المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. ليلي تكلا
د. ليلي تكلا

التعليم صياغة البشر (3)

الإثنين 02/يناير/2017 - 03:00 م
نستكمل الحديث عن قضية الفكر وإعمال العقل التى نحتاجها اليوم أكثر من أى وقت مضى لنكرر أنها مسيرة تبدأ بالمعلومات والبيانات ثم المعرفة والفهم ثم الفكر والتفكير وإعمال العقل وصولاً إلى اتخاذ القرار بالقيام بفعل ما أو الامتناع عنه ونؤكد أنه كلما كانت كل من هذه المراحل تتصف بالدقة والصدق والموضوعية يأتى القرار رشيداً ناجحاً متزناً يحقق أهداف الوطن.

كل إنسان تتجاذبه أحساسيس لا حصر لها كماّ ونوعاً، منها الإيجابى ومنها السلبى ، تمتزج ما بين سعادة وغضب، محبة ورفض، احترام أو إزدراء، تتباين بين رغبة فى التعاون والتكافل أو اللامبالاة، وبين سلبية تامة أو إقدام على المشاركة. ولا غضاضة فى كل ذلك فكلنا بشر وكلنا نتعامل مع الأحداث والأفراد بشحنة هائلة من الطاقة والمشاعر المتباينة. إن كان ذلك صحيحاً ومقبولاً فما الذى يفرق بين الخطأ والصواب وبين شخص وآخر؟؟ ترتبط الإجابة بمسيرة عملية التأثير على العقل. فالإنسان يولد صفحة بيضاء تأخذ الشكل والمضمون حسب ما يسجل عليها من أحداث وحوادث وحسب ما يسمع ويقرأ ويرى ويشعر، مصادر متعددة أكثرها تأثيراً عملية التعليم. والفرد – رغم ظاهرة التسرب –يقضى فى المؤسسات التعليمية أطول مدةخلال مراحل تكوينه،تتكون شخصيته وعقليته وتفكيره حسب ما يزرع فى وجدانه من خلال المناهج والأنشطة والتجارب، وسلوك وعلاقات المدرسين والزملاء.

يقوم التعليم بإثراء الإنسان بالمعلومات والمعرفة وفى نفس الوقت يمده بوسائل وآليات وقدرات الوصول إليها بعد انتهاء فترة التعليم وإن كان «التعليم» له مراحله وأهدافه المحددة المبادرة والمسئولية فيه للمدرس، فإن «التعلم» عملية يقوم بها الفرد بعد تهيئـته بالقدرة على البحث عن المعرفة والمعلومات حتى بعد انتهاء المرحلة الدراسية.

التعليم قضية مهمة أساسية حيوية، وهى فى نفس الوقت شديدة التعقيد بسبب ضخامتها وتعدد مقوماتها وأيضاً بسبب ارتباطها بعدد آخر من المشكلات. مقومات العملية التعليمية متعددة تشمل المدرسة (مبنى وموقع) والمدرس، والأنشطة، ودور الأسرة، والجمعيات الأهلية وقبل كل ذلك المناهج والتدريبات كما تتأثر بمشكلات أخرى منها الثقافة السائدة، الانفجار السكانى، عمالة الأطفال، مصداقية التواصل الاجتماعى وأهدافه، مشكلة التسرب، التغذية الصحية ، الإمكانات المادية المتاحة. ثقافة احترام الأبوين والمدرسين.. وبصفة عامة فهى إن كانت تشكل نمط الحياة فإنها أيضاً تعكس كل نواحى الحياة والسلوك وكثير منها يحتاج لتصحيح.

قضية تعانيها تقريبا كل الدول حتى الثرية... وصلت المشكلة فى الولايات المتحدة إلى حد أن أطلق عليها «أمة فى خطر». هذه الضخامة تجعلنا نقف أمامها بشعور من الحيرة وذلك لأننا ننظر إليها ولكل ما تحوى من مشكلات ومقومات ونريد أن نحلها جميعاً معاً وكأنها مشكلة واحدة بينما الواقع يؤكد أنه ليس هناك علاج واحد لكل ما يعتريها من مشكلات. المدخل العلمى يكون بتحليل المشكلة لعناصرها ثم تناول كل منها على حدة للدراسة والبحث عن الأسباب المتعددة ووسائل العلاج التى تختلف لكل منها وإلا سوف نشعر أمامها بالحيرة والإحباط وأحياناً الضياع أو التخبط.

من بين هذه المقومات والمشكلات، نتناول هنا واحدة... المناهج ليس فقط لكونها أكثرها تأثيراً لكن أيضاً لأن قضايا المبانى وتأهيل وإعداد جيش المدرسين وتوفير الأنشطة وغير ذلك يقتضى موارد وأموال وكفاءات هائلة بينما تغيير المناهج أمر فى يد الدولة لا يتطلب منها إلا الإرادة السياسية والجدية فى مسألة مراجعة وتطوير المناهج كى نرفع منها ما لا ينفع ولا يضر، وحتى تتضمن ما يحتاجه الطالب لتنمية العقل، وما يحتاجه الوطن فى هذه المرحلة المصيرية من قدرات وإبداع وحلول غير تقليدية.

ونظراً لأن نقطة البداية فى أى إصلاح هى التعرف على الواقع الذى نريد تصحيحه يصبح علينا طرح التساؤلات التى ترسم ذلك الواقع ومن أهمها:هل المناهج بصورتها الحالية تمد الطالب بما يلزمه من معرفة ومعلومات صحيحة؟هل تقوم على تنمية الفكر وثقافة إعمال العقل؟ وهل تعكس الدراية بوسائل تنمية التفكير؟هل تمده بوسائل وآليات الاستمرار فى الحصول على العلم والمعرفة بعد المرحلة «التعليمية»؟ هل التعليم يهتم إلى جانب العلوم والمعارف «بالتربية» والأخلاقيات التى تمد الطالب بأصول التعامل والعلاقات؟
تعاون الدارسين على إدراك علاقة السببية التى هى أساس الفكر العلمى والتقدم واتخاذ القرار السليم؟هل تؤدى المناهج إلى تحقيق ما تحتاجه مصر من وحدة وطنية وتلاحم بين المواطنين ؟ هل تقود إلى التقارب بينهم أم إلى التفرقة وزرع بذور الصدام؟هل المناهج والتدريبات وأسلوب التدريس تقوم على صحيح الأديان والمبادئ التى نحتاجها مثل العدل والمساواة بين الدارسين واحترام الاختلاف وقبول التعددية وحب العمل؟
هل تمد الدارسين بالجرعة الكافية للتعريف بمصر تاريخها وتراثها وعطائها وتنمى فيه الشعور بالانتماء. إن من يعرف مصر لا يمكنه إلا أن يعشقها ويعطيها ولا يمكن أن يمس أرضها أو شعبها بسوء؟هل تدعو المناهج إلى الدولة الدستورية التى اختارها الشعب أم إلى الدولة الدينية التى تخلط بين الدين والسياسة وتسىء إلى كليهما؟
تساؤلات كثيرة كان لابد من البحث عن الإجابة الصحيحة الموضوعية لها حتى يمكن وضع الحلول التى تدعم الإيجابى منها وتصحح ما بها من سلبيات أو تقصير... والحديث مستمر.
نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟