المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد كريم الخاقاني
محمد كريم الخاقاني

الاستفتاء على تقرير مصير كردستان، بين الواقع والمستقبل

الثلاثاء 15/أغسطس/2017 - 05:40 م

اذا ما نظرنا الى طبيعة العلاقة التي تربط اقليم كردستان مع الحكومة العراقية ، فسنجد انها علاقة قائمة على اساس من عدم الانسجام بين الطرفين ، فمنذ التغيير الذي حدث في شكل الدولة العراقية في عام 2003 ، والأحزاب الكردية وخصوصاً الحزبين الكبيرين ، الديمقراطي بزعامة مسعود برزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني، قد اختارت البقاء في الصف الوطني ، وتحت خيمة البلد الواحد في إطار دولة فيدرالية اتحادية، وبسبب من السياسات التعسفية التي قام بها النظام العراقي السابق ، والتي اثرت في حجم المشاكل العالقة بينهما ومحاولة تسويتها كضمان لتلك العلاقة المشتركة ، ففي المادة(58) من القانون الانتقالي الإداري والتي قد عالجت موضوع التغيير الديموغرافي لتلك المناطق مثار الجدل ، وبالخصوص مدينة كركوك ، إذ نالت قسطاً وافراً من تلك السياسات التي اعتمدها النظام السابق ، وبعد التصويت على الدستور العراقي الدائم في عام 2005، حلت المادة(140) بديلاً عن المادة(58) السابقة ، على ان تتم عملية حل الاشكاليات الخاصة بكركوك وبقية المناطق المتنازع عليها ، من خلال تنظيم استفتاء لسكان تلك المناطق للانضمام لإقليم كردستان ام لا، وذلك بجدول زمني لا يتجاوز تأريخ 31-12-2007، ولغاية الان لم تتم تلك العملية وبشتى الاسباب والذرائع ، وعلى الرغم من تدخل الأمم المتحدة وعبر ممثلها ستافان دي مستورا ومن خلال البعثة العاملة التابعة لها في العراق ( يونامي) ، وعبر اعداد خطة لحسم الموضوع ، إلا انه لم تتم الموافقة على خطة الأمم المتحدة من قبل الطرفين ، الحكومة المركزية واقليم كردستان ، لتراوح تلك المسألة مكانها ، ولطول المدة والتي استغرقتها تلك المسألة ومن دون حل يُرضي جميع الأطراف بعد اتساع المطالبات من قبلهم لحسمها ، هذه المسألة لم تعب عن بال وفكر الساسة الاكراد وفي مقدمتهم رئيس الاقليم مسعود برزاني ، فقد اراد طريقة لحلحة المشكلة وذلك من خلال ، الدعوة لتنظيم استفتاء يجري في الإقليم لمعرفة رأي الشعب الكردي بذلك ، فهو من سيقرر اما البقاء أو الانفصال عن العراق ، في محاولة جدية لتأسيس الدولة الكردية ، والتي يريد من خلالها لتكون من ابرز انجازاته والتي يعمل جاهداً لتحقيقها ، وخصوصاً انه قد ولد في ظل اجواء دولة مهاباد الكردية والتي اسسها والده مصطفى البارزاني في عام 1946في ايران ، والتي قد تم القضاء عليها بعد عام من نشأتها ، وطوال تلك السنوات ، لا زال الحلم يراود الجميع بدولة كردية ، إذ يرى الكرد بأن الظروف الدولية ، مهيأة تماماً لمثل تلك المبادرة ، وعلى الرغم مما قد تثيره تلك الخطوة الكردية ، من قلق اقليمي ودولي ، وبالخصوص من قبل دول ايران وتركيا ، ولاغم الرفض الدولي لإقامة الاستفتاء في مثل هذا الوقت بالذات ، وهو الوقت الذي يخوض فيه العراق ، معركة شرسة مع الارهاب ، والتي استطاعت فيها القوات العراقية من احراز النصر وبشكل كبير على المجاميع الارهابية وتحرير الأراضي العراقية من قبضة تلك المجموعات الارهابية ، ولذلك فأن الحديث عن اجراء الاستفتاء في هذه المرحلة ، انما يعني تشتيت الجهود الرامية الى القضاء على الارهاب والذي تمثله عصابات كيان داعش، من كل المناطق العراقية ، إذ تشترك قوات البيش مركة الكردية في تلك المعارك ، وما حققته من انتصارات مشهودة في الحرب ، ولذلك لا يمكن لتفريط بما قد وصلت اليه تلك القوت من جهوزية للدفاع .

وتنطلق التصريحات المنسوبة للساسة الاكراد حول تلك المسألة والخاصة بتنظيم الاستفتاء ، بين مؤيدة لتنظيمه ، واخرى رافضة له ، ليس من باب عدم قبولها بالانفصال ، بل من جهة عدم ملائمة الوقت لأقامته ، اضافة الى ذلك كله ، الأوضاع الداخلية في الإقليم ، وخصوصاً ان الإقليم يعيش فراغ سياسي ، متمثلاً بانتهاء مدة الرئاسة منذ سنتين ، وكذلك عدم انعقاد جلسن برلمان كردستان ، وباعتباره الممثل الشرعي لحقوق الشعب الكردي ، وكذلك فيما يتعلق بالظروف الاقتصادية الصعبة والتي يعيشها الشعب الكردي ، كل تلك الامور تُلقي بظلالها على مسألة تنظيم الاستفتاء المزمع اقامته في 25-9-2017، وبذلك يكون الاستفتاء عامل ضغط على الحكومة المركزية في بغداد ومن خلال الاستجابة للمطالب الكردية وعبر تشكيل وفد تفاوضي لتحديد شكل العلاقة المستقبلية بين الطرفين ، ونجد الأطراف الكردية الرافضة لإقامة الاستفتاء ، تنطلق من رؤية مفادها ، بأن إقامته في ظل الظروف الحالية ، انما يعني عدم تحقيق الدولة الكردية ، وهي بذلك غير رافضة لمطلب اقامة الدولة الكردية ، بل هي ترى بأن وقته لم يحن بعد ، وبالتالي عدم الحصول على المكاسب المرجوة منه، وكذلك بأن البلد يمر حالياً بحالة حرب ، تشترك فيها قوات حرس الحدود ( البيشمركة) ، ولذلك فهي لا تسعى الى التفريط بالمُنجز المتحقق من عملية تحرير الأراضي والتي تمت السيطرة عليها والتي تُعرف بالمتنازع عليها في سنجار وغيرها ، وايضاً الأوضاع الداخلية الاقتصادية والتي يعاني منها الإقليم والتي اثرت بشكل كبير جداً على مستويات الأنفاق الحكومي والقدرة الشرائية للمواطنين ، اضافة الى خلو منصب الرئاسة ومنذ سنتين وبالتالي تعطيل انعقاد البرلمان الكردستاني طوال تلك الفترة ، ما ادى الى تأزيم في العلاقة الداخلية لبقية الأحزاب الأخرى مثل الاتحاد الوطني وحركة كورات والاحزاب الاسلامية ، فهي بالتأكيد عوامل لا تُنجح الاستفتاء حالياً ، وعليه لابد من تأجيل تنظيم الاستفتاء لفترة زمنية لحين حل تلك الإشكاليات الداخلية ،ولحين استتباب الأوضاع داخل الإقليم وبالتالي العمل على تهيئة اسباب إقامته ، هذه هي الرؤى السائدة في داخل البيت الكردي ، اما من ناحية الحكومة المركزية في بغداد ، فأننا ازاء رفض مطلق لتنظيم الاستفتاء سواء حالياُ اي في وقته المحدد له ، ام في غير ذلك التوقيت، وذلك بسبب التأثيرات المحتملة لتصديع وحدة وسيادة العراق كبلد واحد ، اضف الى ذلك ، إن الدعوة الكردية لتنظيم الاستفتاء ، لا تقتصر على الساكنين داخل المحافظات الثلاث المكونة للإقليم الكردي ، بل تعداها الى سكان المناطق المتنازع عليها ، مما يؤشر تصاعد في ازمة العلاقات بين الحكومة والأقليم ، بسبب ان الدستور قد حدد الحدود الإدارية للإقليم وللمحافظات وفقاُ للدستور الدائم ، ولذلك فأن تلك الدعوة لاقت رفضاً قاطعاُ لشمول ابناء تلك المناطق في الاستفتاء ، إذ تعول القيادة الكردية على تلك المناطق التي تمت السيطرة عليها بعد طرد تنظيم داعش منها ، بأنها اصبحت بحكم الامر الواقع تحت السيطرة الكردية ولتمتد سلطة الإقليم نحو تلك المناطق المتنازع عليها ، وعليه لا وجود للمادة (140) بحكم الأمر الواقع ، وهذا سبب اضافي اخر لتصعيد التوتر بين الطرفين ، وكذلك تثير الدعوة الكردية لاستفتاء المصير ، قلقاُ دولياُ كبيراُ ، إذ ان الدعوة الحالية ، هي دعوة لتشتيت الجهود الدولية لمحاربة داعش وبالتعاون مع القوات العراقية ، لذا صدرت العديد ممن التصريحات التي ترفض تلك الدعوة ، ومن اهمها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا  واللتان تعتبران من اكبر الداعمين للأكراد وغيرها من الدول الأخرى ، وايضاُ رفض منظمة الأمم المتحدة للإشراف على تنظيم تلك العملية ، باعتبار ذلك تهديد لوحدة العراق ، وجاء الرفض لإقامة الدولة الكردية من الاتحاد الأوربي ، ومن قبل عدة دول اوربية ، وكذلك نجد ان صدى تلك الدعوة قد امتد ليشمل رفضاُ مطلقاُ من قبل الدول المجاورة للعراق وبالخصوص من ايران وتركيا، وهما من اشد الرافضين لإقامة مثل تلك الدولة على مقربة من حدودهما ، إذ ان نجاح ولادة تلك الدولة ، يعني مطالبة القومية الكردية داخل كل منهما للمطالبة بإقامة دولة كردية مماثلة ، لذلك فانهما ترفضان وبشكل قاطع اي امكانية ولو بالتفاوض على إقامتها، ونتيجة للظروف التي تحيط بالمنطقة حالياً من تفجر للصراعات بين مكونات الدول ذاتها، نجد بان امكانية الحديث عن ذلك الاستفتاء انما يعني طرق الابواب المسدودة وبالتالي تفويت الفرصة التي ناضل الاكراد من اجلها ولعقود طويلة .

إن الدستور العراقي قد تمت صياغة بنوده ، بحيث تكون القوة الكردية داخل الدولة العراقية الجديدة ، مؤثرة وذلك من خلال اقرار العديد من الامتيازات لتلك القومية والتي تم اضطهادها في عهد النظام السابق، والذي ترك اثراً بالغاً في طريقة تعاملهم مع النظام الجديد ، وللتدليل على ذلك ، نرى بأن مناصب سيادية قد أُسندت لهم في هيكلية الدولة لتعزيز الثقة بين الأطراف وللمساهمة في بناء عراقاُ جديداُ قائماً على اساس واحد دون تمييز بين فئة دون اخرى ، وبين قومية وغيرها، وعليه فأن المطالبة الكردية وفي ظل تلك المعطيات ، نرى بأنها قد تفوت الفرصة لإقامة الحلم الكردي ، والذي يصطدم بمجموعة من التحديات والصعاب واهمها:

1-إن الوضع الدولي الحالي لا يُشجع على المضيء بمثل تلك الخطوة من جانب الاكراد ، ولذلك فقد عبًرت عن ذلك الموقف دولاُ كبرى من مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها، والذين يعتبرون من ابرز الداعمين للمطالب الكردية ومنذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، اضف الى ذلك كله، الرفض الأممي للإشراف على عملية تنظيم الاستفتاء من قبل منظمة الأمم المتحدة ، والتي قد تؤجج المشاعر الرافضة للتدخل غي شؤون داخلية لدولة عضو فيها.

2- الاكراد ووفقاُ للدستور العراقي ، يتمتعون بحكم ذاتي للمحافظات التي تُكًون الإقليم الكردي ، وهي محافظات اربيل ودهوك والسليمانية ، ومنذ الحماية الدولية لذلك الإقليم بعد احداث عام 1991، وما تلاه من دعماُ دولياُ للمطالب الكردية ، ولذا فان الساسة الاكراد قد ارتضوا بالبقاء في الصف الوطني تحت راية وعلم العراق الواحد وفي إطار اتحاد فيدرالي اتحادي .

3-الحرب مع داعش لا زالت مستمرة ، وعلى مقربة من حدود الإقليم ، وبالتالي انخراط القوات الكردية والمتمثلة بـ (البيشمركة) في قتال التنظيم الارهابي ودفع الخطر عن حدود الإقليم ، ما يتطلب التنسيق مع القيادة العليا للقوات المسلحة في بغداد ، وعليه فأن الإقليم قد يكون وفي ظل تلك الظروف في خطر ، وذلك من خلال القيام بالعديد من العمليات الارهابية داخل الإقليم ، انتقاماُ من اشتراك القوات الكردية بالحرب ضد داعش.

4-لا تزال مسألة المناطق المتنازع عليها ، تثير العديد من القضايا والتي يُصعب التفاهم وحلها وفقاُ لتطورات الأوضاع ، وهي قائمة بدون حلاُ يُرضي الجميع ، ولذا فأن دولة البارزاني لسكان المناطق المتنازع عليها خارج حدود الإقليم ، قد تسبب في اثارة مشاكل اخرى ، تُضاف الى قائمة طويلة من المشاكل القديمة بين الطرفين.

5-الخلافات داخل البيت الكردي ، قد تثير مشاكل اذا ما أُقيم الاستفتاء في موعده في 25-9، ما يعني مزيداُ من الصراع بين الأحزاب والقوى الكردية والتي تريد تأجيل اقامة ذلك الاستفتاء لحين إيجاد الحلول المناسبة لأزمة الرئاسة الكردية والبرلمان الكردي ، اضافة الى هذا ، الوضع الاقتصادي المتدهور والذي يلقي بظلاله على اوضاع المواطنين هناك .

6-ماذا بعد إقامة هذا الاستفتاء؟ اي بمعنى اخر ، اذا ما كانت نتيجة الاستفتاء هي التصويت ب(نعم) وهو ما تريده القيادة الكردية الحالية والمتمثلة برئيس الإقليم مسعود بارزاني ، ما هي الصيغة والتي سوف يتم التعامل على اساسها مع الحكومة المركزية في بغداد ؟ هل يعني ذلك اوراق ضغط جديدة تمارسها القيادة الكردية من اجل حسم الجدل الدائر بين الطرفين ، وماهي الضمانات التي ستُقدم لكي يتم الانفصال بشكل سلمي؟ ام ان هناك طرقاُ بديلة في حالة الرفض المتوقع لبغداد لنتيجة الاستفتاء مقدما؟ والتي سيكون من بينها اللجوء الى الحل العسكري لتحقيق ذلك .

7- كيفية تعامل الدولة الجديدة مع متغيرات الوضع الدولي الذي يُحيط بها ، وذلك من خلال الرفض التركي الايراني لإقامة تلك الدولة والتي صدرت من قبل مسؤولي البلدين ، وماهي استراتيجية التعامل المطلوبة مع الجار الجنوبي للدولة الجديدة؟ .  

8- في حالة قيام تلك الدولة، كيف سيتم التعامل مع الدول الأخرى الرافضة لها ، اي من الجانب الاقتصادي ، والكل يعلم بأن كردستان دولة مغلقة تماماً  وبالتالي فهي ستتعرض الى هزات اقتصادية كبرى في حالة رفض تلك الدول التعامل معها لوقوعها تحت الضغط لمطاليب وارادات تلك الدول ، وبالتالي انهيارها وسط تلك المعطيات ، اضافة الى ذلك كله ، الرفض الدولي لإقامة الدولة الكردية بسبب عدم وجود محفزات لقبولها في الاسرة الدولية ، اي بمعنى ، ان الدولة الكردية ستثير العديد من المشاكل مع جيرانها والتي ستؤثر فرص اقامة الدولة على اقلياتها والتي تُطالب بنفس الحقوق .

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟