المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

المناطق الآمنة: إعادة التشكيل الروسي الأمريكي لخريطة تفاعلات الشرق الأوسط

الأحد 12/مارس/2017 - 02:25 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إيمان زهران

الخطاب الترامبى المبهم، والتحركات الافتراضية لإعادة خلق وضعية أمريكية بمجريات الأحداث للشرق الأوسط، فرضت نمطًا جديدًا أشبه بنمط «الفوضى الخلاقة» الخاص بجورج بوش الابن فى العراق، ووزيرة خارجيته كوندليزا رايس، لكن الاختلاف المنوط به فى ذلك، رغم تشابه السياسات والدوافع فى بسط السيطرة، لكن نمط التفاعل مختلف باختلاف إعادة تشكيل التحالفات المساندة للإستراتيجيات الأمريكية الحديثة، على الرغم من توجهها المزمع فى نهاية ولاية أوباما نحو الخروج من بوتقة الشرق الأوسط والانخراط فى السياسات الاقتصادية الآسيوية، لكن وجود الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالسياسة الأمريكية أربك الجميع عن مسار السياسة الخارجية الأمريكية المُعدة مسبقًا، لنجد أن هناك خارطة من نوع آخر، توظف وفقًا لأجندة اقتصادية بواجهة عنصرية.

بالمقابل، أعادت المنطقة صياغة الدور الروسى فور دخول الأزمة السورية عامها السادس، وما لحق بها من سلسلة تطورات ميدانية عنيفة شهدها ٢٠١٦. تبع ذلك استغلال بوتين لهذه التطورات نحو إنشاء مسار سياسى جديد للشرق الأوسط واجهته سوريا، انطلق من موسكو إلى الأستانة، وبات ينافس مسار جنيف، محاولًا فى الحد الأدنى وضع سقف لنتائجه فى إطار الرؤية الروسية لمتطلبات الحل السورى ومخرجاته.

من جنيف للأستانة.. أجندات تنافسية أم تكاملية متغيرة؟ 

شكلت مباحثات «جنيف» فى مجملها انطلاقة سياسية، حيث نص بيانها عام ٢٠١٢ على تشكيل هيئة حكم أو جسم انتقالى من النظام والمعارضة ومستقلين، تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية فى قيادة المرحلة الانتقالية، لكن هذا المسار تعرض إلى هزة كبيرة، نظرًا للتدخل العسكرى الروسى فى سوريا اعتبارًا من ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥، وقد أفرز هذا التدخل مسارًا سياسيًا طرحته موسكو فى فيينا لحصد نتائج تدخلها عسكريًا فى سوريا، وللحيلولة دون الانزلاق نحو مستنقع قد يستدرجها إليه حلفاء المعارضة

وفقًا لذلك، دعمت موسكو تغيير أسس إعلان جنيف واستبدال طرح «هيئة حكم تمثيلى غير طائفى» بطرح «هيئة الحكم الانتقالى»، على أن يبقى الأسد جزءًا من المرحلة الانتقالية، وتم التوصل إلى اتفاق روسي-أميركى عُرف بـ«اتفاق فيينا»، وقُدم خريطة طريق لحل الأزمة السورية جرى تضمينها فى قرار لمجلس الأمن صدر تحت الرقم ٢٢٥٤ بتاريخ ١٨ ديسمبر ٢٠١٥.

وإلحاقاً بفشل الجهود الروسية-الأميركية فى إنتاج اتفاق لتطبيق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، تخلت روسيا عن فكرة العمل المشترك مع واشنطن، وبدأت تنحو تجاه مقاربة إقليمية بقيادتها لحل الصراع، مستفيدة من هشاشة إدارة الرئيس أوباما فى شهور حكمها الأخيرة، والتى زادها ضعفًا رفض البنتاجون الالتزام بالاتفاق الذى توصل إليه جون كيرى فى موسكو ٩ سبتمبر ٢٠١٦، ودعمه الرئيس أوباما، للتنسيق عسكريًا وأمنيًا بين الجيشين الروسى والأميركى فى سوريا ضد تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام (النصرة)، كخطوة باتجاه تطبيق وقف إطلاق النار والتعاون فى حل الأزمة السورية.

المعطيات الإقليمية تمهيدًا للأستانة

تمثلت فى مدى استفادة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من تغير البيئة الإقليمية، والذى ظهر فى تغير الموقف التركى تزامنًا مع تنامى الشكوك حول أهداف الدعم الأميركى للقوى الكردية فى الشمال السورى، كذلك المقاربة الإيرانية وتوحدها نحو الموقف الروسى.

أنتجت هذه المعطيات مسار الأستانة الذى تولت فيه تركيا ضمان مشاركة فصائل المعارضة فى مقابل ضمان روسيا مشاركة النظام والالتزام بشروط الهدنة، وقد جرى ضم إيران إليه، لتفادى قيامها بدور تخريبى بعد تحفظات عديدة أبدتها على اتفاقات ثنائية روسية-تركية بخصوص الأزمة السورية، من بينها اتفاق إخراج المعارضة من حلب، واتفاق وقف إطلاق النار، واعتراف روسيا بفصائل معارضة تعتبرها طهران "إرهابية".

الجدير بالذكر أن موسكو تعظم الاستفادة من تلك المعطيات الإقليمية والدولية لتعظيم أجندة الأستانة قبل اللحاق برباعى جنيف؛ من خلال: 

§        تراجع الوضع الميدانى للمعارضة بعد خسارتهم حلب.

§         رغبة النظام وإيران فى الاستمرار بالحل العسكرى.

§         اتجاه إدارة ترامب للتركيز فى الحرب على تنظيم الدولة (داعش(.

§         تغير الأولويات التركية نحو الضغط على المعارضة للقبول بالمقاربة التى تقترحها للحل، قبل الوصول إلى جنيف من خلال الاتفاق حول (دستور- حكومة وحدة وطنية-انتخابات(.

"المناطق الآمنة": مخطط أمريكى للتقسيم، أم خطوة نحو خلق توازنات للإقليم بسوريا:

فى أثناء الحملة الرئاسية وما بعد التنصيب، دعا ترامب لإقامة مناطق حظر طيران لإيواء اللاجئين السوريين كبديل عن السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، مُتهمًا إدارة أوباما بالفشل فى فحص المهاجرين السوريين الذين يدخلون الولايات المتحدة لضمان أنه لا تربطهم أية علاقة بـ«جماعات متشددة»، وعليه فإن رؤية ترامب لهذه المنطقة الآمنة تدور حول كونها وسيلة للحد من الهجرة السورية إلى أمريكا ودول أوروبا وأماكن أُخرى حول العالم.

والمنطقة الآمنة تُفرض لحماية مجموعة لا تستطيع حماية نفسها، ويتم فرضها بمقتضى قرار من مجلس الأمن، كما يتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذا القرار بالقوة لتوفير التدخل الإنسانى من خلال ممرات آمنة لحماية المدنيين، وفقًا لقرار يصدر عن مجلس الأمن بناء على توصيات لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان، والحالة السورية ليست الأولى فى تاريخ العلاقات الدولية، فقد قامت الأمم المتحدة بالتدخل فى عدد من الدول تحت مظلة حماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان، وحماية الأقليات وتقديم المساعدة الإنسانية. ففى عام ٢٠١١ صدر عن مجلس الأمن القرار رقم ٢٠١٦ الذى فرض بموجبه حظر جوى كامل فوق الأجواء الليبية. وأيدت وقتها روسيا قرار حظر الطيران فى ليبيا، بينما حاليًا تقف ضد المنطقة الآمنة فى سوريا.

الأبعاد الإستراتيجية للمناطق الآمنة السورية

منذ الأحداث الأولى للثورة السورية، وقد بدأت المعارضة السورية تلح فى طلب إنشاء مناطق آمنة. تلا ذلك فى نوفمبر ٢٠١١، خرجت تظاهرات عديدة عرفت بـ«جمعة الحظر الجوى مطلبنا»، ثم فى مليونية أخرى تلتها فى يناير ٢٠١٢ حملت اسم "جمعة المنطقة العازلة".

كذلك التداعيات السلبية للتناحر ما بين النظام والمعارضة، فضلًا عن تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما نتج عن حمل كل الأطراف وأتباعهم للسلاح فى الشمال والجنوب السورى أكسبت أهمية المناطق الآمنة طابعًا إقليميًا ملحًا لكلٍّ من الأردن وتركيا، خاصة مع سعى الأكراد للانفصال وتأسيس كيان مستقل على الحدود السورية التركية، فضلًا عن الترتيبات الإنسانية والأمنية التى تفرض ذلك التصور فى إطار جملة من الأهداف:

§         توفير ملاذ آمن للاجئين السوريين الفارين من قصف الطائرات، وصواريخ سكود، وبراميل الأسد المتفجرة وأسلحته الكيميائية، إلى حين تمكينهم من العودة إلى أراضيهم، الأمر الذى من شأنه أن يوقف تسلل المسلحين، ويخفف من تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، ويقلص العبء عن كاهل دول الجوار، كالأردن التى باتت إمكاناتها عاجزة عن استيعاب قوافل اللاجئين.

§         تمكين الحكومة السورية المؤقتة من تقديم خدماتها على أوسع نطاق فى الداخل السورى، سواء من خلال تشكيل قاعدة خلفية للثوار وملاذ آمن للمنشقين من عسكريين ومدنيين، والهاربين من بطش النظام، أو تشكيل قاعدة مهمة للتموين والاستراحة والتخطيط وإسعاف المصابين والجرحى عبر فرض مناخ ملائم لعمل المؤسسات الثورية والمنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية وكل منظمات المجتمع المدنى

§         مساعدة الفصائل الثورية على الانضواء تحت لواء مؤسسة عسكرية وطنية واحدة، ذات محددات واضحة، تساعدها على التفاوض مع نظام الأسد لوقف نزيف الدماء السورى

خرائط النفوذ الإقليمى للتوزيع الآمن بسوريا

تختلف الرؤى الخاصة، بخريطة المناطق الآمنة فى سوريا وفقًا لتطلعات الجوار الجغرافى وأجنداتهم الخاصة. فلوقتنا هذا لم يتم تحديد مناطق معينة ومتفق عليها؛ ففى حين ترى تركيا أن الشمال السورى أجدر بالأهمية، خاصة مع انتشار ميليشيات داعش ودعاوى الانفصال الكردى، نجد أن الأردن تسعى لخلق منطقة آمنة على الحدود الأردنية عبر المحافظات السورية الجنوبية (درعا والسويداء).


ووفقًا للأطروحات الأمريكية؛ يرى ترامب أن الخريطة المحتملة للمناطق الأمنية قد تشمل، فى مضمونها، ٤ سيناريوهات لتلك المناطق؛ حيث:

§        المنطقة الأولى: إنشاء منطقة كردية آمنة فى الشمال الشرقى يولى أمرها لقوات سوريا الديمقراطية التابعة لأميركا، وتمتد من منطقة الحسكة حتى الفرات، وهى المنطقة التى يحلم الأكراد بإقامة كيانهم الذاتى فيها.

§         المنطقة الثانية: هى منطقة الشمال وتقع فى شمالى حلب، وتمتد من الحدود التركية إلى مدينة الباب، وبجبهة تصل إلى ٧٥ كم، ويولى أمرها إلى تركيا، وهو بعض ما كانت تحلم به بعد سقوط مشروعها العثمانى.

§         المنطقة الثالثة: هى المنطقة الجنوبية التى يولى الأمر فيها للأردن ظاهرًا، ومعها إسرائيل ضمنًا، وتكون بمثابة منطقة أمنية لإسرائيل تمتد من الجولان إلى درعا، فالسويداء.

§         المنطقة الرابعة: تمثل منطقة الساحل إلى حمص، ويولى أمرها إلى روسيا.

أطروحات ترامب حول المناطق الآمنة تمهد، فى محتواها، نحو التقسيم (استناداً لما تم طرحه من جانب الجنرال رالف بيترز بمجلة أرمد فورس الأمريكية فى دراسة بعنوان «حدود الدم: كيف سيبدو الشرق الأوسط بحالته الأفضل»، فى يونيو ٢٠٠٦)، خاصة أن هذه الخطة تحفظ لكل من روسيا وتركيا وإسرائيل مصالحهم فى سوريا، مقابل كونها تدمر وحدة سوريا أرضًا وشعبًا بتصدير ورقة حقوق الإنسان، حيث إنها تسلخ عن الدولة السورية المكون الكردى فى الشمال الشرقى، والمكون العلوى فى الغرب الساحلى، والمكون الدرزى فى الجنوب، وتعطى تركيا وجودًا فى الشمال قابلًا للتمدد على المناطق المتبقية بعد أن تجرد سوريا من دعم حلفائها، على أن يُدير «خريطة التقسيم الأمن» حلفاء وأدوات لأميركا.

بالمقابل؛ نجد أن الطرح الأمريكى «المناطق الآمنة» يرتبط بالعديد من التساؤلات؛ والتى منها:

§        التنسيق العسكرى الكامل مع روسيا وحتى النظام السورى، حتى لو كانت تلك المناطق قرب الحدود السورية مع جيرانها. كما تحتاج إقامة المنطقة الآمنة إلى تأمين عسكرى لها، فمن هى الجهة التى ستتولى هذا؟ أمريكا أم قوات دولية، أم قوات مشتركة روسية-أميركية، أم ستدخل دول الجوار بقواتها إلى داخل الأراضى السورية، بما يشبه التدخل العسكرى أو الاحتلال، وما يحتاجه هذا من رضا وقبول سورى وروسى وإيرانى وتركي؟

§        إذا نظرنا إلى مصالح الدول المستضيفة للسوريين، والتى أغلقت معظمها الحدود أمام استقبال المزيد، فهل هذه المناطق ستكون لمن سيغادرون سوريا اليوم هربًا من العنف، أم ستتم إعادة الموجودين منهم فى الدول التى تستضيفهم، وتحديدًا فى الأردن وتركيا ولبنان وأوروبا وأميركا، بحيث يتم تجهيز مخيمات إقامة لهذه الملايين داخل الأراضى السورية بعد ترحيلهم من تلك الدول؟

§        إذا كانت إعادة من هم اليوم خارج سوريا، وهم بالملايين، أمرًا فيه صعوبة، وقد تحتاج سنوات لترتيب عودتهم، فهل هذا الجهد العسكرى والإنسانى والمالى سيكون لإقامة من هم موجودون على الأرض السورية مثل المقيمين فى مخيم الركبان الذى يعيش تحت سطوة تنظيم داعش؟

§        التساؤل الأهم؛ هل ستكون المناطق الآمنة لغايات اقتطاع أجزاء من الأرض السورية لتكون تحت ولاية الجيش الأميركى، ويكون هذا مقدمة للتقسيم أو إعطاء مناطق لإقامة بعض التنظيمات المتطرفة بعد الوصول للحل السياسى (كصنيعة تنظيم القاعدة).

§        أما السؤال الجغرافى، فهو: أين ستكون هذه المناطق داخل الأرض السورية، فى ظل توزع الجغرافيا السورية بين سيطرة النظام وعشرات التنظيمات، بما فيها النصرة وداعش، وأى منطقة أو مناطق تلك التى ستكون قادرة على احتواء ملايين البشر؟.

تأسيسًا على ما سبق 

ما بين فشل بدايات جنيف والتحضير لرباعياتها برعاية أممية أمريكية؛ وما بين الأستانة وأطروحاتها المستندة إلى الدعم لفواعل الإقليم التركى والايرانى، فضلًا عن التواصل مع كل الفصائل الروسية؛ وهو ما ظهر فى أحداث فيينا وإعلان موسكو. إلا أن الشواهد العامة تؤسس لإعادة ترسيم توازنات الإقليم، وذلك وفقًا للأجندة المعتمدة على كل عنصر دولى وإقليمى

فعندما نجد التوجه الترامبى نحو العودة لقواعد لعبة الشرق الأوسط وإيجاد ورقة لبسط الهيمنة الأمريكية (الورقة الداعشية)؛ نجد بالمقابل التحركات الروسية تسعى فى مجملها لخلق بيئة مناسبة لحل الأزمة السورية، تحاول من خلالها أن تستثمر الظروف السياسية المتاحة فى المنطقة، وكذلك الفترة الانتقالية بين إدراتى أوباما وترامب.

بالمقابل؛ نجد أن الفواعل الإقليمية تتخذ من القضية السورية موطئ قدم لتنفيذ أجنداتها الخاصة؛ فبالنسبة لإيران تسعى بتداخلها مع روسيا لتنفيذ مخططها الإيديولوجى (إيران ٢٠٢٥) وإحداث تغيير ديموغرافى فى المنطقة.

بالمقابل؛ تركيا تسعى من التداخل إيجاد صياغة لإنهاء الصراع تجنبًا لتأزم الأوضاع وما قد يُنذر به من انفجار طائفى فى المنطقة، وتحفيز المنظمات التى تعتبرها إرهابية، على الانفصال بما يهدد أمنها القومى، فضلًا عن اختلافها مع إيران، وحرصها على إفشال مخططاتها الإيديولوجية لإنجاح إستراتيجيتها (العثمانية الجديدة) بالمنطقة.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟