الفكرة إذن بإنشاء ألف مكتبة ربما تكون فى موضعها، فالقراءة والفهم والثقافة كلها تجعل الشباب أكثر قدرة على مقاومة الأفكار الإرهابية. المشكلة فى ذلك أن الشباب، وهم موضوع التجنيد الحقيقى فى عالم الإرهاب، لا يقرأون لا الصحف ولا الكتب، مع أنهم لا يتوقفون عن القراءة. المسألة أنهم يقرأون «الفيس» و«التويتر» ويشاهدون «اليو تيوب» ويستمعون إلى «الآى تيونز»؛ هم يسافرون إلى أماكن كثيرة، بعضها حقيقى وأغلبها افتراضي. ومن خلال هذه القراءة، وربما بسببها، قاموا بثورتين، تجمعوا فيها بأدوات رقمية، وتفرقوا ربما لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بهذه الأدوات فى العالم الواقعي. الإحصاءات تقول لنا ذلك بوضوح كامل كما جاء فى تقرير «الرقمى فى 2017» الذى نُشرما جاء فيه عن مصر فى «دليل الأعمال المصرى» والذى استهل بالقول إن مصر تظهر فى التقرير مع الإمارات العربية المتحدة وقطر ضمن الدول الصاعدة والنامية فى معظم المؤشرات المتعلقة بالعالم الرقمى سواء كان ذلك يتعلق بنسب الاستخدام أو الحراك الاجتماعي. وبينما تبلغ نسبة اختراق الإنترنت للمجتمع المصرى 37% والإمارات الأولى فى العالم بنسبة 99%، فإن المصريين يمضون أربع ساعات فى المتوسط يوميا يستخدمون الإنترنت على الكمبيوتر الشخصى أو كمبيوتر المكتب، وثلاث ساعات على التليفون الموبايل، وثلاث ساعات على وسائل التواصل الاجتماعى التى تنمو سنويا بنسبة 25%. وينشط 50% من مستخدمى «الفيس بوك» بصورة يومية وهو ما يجعل مصر تشغل المكانة الثامنة على العالم فى هذا المقياس. وبالنسبة لاستخدام التليفون الموبايل فإن مصر تشغل المكانة 24 عالميا بنسبة اختراق للسكان تبلغ 103%، 89% منهم سابقة الدفع، و11% خطوط لاحقة الدفع، و50% منهم يستخدمون تليفونات ذكية تستخدم خدمات 3G وقريبا 4G. وعندما نصل إلى سرعة الإنترنت فإن مصر مكانتها لا بأس بها أو حوالى 18 على العالم بسرعة 8 ميجابيت فى الثانية مقارنة بسرعة 23.7 ميجابيت فى الثانية فى المملكة المتحدة. وفى النهاية عندما نأتى إلى التجارة الإلكترونية، فإن مصر لا بأس بها أيضا أخذا فى الاعتبار مؤشراتها الاقتصادية فقد بلغت نسبة الاختراق 16% منها 11% على التليفون المحمول.
هذه الأرقام ربما تكون أكثر تواضعا من الحقيقة، لأنها تعبر عن فترات سابقة، ولكن المهم فيها أنها تعكس اتجاهات المستقبل فى مصر والتى بدأت آثارها تظهر فى الإقبال على شراء الكتب، والصحف الورقية، والأرجح دخول المكتبات القائمة فعلا. ليس معنى ذلك إجهاض فكرة بناء الألف مكتبة، أو أن استخدام الثقافة فى محاربة الإرهاب ليست فكرة سديدة، وإنما الأمر قد يحتاج وسائل أخري، ومحتوى مختلفا عما هو سائد الآن بين الأجيال الأكبر سنا أو التى تجاوزت الستين ولم تلحق بعد بالثورة التكنولوجية الثالثة. الوسائل التى يجب توفيرها للمصريين، والشباب خاصة منهم، هى تلك التى تتعامل مع خيالهم وعالمهم الافتراضي، وربما يمكننا أن نستبدل طباعة الكتب المدرسية وتكلفتها 1.8 مليار جنيه فى العام بإعطاء الطلاب «آيباد» يتم تغذيته ليس فقط بالكتب المدرسية سنويا، وإنما أيضا بمكتبة كاملة أولا من كتب التاريخ وكل ما نشر ولم يعد له حقوق فى النشر مجانا كما يحدث فى دول العالم المتقدمة. وثانيا إتاحة الكتب التى تناهض الإرهاب وتدحض ما يبثه من دعاية، ويطرحه من وسائل للتجنيد. هنا فإن مؤسسات الدولة كلها سوف تكون قادرة، سواء كانت من وزارة الثقافة أو الآثار أو الهيئة العامة للاستعلامات أو الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أو مؤسسات الرئاسة ومجلس الوزراء ودار الأوبرا ومعهد الموسيقى العربية والمتاحف الوطنية، على أن تمد أولا بأول الشباب بما يملأ عقله بالمعرفة والعلم، وقلبه بحب الوطن.
وبالطبع فإننا نستطيع أن نفعل ما هو أكثر من ذلك من تكلفة بناء الألف مكتبة، وطبع الكتب المدرسية، بأن نعلم الشباب كيف يخدم وطنه، وكيف يفك القنابل وليس كيف يصنعها، وكيف يواجه الدعاية الإرهابية ويفندها. المهم أن نعرف من خلال متخصصين كيف نكون فى وسط شباب اليوم لغة ومنطقا وطموحا. ربما سوف نعرف ساعتها ليس فقط مواجهة الإرهاب، وإنما سوف نواجه الكثير من الأمراض المجتمعية من أول المخدرات وحتى عملية الهجرة إلى الخارج التى تلوح فيها دائما أوهام تدور دوران الخيال فى العالم الإفتراضي. سوف تكون الصلة بين الوطن وشباب الوطن وثيقة وتدوم على مدى الساعة بالأخبار والمعلومات والمعرفة.
نقلاً عن الأهرام