المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد خليفة
محمد خليفة

العقلانية الكونية والنزعة المادية

الأحد 19/فبراير/2017 - 04:14 م
في الانعطافات التاريخية الكبرى تعاد صياغة الأسئلة الجوهرية التي تفسر الأسرار الكبرى للظواهر المادية؛ إذ إن الصيرورة تكون بين حدين متضادين؛ فالوجود الواقعي يكمن في طبيعة الصراع الذي تقوم به الأشياء ضد بعضها.
هذا الصراع بين الأضداد هو الذي يُحدث ثنائية الوجود نتيجة الظواهر الفسيولوجية والقوة المادية السياسية؛ لأن هذه القوة لا تُنتج، حسب طبيعتها، إلا الفوضى العارمة، المفعمة بالمأساة، وقد جسد الرئيس الأمريكي ترامب ذلك، من خلال معطيات سياسية شعبوية يمينية تُحول بقوة منطقَ السياق والأحداث إلى فعل في التاريخ، بما يجعل هذا العالم يغوص في اللامعقول، بفعل الصفات المتضادة في صيرورة العدالة الكونية، والمفاهيم الكبرى داخل ثنايا التاريخ.
وهذا ما أفرزته الاستطلاعات: بروز الثقافة الشعبية اليمينية في المجتمع الأمريكي. وتزايد الحيرة والارتياب في أمريكا البلد الكبير، والقوة العظمى المؤثرة في كل العالم، أساطيلها في جميع البحار والمحيطات، وأقمارها الصناعية، وثقافتها تغزو أغلب المجتمعات، وشعبٌ قطع أشواطاً كبيرة في سلم المدنية والتحضر على المستوى الإيديولوجي والسياسي، المبني على معايير أخلاقية مشتركة بين أفراد المجتمع، والركائز الاجتماعية المتعلقة بالجوانب الحضارية.
هذه الإشكالات خلقت اختلالاً، وبشكل كبير، في التوازن بين النزعة الفردية والروح العامة الجماعية، وترسيخ قيم المواطنة، وحقوق الإنسان، باعتبارهما أبرز الخصائص المميزة للديمقراطية الأمريكية. فالمجموعات الأخلاقية التي تشكل منها المجتمع المدني الأمريكي تتعرض للتدهور، والتفكك الأنتروبولوجي وتناقضاته، في الشكل الحضاري الأعلى، والأنفاق الإيديولوجية القديمة، لتمتد كينونتها لتسحق أعمق ما فيه زهرة الروح، الروح الأسمى، والتي تنبثق منها أعلى الإرادات في أكثر الطرق عتمة في ليل البشرية البهيم، والتي تدفع إلى ملامسة تخوم الأكوان الميثولوجية في أسطر تقدم الأجوبة عن الوجود في حقيقة مرتبطة بالمقدس، بهدف استجلاء الدور الذي بدأ به الإنسان في الدائرة الأركيولوجية في الإطار الذي يحكم اجتهادات وانطباعات وميولاً راديكالية، على مستوى اللاشعور، في إطار الغرائبية السلوكية للترديات البشرية، وتبدلها في الدوغمائية النظرية بشواغل ظرفية جامحة، دفعته إلى محاكمة أصحاب الفكر اللاهوتي المتطرف، أو الأصولية الإقصائية في سبيل التمهيد الحاسم للانتقال من الفكر اللاهوتي إلى الفكر العلمي أو الثوري؛ من أجل تحرير المجتمعات من ثقافة القرون الوسطى وأساطيرها أو ميثولوجياتها حسب اعتقادهم، بحيث تتمكن الثقافة الأمريكية من القيام بدورها الريادي في الثقافة العلمية، وتحسم التناقض الرئيس بين الفكر اللاهوتي، وبين الفكر العلمي، عبر الصراع الدامي المرير والواق
سيقدم عليه؛ فحسب تصريحاته، فإن عقيدة مستشاريه؛ فيها نوازع وأبعاد ومضامين الإدانة والتجريح والسخرية والشطط من الواقع العام لسياسة العالم العسكرية والاقتصادية والصراعات الإيديولوجية المغشاة بالديمقراطية الليبيرالية المفعمة كلياً بالروح المادية والسلوكيات الانتهازية، لإيمانهم بأن جغرافية العالم تحتاج إلى هزات أعنف، وحركات أكبر، وأجيال أكثر، ووعي أعمق لكي تتغير فيها البنية المتكلسة، لتشكل أطروحات الرئيس ترامب بالفردانية التي تنتج عن طريق الشعور واللاشعور بالاختلاف والتميز؛ ما قد يؤدي إلى توتر دائم، دون احترام لهيبة القانون، أو احترام لقداسة الحقوق والواجبات للشعوب والدول. بل يستهدف السير في طريق يمتد من نقد الأمم المتحدة إلى الصين، والمكسيك وأوروبا واليابان والعالم العربي، ويدعو إلى التأسيس لتصورات جديدة في حقل السياسة في مجال المنهج والمفاهيم، ليخرج العالم بثوب جديد.
وهي المعادلة التي قد تنهي القطيعة بين الفكر الإمبريالي والواقع الرأسمالي، وهي حالة عدمية من أعمق مفارقات الحياة، وهي التعويذة لمن لا يؤمن بنشيد التقارب وصداقة اللامعقول، بحيث يقطع بناء الروح الجغرافية التميزية المختلفة لأبناء البشرية بكامل رموزهم وفضاءاتهم في خيوط الحزن، حتى تتكاثف غيماً يظلل سماء العالم، كما توقع فيلم «سوبرمان» لرتشارد لستر، في زلزال قوي ينسف العالم، ويتحدث عن كارثة تحط فوق البشرية، فتدمر مدناً بما عليها من بشر. إنه فيلم فوبيا السياسية وحرب العوالم وإيديولوجيات التطرف، وستشهد البشرية فترة مكثفة من التحولات السياسية العسكرية، وتغيير التاريخ والأحداث لتجربة الوجود الإنساني، والتعامل مع الوضع الإنساني في صيغة جدلية راديكالية تتمحور حول نظرية الحداثة السائلة لإصلاح ما سماه المفكرون بمرحلة ما بعد الحداثة، وفشل سيطرة المنظومة الرأسمالية على المجتمعات، فيما يُسمى بالنيوليبيرالية الحديثة، وبعضها أنتج الشعبوية الطاغية في أمريكا؛ ما أدى إلى اختيار ترامب رئيساً للولايات المتحدة، دون إدراك لمراعاة العيش الوجودي المشترك في بناء تصور جديد للعالم بعد اعتناقه ميولاً يمينية متطرفة موغلة في الشعبوية، ما أربك الناخب الأمريكي الذي تزاحمت عليه أفكار وتعبيرات وميول سياسية نسفت التوقعات في المعنى، وزلزلت الجوهر الحقيقي للسياسة بفعل الأقانيم الثلاثة: الإسلاموفوبيا، الهجرة، اللاجئين.
إن اللحظة السياسية الراهنة للعالم تستوجب الحفاظ بحرص شديد على مكتسبات الحضارة الغربية التي تعلي من قيم التسامح، وتفتح قنوات الحوار والتفاعل الإيجابي مع كل ما من شأنه أن يساهم في الوعي بالاعتراف والتواضع، على مستويات سياسية وإيكولوجية في استقرار العالم على كافة المستويات.
نقلا عن الخليج

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟