المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
رغيد الصلح
رغيد الصلح

لماذا البقاء داخل الاتحاد الأوروبي؟

الخميس 23/يونيو/2016 - 01:05 م

فيما يذهب الناخبون البريطانيون للاقتراع اليوم على مستقبل عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي يجري البعض مقارنات حثيثة بين صعود الحزب القومي الفاشي الإيطالي إلى قمة السلطة في إيطاليا، وبين صعود «حزب استقلال المملكة المتحدة» المرشح للانضمام إلى الأحزاب الرئيسية البريطانية. وتركز المقارنات على الطابع الراديكالي الذي اتسم به الحزبان. وفي هذا السياق وعد كل من الحزبين أنصاره بإعادة إحياء امبراطوريات غابرة. وعد الحزب الفاشي الإيطالي بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى «بحيرة رومانية»، بينما وعد «حزب الاستقلال» ببناء «مجال دولي أنغلوفوني» صرف، كما جاء في المانفيستو الذي أصدره عام 2015.

وفي السياق نفسه سلك الحزبان طريق الشعبوية الجامحة التي تدغدغ مشاعر المواطنين المتعبين والساخطين على الأوضاع الراهنة خلال مرحلة صعودهما. واستقطب الحزبان تأييداً واسعاً بين هؤلاء. فالحزب الفاشي الإيطالي برع في استقطاب المحاربين القدامى الذين فقدوا امتيازاتهم التي كانوا يتمتعون بها عندما كانوا يحاربون من أجل ضم ليبيا إلى الممتلكات الإيطالية. أما «حزب الاستقلال» فانه يعتمد إلى حد كبير على العمال من ذوي الياقات الزرقاء الذي يحمّلون الاتحاد الأوروبي مسؤولية انتشار البطالة في صفوفهم.

إن المقارنة بين الأحزاب الفاشية التي انتشرت في أوروبا خلال الثلاثينات والأربعينات وبين أحزاب اليمين المتطرف التي تطرق أبواب الحكم في أوروبا اليوم ومنها «حزب الاستقلال»، تفضي إلى إثارة تساؤلات ومخاوف حول النتائج المرتقبة للاستفتاء على العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ويخشى الكثيرون في بريطانيا أن يخرج بلدهم من الاتحاد لكي يقع تدريجياً في قبضة اليمين المتطرف.

ومما يزيد في هذه المخاوف ويعمقها أن «حزب الاستقلال» لا يزال مخلوقاً ناشئاً، فلم تتح لقادته الفرصة لكي يتعرفوا على السياسة ومتطلباتها، ولا أتيحت للناخب البريطاني الفرصة الكافية للتعرف إلى هذا الحزب وعلى السياسات التي سوف ينفذها إذا، أو بالأحرى، عندما يصل إلى الحكم. وتزداد الحاجة إلى التعرف إلى «الاستقلال» بعد أن نجح في الحلول في المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد التي أحرزها في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة بعد حزب المحافظين. وتلقي مجلة «الإيكونوميست» ضوءاً على هذه المشكلة عندما تتحدث عن البصمات التي يتركها نايجل فاراج زعيم «الاستقلاليين» على مواقف الحزب وسياساته فتصفها بأنها «تقسيمية، مضللة، بعيدة عن الحقائق والوقائع وتنزع إلى السياسات الشخصانية والألاعيب السياسية». إن هذه الأوصاف وحدها جديرة بأن تجعل المستفتين يفكرون مراراً قبل أن يساندوا موقف القوة الرئيسية التي قادت حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن الشك في نوايا وسياسات «حزب الاستقلال» إنما هو، على أهميته، واحد من الأسباب لاتخاذ هذا الموقف إضافة إلى الأسباب التالية:

* من الاتحاد الأوروبي إلى أين؟ يتوقع البعض، سواء كانوا من معارضي الاتحاد أو مؤيديه، أنه إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة الانسحاب من الاتحاد، فإنها لن تؤثر على الطرفين صاحبي العلاقة فحسب، وإنما سوف تشمل الاتحاد برمته بل وحتى التكتلات الإقليمية في أماكن أخرى من العالم. تعود هذه التوقعات أولاً إلى أهمية الاتحاد الأوروبي كحجر الأساس في بناء نظام دولي، وإلى أهمية بريطانيا كعضو رئيسي في الاتحاد يملك مكانة دولية مهمة وقدرات وطاقات تساهم في تعزيز مكانته. ويراهن مؤيدو «بركزيت» على مثل هذه التطورات معتبرين أنها سوف تسمح باستعادة سيادة بريطانيا واستقلالها بعد أن نجح «بيروقراطيو بروكسيل» والفيديراليون الأوروبيون في حرمان البريطانيين من «حقوقهم القومية». ولكن هل هذا صحيح؟

تدل التجارب الدولية على أن من الصعب أن تخرج الدول من الاتحادات والتحالفات من دون أن تستبدل هذه الاتحادات والتحالفات الدولية ببديل عنها. لقد خرجت دول أوروبا الشرقية من حلف وارسو لا لكي تبقى في العراء وإنما لكي تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وإلى الحلف الأطلسي، فإلى أي اتحاد تنضم بريطانيا إذا صدقت التوقعات المتشائمة حول تفككك أوروبا وتلاشي اتحادها؟ الأرجح أن العديد من أنصار «بركزيت» هم من مؤيدي الأحادية الأميركية، وأنهم سوف يطالبون بالتعجيل في تنفيذ مشروع منطقة التجارة الحرة الأطلسية وتعزيز الحلف الأطلسي (ناتو) كشريك لها في مشاريعها. تجنب هذا الخيار يوفر سبباً ثانياً للتمسك بالاتحاد الأوروبي حيث ثبت أن الأحادية تعزز الهيمنة وتهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

* الانسحاب من «السلم الدائم»؟ تسببت الأحاديات الأوروبية خلال القرن العشرين في وقوع حربين عالميتين قتل فيهما ما يزيد على 80 مليوناً من البشر، وإعاقة تقدم الإنسانية لمئات السنين. بالمقابل أمكن للمشروع الأوروبي أن يلجم الحروب القارية وأن يحد من انتشارها. يعتبر الاتحاد الأوروبي تعبيراً ملموساً عن نظرية «السلام الدائم» التي تحذر من تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى، ومن الاتفاقيات التي تحمل في طياتها بذور حروب جديدة، وتدعو إلى الحد من التسلح ومن تشكيل القوات المسلحة الدائمة. وينبغي عدم الخلط بين جهود الجماعة الأوروبية في هذا المضمار، التي ركزت على تغيير الأوضاع الأوروبية عبر العمل السياسي والاتفاقيات والمساعدات الاقتصادية، وبين سياسات «ناتو» التي ركزت على الضغوط العسكرية.

إن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يساهم في تعزيز الاتحاد كقوة سلام قارية، وبخاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة. إن دعاة الانسحاب يعتقدون أن الوضع الراهن يسمح للإرهابيين والمجرمين بالتسلل بسهولة إلى الأراضي البريطانية، كما أنه يسمح للإرهابيين ببناء قواعد داخل بريطانيا، كما يقولون أيضاً إن الانسحاب من الاتحاد سوف يسمح بتشديد الإجراءات الأمنية ضد الإرهابيين وضد الجريمة المنظمة. ويرد دعاة البقاء في الاتحاد بالتأكيد على أنه لن يكون باستطاعة الحكومات الوطنية أن تلجأ إلى أساليب جديدة في العمل إذا خرجت من الاتحاد، وهم يعتقدون، على العكس من ذلك، أن المؤسسات الأمنية البريطانية سوف تتعرض، نتيجة الانسحاب، إلى تراجع درجة التعاون بينها وبين المؤسسات القارية الأمنية والمؤسسات الأمنية في دول الاتحاد الأخرى. هذا التراجع سوف ينعكس سلباً على الحرب ضد الإرهاب في بريطانيا والقارة.

* الازدهار القاري. يقول دعاة الانسحاب إن بريطانيا تدفع مبالغ طائلة للاتحاد الأوروبي، ولكن الحكومة البريطانية تقول إنه لقاء كل جنيه يدفعه المواطن كضريبة، يذهب بنس واحد فقط إلى الاتحاد. لقاء ذلك، تقول الحكومة إن بريطانيا تحصل على منافع كبرى تفوق مرات كثيرة البنس الذي يدفعه المواطن البريطاني. وعلى صعيد الاستثمارات الخارجية يقول أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي أن تنفيذ هذه الخطوة سوف يتيح لبريطانيا الحصول على المزيد من الاستثمارات الأجنبية ويسمح لها بتعزيز صادراتها إلى الأسواق العالمية خارج القارة الأوروبية. ولكن دعاة البقاء في الاتحاد يقولون إن الخروج منه سوف يكون مغامرة وتعويلاً على المجهول. فمن المؤكد أن الشركات الأجنبية وظفت ما يقارب 540 بليون جنيه استرليني خلال السنوات الماضية في بريطانيا، وقسم لا يستهان به من هذه الاستثمارات جاء من الدول العربية التي ترغب في الإفادة من الإمكانات القارية ومن صلة بريطانيا بأسواق الاتحاد التي تستورد ما يقارب 44 في المئة من الصادرات البريطانية. بالمقابل فإنه ليس هناك من ضمانات بأن بريطانيا سوف تعوض عبر التجارة الدولية المفتوحة ما تخسره في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

ترجح التوقعات أن تأتي نتيجة الاستفتاء لمصلحة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وأن يكون الفارق بين هؤلاء وبين دعاة مغادرة الاتحاد ضئيلاً. خلافاً لذلك فإن أكثر التوقعات كانت ترجح أن يفوز المطالبون بالانسحاب. ولعل سقوط النائبة البريطانية جو كوكس المؤيدة للاتحاد ضحية عدوان إجرامي قام به مؤيد للانسحاب، كان عاملاً مهماً في تغيير موقف المستفتين واستنكارهم ليس لهذا العمل فحسب وإنما للكثير من المواقف والتوجهات التي وقفت وراء مشروع الانسحاب. ولكن مهما كانت العوامل والأسباب التي هيمنت على أجواء الاستفتاء، فانه من اللافت للنظر أن معارضي الانسحاب تركوا الحملة ضد الاتحاد تتفاقم حتى الأيام الأخيرة التي سبقت الاستفتاء من دون أن يقوموا بنشاط كاف لصدها مما سمح لحزب صغير مثل «الاستقلال» أن يتحول إلى لاعب مهم على المسرحين البريطاني والأوروبي وذلك من دون مسوغ مفهوم.

نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟