؤذن الاقتراع للانسحاب من الاتحاد الأوروبي بهزيمة النظام الليبرالي الذي عزز الازدهار الغربي. ولكنّ مؤيدي الانسحاب والمغادرة لا يتناولون مثل هذه الجوانب من المسألة، بل يدور كلامهم، شأن غيرهم من المشككين في أوروبا في أصقاع الاتحاد الأوروبي، على التحرر والتاريخ. فالانسحاب من اتحاد أوروبي متصلب العجلة وغير ديموقراطي، يعيد الى بريطانيا سيادتها ومكانتها قوة بارزة. وكثر من هؤلاء يزعمون أنهم يتدثرون بعباءة الليبرالية- العقيدة التي رفعت هذه المجلة لواءها على الدوام-، ويقولون أن التجارة الحرة هي الجسر الى الازدهار، ويكثرون الشكوى من ضعف دور الحكومة والمغالاة في البيروقراطية. ويزعم هؤلاء أن رفضهم الهجرة غير المقيدة من الاتحاد الأوروبي الى بلادهم ليس من بنات رهاب الآخر بل وليدة رغبة في انتقاء الناس الذين يعودون بالنفع على بريطانيا. ودعاة الانسحاب يروجون لأوهام تتبدد ما إن تصطدم بنتائج الانسحاب. فإذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انتهى بها الأمر الى فقر أكبر، وصارت أقل انفتاحاً وأقل قدرة على الابتكار. ولن تؤدي دوراً معولماً أوسعَ، بل سيتقوض نفوذها ويضيق أفقها. وأوروبا تسوء حالها لا محالة من غير بريطانيا.

ويقر مؤيدو الانسحاب بأن ثمة أضراراً اقتصادية قصيرة الأمد تترتب على الانسحاب. ولكنهم يغفلون ان هذه الأضرار ليست موقتة، وأن بريطانيا لن تعود الى الازدهار على الأمد الطويل. فنصف الصادرات البريطانية يذهب الى أوروبا. والمركز المالي اللندني لا غنى له عن بلوغ السوق الأوروبية الموحدة والمشتركة، فهي حيوية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبلوغ هذه السوق يقتضي أن تلتزم بريطانيا قواعد الاتحاد الأوروبي وأن تساهم في الموازنة وأن تقبل رفع القيود عن حركة تنقل الأشخاص- وهذه الأمور كلها يدعو دعاة الانسحاب الى إبطالها. ويزعم دعاة الانسحاب ومروجوه أن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستزيد فرص التجارة مع العالم. وهذا غير مؤكد. فأوروبا أبرمت عشرات من الاتفاقات التجارية، وستضطر بريطانيا الى إبرام مثلها وسد الثغرات الناجمة عن خسارتها. وستكون لندن شريكاً أكثر صغراً وضعفاً في المفاوضات التجارية. وتاريخ رفع القيود عن التجارة بطيء، وغالباً ما ترجح كفة المركانتيليين. ولن يكون عتق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فاتحة إرساء إصلاحات فيها. وحملة «بريكزيت» فاقمت أحكام الناخبين المسبقة وثبتتها، وانحازت الى خطاب «انكلترا الصغيرة» (المغالية في القومية ورهاب الآخر). وعلى رغم أن خطاب الانسحاب («ليف») يثني على السوق الحرة، بادر مؤيدو الانسحاب الى المطالبة بمساعدة الدولة وحماية الأسعار- ومثل هذه الإجراءات الحمائية غير مقبول في الاتحاد الأوروبي- حين يهدد الإفلاس والإغلاق مصنعاً في بورت تالبوت في ويلس.

وحذرت حملة «ليف» من غزو وشيك لملايين الأتراك بريطانيا، وهذا زعم كاذب وفادح. فهي ألقت بلائمة إثقال الخدمات العامة في قطاعي الصحة والتعليم على المهاجرين، في وقت إنهم مساهمون في واردات وزارة المالية، ويساعدون بريطانيا على تسديد نفقاتها. وتوحي «ليف» بأن بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عاجزة عن سد الأبواب امام المجرمين والمغتصبين والإرهابيين، على خلاف ما هي الحال عليه. ويرى البريطانيون انهم يؤيدون السوق الحرة وأن آلامهم سببها البيروقراطية المستفحلة في بروكسيل. ولكن، في الواقع، هم مدمنون على القيود والإجراءات الناظمة. فوراء شطر راجح من معوقات النمو- قلة عدد المنازل الجديدة وضعف البنى التحتية ونقص المهارات- قوانين بريطانية. وفي ستة أعوام في الحكم، لم يفلح حزب المحافظين في تذليل هذه العوائق. ومغادرة الاتحاد الأوروبي لن تيسر تذليلها.

وبادر الخبراء في الاقتصاد ورجال الأعمال وقادة الدول من أصقاع العالم الى تحذير بريطانيا من خطأ الانسحاب الذي يؤيده ترامب. ولكن في سياسة ما بعد الوقائع أو الحقائق التي تزعزع الديموقراطيات الغربية، جاذبية الأوهام كبيرة وتفوق دالة الخبراء. وتشجب حملة «ليف» التوقعات الاقتصادية السلبية الناجمة عن الانسحاب، وتدحضها قائلة انها صنيعة «خبراء». وكأن المعرفة (حسن الاطلاع) تعوق الفهم وتحول دونه. وتنبذ «ليف» معسكر البقاء في الاتحاد («ريماين») بذريعة انه يمثل النخب (وكأن بوريس جونسون، وهو على رأس حملة «ليف» والمتخرج في اوكسفورد، يجسد عامة الناس). وأكثر أوهام «ليف» تهافتاً هو القول ان الاتحاد الأوروبي يديره بيروقراطيون خارج المحاسبة ويقوضون سيادة بريطانيا حين يعدون لدولة ضخمة تسمو على سيادة الدول. ولكن ما يشوب النظرة الى الاتحاد الأوروبي هو التقادم، فتأخذ عليه طابعه الدمجي الكبير. ولكن عملية الدمج الحثيث اقتصرت على مدة قصيرة في الثمانينات. وهي أرست أسس السوق المشتركة والموحدة واليورو. وعلى خلاف زعم حملة «بريكزيت»، تهيمن على بروكسيل حكومات تحرس قوتها وتتمسك بها ولا تفرط بها. وزيادة إمكان محاسبة بروكسيل هي شأن وثيق الصلة بالديموقراطية وليس بالسيادة. ولا يكون الحل انسحاباً عاصفاً بل البقاء للمساهمة في ابتكار أوروبا على الصورة التي تشاؤها بريطانيا. ولندن أدت دوراً حاسماً في أوروبا- وما على الغافلين عن هذا الدور سوى سؤال الفرنسيين الذين سعوا في الستينات الى إبقائها خارج الاتحاد. ورفعت بريطانيا لواء سياسة التنافسية والسوق الموحدة والتوسع الى الشرق، فهذه السياسات تصب في مصلحتها. وطالما أن بريطانيا لم تهرب من الاتحاد، ستبقى نافذة فيه.

نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟