المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
هاني نسيرة
هاني نسيرة

الأستاذ السيد يسين ..‏ رحلة من التصورات

الجمعة 24/مارس/2017 - 12:10 م

لم يكن السيد يسين‏-‏ رحمه الله‏-‏ شابا ساكنا ولم ينته شيخا هامدا‏,‏ ولكن ظل منذ بداياته حتي نهاياته ورحيله الذي فجعنا به قبل يومين جذوة نشاط واكتشاف وقدرة علي التحول والتطور والطرح اتفقنا معه أو اختلفنا في طرحه‏..‏ ذكرته يوما برسائله في بريد القراء‏,‏ التي اطلعت علي بعض منها صدفة،‏ لمجلتي الثقافة لـ أحمد أمين, والرسالة لـ أحمد حسن الزيات, في خمسينيات القرن الماضي, وكان لا يزال غضا شابا في عقده الثاني يحاول ويفكر ويناقش عبر المنابر الأشهر عربيا ومصريا في هذا الوقت, فيبتسم ابتسامته المعهودة بالرضا والمحبة.

كثيرا ما كنا نذهب له في مكتبه زائرين أو حاضرين فلا تسمع منه إلا قراءاته ومتابعاته ووصيته بمتابعة فلان وقراءة فلان من شيخ يكبره سنا إلي شاب يصغرك سنا, أعجب بعمله وتابعه وفتح له في قلبك أو عقلك مكانا.. غيبة وحضورا.. ربما جامل أحيانا البعض ولكن لم يكن يعادي الحقيقة, مدركا وندرك معه أن ثمة أبعادا متعددة للشخصية الواحدة بل وللورقة الواحدة.

ما بين المطالعات والقراءات ظلت حياة السيد يسين وظل حديثه وكان اتساعه الذي امتد من دراسة الأدب إلي دراسة الاجتماع إلي الاهتمام الشديد بالمنهج والتفكير النظري والاشتباك الفلسفي كما الواقعي مع قضايا الوطن والإقليم والعالم لا يغادر فيه تساؤلاته ولا ينحبس فيه في سجون اليقين والحسم, بل التطورات والتحولات, أو تضاريس الخارطة المعرفية, كمان يحب أن يعنون كثيرا من دراساته وكتبه عن العولمة والثورة الكونية والوعي التاريخي.

 

ورغم دأبه البحثي لم يكن يلغي جهود الآخرين أو ينفيها ظل مقدرا لهم, محافظا علي حقوقهم, وظل ـ كما هو ـ محافظ علي هويته من محاولات الفهم والطرح مستخدما أدوات ومهارات اجتهد في تنميتها, من إجادة فريدة للإنجليزية والفرنسية, وعربية فصيحة قادرة علي النحت والمفهمة- صناعة المفاهيم وصياغتها- كانت نادرة ولا زالت نادرة عند كثيرين ممن اقتربوا من العمل الصحافي والبحثي خاصة مع الفيضان الإعلامي والشهرة المسطحة التي نالها آخرون.

رغم الألم والدموع الساكنة في رثاء الأستاذ الكبير الذي تلقينا بحزن نبأ رحيله, إلا أن محاولة قراءة مساره وأفكاره وتطوراته التي بدأت منذ منشأه بمدينة الإسكندرية حتي رحيله نجما وعلما مصريا وعربيا قبل أيام, يمكن عنونتها بأنه' كان رحلة من التصور والفهم' كان يدرك أن دوره إضاءة مناطق مظلمة وجديدة في البحث لفهم المعني والوطن والمسار, أدبا واجتماعا وسياسة وفلسفة.. فكان قريبا من الجميع ومحبا للجميع..

ربما ظل السيد يسين مرتبطا بالمؤسسه, وساهم مساهمة فعلية في تأسيس مؤسسات مهمة ورائدة, كمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية الذي تولي إدارته ما يزيد علي عقد, ورعي فيه زهورا صارت أشجارا سامقة في مجالاته المختلفة.. كما أدار منتدي الفكر العربي في عمان فترة, ظلت علاقته بمختلف هذه المؤسسات خاصة ونوعية, وجعله هذا الارتباط إصلاحيا وليس ثوريا, أغلب الوقت, ولكن ظل نقديا وإنسانيا يوصل رحلة اكتشافه ومشروعه الذي يظل علامة تستحق التقدير والثناء.

لكن يبقي أستاذ أساتذة وشيخ باحثين ورائدا أعطي مساحات وفرصا لأجيال بعده, اكتشف الكثير واختلف مع الكثير, ولكن ظل محافظا علي سلاحه النقدي المحترم الذي يقدر الاختلاف ويرحب بالنقاش, فليس للمفكر سلاح غير الفكر, ولا تجوز مواجهته إلا بذلك, دون تجرؤ أو تفحش أو خروج.

رحل أول أمس الأستاذ الكبير السيد يسين, بتاريخ مشرف وغني بإنجازات مهمة في مجالات العلوم السياسية والاجتماعية, بدأت من فضاءات واسعة في خمسينيات القرن الماضي وكتابه التحليل الاجتماعي للأدب ودراساته المبكرة عن الشخصية الإسرائيلية, واشتباكه النقدي والفكري مع الأطروحات والمشاريع الفكرية العربية المختلفة, تياراتها الأيديولوجية, ثم كتاباته ودراساته المهمة في قراءة العولمة والنظام العالمي الجديد والمسارات المعرفية والسياسية المختلفة علي المستوي الإعلامي والإقليمي.

أيها الأستاذ سلاما.. ستبقي ابتسامتك ويبقي نموذجك نبراسا ومثلا نعلن محبته كما نعلن محبة كثيرين اتفقوا أو اختلفوا معك.

 

نقلاً عن الأهرام المسائي

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟