المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

عن القطاعين المتوسط والصغير

الأحد 26/يونيو/2016 - 11:43 ص

استمر القطاعين الاقتصاديان، المتوسط والصغير، هما القطاعين المشغلين الأساسيين للنسبة الأكبر من العمالة المصرية في كل مجالات عملها ونشاطها سواء تجارية أو حرفية صناعية أو زراعية. كانا هما القطاعين السائدين في مصر، حتى خلال الحقبة الناصرية وما صاحبها من النمو المتدفق للقطاع العام بوحداته الكبيرة سواء الصناعية او التجارية، ولا يزال القطاعان المتوسط والصغير إلى يومنا الذي نعيشه القطاعين الاساسيين للتشغيل.

لم تعرف مصر نشأة القطاع الاقتصادي الحديث، بمفهومه الحالي، إلا مع بدايات تأسيس وحدات التبغ والغزل ثم السكر التي قامت على أكتاف الرأسمالية غير المصرية مع بدايات القرن الماضي. كذلك مع تأسيس البنوك الكبيرة. لكن لا يمكن القول إن القطاعين المتوسط والصغير كانا العمود الفقري للاقتصاد المصري. كان القطاعان المتوسط والصغير ،سيدى التشغيل. ولكن كان الاقتصاد الحديث الكبير هو المالك لأصول الإنتاج الأساسية وللعملية الإنتاجية الأكبر ولمالك التقنية الأحدث والانتاج الأجود القادر على المنافسة مع الخارج والقادر على بناء البنية الصناعية التي يحتاجها التقدم المصري. سواء كان هذا القطاع الكبير الحديث ملكية خاصة (قبل التأميم) أو ملكية عامة. كما ضما باستمرار العدد الأكبر من الوحدات التي تأسست وعملت وأنتجت تبع النظام القطاع غير الرسمي الذي يبعد كثيرا عن الالتزام بالقانونية وبقواعد التشغيل والمحاسبية وقطعا الخضوع للنظم الضريبية. وينطبق هذا على القطاع الصغير منها تحديدا.

ويجب ألا ننسى أن القطاعين نما نموا ملحوظا خلال فترة الستينات. كانت هذه الفترة فترة ذهبية لهما. في هذه الفترة كانت الدولة مثلا، حسب مبادئها السياسية، تحتكر نسبة 75% من التجارة الخارجية تاركة للقطاع الخاص نسبة الـ 25% ولكن بالنسبة للتجارة الداخلية بكل أنواعها ومجالاتها فكانت تمتلك نسبة 25% من التجارة الداخلية تاركة نسبة 75% منها للقطاع الخاص وهو قطاع التجزئة بجانب الاعمال الحرة والمقاولات على سبيل المثال. استمرت الدولة ممسكة بحسم وبشدة وبلا تردد على مسئوليتها في تصدير واستيراد سلع بذاتها مثل القطن والأرز والأقماح والأصول الصناعية. وبالقطع كانت تحدد أولويات استيرادها وتميل لأساسيات الاحتياجات الاستهلاكية أو الصناعية.

كانت منطقة شبرا الخيمة، بدءا من العقد الأربعيني من القرن الماضي حتى تصفيتها في مرحلة الانفتاح الاقتصادي، من أكثر المناطق المزدحمة بالقطاع الصناعي المتوسط والصغير العامل في الأنشطة الصغيرة مثل صناعة الزجاج والجوارب الرجالى وأدوات الخياطة والنجارة. كما كانت المحلة الكبرى وضواحيها تنشط في مجال النسيج الشعبي كالملايات المحلاوي والوبريات والملابس الداخلية الأقل سعرا من إنتاج الشركة الكبيرة المجاورة. وكانت السبتية مركزا لصناعة «الفرفورجيه» وكان لدينا غيرها من المناطق التي انتشرت في كل محافظات مصر. في كل المحافظات وجد القطاع الحرفي المتوسط والصغير. ومع زيادة التصنيع الكبير وتطور ما نسميه بالقطاع الاقتصادي الحديث كان القطاعان المتوسط والصغير الصناعيان يجدان مساحة محدودة للنمو على عكس القطاعين المتوسط و الصغير العاملين في التجارة والزراعة.وكان الاصلاح الزراعي، في حد ذاته، هو إعادة توزيع الملكية الزراعية الخاصة. كما شاهدت سوق العمل المصرية مفارقة حقيقية بين حالة العمالة في القطاعين المتوسط والصغير وبين حالة العمالة في القطاع الكبير خاصة بدءا من العقد الستيني من القرن الماضي. لهذه الحالة توصيفات مختلفة. من ناحية العمالة تسمى هذه الحالة بـ «الستر» والاستقرار في علاقات العمل. يملكون لوائح تضمن اجورهم وتطورها واجازاتهم ومعاشاتهم وترقياتهم وارباحهم وتدريبهم وفي كثير من الأحيان اسكانهم. ومن جانب الإدارة سميت هذه الحالة بالتكيف الاداري أو بالقيود الإدارية التي لا توفر لها امكانية محاسبة العمال على اخطائهم إداريا، وبالتالي يسود التسيب ويتأثر الانتاج بالسلب. ومن جهة العمالة في القطاعين المتوسط والصغير فكانت تسمى بالأمل والرغبة في اللحاق بالعمالة في القطاع الكبير الحديث والوصول «للستر» والاستقرار. ولكن استمر القطاع الكبير الحديث الأقل تشغيلا وعلى العكس، الأكثر تأثيرا في التقدم الاقتصادي وبناء الاستقلال الوطني ومناهضة التبعية.

كما استمرت العمالة في القطاع الكبير الحديث الاكثر استيعابا للتقنية والخبرة المهنية والقدرة على استيعاب كل ما هو جديد من فنون الانتاج وتنوعه، لأنها الاكثر احتكاكا بالتقنية الحديثة وبالآلة الأحدث وبالنظام الاداري الأكثر انضباطا مما يطور العامل او العاملة ويجعلهما الاٌقرب إلى عالم السياسة والنقابات. وإذا كان القطاعان المتوسط والصغير حاضرين في السوق الاقتصادية المصرية منذ القدم، لماذا تنشط الدولة الآن لتشجيع المواطنين على الحصول على قروض ميسرة لإقامة مشروعات متوسطة وصغيرة؟ ولماذا لا تكون الاستجابة قوية وسريعة؟ لماذا لم يستقر هذا المفهوم، مفهوم العمل الخاص والبدء بمشروع صغير أو متوسط، في عقيدة وضمير المصريين؟ هل يسعى المصري دائما إلى الوظيفة الثابتة المرتب لأنه يفتقد لروح المغامرة أو الابتكار؟ لماذا يلتحق المصري في هجرته للعمل في القطاع المتوسط أو الصغير (وفي الأغلب والأعم في القطاع الصغير) ثم لا يتجه إلى هذا القطاع في بلده عند عودته؟ أسئلة تحتاج للإجابة.

في الدول الصناعية الكبرى لا تسهم الصناعات أو وحدات الانتاج الكبيرة في صنع مجمل الناتج الإجمالي القومي ولا في تحقيق نسبة التشغيل الكامل وإنما يسهم هذا القطاع الكبير في جانب من الناتج ويستوعب جانبا من العمالة. في ايطاليا على سبيل المثال يسهم القطاعان المتوسط والصغير الصناعيان في تحقيق 40% من الناتج الاجمالي القومي الصناعي للبلاد. وفي الوقت نفسه يشغلان 50% من العمالة الصناعية في البلاد.أما في ألمانيا فيشكل عدد الوحدات الصغيرة والمتوسطة نسبة 99% من عدد كل القطاعات الصناعية والتجارية وينتج 52% من الناتج الاجمالي القومي ويشغل 14 مليون عامل وعاملة. وتتكرر الصورة في غالبية دول الاتحاد الأوروبي. فما الذي أوجد حالة التباعد هذه بين الحالة في بلادنا والحالة هناك.

الفارق بين الحالتين، دفع بهما النظام الاجتماعي الذي ساعد البلدان الأوروبية إلى إيجاد هذا الواقع وجعلنا في مصر نفشل في دفع وإتاحة الفرصة لنمو القطاعين الصغير والمتوسط. في البلدان الاوروبية يعمل القطاعان في إطار من تنظيم مجتمعي يملك حقوقا وواجبات يجمع كل وحداتهما في منظمة تعاونية أو في اتحاد للوحدات المتوسطة والصغيرة، ديمقراطيين، يوفر لها الخامات والتسويق في الداخل او الخارج والتدريب ومساعدة هؤلاء الملاك الصغار والمتوسطين على استيعاب التقنية الأحدث وسياسات الأجور والضرائب ويتحدث باسمها لدى الدولة او مع الجهات الاخرى المتعاملة معه. في هذه الحالة يتفرغ صاحب العمل هذا للعملية الانتاجية ويستطيع النمو والمساهمة في اقتصاد البلاد.

هناك حيث يوجد هذا التنظيم المجتمعي الديمقراطي يستقر العمل الانتاجي ويصبح صاحب العمل عضوا في الاتحاد التعاوني، هذا بينما يتجه العاملون لديه إلى تنظيمهم النقابي. يستمر الفارق في مدى إيمان الدولة بالأطر الديمقراطية التي تنظم البشر وأنشطتهم. طريقا يحتاج لجهد !!

 نقلا عن الأهرام


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟