المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

إدارة العلاقات المصرية ـ السعودية: ما المطلوب؟

الإثنين 17/أكتوبر/2016 - 03:50 م
ماذا نتعلم من الخلافات المصرية ـ السعودية التى ظهرت على السطح وأثارت النقاش أخيرا؟ عدة استخلاصات, ولكن أهمها ضرر الخوف من الاعتراف بوجود اختلافات بيننا ومواجهتها، فتتحول هذه الاختلافات إلى خلافات قد تفرق بيننا فى وقت لا تستطيع كلتا الدولتين والمنطقة العربية أن تتحمل الخلاف بين جناحى الأمة.
عندما كتبنا سابقا فى جريدة الأهرام نفسها عن «المسكوت عنه فى العلاقات المصرية ـ السعودية»، اتهمنا البعض ـ بمن فيهم بعض الإخوة من الاعلاميين السعوديين ـ بأننا لانريد لهذه العلاقات أن تتقدم. بينما كان الهدف هو العكس تماما.
فالاختلافات ـ وحتى الخلافات ـ داخل الأسرة الواحدة طبيعية، يختلف الزوجان مثلا فيما يتعلق بتربية الأولاد أو اختيار نظامهم المدرسي، يختلف الاخوة والأصدقاء حتى فيما يتعلق بموضوعات ثانوية مثل كيفية قضاء السهرة أو ماذا يأكلون.

إذا تكررت هذه الاختلافات ولم يتم مناقشتها ومواجهتها بالصراحة المطلوبة، يتجنب كل منهما الآخر وتتحول هذه الاختلافات الثانوية إلى خلافات وشقاق، وقد تؤدى إلى قطيعة.
تتشابه العلاقات بين الدول فى هذا الصدد، بمعنى أن الاختلافات بينها هى متوقعة وطبيعية للغاية.
فإما بسبب موقعها الجغرافي، أو تكوينها الاجتماعي، أو توجهات نخبتها الحاكمة، أو مطالبها الاقتصادية.. تمر الدول بهذه الاختلافات ويعتبرها العديد جزءا لايتجزأ من إدارة علاقاتها معا، حتى بين أكثر الدول صداقة ولو كانوا حلفاء، مثل العلاقة الخاصة جدا بين الولايات المتحدة وبريطانيا، التى ما درج الزعيم الفرنسى شارل ديجول على تسميتها «العصبة الأنجلو ـ ساكسونية»، ونحن نعرف أيضا أن الاختلافات طبيعية حتى داخل الاتحاد الأوروبي، وقد يكون غير الطبيعى ألا يكون هناك هذه الاختلافات بين الـ 27 دولة الأعضاء فى الاتحاد. لاحظت أيضا أنه فى حالة منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية بين ثلاث دول فقط، الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، أن عدد الصفحات فى الوثيقة الرسمية التى تعالج وسائل تسوية الخلافات أكثر بكثير من صفحات بنود الاتفاقية، وتبرير هذا التفاوت فى عدد الصفحات هو أن ما يربط هذه الدول وتم الاتفاق عليه سهل التعامل معه، ولكن الاختلافات وحتى الخلافات متوقعة ولكن غير معروفة بدقة ولذلك وجب الاستعداد لها ووضع إستراتيجية مفصلة للتعامل معها، حتى تستطيع منطقة التجارة هذه الاستمرار بسلاسة. وهو فعلا ما يحدث. حيث كان هناك تدخل من جانب المحاكم لحسم خلاف بين المصدرين، ولم تتطلب هذه الخلافات التجارية تدخل النخبة الحاكمة أو تعليق تنفيذ أية اتفاقيات فيما يتعلق بتصدير مواد بترولية أو غيرها، كما حدث أخيرا من جانب أرامكو. لا تقل العلاقات السعودية ـ المصرية أهمية عن هذه العلاقات داخل الاتحاد الأوروبي، أو منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشماية، فالدولتان هما فعلا جناحا الأمة العربية والإسلامية.وحتى قبل الأزمة المستحكمة التى يواجهها حاليا كل من هذين العالمين. ألا نتذكر أن الملك فيصل كان الزعيم العربى الوحيد الذى تم إبلاغه بموعد ساعة الصفر فى حرب أكتوبر سنة 1973، وكان التواصل مستمرا قبل وأثناء الحرب للتنسيق فى استخدام سلاح البترول الذى كان له أثر كبير فى الجبهة السياسية لهذه الحرب؟ وتاريخ العلاقات السعودية ـ المصرية مملوء بأمثلة الارتباط والترابط بين هاتين الدولتين، ترابط مطلوب الآن أكثر من أى وقت مضي. بل أستطيع أن أقول إن إدارة علاقات كل منهما بالآخر يجب أن تكون الأولوية فى جدول أعمالها، عربيا وثنائيا.

فالنيران العربية مشتعلة، والعديد من الدول التى كانت ركيزة العمل العربى العراق أو سوريا ـ لديها ما يشغلها بل ويهدد وجودها، وحتى إذا توقفت الحروب الأهلية فى سوريا أو العراق هذا اليوم، فإن هذه الدول ستكون غائبة عن الساحة العربية ـ فعليا وليس لفظيا أو شعاراتيا ـ لفترة تقع إذن مسئولية كبيرة على مصر والسعودية فى حماية ما يتبقى من النظام العربى وهو ينتقل من أزمة الى أزمة .
ولكن الاعتماد المتبادل بين السعودية ومصر ليس إقليميا فقط، ولكن ثنائيا أيضا. فمثلا تحتاج مصر السعودية لمواجهة كبوتها الاقتصادية، مثلا احتياجات بترولية يومية، تدعيم الاحتياطى الأجنبى والجنيه، أو المحافظة على العمالة المصرية فى السعودية مع معدلات البطالة المتزايدة التى لا تزال تواجهها الحكومة المصرية.
من الجانب السعودي، لا يقل احتياجها بالمرة للدعم المصري، ليس فقط سياسيا ولكن عسكريا أيضا. فمثلا مع اشتداد التوتر الإيرانى السعودى حول الحرب بالوكالة فى سوريا أو اليمن، قد تحدث اشتباكات مباشرة بين الرياض وطهران.

تحتاج الرياض القاهرة للحيلولة دون هذا الاشتباك وردعه، أو مواجهته إذا حدث فعلا.
نرى إذن أن التحديات التى تواجهها كل من السعودية ومصر قد تكون وجودية، وأن كلا منهما لديه ما يحتاجه الآخر.
قليل مثل هذه المواقف التكاملية وفائدة الاعتماد المتبادل بين الدول، ولكنه موجود بين السعودية ومصر. بالرغم من أن الاختلافات طبيعية بينهما، كما هو الحال بين الدول الصديقة والمتحالفة، فإن الخلافات المتكررة غير طبيعية وحتى غير مطلوبة. المشكلة الأساسية فى ضمان العلاقات السلسة والمطلوبة من الجانبين هى أساسا مشكلة إدارة هذه العلاقات الوثيقة.

أى قبول الاختلافات وحتى المواقف المتباينة تجاه الحرب السورية، تركيا، قطر أو حتى إيران... مع التنسيق المستمر حتى لا تتحول الاختلافات الى خلافات أو أزمة. ولنتذكر أن تاريخ العرب الحديث يدل على أن الأمة العربية لم تعرف كيف تتحد، ويجب عليها الآن أن تتعلم كيف تختلف وتدير هذه الاختلافات الطبيعية لكيلا تقع فى فخ الخلافات والشقاق.

ففى الحالة السعودية ـ المصرية ترتكز هذه الإستراتيجية مثلا علي:

1 ـ توقع الاختلافات بل وتقبلها، وحتى وضع أجندة ببنود هذه الاختلافات.

2 ـ عندما يتحول أحد بنود الاختلاف الى خلاف، فلا يجب الوقوع فى فخ «تعايرنى وأعايرك»، بل تطبيق مقولة «الخلاف لا يفسد للود قضية».

3 ـ القيام بورش عمل دورية تجمع بين الساسة وبنوك التفكير فى البلدين لضمان عدم الوقيعة والوقوع فى الفخ وتدعيم التنسيق .

نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟