المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

ما بعد الزلزال البريطانى

الأحد 24/يوليو/2016 - 01:22 م
في تصريحاته بعد استفتاء انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي ذكر نيجل فاراج الرئيس السابق لحزب الاستقلال البريطاني الذي كان من القادة الشرسين في دفاعهم عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي،عددا من الأفكار أرى من المهم فهمها في اطار الأحداث الأوروبية. منها أنه، أي فاراج، استمر عضوا في البرلمان الاوروبي لسبعة عشر عاما وكان واضحا في اتجاهه منذ اللحظة الاولى لوصوله للبرلمان هو شن وتنظيم حملة لانفصال بلاده عن الاتحاد. ثم ذكر الرأي القائل أن المملكة المتحدة لن تكون البلد الاوروبي الوحيد الذي سينفصل. رايه أن الزلزال البريطاني لن يكون الزلزال الوحيد. لهذا الزلزال السياسي التاريخي توابع تاريخية أخرى.

لم يقابل التصريح الأول الذي كان عام 1999 وهو العام الذي انتخب فيه فاراج عضوا في البرلمان الاوروبي أي حماس أو اقتناع من أعضاء البرلمان الأوروبي أو ساسة القارة فحسب وإنما كان من الأمور المستغربة بالنسبة للشعوب الاوروبية ذاتها. استقبل بلامبالاة عامة. أما تصريحه الثاني الخاص بتوقعه خروج بلدان أوروبية أخرى من الاتحاد، فبات الآن متوقعا غير مستبعد في إطار التيارات الجديدة التي تقترب من تيارات شعوبية وعنصرية ولكن متنامية وتتسع مساحتها الشعبية في عدد غير قليل من بلدان الاتحاد الاوروبي يوما بعد يوم.

تتبلور هذه التوجهات في بعض البلدان الاسكندينافية التي كانت يضرب بها المثل في ممارسة الحريات والديمقراطية والتسامح. كما في هولاندا كما بدت واضحة في نتائج الانتخابية النمساوية الرئاسية الأخيرة وخاصة بعد أن قضت المحكمة الدستورية في البلاد بإعادة التصويت فيها في الخريف القادم، فصرح مسئول في القيادة الحزبية بأن فكرة خروج النمسا من الاتحاد الأوروبي فكرة مطروحة.

ولكن تستمر مجموعات من المحللين في انتظار ما ستأتي به الانتخابات الديمقراطية «جدا» التي ستجرى في كل من فرنسا وألمانيا وايطاليا في العام المقبل. وهي انتخابات ستحدد عدد الزلازل التي ستراها القارة الأوروبية والتي عمل زعماؤها، الذين جاءوا إلى سدة حكمها بعد الحرب الثانية، على تجنب حرب أوروبية ثالثة، أما الخلافات السياسية التي قد تنشأ بينهم فلا تمارس فيها الأسلحة في القارة إلا في أضيق الحدود وأهمها الدفاع عن الديمقراطية والمشروع الخاص وهزيمة الشمولية الاشتراكية. أما صناعة السلاح الجبارة التي يملكونها ثم تجارتها التي تملكها صفوتهم من الرأسماليين، فتوجه وتصدر إلى تلك البلدان الأخرى خارج القارة والتي هي الساحة الجديدة للصراعات الحادة واستهلاك هذا السلاح.

ولكن وقعت تطورات في القارة لم تكن في حسبان قاداتها القدامى أو الجدد. أثرت هذه التطورات على التوجهات الأساسية للشعوب التي كانت تسعى بالفعل للسلام بين بلدانها بالإضافة إلى سلامها الاجتماعي الداخلي. لقد كانت أوروبا دائما مستوردا للعمالة من الدول الصغيرة التي كانت مستعمرة حتى العقدين الخمسيني والستيني. ولكنها كانت هجرة شديدة الخصوصية. كنا نكتب عنها على أنها عملية استنزاف للعقول. لأنها كانت هجرة منتقاة من قبل البلدان التي تعلم هذه العقول وتشرف على تخصصاتها العلمية. كان الشباب يذهب في بعثات أو يسافر على نفقاته إلى أوروبا وأمريكا ليدرس ويتخصص ثم يستمر يعمل في البلاد مفضلا عدم العودة إلى وطنه. وبذلك تفقد الدولة الصغيرة المال الذي استثمرته ثم الشباب الذي استثمرت فيه كما تفقد فرصة مساهمة هذا الشباب في تنمية شعبه وبلده.

ولكن اختلف الوضع الآن عما كان عليه الوضع في القديم بعد سقوط حائط برلين ومرور بلدان اوروبا الشرقية بمراحل انتقال شديدة الحدة والعنف دفعت رجالها ونساءها إلى التحرك غربا حيث العمل و«الديمقراطية المنشودة« ومن حيث يستطيع العامل او العاملة تحويل جزء من دخلهم لإطعام أسرهم الفقيرة التي تعيش في ظل اقتصاد تعاد هيكلته رأسماليا. إلى المملكة المتحدة وحدها هاجر ثلاثة ملايين عامل من البلدان الاشتراكية السابقة، منهم مليون عامل بولندي بأسرهم. يقول البريطانيون إن هؤلاء العمال حصلوا على وظائفهم في القطاع المتوسط والصغير وحرموهم منها مقابل الأجور الأدنى. لعب أصحاب الأعمال لعبتهم. كذلك ضغط المهاجرون على المشاريع الاجتماعية كالإسكان والعلاج مثلا، وفي مناطق محافظة اجتماعيا يقول السكان إن العمالة الاجنبية ستغير من الثقافة البريطانية الموروثة للمكان. وهو ما يفسر نتائج التصويت، في لندن المدينة الأكثر انفتاحا والتي صوتت باستمرار العضوية في الاتحاد في حين صوتت المناطق الأبعد عن المراكز الحضرية الكبيرة في صالح الانفصال.

ثم ازداد الوضع اختلافا عندما وجدت أوروبا نفسها أمام جيوش من المهاجرين من مناطق مختلفة اخرى.وجدت نفسها أمام هؤلاء الذين ذهبوا إليها هربا من الموت والجوع من قارتين أساسيتين، إفريقيا ثم آسيا.جاءوا إليها من مناطق وبلدان يؤدى التدخل الاجنبي، الاوروبي والأمريكي، فيها إلى اشتعال حروب اثنية ودينية بين سكانها ورحيل الناس عنها. لم يستطع المسئولون الأوروبيون الانتقاء أو الاختيار بين هذا المهاجر وذاك كما كان يحدث في الخمسينيات من القرن الماضي، وإنما ووجهوا بكل المستويات الثقافية والتعليمية كما ووجهوا بناتج وجود التنوع المتباين في مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يفرق بين البلدان ويؤثر على ثقافة المواطن.حتى أنهم ووجهوا بمهاجرين لا يملكون بحكم عادات وتقاليد مجتمعاتهم أية أوراق ثبوتية تحدد هوية الفرد منهم أو العلاقة التي تحدد قرابة وصلات أطراف الأسرة الواحدة التي استطاعت الهروب من جحيم الحروب المحلية عبر الماء واليابس.

وإذا كان المحللون يقلقون على نتائج انتخابات قادمة في بلاد قدمت لنا وللإنسانية فلاسفة وكتابا وفنانين مثل كانت وهيجل وشكسبير وديكنز وبرناردشو وموسيقيين مثل بيتهوفن وفردي وبرامز، من استدراجها مرة أخرى وراء تيارات شعوبية عنصرية. تيارات تقودها إلى نتائج تعيد إلى ذاكرتها أحداث جسام أخذت هذه الشعوب إلى الدمار والخراب. فماذا نحن فاعلون سياسيا أمام تلك الهجمة العنصرية الشعوبية؟ وكيف نواجهها ونحن ضمن تلك الشعوب الصغيرة المهددة دائما بالتدخل الخارجي ولدينا من المشكلات المتراكمة، منذ زمان، والتي لا يمكن حلها إلا بكل السواعد المنظمة إراديا وديمقراطيا والقادرة على المواجهة الحقيقية. ماذا نحن فاعلون؟.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟