المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد المختار الفال
محمد المختار الفال

إيران الأفريقية.. نشر للتشيع أم استغلاله للسياسة؟

الأربعاء 10/أغسطس/2016 - 03:25 م

الحديث عن المذاهب والاصطفاف الطائفي في الصراع السياسي الدائر بالمنطقة يشكل حرجاً للكثير من الكتاب والمثقفين، على رغم تسليمهم بأنه واقع بات يفرض نفسه على المواقف والخطابات السائدة في الإعلام ومنابر التأثير.. وهم يتحرجون من مناقشة

«الوجه الشيعي لإيران»، وامتداداته على الخريطة العربية ومجالها الطبيعي لأنهم لا يريدون الوقوع في خطيئة الطائفية التي تمزق المجتمعات وتقطع خيوطاً متداخلة متماسكة في نسيجها لمئات السنين كما لا يريدون المساهمة في تعميق الشرخ الذي يستغله السياسيون، فيزيدون تركيز الضوء على المذاهب لأن من شأن ذلك إخراجها من الخاص إلى العام وتحويلها من «وسيلة خاطئة» إلى هدف بعد أن جعلتها السياسة «أنفاقاً» تمرر من فوهاتها مشاريعها.. وتزداد الحساسية حين ينظر المثقف الخليجي إلى واقع مجتمعات دول مجلس التعاون، إذ يشكل الشيعة جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني وامتداداً طبيعياً للتشيع العربي الذي لم يكن - يوماً من الأيام - سبباً في إضعاف الجبهات الداخلية أو تعريض الأمن الوطني للأخطار الخارجية، بل إن التاريخ يسجل بطولات الوطنيين، على امتداد الخريطة العربية، ضد التدخلات الأجنبية من دون أن يميز طوائفهم أو انتماءاتهم المذهبية.

نقول هذا ونحن لا نستطيع تجاهل السياسة الإيرانية المذهبية وامتداداتها وطموحاتها منذ قيام الثورة 1979، إذ رفعت «لافتات» تصديرها، بحسب الموقع والجمهور المستهدف، ففي المنطقة العربية «المأزومة» بالفشل في مواجهة المشروع الصهيوني وموقف الغرب الظالم من القضية الفلسطينية، رفعت طهران شعار دعم المقاومة فألهبت مشاعر الكثيرين واندفع بعض الفلسطينيين - لظروف مختلفة - للتعاون معها والإشادة بدورها، لكن الوقائع على الأرض كشفت المستور وفضحت الأهداف.

وفي أفريقيا دخلت إيران تحت مظلة «الأخوة الإسلامية ومحبة آل البيت ومقاومة ظلم الشيطان الأكبر»، كما دخلت إسرائيل من نافذة الحروب والنزاعات العرقية وحركات الانفصال وأطماع الجنرالات الطامحين إلى السلطة.

والقارة الأفريقية جذبت ثلاث قوى غير غربية، تتسابق للحصول على أكبر جزء من الغنيمة: الصين وإسرائيل وإيران، وبالطبع تختلف وسائل كل قوة عن الأخرى بحسب إمكاناتها وصورتها الذهنية لدى المجتمعات الأفريقية، وما تقدمه من «ذرائع» تسهل دخولها وتقربها من أهدافها، فالصين جاءت في صورة الصديق الودود الذي لم يرتبط في ذهن الأفريقي بأية خلفية سلبية تتصل بالحريات أو امتصاص الثروات كما هي صورة المستعمر الغربي، وقدمت نفسها بصورة ناعمة تستخدم الأرقام وتقدم «الهدايا» المحسوسة، فالكثير من العواصم الأفريقية تحتضن «قاعات الصداقة» الصينية، حيث المباني الأنيقة المحاطة بالحدائق المنسقة، كما وجدت في القرى والأرياف ومع الرحل لتجمعهم حول الآبار «الارتوازية» المتدفقة بالمياه النقية العذبة بعد أن كان الجفاف يفرقهم ويفعهم إلى المدن.. وإسرائيل، بأسلوبها «السري» تنشط في دوائر صنع القرار وتقدم الاستشارات والمساعدات العلمية والعسكرية والمعلوماتية وتدرس النزاعات العرقية والسياسية والاختلافات الثقافية، فتعمل على زرع العملاء والأتباع والاصدقاء وتدخل «عصب» الشبكة المالية والبنكية ولا تزاحم التجار الصغار وتكتفي بالسيطرة على «الرؤوس». أما إيران الطامحة إلى توسيع دائرة قبولها في الجسد المسلم فقد رفعت - بداية الثمانينات من القرن الماضي - لافتات الأخوة والإسلامية ومناصرة الضعفاء والوقوف في وجه الطغاة وقوى الاستكبار ومحاربة من يقف معهم.. استغلت مشاعر الشعوب الأفريقية المسلمة وتعلقها بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، كما استغلت «ثقافة المشيخة» وتركيز القرار في يد «صاحب الطريقة»، وتأثيره على محيطه وأتباعه. واستفادت من روح التسامح السائدة في هذه القارة، فهي كما وصفها أحد دعاة التشيع - السوداني معتصم سيد أحمد - بأنها «تربة خصبة، فإذا نظرنا للجزء الشمالي من القارة: مصر والجزائر والمغرب والسودان نجد حباً متجذراً في نفوس هذه الشعوب بالولاء لأهل البيت إلى جانب البساطة في قبول الطرف الآخر، فالأفريقي بشكل عام متسامح يقبل الحوار ويقبل الطرف الآخر».

هذه الشخصية المتسامحة المرحبة بالآخر ليست هي كل ما يجذب إيران، بل إنها «الطريق» الذي دخلت منه إيران مجتمعات القارة لتحقيق أهدافها السياسية، من استغلال الثروات وكسب النفوذ وتكثير الأصوات المدافعة عن نظامها وسياساتها في المنظمات والمحافل الدولية. هذا هو الذي دفع طهران لإنفاق البلايين على مشروعها التوسعي، حتى وإن كان على حساب الإيرانيين الجياع، وهذه القارة «الطيبة» لم تعرف التشيع حتى قيام الثورة الإيرانية، إذا استثنينا الجالية اللبنانية الموجودة في غرب القارة، وهي جالية لم تكن يوماً معنية بالدعوة للمذهب قبل مجيء الخميني، إذ كانت منشغلة بالتجارة والتواصل مع النخب الحاكمة من أجل ضمان أمنها وممتلكاتها في بلدان عرفت الانقلابات والقلاقل والحروب الاهلية، لكن قيام الثورة ورفع شعار تصديرها شجع بعض أفراد هذه الجالية على الدخول في هذا المجال ولكن بحذر شديد. وتغير هذا الواقع بشكل ملحوظ بعد سنين ليست بالكثيرة، حين فتحت طهران جامعاتها ومعاهدها ومصارفها للطلاب وسماسرة الدين وتجاره لتتشكل كيانات شيعية، إن صدقاً وإن كذباً، في العديد من الدول التي لم يكن بها شيعي واحد من أبناء الوطن. ويرصد المتابعون لهذا النشاط السياسي المتدثر بالشعار الديني أن عدد المسلمين السنة الذين تشيعوا تجاوز 7 ملايين. ويقول أحد قادتهم في ساحل العاج إن التشيع في بلاده يسير وفق خطة منتظمة ترعاها إيران، ليكون المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي في بلاده بعد عشر سنوات، (يشكل المسلمون 60 في المئة من سكان البلاد وغالبيتهم على المذهب المالكي). واستثمرت إيران العديد من العوامل حتى نجحت في تكوين مجموعات ترقى إلى مستوى الظاهرة في بعض الدول مثل نيجيريا (5 ملايين). ومن تلك الأسباب استغلال الفقر والجهل وحاجة بعض الدول إلى المساندة السياسية والمساعدات العسكرية الاقتصادية، وتراجع دور المؤسسات الخيرية العربية بعد 11 سبتمبر، واستغلال حال الرفض الناتجة عن عمليات الإرهاب التي ربطها الإعلام بالمسلمين السنة في السنوات الأخيرة.

ويلاحظ أن إيران، وهي تدعو إلى مذهبها، لم تعمل إلا في البيئات المسلمة، مع أن أفريقيا بها نسبة كبيرة من الوثنيين وإدخالهم إلى دائرة الدين أولى من تشييع مسلمين على مذهب الإمام مالك في غرب القارة والإمام الشافعي في شرقها، هي شعوب تلتقي معها في حب وإجلال آل البيت.

والخلاصة التي تدعمها الشواهد هي أن إيران «مشروع توسعي» يرفع شعار الدين وينفق ثروات البلاد لتوسيع مجاله الحيوي، وأفريقيا بيئة خصبة بشرياً واقتصادياً والفوز بها غنيمة يجب ألا تترك لنظام طهران.


نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟