المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

العلاقات القطرية الإيرانية والأمن الاقليمي العربي

الأربعاء 05/يوليو/2017 - 01:50 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
بسام صلاح

فجر يوم 5 يونيو 2017 قررت كل من: السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، البحرين، اليمن، ليبيا، وجزر المالديف، جزر القمر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر. وفي يوم 6 يونيو 2017، أعلن الأردن عن تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، وإلغاء تصريح مكتب قناة الجزيرة في الأردن، كما أعلنت سلطات موريتانيا عن قطع علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع دولة قطر، وفي 7 يونيو أعلنت جيبوتي عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، ورغم أن الأسباب المعلنة لتلك القطيعة تضمنت ادعاءات مختلفة، تراوحت من دعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة إلى شق الصف الخليجي، ولكن الكثير من المحللين اعتبروا أن السبب الرئيسي يكمن في العلاقات التي تربط الدوحة بالعاصمة الإيرانية طهران، وهي العلاقات التي أدى نموها وتطورها إلى إثارة المخاوف الخليجية المستفزة أصلاً من امتداد النفوذ الإيراني إلى عدة عواصم عربية.

فقطر وإيران ترتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة، وخلافاً لأغلب دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً السعودية والإمارات العربية المتحدة، تمتنع قطر عن انتقاد الأنشطة الداخلية والخارجية الإيرانية، بل وتتعاون معها منذ عقود رغم الحصار والمقاطعة الدولية التي كانت مفروضة على الجمهورية الإيرانية حتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

أولاً- أفق ومجالات العلاقات القطرية الإيرانية

 العلاقات الاقتصادية

ترتبط قطر وايران بعلاقات اقتصادية وثيقة، وخاصة في صناعتي النفط والغاز، حيث يأتي جزء كبير من نفط قطر من حقل غاز الشمال المرتبط بإيران، والذي تصفه تقارير الوكالة الدولية للطاقة بأكبر حقل غاز في العالم و يضم 50.97 تريليون متر مكعب من الغاز(1)، وتبلغ مساحته نحو 9,700 كيلومتر مربع منها 6,000 في مياه قطر الإقليمية و3,700 في المياه الإيرانية، وتنتج قطر 6500 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من قسمها في الحقل، وتنتج إيران 430 مليون مترًا مكعبًا من الغاز من الحقل.

بالإضافة لذلك بلغ حجم التبادل التجاري بين قطر وإيران عام 2015م 5 مليار دولار، وهناك مساعي متبادلة وجدية بين قطر وإيران من أجل رفع حصة التبادل التجاري بين الطرفين خاصةً بعد أن تم رفع العقوبات عن طهران، وعقب المقاطعة العربية الأخيرة لقطر من المرجح أن يزداد حجم التعاون التجاري ويصل إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن أعلنت ايران عن استعدادها لتوفير سلع ومستلزمات لسد النقص لدى القطريين، وكان مساعد الشؤون الاقتصادية لمحافظ بوشهر، سعيد زرين فر، قد أعلن إنه “نظرًا للمسافة القريبة بين بوشهر وقطر، سيتم تخصيص ميناء بوشهر كمركز للتبادل الاقتصادي بين إيران والدوحة بهدف تنمية الصادرات بين الجانبين”(2).

علاقات إعلامية

تعتمد قطر بشكل كبير على أدواتها الإعلامية ومؤسساتها الثقافية كنقاط للتأثير في محيطها العربي والإقليمي، والنظر إلى الطريقة التي غطت بها قناة الجزيرة القطرية الانتخابات الإيرانية الأخيرة مثلاً، يوضح التوجه القطري نحو إظهار إيران كدولة ديمقراطية تتجاوز ديمقراطية الغرب، متناسية ديكتاتورية نظام الملالي وقمعه للشعوب وتدخلاته في المنطقة، فمثلاً خلال الانتخابات الأخيرة استضافت إيران نحو 39 من مندوبين في المؤسسات الإعلامية والبحثية القطرية، و أوفدت قناة “الجزيرة” القطرية فريقاً يضم نخبة من المذيعين على رأسهم التونسي محمد كريشان، وعقب قرار الدول العربية الأخير بمقاطعة قطر، تغيرت لهجة الإعلام القطري تجاه إيران وأذرعها، حيث استخدم موقع الجزيرة على الانترنت مصطلح “الجيش العربي السوري” بدلاً من مصطلح “قوات النظام” الذي استخدمته منذ العام 2011م، وقامت الجزيرة أيضاً بتغطية خطاب حسن نصر الله الذي هاجم فيه قمم الرياض الثلاثة التي عقدت مؤخراً.

وحتى ثقافياً، تعمقت العلاقات بين البلدين لدرجة قيام قطر بتمويل بعض الأفلام الإيرانية بشكل مباشر، إذ قامت “مؤسسة الدوحة للأفلام” التي تملكها “المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني” شقيقة أمير قطر بتمويل فيلم “البائع” الإيراني الحاصل على أوسكار 2017، وعلى إثر ذلك تصاعدت احتجاجات داخل الأوساط الثقافية في طهران، ونشرت وقتها عدد من المقالات بالصحف الإيرانية تهاجم تمويل قطر لأفلام إيرانية، وذلك بسبب دعم قطر للإرهاب التكفيري في المنطقة، كما حذرت الدوائر السياسية المخرج الإيراني “فرهادي” من التعامل مع قطر.

العلاقات السياسية

في 20 سبتمبر 1969 تم إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وتقسيم الجرف القاري بين إيران و قطر، وفي عام 1971، حصلت قطر على استقلالها السياسي، وكانت علاقتها السياسية مع شاه إيران جيدة ، مثلها مثل باقي الدول الخليجية.

ولكن بعد اندلاع الثورة في إيران والإطاحة بالشاه وإقرار نظام الحكم الإسلامي في إيران، عام 1979، بدأت حالة من العداء الصريح ما بين إيران من جهة وحكام الخليج من جهة أخرى، واعتاد آية الله الخميني انتقاد الحكام العرب ووصفهم بالخيانة والتآمر والخضوع لأمريكا.

وأثناء حرب الخليج الأولى (1980-1988)، وقفت قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي في موقفها المساند للجارة العربية، ودعمت العراق ووقفت في صف رئيسه الأسبق صدام حسين في حربه ضد إيران، وتُرجم ذلك الدعم في تقديم الكثير من القروض والمنح للنظام العراقي.

ولكن بدأ التقارب بين قطر وإيران، عام 1992، حين ساهم الخلاف الحدودي بين السعودية وقطر على منطقة الخفوس، في تطبيع العلاقات الثنائية بين طهران والدوحة، بعدما استغل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني ذلك الخلاف وأعلن مساندة إيران لقطر، ما حدا الأمير القطري خليفة بن حمد آل ثاني، جد الأمير الحالي، إلى إرسال رسالة شكر له لموقفه الداعم لقطر.

وفي نفس العام تم وضع خطط لنقل المياه العذبة بالأنابيب من نهر كارون في إيران إلى قطر، ولكن بعد المقاومة المحلية في إيران، تم التراجع عن هذه الخطة.

وفي بداية عام 1999، قام الرئيس الإيراني محمد خاتمي بزيارة إلى الدوحة شهدت "توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة(3)، أهمها التفاهم حول عدد من القضايا السياسية الإقليمية والدولية، وإدانة الدولتين لظاهرة الإرهاب، وضرورة التمييز بين العمليات الإرهابية والمقاومة المشروعة". وشهدت تلك الزيارة أيضاً دعم إيران للدوحة لاستضافة مؤتمر القمة الإسلامية حينها.

وكان أحد الآثار المهمة لتلك الزيارة التنسيق بين الطرفين لدعم حركة حماس الفلسطينية، وهو الأمر الذي صار من أقوى نقاط التقارب بين الدولتين في الفترة اللاحقة.

في عام 2000، قام أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، بزيارة إلى طهران، وكانت تلك الزيارة هي الأولى التي يقوم بها حاكم دولة خليجية إلى الجمهورية الايرانية منذ اندلاع الثورة الإسلامية والإطاحة بحكم الشاه.

وفي عام 2006 قام الأمير القطري بزيارة أخرى إلى العاصمة الإيرانية، وظهر أثر التقارب الناتج عنها في يوليو من العام نفسه، عندما كانت قطر العضو الوحيد، من بين 15 عضواً في مجلس الأمن، الذي صوت ضد قرار المجلس رقم 1696 والذي طالب إيران بوقف العمل في برنامجها النووي(4).

ودعت قطر آنذاك إلى حل كافة القضايا والخلافات بين الدول بالطرق السلمية، وقال مندوبها لدى مجلس الأمن أن من حق إيران امتلاك برنامج نووي سلمي وفي الوقت نفسه من حق المنطقة أيضاً أن تعيش في أمن واستقرار.

بلغ التعاون بين الدولتين ذروته في ديسمبر 2007، عندما قامت قطر بتوجيه دعوة رسمية للرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد، لحضور مؤتمر قمة الخليج الثامنة والعشرين في الدوحة كضيف شرف، وكان نجاد أول رئيس دولة أجنبية يحضر تلك القمة، ما أثار دهشة بعض الدول الخليجية واستهجانها.

العلاقات العسكرية

بالتوازي مع تطور العلاقات السياسية بين البلدين بدأت العلاقة في المجال العسكري تتطور وتظهر أكثر فأكثر، ففى عام 2010، زار حمد بن جاسم أمير قطر السابق طهران والتقى بالمرشد خامنئى، وخلال الزيارة وقع البلدين اتفاقية أمنية بين ممثلين عن الحرس الثوري وقيادات عسكرية قطرية، وفي نفس العام بدأ تبادل للزيارات بين البلدين، حيث زار وزير الدفاع الإيراني العميد أحمد وحيدى قطر ووقع مع قائد أركان القوات المسلحة القطرية اللواء حمد بن على العطية على وثيقة التعاون الدفاعى بين البلدين.

وفي عام 2013 تم الكشف عن لجوء الدوحة إلى القوات الإيرانية(5)، لتدريب خفر السواحل القطرية فى مجال مكافحة المخدرات، فضلا عن قيام الدولتين بمناورات مشتركة بين قوات خفر السواحل الايرانية ونظيرتها القطرية، تم الاعلان عنها على هامش انعقاد الاجتماع الـ 11 للتعاون بين خفر السواحل إيران وقطر فى جزيرة كيش جنوب ايران.

التعاون العسكري بين الدولتين بلغ ذروته عام 2015، وشهد هذا العام توقيع  اتفاقية أمنية وعسكرية بين الجانبين تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة"، وفي أكتوبر 2015 التقى قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي بمدير أمن السواحل والحدود فى قطر على أحمد سيف البديد، وانتهى اللقاء إلى توقيع اتفاقية تعاون لـ"حماية الحدود المشتركة" بين البلدين، وتعزيز التعاون الأمني لأول مرة بين "الحرس الثوري والجيش القطرى".

لم تعلن الدوحة عن كل بنود هذه الاتفاقية، ولكن ظهر عقب ذلك أن الاتفاقية تعطي "حق تدريب قوات قطر البحرية للقوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران"، ومن هنا بدأت الدوحة فى تدريب قواتها البحرية قليلة العدد على يد الحرس الثوري، فضلاً عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الحرس الثورى أيضاً، وسعت الدوحة وقتها لتمرير موافقة مجلس التعاون على فكرة اقترحتها طهران لإنشاء "منظومة دفاعية أمنية إقليمية" لكن مساعيها باءت بالفشل مع تصاعد النفوذ الإيرانى، وارتفاع حجم المخاوف من تحركاتها.

وكانت السمة الواضحة التي تميز الاتفاقات السابقة، أن معظمها أُعلن عنه من الجانب الإيراني، بينما لم تحاول الدوحة التباهي بها، خشية إثارة ردود الأفعال السعودية الغاضبة.

ثانياً- التنسيق الاقليمي بين وكلاء قطر وايران

انعكست العلاقات العسكرية بين البلدين على التنسيق والتعاون بين وكلائهما في الاقليم وظهر هذا جليًا عقب ثورات الربيع العربي2011، وما تلاها من أحداث انخرط فيها الوكلاء الإقليميون للدولتين، فرغم الاختلاف الاستراتيجي بين رؤى قطر وإيران بخصوص مستقبل الصراع في سوريا وفي اليمن، إلا أنهما استطاعا الحفاظ على حدٍ أدنى من التنسيق، ولم ينجرا الى الدخول في صراع مباشر.

        ومن أبرز الأمثلة على هذا التنسيق، الدور القطري الذي لعبته الدوحة في الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين الذين احتجزتهم قوات المعارضة السورية عام 2012 في محافظة حلب، وكذلك دورها في صفقة راهبات صيدنايا مقابل معتقلات سوريات من ضمنهم كانت زوجة البغدادي زعيم تنظيم داعش، وكذلك دور قطر في صفقة جبهة النصرة الإرهابية مع حزب الله الإرهابي في عرسال اللبنانية عام 2013، حيث كانت جبهة النصرة قد أسرت بعض عناصر الجيش اللبناني وعناصر من الحزب الإرهابي، ولعبت الدوحة دورها حتى تمت الصفقة وأفرجت النصرة عن الأسرى من عناصر الجيش اللبناني والحزب الإرهابي.

        وما تقوم به اليوم قطر في سوريا يؤكد على التناغم بين الدوحة وطهران، خاصة في الصفقات التي ترعاها قطر بين جبهة النصرة ونظام الأسد والميليشيات الإيرانية في تبادل المناطق وتهجير السكان على أساس طائفي، كما حدث في ما سمي اتفاق المدن الأربع الذي هجر بموجبه سكان مدينتي مضايا والزبداني مقابل ترحيل سكان قريتي الفوعة وكفرية اللتين تقعان تحت يد قوات تابعة لإيران، وتزامن هذا الاتفاق مع زيارة وزير خارجية قطر إلى بغداد ولقائه مع قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

قطر والحوثيين

العلاقة بين جماعة الحوثيين اليمنية ظهرت للعلن أول مرة أثناء مواجهات صعدة الرابعة والتي حدثت في الفترة بين (يناير – يونيو) 2008، وبدأت في 28 يناير 2007 م عندما اشتبكت عناصر من الحوثيين مع القوات اليمنية وقتلت 6 جنود وأصابت 20 آخرين، وبعدها حدثت مواجهات أخرى خلفت عشرة قتلى وأكثر من عشرين جريح، وفي شهر فبراير, شنت القوات اليمنية حملة على صعدة قتل خلالها ما يزيد عن 160 من الحوثيين، وتقدمت نحو منطقة مطرة الجبلية، آخر معاقل المتمردين شمال محافظة صعدة.

ولكن تدخلت قطر بالوساطة، وتم الاتفاق على هدنة في 16 يونيو(6) تقضي بوقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة مطرة، والإفراج عن مساجين حوثيين في السجون اليمنية، مقابل تسليم سلاح المتمردين وأن يتم ابعاد عبدالملك الحوثي وعدد من القيادات الأخرى إلى الدوحة، على أن تتولى قطر دفع مساعدات وتعويضات وإعادة الإعمار.

واعتبرت قيادات الجيش اليمني وقتها أن الوساطة القطرية أنقذت الحوثيين من الهزيمة والقضاء عليهم، واتهمت الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي كان حاكماً في تلك الفترة، بالاستسلام للإغراءات وعقد صفقة مع قطر التي تعهدت أيضاً بتقديم مبالغ مالية كبيرة كمساعدات مقابل إيقاف الحرب، لكن الحوثيين بمجرد إعادة ترتيب أوراقهم، أشعلوا مواجهات جديدة في العام التالي، وتنصلوا من كل الاتفاقيات.

فحدثت مواجهات أخرى عام 2008م، ومرة أخرى في عام 2009م وهي الحرب التي تدخلت فيها السعودية بآلياتها ومعداتها العسكرية لدعم الجيش اليمني، قبل أن تتدخل قطر لترعى توقيع اتفاقية الدوحة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في 21 يونيو 2010م(7)، وهو الاتفاق الذي فرض وجود الحوثيين كجزء من معادلة النظام في اليمن، وخلال كل هذه المراحل كانت الدولة القطرية بأدواتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية داعمة للتمرد الحوثي بشكل علني أحياناً، وبطريق غير مباشر في أحايين أخرى.

حزب الله وقطر

لا يمكن نسيان كلمة رئيس البرلمان اللبناني الحليف الأبرز لجماعة "حزب الله" نبيه بري في عام 2008 بعد اتفاق الدوحة الذي توصلت إليه الفصائل اللبنانية لإنهاء 18 شهراً من الأزمة السياسية في  لبنان شهدت بعض  الفترات منها أحداثاً دامية.

كان واضحاً خلال الدعم القطري لحزب الله وحلفائه (فريق الثامن من آذار) مقابل تيار المستقبل وحلفائه (فريق الرابع عشر من آذار)، ولكن حينها لم يكن سبيلاً سوى الاتفاق إذ أن الأزمة كانت قد أصابت حياة المواطن اللبناني بالشلل بعد أن قامت ميليشيات حزب الله بإغلاق أهم مراكز بيروت الاقتصادية والسياسية.

وبعد الاتفاق توجه نبيه بري بالشكر لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قائلاً: "أول الغيث قطرة.. فكيف إذا كان قطر ".

وبعدها كانت المحطة الأبرز التي جعلت حزب الله يستقوي على سائر الفرقاء اللبنانيين هي الزيارة التي قام بها أمير قطر السابق للبنان عام 2010، حيث حلّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ضيفاً على جنوب لبنان معقل حزب الله، وقام بجولة على القرى التي أسهمت قطر في إعمارها بعد الحرب مع إسرائيل في العام 2006.

وقد استُقبل أمير قطر وقتها بترحاب كبير في البلدات التي مر فيها، وامتلأت الشوارع اللبنانية  المختلفة بإعلانات تحمل عبارة " شكراً قطر"، كما نظّم له "حزب الله" استقبالاً شعبياً مشهوداً في "بنت جبيل" معقل الحزب، وخلال الزيارة، التي صاحبه فيها أيضاً الرئيس السابق  ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري، سجّل "حزب الله" حضوراً لافتاً من خلال عدد من قيادييه، بينهم مسؤول الحزب في الجنوب حينها الشيخ نبيل قاووق، وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب اللبناني عن الحزب.

أعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبناني – في ذلك الوقت- دفعاً كبيراً للدعاية الإعلامية التي يتبناها "حزب الله" وحلفاؤه، والقائمة على أساس أن  سوريا وإيران، مضافاً إليهما قطر٬٬ باتت تشكل محوراً إقليمياً في مواجهة محور  "الاعتدال" العربي، ما من شأنه تغيير وجه المنطقة، بما في ذلك لبنان.

حزب الله: خط مع قطر رغم الخلافات

بعد اندلاع الثورة السورية ودعم قطر لجماعات معارضة للنظام السوري، شهدت علاقات قطر بحزب الله بروداً ملحوظاً، وعندها هاجم أمين عام الجماعة اللبنانية حسن نصرالله، الدوحة عدة مرات في خطاباته، لكن هذا البرود لم يستمر طويلاً.

ففي مقابلة بتاريخ 3 ديسمبر 2013، مع تلفزيون "OTV" اللبناني قال نصر الله إنه "استقبل في الفترة السابقة موفداً قطرياً وأن قطر في الآونة الأخيرة ربما تعيد النظر بموقفها في المنطقة واستراتيجيتها".

وأضاف: "بحثنا مع قطر في العمل للحل السياسي في سوريا ثم تكلمنا عن إبعاد لبنان عن المشاكل"، وتابع "بقي خط بيننا وبين قطر دائما رغم أننا مختلفون في السياسة".

وجاء حديث نصرالله جاء بعد تسريبات إعلامية كشفت عن لقائه بمبعوث قطري حيث كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من "حزب الله" أن مسؤولًا قطرياً موفداً من أمير دولة قطر زار بيروت في نوفمبر 2013 حاملاً رسالة من "الشيخ تميم بن حمد آل ثاني" إلى "حسن نصر الله".

وذكرت الصحيفة اللبنانية وقتها عن اللقاء أن "القطريين سمعوا كلاماً واضحاً ومباشراً عن ضرورة القيام بخطوات عملية لأجل إظهار التغيير في الموقف من المحور الذي يضم حزب الله وسوريا وإيران" وكذلك سمعوا مَن يذكرهم بأن الحضور القوي لقطر في المحافل الدولية برز خلال فترة العلاقات الجيدة مع قوى ودول هذا المحور.

وأوضحت "الأخبار" أن "قطر أصرت على إبلاغ حزب الله رغبتها في أن يلعب الحزب دوراً مباشراً في كسر الجليد مع دمشق، ومع الرئيس  الأسد مباشرة".

وقالت إن القطريين سمعوا جواباً هادئاً: "أصلا، لديكم عناوين وهواتف المعنيين في سوريا، وإذا كنتم جادين في ما تقولون، أقدموا على خطوة أولى، واطرقوا الأبواب بأيديكم".

وقال بعدها مصادر مطلعة على الملف إن الاتصالات جاءت بطلب من الجانب القطري، وتضمنت عروضاً مالية سخية على نظام الأسد الذي يواجه صعوبات مالية كبيرة، لقاء تحقيق المصالحة معه كرد فعل على انتزاع الملف السوري من يدها، وتراجع آمال الدوحة في سيطرة الإخوان المسلمين على الثورة السورية، بعد نقل قيادة الجناح الأهم في المعارضة السورية من حلفائها إلى أحمد الجربا حليف الرياض.

وأكدت الصحيفة نقلاً عن مصادرها أن الدوحة أبدت استعدادها لتقوية نظام الأسد، مالياً، ومدّه بمعلومات مهمة عن المعارضة التي كانت تدعمها، وذلك سعياً إلى إفشال الثورة السورية، رداً على الدور السعودي في تحجيم جماعة "الإخوان المسلمين" المقربة من قطر.

وفي إبريل الماضي أبرمت قطر صفقة مع "حزب الله" اللبناني للإفراج عن26 صياداً كانوا ينتمون للأسرة الحاكمة، تم اختطافهم أثناء رحلة صيد على الحدود السورية -العراقية في يناير 2016.

وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر 22 إبريل إن "حزب الله" اللبناني قد بذل جهوداً في إطلاق سراح الصيادين القطريين في العراق.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عراقية وصفتها ب"المطلعة"، قولها إن "حزب الله اللبناني بذل جهوداً كبيرة في سبيل إنضاج هذه الصفقة وإنجاحها أيضاً".

رواية المفاوضات، التي تولاّها مع الجانب القطري "كتائب حزب الله - العراق"، استغرقت 16 شهراً ، و شهدت عدداً من الجولات بسريّة تامة، خاصة  وأن 11 محتجزاً من الـ 28 كانوا من العائلة الحاكمة في قطر، آل ثاني.

ولكن بعد اتفاق المدن الأربع الذي شمل سكان مدن مضايا والزبداني والفوعة وكفرية تسرّب خبر عودة القطريين إلى بلادهم، بعدما ضُمّ ملف القطريين إلى بنود الاتفاق بطلبٍ قطري.

ونقلت عدة مصادر صحفية كان آخرها جريدة الفايننشال تايمز أن قطر دفعت 700 مليون دولار(8) لـ"حزب الله" اللبناني لوساطته في ملف الصيادين، عنوانها "الفدية".

قطر وجمعية الوفاق البحرينية

كشفت مؤخراً صحيفة "الوطن" البحرينية(9)، جانباً من تفاصيل التدخل القطري في الشؤون الداخلية البحرينية خلال أزمة 2011، وهي الأزمة التي اندلعت عقب احتجاجات شعبية، دفعت المملكة البحرينية إلى طلب الاستعانة بقوات "درع الجزيرة"، وقالت الحكومة وقتها أن القوات جاءت لتأمين المنشآت الاستراتيجية، فيما اعتبرتها إيران غزواً للبحرين.

وبيّنت المعلومات التي كشفت عنها الصحيفة طبيعة الاتصالات التي تمت بين الدوحة وطهران مع جمعية الوفاق الشيعية، حيث ساهمت تلك الاتصالات في التحضير لإطلاق المبادرة القطرية للأزمة وأبرز محاورها تشكيل حكومة انتقالية في البحرين والطلب الرسمي لانسحاب قوات درع الجزيرة من المنامة.

وأشارت التفاصيل إلى قيام رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في مارس 2011 باتصالات مكثفة مع أمين عام جمعية الوفاق علي سلمان قبل دخول قوات درع الجزيرة بفترة بسيطة إلى البحرين، وقدم في اتصالاته تلك مجموعة من الأفكار واعتبرها لاحقاً مبادرة قطرية للمنامة.

خلال اتصالات الشيخ حمد مع جمعية الوفاق، طلب منها "ضرورة التنسيق بينها وبين الجمعيات المتحالفة معها لضمان استمرار المحتجين في دوار مجلس التعاون، بحيث تقوم قطر بالضغط على حكومة البحرين من أجل أن تفتح الجهات الأمنية جميع الطرق للجمهور، وإيقاف الحراسات الأهلية، وكذلك نقاط التفتيش الشعبية".

كذلك قدم رئيس الوزراء القطري تصوراً لجمعية الوفاق من أجل "إطلاق حوار وطني في أقرب فرصة من أجل مناقشة مطالبها السياسية، على ألا يتم انسحاب المتظاهرين من دوار مجلس التعاون إلا بعد شهر من بدء الحوار".

وخلال المباحثات القطرية الوفاقية طلب الوسطاء البحرينيون مجموعة من المطالب، وقدموها للشيخ حمد الذي وعدهم بالعمل عليها ووصفها بـ "الأفكار الإيجابية والمهمة". وفي ضوء تلك الاتصالات بلور رئيس الوزراء القطري وثيقة "المبادرة القطرية" التي تطلب من حكومة البحرين تنفيذ 4 خطوات أساسية، وهي:

أولاً: ضمان حق التظاهر لجميع المواطنين.

ثانياً: إيقاف تلفزيون البحرين.

ثالثاً: الإفراج عن جميع الموقوفين في الأحداث.

رابعاً: تشكيل حكومة انتقالية خلال شهرين.

كما طرح رئيس الوزراء القطري على جمعية الوفاق انسحاب قوات درع الجزيرة، ونالت تلك الأفكار قبول الأمانة العامة لجمعية الوفاق، خاصة بعد أن أكد حمد بن جاسم أن الدوحة ستكون الراعي الرئيس لهذه المبادرة، وأكدت الوفاق ضرورة إشراكها في الحكومة الانتقالية فوافق على هذا الطلب. طرحت الحكومة القطرية هذه الأفكار على حكومة البحرين التي رفضتها بشكل كامل لأنها كانت تعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية المحلية.

ثالثاً- مستقبل العلاقات الإيرانية القطرية

الآن، وعقب المستجدات الأخيرة وإصرار الدول الخليجية على معاقبة قطر، وإصرار الدوحة على دعم جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات المسلحة المعادية للدول الخليجية، فمن المتوقع أن يحدث تقارب أكثر علانية بين قطر وايران، وهو ما سينعكس بالطبع على العلاقات بين دول الخليج.

عقب الأزمة العربية مع قطر والتي بدأت في 23 مايو عقب نشر تصريحات صحفية بوكالة الأنباء القطرية على لسان أمير قطر أعرب فيها عن تأييده لإيران، وحماس، وحزب الله .

تلقى أمير قطر في 27 مايو اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني حسن روحاني، أكد فيه روحاني أن بلاده تسعى لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار وخاصة قطر، موضحا وجود أجواء مناسبة للتعاون على الصعيدين السياسي والاقتصادي بين طهران والدوحة، في المقابل قال أمير قطر إن علاقة بلاده مع إيران عريقة وتاريخية وراسخة، ودعا إلى تعزيز وتوسيع هذه العلاقات، مضيفا أنه سيصدر الأوامر إلى الجهات المعنية في بلاده وحثها على المزيد من الجهود لتعزيز التعاون بين طهران والدوحة.

وبعد تصريحات أمير قطر، تغير النهج الإعلامي الإيراني تجاه قطر، والذي كان دائماً ما يشن هجوماً عليها ويصفها بالدولة الراعية للإرهاب، وبدأت وسائل الإعلام الإيراني الترويج لأن قطر ضحية مؤامرات سعودية وأمريكية في المنطقة.

 

الهوامش

(1) World Energy Outlook 2008 - Chapter 12 - Natural gas resources and production prospects, p.298

(2) https://arabic.cnn.com/business/2017/06/10/iran-ports-airspace-qatar

(3) مدحت أحمد حماد، إيران (1999-2000)، التقرير الاستراتيجي الخليجي(1999-2000)،الشارقة : دار الخليج للصحافة والطباعة 2000، ص 180

(4) https://www.un.org/press/en/2006/sc8792.doc.htm

(5) http://www.alayam.com/alayam/first/87612/News.html

(6) http://www.seattletimes.com/nation-world/yemens-government-shiite-rebels-negotiate-end-to-3-year-conflict/

(7) http://www.reuters.com/article/us-yemen-idUSLDE61A2VW20100211

(8) https://www.ft.com/content/dd033082-49e9-11e7-a3f4-c742b9791d43?mhq5j=e2

(9)http://alwatannews.net/article/718671/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%86/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%82

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟