المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
حسن منيمنة
حسن منيمنة

هل يكمل دونالد ترامب سنواته الأربع؟

الأحد 22/يناير/2017 - 03:14 م
في الولايات المتحدة رئاسة جديدة، وحركة احتجاج جديدة ليس الهدف منها المطالبة بحقوق أو السعي إلى إصلاح، بل الإصرار على عدم مشروعية الرئيس الجديد. مبررات الاحتجاج قد تختلف: البعض يعترض على عدم الانسجام بين المجموع العام للأصوات، والذي جاء لغير مصلحة ترامب، ومجموع أصوات المندوبين الانتخابيين، والذي فاز ترامب بفضله، باعتبار أن هذا التفاوت يشكل نقضاً لمبدأ حكم الأكثرية. والبعض يشتكي من التلاعب الخارجي بمجريات العملية الانتخابية، مع انكشاف تورّط روسيا بتسريب المعطيات التي استفاد منها ترامب وتضررت منها في شكل فادح هيلاري كلينتون. والبعض الآخر مستاء من الإخلال بحيادية مؤسسات الدولة، والمتمثل بإقدام مدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي على الحديث عن إعادة فتح ملف هيلاري، وذلك في الأيام الأخيرة السابقة للانتخابات، ما أربك حملتها وأثار نشاط حملة ترامب للطعن فيها. والبعض يرفض وحسب أن يقبل برئيس لا وازع أخلاقياً أو منطقياً أو معرفياً لكلامه وأفعاله.
لكن، وبما يتعدى التمنيات، ما هو المتاح فعلياً أمام المعترضين، وهل يمكن منع ترامب من إكمال ولايته؟ الجواب هو أن المتوافر الناجع محدود جداً، وإن لم يكن معدوماً.
ففي ما يتعلق بالمجلس الانتخابي، لا شك في أن خسارة ترامب القياسية، على مستوى مجموع الأصوات، على رغم فوزه (إذ قارب الفارق الثلاثة)، تضع نظام المندوبين الانتخابيين على المحك وتدعو إلى مراجعته. إلا أن بنية النظام السياسي في الولايات المتحدة، عن سابق تصوّر وتصميم، ليست قائمة على مبدأ سلطة الأكثرية الفجّة، بل على الموازنة بين الأكثرية العامة وحقوق الولايات. فهي تمنح الولايات الصغرى، والتي كان صوتها ليضيع لو كان النظام أكثروياً، حصة أكبر في التأثير في النتيجة. وللمجلس الانتخابي خصومه المبدئيون بلا شك، لكن معظم الاعتراض المدوي اليوم عائد إلى نتيجة الانتخابات لا إلى غياب التمثيل نتيجة اعتماد نظام المندوبين. فالدعوات إلى إبطال العمل بالمجلس الانتخابي واعتماد التصويت العام، على صعوبة تحقيق مرادها إجرائياً ودستورياً، هي ذات نبرة انفعالية رداً على فوز ترامب، والأرجح أن تخفت. لكنْ حتى لو تحقق مطلب هذه الدعوات، فلن يؤثر في رئاسة ترامب، إذ إن المفعول الرجعي للقرارات مرفوض عرفاً ونصاً في أميركا.
لكن إزاء ما يقارب المحال في شأن المجلس الانتخابي، فالتفاصيل تشير إلى إمكانية فعلية لمساءلة ترامب في ما يتعلق بالتدخل الروسي. وتحديداً، وحتى مع عدم التثبت من مزاعم الملف الفاضح، فتتابع الوقائع في مطلع الصيف الماضي يثير الريبة والشبهة التي تقتضي المتابعة. فعلى رغم الخلاف في مواقف جمّة بين ترامب والمؤسسة الحزبية الجمهورية في مستهل حملته الرئاسية، فإنه لم يطالب بإعادة النظر في البرنامج الحزبي إلا في ما يتصل بتعديل الشق المتعلق بروسيا، والذي كان ينص على دعم تسليح أوكرانيا. وفي اليوم التالي لنجاحه بالاستحصال على التعديل، بدأ انهمار التسريبات المؤذية لحملة كلينتون. فهل كانت في الأمر مقايضة بين حملته والجانب الروسي، لا فقط تدخل روسي لمصلحته من دون معرفته؟ والتدقيق الموضوعي بالمجريات يضع المسألة في خانة الظنّ. لكن، على رغم استقلالية المؤسسات الأمنية ومهنيتها، فإن غياب الدليل، وإن توافرت القرائن، يبدد احتمالات متابعة القضية، إلا إذا ظهر جديد في هذا الشأن.
أما المسألة التي تتوافر فيها المعطيات للانتقال من الفرضيات إلى المقاضاة، فهي سلوك مدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي. فالرسالة التي وجهها إلى السلطة التشريعية، ونشرت في وسائل الإعلام قبيل الانتخابات، جاءت خلافاً للأعراف والأصول، وأتاحت المجال لترامب، وهو غير المعني بالوقائع أساساً، للزعم أن كلينتون متورطة بفضائح أخطر من ووترغيت، ما أضرّ بالتأكيد بجهودها التعبوية. وقد تطاول كومي بعض الإجراءات الاقتصاصية نتيجة التحقيق بسلوكه. وإذ يشكل ذلك بعض النصر المعنوي لهيلاري، فإنه لن يؤثر في النتيجة، ولا خطر البتة على رئاسة ترامب من الناحية الشكلية.
يبقى الاعتراض المبدئي على العوز الأخلاقي والفكري والسلوكي لدى ترامب، بما في ذلك الاستهجان بأن هذا الشخص المثخن بالعيوب والذي تغيب عن كلامه القيم والحقوق، يفقد الولايات المتحدة مكانتها أمام ذاتها كما أمام الآخرين، ويتيح المجال لاستفحال الاستبداد في مختلف أرجاء العالم.
أما في الداخل، فإن دواعي الاعتراض على ما يقدم عليه تبدو سيلاً لا ينقطع، يلزم الخصوم اختيار القليل للملاحقة، فيما الكثير يتدفق ويتجاوزهم. فترامب قد اختار لوزارات حساسة، مثل التربية والبيئة والطاقة، وزراء عتيدين مشهوداً لهم سعيهم إلى إلغاء هذه الوزارات، كما قرّر الاستمرار بملكية شركاته التجارية ضارباً عرض الحائط بالحاجة إلى منع تداخل المصالح، وهو كذلك عيّن صهره وربما ابنته وابنيه لمناصب في إدارته، على رغم تعارض ذلك شكلاً وروحاً مع السوابق والتوقعات. وهو أيضاً، بعد أن تقمّص صورة المدافع عن المواطن العادي، يعتزم المباشرة برفع الأعباء الضريبية عن قمة الأثرياء، مع اختياره لبعض أكثرهم ثروة أعضاء في إدارته. وإذ يبدو ترامب غير قادر على ضبط إيقاع تهوّره، فإن في سلوكياته هذه ما قد يودي به إلى نهايته. إلا إذا اجتهد خصومه لإنقاذه.
فهؤلاء يتداولون اليوم كلاماً قيل في الجمهور الناخب، يعيره ويعير ترامب على حد سواء. إذ كان إيتش أل منكن، أحد أبرز المعلقين السياسيين في الولايات المتحدة في النصف الأول من القرن الماضي، قد كتب مقالاً انتقد فيه الشعبوية والانفعالية في العملية الانتخابية، وختمه بقوله: «في يوم عظيم وجليل، سيشهد عامة أبناء هذه الأرض تحقق أمنيتهم القلبية بعد طول انتظار، إذ يصل إلى البيت الأبيض رجل كامل الغباء».
فقد يكون ترامب ذاهباً إلى الفشل. لكن إذا أصرّ خصومه على رسم خطوط التماس بينهم وبين الجمهور الذي صوّت له لاعتبارات جمّة، فإن هذا الجمهور قد يقدّم لترامب حبل النجاة من الورطة التي لا يبدو قادراً على تجنّبها. وسواء أنهى ترامب أعوامه الأربعة أم لا، فإن السبيل الوحيد لمنع الظواهر الشاذة من الإضرار بالحياة السياسية في الولايات المتحدة هو مواجهة الاستقطاب الذي يمتطيه ترامب وأمثاله من الشعبويين.
نقلا عن الحياه

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟