المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
صلاح سالم
صلاح سالم

تحديات العلاقات المصرية ـ الأمريكية

الثلاثاء 04/أبريل/2017 - 04:05 م
تعلم مراكز التفكير السياسي، والرجال الكبار فى دوائر مؤسسة الحكم الأمريكية من طراز برجنسكي، جوهر أديبات جماعة الإخوان المسلمين، وروحها المعادية للحداثة الغربية، ولما تقوم عليه أمريكا نفسها من قيم كبرى وليس فقط سياسات عملية؛ فالإخوان جماعة مغلقة وأمريكا أمة منفتحة. الإخوان جماعة دينية وأمريكا دولة ديمقراطية. الجماعة فى نظر أمريكا ليست إلا حركة ثيوقراطية، بينما أمريكا لدى الجماعة قوة صليبية، طالما تم وصفها بـ «الشيطان الأكبر». لا قاسم أخلاقى إذن أو جوهر فكرى مشترك بينهما، وإنما هى لحظة عمياء من التاريخ، وسيالة فى السياسة، بدا فيها التقارب ضروريا والتوافق ممكنا عقب 25 يناير 2011م.

ورغم أن السيدة هيلارى سعت إلى التقريب بين الجماعة وبين المجلس العسكرى على نحو ربما أسهم فى صياغة التعديل الدستورى وانطلاق المارد الإخواني، فإن ذلك لا يرجع إلى ميول إخوانية وإنما إلى براجماتية أصيلة فى بنية العقل الأمريكى السياسي، الذى يميل إلى التعاطى مع الأمر الواقع، ويقيس الأحداث بنتائجها العملية وليس بأصولها النظرية أو مبادئها الأخلاقية؛ ولأن حدث 25 يناير قد انطلق من خارج البنية الحزبية التقليدية، وأبدى رغبة فى استبعاد كل الزعامات القديمة من الحديث باسمه، فقد بدت الساحة السياسية خالية اللهم سوى من نشطاء وحركيين، أفراد يافعين لا يمثلون سوى أنفسهم أحيانا أو بعض الائتلافات الثورية أحيانا أخري. ولأنها متعددة، وبالأحرى مراهقة، تتجذر أصولها فى وسائط التواصل الاجتماعى وليس فى ثقافة سياسية أو أطر حزبية متماسكة، فقد بدا الوضع فى مصر سيالا جدا، حيث لا توجد قوة واحدة صلبة سوى الجيش من ناحية، وهو مؤسسة قوة بالأساس نظر إليها الجميع باعتبارها حجر أساس وضمانة لمرحلة انتقال. والإخوان من ناحية أخري، كجماعة سياسية، لعبت الدور الأبرز فى معارضة نظم الحكم السابقة سواء الملكية أو الجمهورية، ومن ثم بدت الوريث الطبيعى للنظام المتهدم، وهو ما سعت الجماعة إليه بذكاء، ونجحت فى تسويقه إعلاميا وسياسيا للعقل الأمريكى الذى وجد أمامه جسدا سياسيا متبلورا، بدا هو البديل الممكن وإن لم يكن الأفضل، إذ يمكن الحصول منه على تعهدات، والاتفاق معه على ضوابط ومحددات. ورغم أن الديمقراطيين أبدوا اختلافا واضحا مع الحكم فى مصر عقب 30 يونيو، واستمرت تحفظاتهم على كثير مما يجرى خصوصا فى ملف الحريات السياسية وحقوق الإنسان، إلا أن الاختلاف تمت إدارته بسلاسة كبيرة، بل إن الأمر قد تحسن بمرور الوقت خصوصا مع عودة المعونات العسكرية إلى طبيعتها.

مع السيد ترامب، يبدو الأمر مغايرا، وإدارة الاختلاف أكثر صعوبة، فالحقيقة ليست نسبية ولا مركبة، بل بسيطة وجلية مثلما العالم بسيطا، ولهذا يبدو خطابه السياسى حادا وجذريا، يقيم المواقف فى ضوء الأبيض والأسود، فما إن تفترق معه حتى تصبح عدوا له، وهنا يكمن الخطر على العلاقات المصرية ـ الأمريكية، فإما صداقة حميمة وإما عداء مطلقا، وكلاهما مسار قد لا يتوقف على حسابات رشيدة بقدر ما يترتب على موقف طارئ فى قضية يختلف حولها الطرفان. غير أن التناقض ربما يثور معه لأسباب تتعلق بالملفات الإقليمية المفتوحة على امتداد الفضاء العربى من ليبيا إلى سوريا، ومن العراق إلى اليمن، فالأغلب أن يتخلى الرجل عن مقولة أمريكا أولا، التى تشى بنزعة انعزالية؛ لمصلحة مقولة أمريكا عظيمة، التى تثير نزعة تدخلية؛ فليس معقولا أن تكون أمريكا عظيمة بينما روسيا تتمدد فى الإقليم وتحاصر النفوذ الأمريكى فى غير مكان. وما يشى بذلك إنما هو زيادة الإنفاق العسكرى الأمريكى ليقترب من 20% بحسب البرنامج الانتخابى لترامب ليقترب مرة أخرى من (700 مليار دولار) وهى الذروة التى كان بلغها فى عهد بوش الابن وسياسته التدخلية فى أفغانستان والعراق.

وفى اعتقادنا أن أمرين أساسيين يحفزان مشاعر القلق إزاء مستقبل العلاقة بين البلدين، ينبع كلاهما من انحياز ترامب لإسرائيل: أولهما صار واضحا بالفعل ويتعلق بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو تحول خطير لا يمكن لمصر أن تقبله وإلا فقدت جزءا كبيرا من مشروعيتها الأخلاقية كبلد عربى كبير يدافع عن قضية عربية عادلة. وثانيهما سيصير واضحا فى مقبل الأيام، وهو محاولة الدفع باتجاه سلام غير عادل بين الفلسطينيين وإسرائيل.

ورغم أن الكونجرس مع الإعلام والقضاء أثبتوا قدرة يعتد بها فى كبح اندفاع الرجل فيما يخص القضايا الداخلية المتعلقة بضوابط الهجرة والسفر، أو التأمين الصحي، فمن غير المتوقع أن تبدى تلك المؤسسات الكفاءة نفسها والإصرار ذاته فى مواجهة قضية تتعلق بحقوق العرب أو بانحيازه لإسرائيل، التى طالما وجدت تأييدا فى الكونجرس يفوق مؤسسة الرئاسة، حيث الفعالية القصوى لجماعات الضغط الإسرائيلية وعلى رأسها إيباك. ومن ثم نتوقع أن يقود ترامب التيار الأكثر جذرية ويمينية داخل حزبه، والتحول إلى مجرد ناطق باسمهما. ولأن أحداثا كبرى سوف تقع فى الإقليم لا محالة، فإننا نتوقع دورا أمريكيا أكثر ضغطا على أعصاب كثيرين من الذين تحمسوا لترامب. لا نهدف هنا إلى مجرد تشاؤم سلبي، بل التحذير من تفاؤل غير مبرر، والدعوة إلى بلورة مواقف واضحة وردود فعل مدروسة على الممارسة المتحيزة أو السلوكيات العدوانية المحتملة حال وقوعها، فهكذا ترسم الاستراتيجيات وتدار الدول.
نقلا عن الأهرام


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟