المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

لقاء بوتين نتنياهو: تداعي الخطوط الحمراء لإسرائيل في سوريا

الثلاثاء 28/مارس/2017 - 03:59 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس
التسوية السورية المحتملة تثير فزع إسرائيل. هذه الحقيقة عبُرت عنها الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى موسكو (9/3/2017)، وهي، بالمناسبة الزيارة الأولى هذا العام على نحو ما كشف الكاتب الإسرائيلي إيان زيسر في صحيفة "إسرائيل اليوم" القريبة من نتنياهو، انطلاقاً من قناعة مفادها أن "إمكانية روسيا، في المستقبل القريب بفعل المستحيل للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب السورية، تثير في إسرائيل الخوف من أن إيران ستكون الرابح الأكبر من اتفاق كهذا، لأنها قد تستفيد من التأثير ومن السيطرة العليا في سوريا، بفضل تواجدها في المنطقة ومن خلال كثير من المقاتلين الخاضعين لها، سواء جيش إيران النظامي وحرس الثورة أو مقاتلي حزب الله أو مقاتلي الميليشيات الشيعية الذين تم إحضارهم من جميع أرجاء الشرق الأوسط"
بهذا المعنى نستطيع أن نقول أن الزيارة الخاطفة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى موسكو ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاءت لتعبر عن حقيقتين راسختين فرضتا نفسيهما على الإدراك الإستراتيجي "الإسرائيلي"؛ أولهما، أن الأزمة السورية دخلت مرحلة "حصر الغنائم" بين الأطراف التي خرجت منتصرة في حرب السنوات الست التي عاشتها سوريا، وفي مقدمة هذه الأطراف إيران وحليفها "حزب الله"، وأن وقوف "إسرائيل" دون تدخل حاسم، اليوم وليس الغد، لمنع تغول النفوذ الإيراني في سوريا ومحاصرته، ربما تجد إسرائيل نفسها أمام معادلة توازن جديدة للقوة ليست أبداً في صالحها. وثانيهما، أن روسيا وليست الولايات المتحدة، هي صاحبة القرار الأعلى في الشأن السوري وهي من سيقوم بعملية تقسيم الغنائم، وفي ذات الوقت فإن الولايات المتحدة لم تكتف بعجزها أمام روسيا في سوريا، بل هي غير عازمة على المواجهة مع إيران في سوريا أو خارجها، على نحو ما كتب السفير "الإسرائيلي" السابق شلومو شامير في صحيفة معاريف أنه "لا يبدو أن هناك أي مؤشر على أن الرئيس الأمريكي ترامب يعتزم اتخاذ أي خطوة تشكك بالاتفاق النووي".
إزاء هاتين الحقيقتين كان لابد من التوجه "الإسرائيلي" نحو روسيا، ولم يترك بنيامين نتنياهو مجالاً للاجتهاد الواسع لاستشراف أهداف زيارته لموسكو، عندما أوضح خلال جلسة الحكومة قبيل سفره أنه "سيعبِّر عن معارضة "إسرائيل" الشديدة لإمكانية أن يتم ضمن إطار التسوية السورية التي أخذت تتبلور، أو من دونها، محاولة إيران التموضع بشكل دائم في سوريا، عبر حضور عسكري بري وبحري، ومحاولة متدرجة أيضاً لفتح جبهة أمامنا في مقابل الجولان"، وزاد نتنياهو على ذلك هدف آخر إضافي هو التوصل مع الروس إلى تفاهمات محددة من اجل تقليل أي احتكاك محتمل بين القوات "الإسرائيلية" والروسية في سوريا".
هذه الزيارة لرئيس حكومة الكيان إلى موسكو تختلف عن ما يقرب من أربعة زيارات قام بها إلى العاصمة الروسية في العام الماضي. غالباً كان هدف تلك الزيارات هو التنسيق مع روسيا في سوريا سواء بخصوص الحصول على ضوء أخضر روسي لضرب أهداف في سوريا تتعلق أساساً بعمليات نقل أسلحة متقدمة إلى "حزب الله" من شأنها أن تكسر التوازن الذي يعمل لصالح "إسرائيل"، إضافة إلى التنسيق مع روسيا لمنع حدوث أي احتكاك غير مقصود بين الطيران "الإسرائيلي" والطيران الروسي في الأجواء السورية، وغالباً ما كانت تنتهي تلك الزيارات بقدر لا بأس به من التوافق مع القيادة الروسية حول هذين الهدفين، لكن الزيارة الأخيرة، كانت تتعلق بخطوط حمراء "إسرائيلية" أراد نتنياهو أن يحصل على تصديق عليها من القيادة الروسية تستهدف الدور الإيراني المستقبلي في سوريا، على ضوء ما لدى إيران من قدرات عسكرية هائلة داخل سوريا وعلى ضوء ما يحدث حالياً من تطورات في الداخل السوري وبالذات ترتيب العلاقات المستقبلية بين طهران ودمشق.
فمن ناحية القدرات فإن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ليست مغيبة عن مضمون التقارير والاستخبارات العالمية، وخاصة الأمريكية التي ترصد هذه القدرات العسكرية الإيرانية فضلاً عن الاستخبارات الإسرائيلية. فالتقرير الذي نشره معهد دراسات الحرب الأمريكي هذا الشهر بالتعاون مع "مشروع التهديدات الخطيرة" التابع لمعهد "انتربرايز الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" وما تضمنه هذا التقرير لم يكن بعيداً عن أيدي الاستخبارات الإسرائيلية، وربما كان أحد عوامل إثارة الفزع داخل إسرائيل إذا ما خرجت إيران منتصرة من الحرب الدائرة في سوريا.
فحول دور إيران في سوريا ذكر ذلك التقرير أن إيران توفر عدداً كبيراً من القوة البشرية التي ظل الجيش العربي السوري يواجه عجزاً فيها خاصة في العامين الأخيرين، وذلك لتأمين المكاسب المهمة التي تحققها القوات الموالية للنظام على الأرض، كما أن إيران تقوم بإدارة تحالف يضم حوالي 30 ألف مقاتل من بينهم مقاتلون من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية ومقاتلون شيعة أفغان. كما أشار التقرير إلى أن إيران كان لها دور مهم في إعداد الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام وتحت قيادة النظام من الناحية الظاهرية فقط، ويتمثل هدفها من وراء ذلك في تأسيس بنية أساسية طويلة الأجل لكي يكون هناك، حسب التقرير "حزب الله سوري". وفضلاً عن ذلك شاركت إيران وحزب الله في تأسيس "قوات الدفاع الوطني السورية" على غرار قوات "الباسيج" الإيرانية كما تولت الإشراف على حملات تجنيد في أنحاء البلاد، وكانت أحياناً تنافس النظام السوري في ذلك بصورة مباشرة من خلال عرض مرتبات تنافسية.
كل هذا تأخذه إسرائيل في اعتبارها، لكن إضافة إلى ذلك فإن ما يحدث على صعيد ترتيب العلاقات بين موسكو ودمشق ضمن سياق التسوية النهائية للأزمة السورية ووجود إيران كطرف أساسي في محادثات تلك التسوية ابتداءً من محادثات موسكو إلى أستانة إلى جنيف أحدثت ارتباكاً واستنفاراً إسرائيلياً غير مسبوق يعكس مدى القلق والخطر الذي يشعر به "الإسرائيليون" على العكس من الموقف "الإسرائيلي" المتوازن أو المنضبط طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، حيث كان "الإسرائيليون" يشعرون بالرضا والاطمئنان بأن كل ما يحدث في سوريا يحقق كل ما كانت تأمله "إسرائيل" طالما أن الدمار والقتل وشبح التقسيم هو محصلة تلك الأزمة الدامية، لكن مع دخول الأزمة مرحلة التسويات وتقسيم الغنائم بين المنتصرين (روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله) فرض على الحكومة "الإسرائيلية" أن تتحرك وباندفاع، وربما بإدراك متسعر وغير مدروس بالنسبة لفرضية إمكانية تفكيك روسيا لعلاقتها التحالفية مع إيران، ومن هنا جاء عرض المقايضة التي روج لها "الإسرائيليون" بتمكين روسيا من سوريا مقابل الموافقة الروسية على تفكيك التحالف مع إيران.
هذا الافتراض انطلق من رهان يعكس رؤية خاطئة للعلاقات الروسية – الإيرانية عبر عنها الجنرال هرتس هاليفي رئيس الاستخبارات العسكرية أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن مفادها أن "روسيا لا تعتبر حزب الله وإيران شركاء استراتيجيين، بل مجرد أداة لتحقيق أهدافها" هذه الرؤية تضمنت رهاناً بإمكانية توسيع هامش التعارض بين الطرفين، او على نحو ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال منذ أكثر من أسبوعين بأن "إسرائيل" تخطط من أجل الوقيعة بين روسيا وإيران.
هذا الرهان كانت وراءه دوافع من إدراك لمدى خطورة نجاح إيران في تحقيق ما تهدف إليه سواء بالنسبة لفتح جبهة معادية ضد "إسرائيل" من هضبة الجولان على حدود "إسرائيل" الشمالية، أو التمكن من شق طريق على البحر المتوسط والشواطئ اللبنانية والسورية على البحر المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية، أو إقامة قاعدة عسكرية بحرية في اللاذقية حسب ما نشر موقع "والاه" الاستخباراتي "الإسرائيلي".
فقد نشر الموقع أن الجانبين السوري والإيراني وصلا إلى مرحلة متقدمة من التفاهمات بخصوص هذه القاعدة، التي قد تؤدي إلى تعزيز قوة "حزب الله" وتقصير مدى الرماية الصاروخية الإيرانية باتجاه "إسرائيل" ما يعني أن هذه القاعدة سوف تزيد حجم التهديد على العمق "الإسرائيلي".
مشكلة هذا الرهان "الإسرائيلي" أنه بعيد عن واقع معادلة توازن المصالح بين روسيا وإيران والنظام السوري من ناحية وبين روسيا وأطراف أخرى فاعلة في الأزمة السورية وتسويتها خاصة تركيا من ناحية أخرى. فرغم أهمية العامل الروسي والأساسي في الساحة السورية، إلا أنه ليس مطلق اليد لأن هناك شركاء آخرين لهم مصالح تأخذها موسكو في الاعتبار. كما أن هذه المطالب "الإسرائيلية" من روسيا قد تدفع الرئيس الروسي للحديث عن الثمن "الإسرائيلي" وبالذات بالنسبة للملف الفلسطيني، ولعل هذا ما انعكس على تصريحات نتنياهو عقب عودته من موسكو التي كانت أبعد ما تكون عن التفاؤل الذي سافر من أجله والرهان الذي كان يعوِّل عليه، والخطوط الحمراء التي كان يأمل أن يعود بها لإرباك المخططات الإيرانية، الأمر الذي بات يفرض على "إسرائيل" أعباء جديدة في إدارة صراعها مع إيران خاصة في سوريا، إذ لم يجد نتنياهو بداً، بعد عودته من موسكو، من الاعتراف بأن جُلّ ما حققه في زيارته لموسكو هو "إيصال رسالة تشدد على رفض بقاء إيران وحلفاءها في سوريا، وضرورة ابتعادهم عن الحدود مع الجولان، وبحث كيفية تفادي المخاطر التي يمكن أن تواجه إسرائيل نتيجة القضاء على "داعش" في العراق وسوريا"، الأمر الذي يثير قضيتين مهمتين:
القضية الأولى أن روسيا ليست مطلقة اليدين في رسم معالم سوريا الجديدة، لأن هناك شركاء أقوياء على الأرض بالفعل، خاصة إيران، وهناك "شراكات مصالح قوية" تربط موسكو بطهران ولذلك لم يستطع نتنياهو إخفاء أن ما تحقق من الزيارة "ليس سوى تبليغ الرسالة التي أراد إيصالها"، وفي السياق نفسه أوضح نتنياهو ما سبق أن أعلنه على خلفية وأهداف زيارته لموسكو، بأن معظم اللقاء مع بوتين تمحور حول التهديد الذي تشكله إيران على إسرائيل عبر الساحة السورية، كاشفاً عن مخاوف إسرائيل من "نقطة التحول" التي تمر بها سوريا، واحتمال الانتقال من مرحلة الاقتتال إلى مرحلة التسوية"، كما أشار إلى أنه أوضح لبوتين "معارضة إسرائيل الشديدة لتمركز إيران وحلفاءها في سوريا".
القضية الثانية هي مخاوف إسرائيل من القضاء على "داعش"، وهو خوف يفضح مدى العلاقة بين إسرائيل و"داعش" أو على الأقل، مدى استفادة إسرائيل من الدمار الإجرامي الذي تقوم به "داعش" في العديد من الدول العربية، الأمر الذي يجعل منها "قوة إسرائيلية بامتياز". فقد كشف نتنياهو أنه أعرب خلال لقائه مع الرئيس بوتين عن مخاوفه من "مفاعيل القضاء على "داعش" مشيراً إلى القلق من أن يُملأ الفراغ الناجم عن ذلك، عبر إيران وحلفاءها في العراق وسورا. وبحسب التعابير التي استخدمها نتنياهو مع بوتين قال "في السنة الأخيرة، طرا تقدم مهم في محاربة إرهاب الإسلام السُني المتطرف بقيادة "داعش" والقاعدة. وكان لروسيا مساهمة مهمة جدياً، ومن البديهي إننا لا نريد أن نستبدل هذا الإرهاب، بإرهاب الإسلام الشيعي المتطرف بقيادة إيران (والإرهاب هنا كعادة الإسرائيليين يعني كل قوى المقاومة للكيان) التي شدد على أنها "تسعى إلى تدمير اليهود.. ويقولون ذلك بصورة واضحة ويحفرونها على صواريخهم البالستية".
وزاد نتنياهو على ذلك، لكسب دعم بوتين، أن "الإسلام الشيعي المتطرف هو ليس فقط علينا، وإنما على المنطقة وعلى السلام العالمي، وأنا أعرف أننا نتشارك في الرغبة من أجل منع أي انتصار للإسلام المتطرف من أي اتجاه".
قضيتان خطيرتان فإسرائيل التي كانت حريصة دائماً على تدمير القدرات العسكرية للدول العربية الكبرى الثلاث مصر والعراق وسوريا منذ تأسيس الكيان الصهيوني، والتي كانت سعادتها غامرة بتدمير الأمريكيين لعراق صدام حسين، وشاركت بالدعم أو بالقتال المباشر في سوريا لتدميرها أيضاً، تجني الآن واقعاً جديداً، إن عراقاً جديدة وسوريا جديدة قد تنشأ ربما تكون أكثر عدائية لها من عراق صدام حسين وسوريا الأسد (الأب أو الابن). واقع يؤكد أن مشاعر الخوف والفزع ستبقى متمكنة من هذا الكيان، ومن ثم فإنه لن تورع في أي لحظة عن ارتكاب حماقات من باب "درء المخاطر"، ولعل في رفضه المطلق لقيام أي دولة فلسطينية ما يؤكد ذلك، خصوصاً بعد عودته من موسكو خالي الوفاض دون أن يستطيع فرض: خطوطه الحمراء على القيادة الروسية.
*مستشار مركز الأهرام، ومدير وحدة الشئون العربية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟