المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هل من سقوط قادم: حالة داعش الاقتصادية

الثلاثاء 28/فبراير/2017 - 01:03 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود أحمد عبدالله

يبدو السؤال عن حالة داعش الاقتصادية هو ضمن أسئلة كثيرة سؤالاً صعباً، نظراً لأنه سؤال يدور في إطار مفعم بالغموض والالتباس وعدم الوضوح. ومرجع ذلك بطبيعة الحال إلى غياب المعلومات الدقيقة، وعدم القدرة على سبر الموضوع المدروس بالطرق العلمية المنهجية، دون الرهان على الاحتمالات والاستدلالات المتعجلة والتقارير الصحفية المتحيزة، والمليئة بالتناقضات.

        ومع ذلك قام المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي بنشر تقرير كامل على موقعه تحت عنوان "الخلافة في انهيار: تقدير للحظوظ المالية للدولة الاسلامية" (1). ركز التقرير على تقدير موارد داعش خلال الفترة من 2014-2016، واعتمد في هذا التقدير على مصادر المعلومات المتاحة بشأن التمويلات التي يحصل عليها التنظيم في سوريا والعراق. وتمثلت أهم النتائج في أن التقديرات المتاحة حول تمويلات التنظيم تقديرات كثيرة ومتعددة للغاية وبات من المستحيل تقدير حجم الأموال المتاحة أمام التنظيم بدقة. وهناك من المبررات الكثيرة التي تدعو لذلك. يأتي على رأسها سرية التنظيم، ووجوده في منطقة سوق سوداء، وعدم شمول التغطية المعلوماتية كافة مناطق التنظيم. فالمعلومات المتوفرة من وسائل الإعلام تغطي مناطق بعينها، وتغفل أخرى. وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على الوثائق المسربة. فعلى الرغم من توفر وثائق تم تسريبها من التنظيم، وهي وثائق مالية، إلا أنها تتعلق بمناطق محدودة، وخلال فترة زمنية قصيرة.

واشتملت أهم مصادر المعلومات التي اعتمد عليها التقرير على وثائق التنظيم المسربة، وشهادات المقبوض عليهم، والتقارير الحكومية، والمقالات الصحفية، والتحقيقات الإعلامية، ودراسات مراكز الفكر، والمقابلات التي أجريت مع الخبراء والمسئولين الحكوميين.

وتمثلت أهم مصادر التمويل المعلومة في الضرائب (الزكاة) والتعريفة الجمركية ومن النفط ومن النهب ومصادرة الأملاك والغرامات. ولم تتوفر أدلة على أهمية التمويلات الخارجية. وبالمثل، فإن مبيعات الآثار والحصول على فدية من عمليات الخطف لا تمثل مصدراً أساسياً للدخل. وفي السنوات التي تلت عام 2014، بلغت العائدات السنوية للتنظيم أكثر من النصف حيث وصلت إلى 1.9 بليون دولار في عام 2014 ووصلت إلى حد أقصى قدره 870 مليون دولار في عام 2016، ولا يوجد أي دلائل حتى الآن على أن التنظيم قد استحدث سبلاً جديدة للتمويل. وفي ظل هذا السير في التراجع سينهار التنظيم لا محالة. ولعل النتيجة الأخيرة هي انعكاس لسوء الأحوال التي يمر بها التنظيم في الوقت الراهن. إذ بحسب ما ورد من أرقام وتقديرات التحالف الدولي في نوفمبر 2016، خسر التنظيم 62% من مناطقه في العراق، و30% فى سوريا. وهذا له ترجمته في السياق الاقتصادي، حيث يقل عدد السكان والأعمال التجارية التي تفرض عليها الضرائب وقلة الموارد الطبيعية مثل حقول البترول.

وبحسب التقرير فإن هناك من الأسباب التي تدعو للقول بأن مصادر تمويل التنظيم في طريقها للانهيار، خاصة وأن سقوط الموصل التي تمثل العاصمة التجارية لدولة التنظيم، سيمثل مصدر خطر كبير على تمويلات التنظيم. ولا يعتبر انهيار القدرات المالية للتنظيم دليلاً على احتمال ضعف العمليات التي سيقوم بها التنظيم خارج حدوده.  

وتفصيلياً كانت النتائج على النحو التالي:

بالنسبة للضرائب والرسوم، واستناداً إلى إجمالي إيرادات الزكاة المحددة بناء على استقراء العوائد الضريبية في مدينة الموصل أكبر مدن التنظيم بصيف عام 2014، تلقى التنظيم  مبلغاً يتراوح ما بين 300-400 مليون في عام 2014. وعلى الرغم من خسارته لأراضي على مدار العام، زادت المتحصلات وتراوحت ما بين 400-800 مليون دولار في عام 2015. وبفقدان المدن التي احتلها التنظيم هذا معناه انخفاض الإيرادات في عام 2016 لتصل إلى ما بين 200- 400 مليون دولار.

وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية، شهد عام 2014 عائدات نفط بلغت ما بين 150- 450 مليون دولار بناء على تقديرات الأرباح في الأشهر التالية للاستيلاء على العديد من آبار النفط العراقية خلال الصيف. وأدى الاستغلال المستمر للحقول على مدار عام 2015 في زيادة الربح ليتراوح ما بين 435-550 مليون دولار. ومع ذلك، فإنه منذ إطلاق عملية الموجة العارمة الثانية في 2015، تمكن التحالف الدولي من استهداف مواقع كاملة لاستخراج النفط من المصافي إلى الشاحنات الناقلة، فانخفضت الإيرادات بذلك الاستهداف. جنباً إلى جنب مع فقدان السيطرة على أسواق النفط الرئيسية في شمال سوريا وغرب العراق، ما أدى إلى تقدير الأرباح لما يتراوح ما بين 200-250 مليون دولار في عام 2016.

وتبين التقديرات أن عمليات الخطف قد بلغت أرباحها في عام 2014 ما بين  20-40 مليون دولار. فيما لم تتوفر بيانات حول عام 2015، إلا أن من المرجح أن يكون معدل الأرباح أقل من العام السابق، حيث أن معظم الرهائن قد تم الإفراج عنهم. وخلال عام 2016 حصل التنظيم على بعض الإيرادات من خطف الأهالي والحصول على فدية نظير إطلاق سراحهم، كان من بين هؤلاء المختطفين 230 من الآشوريين المسيحيين الذين تم الإفراج عنهم، ومن ثم بلغ حجم الإيرادات ما يتراوح ما بين 10-30 مليون دولار.

        وبالنسبة لمورد الآثار، فإن ما يقال عن أن هذا المصدر هو ثاني أكبر مصدر لتمويل التنظيم يبدو مبالغاً فيه. إذ بدلاً من أن يقوم التنظيم ببيع التحف، يكسب المال من بيع تصاريح الحفر وفرض رسوم العبور. ويعتبر الدخل المتولد من هذه الأنشطة هو أقل مصادر الدخل، ومن المرجح أن تنخفض إيراداته أكثر مع التقلبات الإقليمية ومنع التنظيم من الوصول إلى العديد من المواقع.

وفيما يتعلق بالتبرعات الأجنبية، هناك بعض الأدلة على أن القاعدة تلقى تبرعات محدودة من دول الخليج خلال عام 2000. ويبدو واضحاً أيضاً أن الجماعات المتمردة الأخرى في سوريا تلقى دعماً خارجياً استفاد التنظيم منه بشكل مباشر وغير مباشر، وخصوصاً قبل عام 2013 عندما كان التنظيم مجهولاً. وخلال الفترة الممتدة من عام 2014-2016، لا يوجد أي أدلة دامغة على هذه التبرعات أو الدخل القادم من الخارج.

وبالنسبة لأعمال النهب والمصادرة والغرامات، ومع توسع التنظيم في عام 2014 باستيلائه على مساحة واسعة من الأراضي، حقق التنظيم إيرادات تتراوح ما بين 500 مليون دولار إلى بليون دولار من أعمال النهب، وخصوصاً في الموصل، التي استولى عليها بالكامل في يونيو من ذلك العام. وبناء على بعض الأدلة من وثائق ميزانية المحافظات، وصلت تقديرات عام 2015 و 2016 إلى تقديرات منخفضة مع تراجع مساحة الأراضي التي يحتلها التنظيم (بنسبة 14٪ في عام 2015 و 23٪ في عام 2016)، والخسائر الحاصلة بسبب تراجع عدد السكان الذين هم تحت السيطرة بناء على تقديرات ما قبل الحرب ( بنسبة 4.8٪ في عام 2015 و18.3٪ في عام 2016)، علاوة على تناقص معدل المصادرات. حيث بلغت التقديرات ما بين 200-300 مليون دولار في عام 2015، و110-190 مليون دولار في عام 2016.

إن تقييم مالية تنظيم داعش بالأساليب التقليدية وفق مبدأ "مكافحة تمويل الإرهاب" يؤدي إلى تصورات خاطئة للغاية. فهذا التنظيم ظاهرة مختلفة جذرياً بسبب الأراضي التي يسيطر عليها والفرص التي توفر له دخولاً لا حصر لها. وخلافاً لمعظم الجماعات الإرهابية، لدى التنظيم سكان يمكن جمع الضرائب منهم، ولديه من الأراضي التي يمكنه استغلالها - سواء كان ذلك عن طريق استخراج الموارد الطبيعية، أو الاستيلاء على الممتلكات، أو نهب البنوك والمحلات التجارية. وهذا يعني أن هذا التنظيم هو أقل الجماعات الإرهابية اعتماداً على المانحين الأجانب، والجمعيات الخيرية، أو استخدام النظام المصرفي الدولي.

إن اعتماد التنظيم على السكان وعلى الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها سوف يقلل مستقبلا من موارده. ووفقاً للأرقام التي قدمها التحالف الدولي، فقد التنظيم الكثير من أراضيه وسكانه، وهذا يعني أن لدى التنظيم عدداً أقل من الناس والشركات، وسيطرة أقل على الموارد الطبيعية، وخاصة حقول النفط. وهناك إجراءات خاصة قام بها التحالف الدولي أثرت على تمويل التنظيم تأثيراً كبيراً. وكان من بين أهمها: (1) قرار الحكومة العراقية في أغسطس عام 2015 بوقف صرف رواتب موظفي الحكومة في الأراضي المحتلة من تنظيم داعش. (2) إطلاق عملية الموجة العارمة الثانية في أكتوبر 2015 التي استهدفت البنية التحتية الأساسية للنفط ونظم النقل، والمستودعات النقدية؛ و(3) مواصلة الجهود للحد من التهريب عبر الحدود مع تركيا والمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في العراق. وباختصار، فقد انخفضت ميزانيات التنظيم وذلك دون اللجوء لتدابير تهدف لتجفيف منابع التمويل المفترضة بحسب المقاربة التقليدية التي تهتم بتتبع مصادر التمويل الخارجية أو مراقبة النظام المصرفي، ولكن في الغالب بسبب الحملة السياسية والعسكرية الواسعة لعزل الحركة وإعادة الأراضي التي حصلت عليها.

وبحسب صحيفة دير شبيجل الألمانية(2)، فإن ما يقدمه التقرير من معلومات يغفل جانباً هاماً وهو حجم تمويل داعش للعمليات التي يجريها على الأراضي الأوروبية. فتنظيم بهذا الحجم بحسب التقديرات التي يقدمها التقرير المذكور، كم تبلغ الأموال التي يعتمدها للإنفاق على عملياته خارج الأراضي التي قام باحتلالها. وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن العملية الإرهابية الكبيرة التي جرت في فرنسا قد بلغت تكلفتها عشرون ألف يورو، فيما كان المبلغ المدفوع لإجراء عملية بروكسل زهيدا مقارنة بإمكانيات التنظيم المالية.

الهوامش

(1) يرد محتوى التقرير كاملاً على الرابط التالي:

http://icsr.info/wp-content/uploads/2017/02/ICSR-Report-Caliphate-in-Decline-An-Estimate-of-Islamic-States-Financial-Fortunes.pdf.

(2) تقدم الصحيفة عرضا مختصرا للتقرير، يمكن مراجعة العرض ورؤية الصحيفة له على الرابط التالي:

http://www.spiegel.de/international/world/islamic-state-finances-are-bad-and-getting-worse-a-1135453.html

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟