المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد المنعم سعيد
د. عبد المنعم سعيد

فى شأن الذى جرى فى تركيا

الأربعاء 27/يوليو/2016 - 01:25 ص
أصبحت الأحداث تجرى بسرعة تستعصى على المتابعة؛ وبات الذين يكتبون أسبوعيا فى مأزق الفشل دائما فى الكتابة عن موضوع يهم الناس ويلح على عقولهم بعد أن أصبح كل حادث فريسة 24 ساعة من الاهتمام العام وبعدها يأتى حادث جديد. أما الذين يكتبون يوميا فهذه كارثة أخري،

فالحدث لا يكتمل فى يوم، والتقدير المتعجل دائما مرشح للسقوط؛ وأخطر من هؤلاء جميعا الذين عليهم التعليق الفورى على حدث جرى قبل دقائق قليلة. عشت هذا الاختبار عندما توالت مطالبات تليفزيونية بالتعليق على ما بدأ توا يتوارد من أنباء عن حدوث الانقلاب فى تركيا حيث كانت هناك صعوبة كبيرة بسبب الإلحاح فى قول «لا أعرف»، أو أننى لست متخصصا بما فيه الكفاية فى زاوية بعينها من القضية؛ وبدت مغالبة التمنيات الشخصية للمذيعين والمذيعات والمعدين مسألة مستحيلة. كان الحدث مهما وفق كل المعايير، وجادا إلى الدرجة التى لابد فيها من التعامل معه بالجدية التى يستحقها. 

بشكل ما بدت المعالجة المصرية للحادث فريسة خلط غير مشروع بين ما حدث فى مصر فى 30 يونيو 2013، وما حدث فى تركيا توا. فرغم الرفض المصرى التام لكلمة «الإنقلاب» فإن المرارة القائمة فى العلاقات المصرية ـ التركية، والعداء الذى جسده أردوغان للثورة المصرية، طبعت نفسها على الحادث حتى نسينا أن الفيصل فى الأمرين فى القاهرة وفى أنقرة كان موقف الشعب المصرى الذى ثار واستجاب له الجيش فى موقف تاريخى متماسك له تقاليد، وله احتراف. فى تركيا انقسم الجيش، وانقلب بعضه، وتريث بعضه الآخر، ورفض بعضه الثالث، حتى تحرك الشعب التركي، ليس فقط أردوغان أو حزب العدالة والتنمية، وإنما كل الأحزاب التركية التى تخوفت من ديكتاتورية من نوع آخر طالما عاشوها فى أزمان سابقة. مثل ذلك سجل مناخا تركيا كان فيه فشل الانقلاب حتميا، ولكن بالتأكيد كانت هناك أسباب أخري. 

فى دراسة سريعة كتبها بريان كلاس فى مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية تحت عنوان «لماذا تفشل الإنقلابات: ما نتج فى تركيا لم يكن مفاجأة» ذكر أن الانقلابات العسكرية أصبحت أقل فى فترة ما بعد الحرب الباردة عما كانت أثنائها حيث كانت فى المتوسط نحو 13 إنقلابا فى العام، ثم أصبحت الآن أربعة فى العام. وبينما كانت فرص نجاحها من قبل 50% فإنها الآن لا تزيد على 25%. والإنقلابات فى العموم نوعان: الأول أن تتفق القوات المسلحة على بكرة أبيها على رفض النظام القائم (المثال انقلاب تايلاند فى 2014)؛ أما الثانى فهو أن تتقدم الصفوف جماعة لكى تحدث التغيير مع أمل أنها عندما تبدو ناجحة فإن الآخرين سوف يلحقون بها (المثال انقلاب مدغشقر فى 2009). بالطبيعة فإن فرص نجاح النوع الأول أكثر من الثانى الذى يحتاج إلى قدر كبير من المهارة والمفاجأة لكى يكون له فرصة فى النجاح. 

انقلاب تركيا انتمى إلى النوع الثاني، ولم يكن فيه لا المهارة، ولا المفاجأة الكاملة إلا لدقائق قليلة ربما بعدها بدأت عمليات فرز سريعة داخل القوات المسلحة التركية ذهبت فيه قيادتها الرسمية تجاه النظام، وما تبقى كان فى حيرة إلى أين يتجه. أردوغان المتآمر بطبعه، والمعتمد على حزب له طبيعة عسكرية ويقوم على السمع والطاعة عرف كيف يفر أولا من القبض عليه، ومن بعدها أن يوجه أعضاء حزبه إلى الخروج إلى الشارع، والأرجح تطبيق خطة منظمة للتعامل مع مثل هذا الموقف. فبعد دقائق قليلة من الإعلان عن بدء الإنقلاب جاءنى على بريدى الإلكترونى بيان رسمى من السفارة التركية فى القاهرة يؤكد أن ما جرى فى تركيا هو امحاولة انقلابية على حكومة منتخبة»، وأن ذلك يحدث من مجموعة صغيرة، بينما الحكومة تقوم بعملها بانتظام. فى العادة فإن السفارات فى هذه الحالة تنتظر قليلا حتى تعرف ما يحدث، هذه المرة، ومن كوادر مدربة على خطط يتم تطبيقها ساعة الحاجة، كانت جاهزة برواية وبيان، سرعان ما بدأت تتكرر مع استكمال للرواية فى بيانات رئيس الوزراء يلدريم، ورئيس الأركان. وعندما أصبحت الديمقراطية والدستور والخوف عليهما هى القضية كان البيان المشترك لمجلس الأمة التركى الذى وقع عليه رئيس مجلس الأمة ورئيس الوزراء وزعيم حزب الشعب الجمهورى وزعيم الحركة القومية ونائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطية؛ وحتى عبد الفتاح جولين عدو أردوغان اللدود أدان الانقلاب. 

ومع ذلك فإن فشل الانقلاب لا ينهى القصة التركية كلها، فأردوغان وبتأثيرات الإخوان المسلمين تراوحت استجابته ما بين الانتقام الذى ظهرت فى إهانة القوات المسلحة، واعتقال 7500 شخص، والإطاحة بمئات من القضاة، وباختصار تصفية حسابات مع المعارضين لحكمه؛ وما بين محاولة استخدام الديمقراطية والقانون لجلب التأييد العالمى لحكمه. فى كل الأحوال فإن أردوغان رغم نجاحه فى إجهاض الانقلاب فإنه خسر المكانة والمهابة التى حاول بناءها، وأفقد ثقة العالم فى دولته التى ظهر أنها منقسمة ويصعب الثقة بها وبقواتها المسلحة سواء فى مقاومة الإرهاب أو فى العمل المشترك لتدمير داعش، فضلا عن توجيه ضربة كبيرة للاقتصاد سواء فى السياحة أو الاستثمار. تركيا لن تعود مرة أخرى كما كانت، وهناك سلسلة من التفاعلات الجديدة التى يصعب التوقع بشأنها فى هذه المرحلة المبكرة. 


نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟