المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد

فوز ترامب وصدمة التحليل السياسي

الأربعاء 16/نوفمبر/2016 - 02:15 م
أثار فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة جدلاً واسعاً حول عديد من القضايا التي تتعلق بمستقبل الولايات المتحدة وعلاقتها بالعالم، ولكنني أجد نفسي معنياً كمتخصص في علم السياسة بصدمة فشل استطلاعات الرأي العام وتحليلات الخبراء في التنبؤ بنتيجة الانتخابات. فعلى رغم تقارب النتائج مع اقتراب موعد الانتخابات ثابرت الاستطلاعات إلى اللحظة الأخيرة، باستثناء نادر، على تأكيد فوز كلينتون، وكانت آخر نسبة حُددت لهذا الفوز هي 90%. ولاشك أن إحدى المعضلات الكبرى للتحليل السياسي هي الصعوبة الشديدة للتنبؤ بالمستقبل، وبالذات على المدى القصير والمتوسط، لاعتبارات كثيرة على رأسها تعقد الظواهر السياسية بحكم كثرة المتغيرات المؤثرة فيها وتشابكها، وتحيز المحللين السياسيين باعتبارهم بشراً يمثلون جزءاً من الظواهر التي يحللونها ولهم بشأنها توجهات ومصالح تؤثر على تحليلاتهم، واستحالة إجراء التجربة بالمعنى العلمي الكامل وهي الوسيلة الوحيدة لقياس أثر المتغيرات على الظواهر موضع التحليل بدقة، وأخيراً وليس آخراً أثر إعلان التنبؤات على مسار الظواهر بعد هذا الإعلان، فالظواهر الاجتماعية ومنها السياسية تتميز عكس الظواهر الطبيعية بإمكان التدخل البشري للتأثير على مجريات تطورها، بمعنى أنه يمكن لنظام حاكم ما مثلاً إذا ذهبت التحليلات إلى قرب انهياره أن يتدخل بإجراء إصلاحات تحول دون حدوث هذا الانهيار وهكذا. وقد مثلت استطلاعات الرأي العام في هذا السياق واحدة من الأدوات التحليلية التي يُنسب لها فضل في التغلب على صعوبة التنبؤ وإن في حالات محددة أهمها التنبؤ بنتائج الانتخابات والاستفتاءات وما إلى ذلك.

غير أن هذه الاستطلاعات بدورها كانت تخفق أحياناً على نحو لافت كما في الانتخابات التشريعية البريطانية في 1970 عندما أجمعت استطلاعات الرأي على فوز ساحق للعمال للمرة الثالثة على التوالي بنسبة أصوات تقترب من ضعف نسبة المحافظين فكان الفوز من نصيبهم! ومؤخراً فشلت هذه الاستطلاعات في التنبؤ بنتيجة استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وها هي تفشل أيضاً بجدارة في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. والمشكلة أن هذه الاستطلاعات يُفترض أن تلعب دوراً مهماً في عملية صنع القرار، بأن تجعل صانعه على وعي بتوجهات الرأي العام وتفضيلاته، ومن ثم يستطيع أن يضع هذه التوجهات والتفضيلات في اعتباره عند صياغة مضمون قراره كي يكسب تأييد الرأي العام، أو على الأقل يحيّد اعتراضه وما إلى هذا. وبالتالي فإن الشك المتزايد في دقة استطلاعات الرأي العام يمثل مشكلة حقيقية تواجه ديمقراطية صنع القرار، بمعنى أنه إذا كانت هذه الاستطلاعات غير دقيقة فإن المعنى الوحيد لهذا أن القرار سيأتي استجابة لواقع مشوه! وقد كنت أتصور حتى هذا الفشل الأخير أن السبب في عدم دقة هذه الاستطلاعات أو فشلها هو مجرد تأثير إعلان نتائجها على السلوك اللاحق للمواطنين، بمعنى أن ترجيح تفوق مرشح أو آخر قد يدفع أنصاره إلى التراخي بدافع الثقة، وخصومه إلى التكتل من أجل تفادي الهزيمة. ولكنني بعد صدمة الفشل الأخيرة سمعت الجديد من خبراء أميركيين وغير أميركيين لا أدري أين كانوا قبل ذلك، ولماذا لم ينبهوا إلى ما يقولونه الآن، ومؤداه أن هذه الاستطلاعات معيبة أصلاً في منهجها لأنها تستسهل إجراء الاستطلاعات في مناطق بعينها تتركز فيها أعداد كبيرة من الناخبين، وبالتالي يتم تجاهل المناطق الريفية والبعيدة التي يمكن أن يكون أنصار ترامب قد جاؤوا منها. ولو صح هذا لكان معناه أن ثمة تطويراً واجباً لهذه الأداة يضمن دقتها، وإلا فقدت صدقيتها ومن ثم أهميتها بالنسبة لصانع القرار، وقد تُفسح المجال لأدوات غيرها قد تكون كيفية، وهذا موضوع لا مجال للتفصيل فيه الآن. ويُضاف إلى قصور استطلاعات الرأي العام قصور آخر في توقعات النخبة الأكاديمية والسياسية، ومن الطريف أن التحليلات تكشف الآن عن حقائق لم تنل حظها الواجب من الاهتمام على الإطلاق إبان الحملة الانتخابية كامتعاض شرائح واسعة من البيض أو المهمشين من النظام الأميركي وفساده، بل ومن مكونات بديهية في التجربة الأميركية كالتنوع العرقي، وهذه كلها أمور بالغة الأهمية بالنسبة للمستقبل الأميركي، فأين كانت هذه التحليلات وكيف السبيل إلى القضاء على ما كشفت عنه من قصور؟

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟