المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قراءة حول مشروع لجنة الفتوى

الثلاثاء 15/أغسطس/2017 - 11:57 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود عبد الله

بداية الفكرة

المشروع من أفكار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر، بهدف بناء جسور التقارب بين الأزهر والناس، وتعزيز الانتماء الوطني، ومكافحة الفكر المتطرف، ونشر التدين الوسطي بين الشباب، واستعادة القيم المهجورة في حياة الناس كالتراحم والتعاون والمحبة، وغيرها من قيم المواطنة. والفكرة جاءت في إطار جهود قطاع الوعظ والفتوى بمجمع البحوث الإسلامية ضمن إستراتيجية الأزهر في مكافحة العنف، ويأتي في مقدمة هذه الجهود مرصد الأزهر لمكافحة الفكر المتطرف، ومركز الفتوى الإليكترونية والقوافل الدعوية، علاوة على قوافل السلام الدولية، وجولات الإمام الأكبر التي يدعو فيها فضيلته إلى ثقافة التعايش والسلام.

بدأ العمل في 17 يوليو 2017، بحيث يبدأ العمل من الساعة التاسعة حتى الثانية ظهرا، وتبدأ الفترة الثانية من الثانية حتى الساعة الثامنة مساء يوميا. ويعمل داخل اللجنة أربعة وعاظ يتناوبون العمل على فترتين. ولقد تلقت اللجنة في اليوم الأول 160 سؤالا، وعلى مدى عشرة أيام، وصلت عدد الأسئلة التي تلقتها اللجنة إلى 744 سؤالا، متوعة ما بين المسائل الأسرية والعلاقات الزوجية، والمعاملات البنكية، والكفارات، وأحكام الصلاة والزكاة. أي ما يعادل سبعين سؤال في اليوم الواحد.

        إن اللجوء للشارع والمجال العام قد بات حتمية مفروضة على الأزهر كمؤسسة دعوية، فأمام ما تنتهجه التيارات الدينية المغايرة لها في الدور والمنهج والرؤية يبدو صعبا الرهان على تجديد الخطاب الديني دون التفاعل مع الجماهير. فمنهجية السؤال والجواب قادرة بحد ذاتها على تفكيك التصورات التقليدية التي يحملها رجال الأزهر، وهو ما يدفعهم نحو تغيير خطابهم بالتدريج، تغييرا يتصل باللغة المستخدمة، وربما مع جدة الموضوعات المطروحة عليهم، قد يضطرون حتما إلى تغيير المنهجية والرؤية. وفي المقابل فإن الصورة الذهنية المتراكمة عبر السنين عن رجال الأزهر قد تتغير هي الأخرى، وقد يسهم ذلك مستقبلا في زحزحة الحضور الطاغي للتيارات المتطرفة وسيطرتها على عقول الناس وأفهامهم. 

والواضح أن التجربة هنا مختلفة عن تجارب الجماعات المتطرفة، فالأخيرة تنتهج تجارب أبعد عن الحوار. دليل ذلك أن الغالب على أساليبها هو منهج الوعظ المباشر وغير المباشر دون محاججة. ولعلنا نتذكر المشهد الشهير الذي قام فيه أحد مشايخ السلفية بطرد أحد المصلين من الشباب الذي حاججه وأطال في نقاشه.

        إن التيارات المتطرفة تعمل على الأرض من خلال وسائل تتجنب كثيرا الحوار والنقاش والجدل، كإلقاء خطب مطولة، تلقيها سيدات أو رجال، أو بتوزيع المؤلفات، الموجهة للشباب والأطفال، أو بلصق التعاليم الدينية، وغير ذلك من الوسائل. بينما الأسلوب الذي انتهجه الأزهر يقوم على السؤال والجواب، وقد يحتمل الأمر المناقشة. وهو احتمال ينبغي التأكيد عليه، والرهان على قدرته في صنع تجديد حقيقي للخطاب الديني. 

ومع ذلك فإن الحوارية المأمولة تنهار كأمل في ظل مناخ العمل داخل المترو. فالسياق الزمنى والمكاني للمترو هو سياق الزمنية المتسارعة، زمن الفتوى السريعة المتدفقة، التساؤل العاجل والجواب غير المتأمل. ومن ثم فالقول بالحوارية ينهار في هذه التجربة. وهو ما يحتاج من القائمين عليها مزيدا من التفكير والتروى.

آراء معارضة

على الرغم من وجاهة الفكرة بالنزول للشارع وتقليل المساحة أمام التيارات المتطرفة، بحيث يصبح للأزهر وجود في الشارع وليس وجودا على صفحات التواصل الاجتماعي. إلا أن هناك انتقادات عديدة وجهت للفكرة. فقد رآها البعض على أنه دليل على محاولة تديين المجال العام، وتوسيع مساحة الديني، فيما يفضل حبسه بين جدران المساجد. ورآها آخرون على أنها سعي لبناء التمييز على أساس ديني حيث أن المترو مجال عام مشترك لا ينبغي الاستئثار به، وهو ما قد يؤدي لمطالبة الكنيسة باحتجاز مساحة لها هي الأخرى. فيما يرى آخرون أن رجال الأزهر قد تسلفوا على الطريقة الوهابية مع الهجرة التي شهدها قطاع عريض من العاملين بالأزهر إلى بلاد التفط، وقيامهم بالتدريس هناك. وليس أدل على ذلك سوى قيام دار الإفتاء المصرية بإدراج مجمع الفقهاء الإسلامى الدولى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى بجدة، ومجمع الفقه الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامى بمكة ضمن المصادر المعتمدة في الإفتاء. كذلك يراها البعض محاولة لمغازلة السلفيين المحافظين لدورهم الأخير في تأييد الحكومة في قضية تيران وصنافير.    

فيما تطرق البعض إلى جدوى الوسيلة، واعتبارها غير ملائمة لطرح خطاب ديني عصري، فالمكان لا يليق بعمل مقدس، علاوة على امتلاك الأزهر لوسائل أسرع وأهم يتواصل بها الشباب كالواتس أب والفيس بوك، وكل ما له صلة بالإنترنت من وسائل وأدوات.

ولم يهتم أحد تقريبا بمناقشة مدى حجية الوسيلة على المستوى الشكلي وتوافقها مع آداب الفتوى، من حفظ لخصوصية طالب الفتوى، وأحقيته بعرض سؤاله باستفاضة، بل وأحقية المفتى بالحصول على الوقت الكاف للرد، أو تأجيل الرد إن لم يكن لديه الحجة الكافية، خاصة إذا كانت القضية جديدة ولم يسبق معالجتها من قبل، بدلا من الرد المتسرع الذي يؤتي البلبلة. وهي حقوق مدرجة في الأدبيات للطرفين: السائل والمسئول.

موقع الإفتاء الأزهري

إن خارطة المجال الديني خارطة واسعة. فليس يعمل داخلها تيار واحد، بل نجد أنفسنا أمام عدة مواقع تستدعي النظر. ويمكن استعراضها على النحو التالي:

-       الإفتاء المؤسسي التقليدي: وهو خطاب الإفتاء الذي نما داخل مؤسسة الأزهر والمؤسسات التي خرجت من عبائتها في إطار جدل الأصالة والتحديث وتفكيك الوظائف الأساسية للأزهر، وانتقال هذه الوظائف لمؤسسات بديلة. هذا الخطاب يحمل السمات المعروفة لخطاب الشيخ التقليدي الذي سعت الأدبيات لوصفه كخطاب يعتمد على عدد من المسلمات: أن الأزهر هو مصدر المعرفة الدينية دون سواه، واعتماد الوسطية مفهوما أساسيا يوجه الخطاب، والإيمان بأن رسالة المؤسسة الدينية هي الحفاظ على تماسك المجتمع والدفاع عن الدين الإسلامي عبر العالم.

-       الإفتاء الدعوى الجديد: وهو خطاب الإفتاء الذي كان نتاج ظهور ما عرف بظاهرة الدعاة الجدد، ويعتمد هذا النمط من الخطاب على استخدام لغة عصرية، واستعمال أدوات السوق للوصول إلى أكبر قطاع من الشباب، وأبرز الأمثلة عليه ما قام به الأستاذ خالد الجندي بما يسمى فتوى المحمول، أي الحصول على الفتوى من خلال المحمول.

-       الإفتاء السلفي الوهابي: وهو خطاب الافتاء الذي يعتمد في مصادره على المصادر الوهابية السعودية، وأغلب فاعليه ومنتجوه ممن تربوا فكريا داخل السعودية على الفكر الوهابي، ويعتمد على الآراء المتشددة في الفتيا، ولغة عامية قريبة للناس في التداول الشفوي، ولغة تراثية قح في النصوص المكتوبة.

-       الافتاء السلفي الجهادي: وهو الصورة الأخيرة المستهدفة من مشروع الأزهر الأخير، ولا يختلف في شدته وتشدده عن الخطاب السلفي الوهابي، باستثناء الموقف السياسي، فالأول يطالب بطاعة الحاكم، فيما يرى الأخير ضرورة الخروج على الحاكم ومقاتلته.

إن الأزهر يرى في ذاته مؤسسة اتخذت لنفسها أيديولوجيا تصفها باصطلاح "الوسطية"، وهي تعني بها مقاربة الدين، بنصوصه المقدسة وشروحه عليها، تناولا وسطيا. وهذه الوسطية لها عدة معان مقصودة. أولها معنى معرفي اجتماعي، بحيث يتم اختيار أيسر الطرق والاختيارات التي يتيحها الفقه بمختلف مذاهبه، وبما يتناسب مع معطيات الواقع، وما يفرض ثقة المتلقين للخطاب. وثانيها معنى سياسي بحيث يكون الأزهر في موقع وسطي بين موقع التيارات المتشددة في تأويلاتها وفتاويها، وموقع التيارات المدنية (الماركسية والليبرالية) في تأويلاتها الأكثر رحابة ومغايرة في منهجيتها ورؤيتها ومرجعيتها.      

        وبالتالي يمكن من خلال هذا الاستعراض السريع لوضعية الأزهر داخل خارطة الخطابات المتنوعة داخل المجال الديني القول بأن الأزهر يسعى لموطء قدم أمام هذه المنافسة الجارفة والعاصفة، وكممثل للدولة، فهو يريد أن يقدم خطابا لا يتسبب في تشويه السياسات المتبعة من الحكومة بل يضفي عليها قدرا من المشروعية، ويؤسس شعوريا ووجدانيا وفكريا لصحة هذه السياسات التي يراها المواطن العادي أكثر السياسات المتبعة قسوة خلال العقود الأخيرة هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنه يريد أن يقدم أمارات على محاولته مواجهة الإرهاب، في ظل تزايد العمليات الإرهابية وتصاعدها وعدم القدرة على مواجهتها.

        وعلى الرغم مما يقدم من انتقادات تتصل بضرورة المحافظة على الشعرة الفاصلة بين الدين والمجال العام، أو تتعلق بطبيعة الخطاب نفسه وتقليديته وعدم تجاوبه مع مقتضيات العصر وسيطرة السلفية عليه، إلا أن ذلك كله يجبه عدة ملاحظات ينبغي إيرادها:

أولاً: لم يكن الأزهر طوال تاريخه خارج الجماعة الوطنية، بل هو جزء منها، وجزء من نضالاتها المتواترة عبر التاريخ، ومن ثم لا يوجد خصومة تاريخية كما يظن بين المؤسسة الدينية والجماعة الوطنية الجامعة لكافة التيارات المدنية. وإن الخلافات بشأن التجديد هي خلافات حول إصلاح الوطن وليست خلافات حول الوطن.

ثانيها: أن خطاب الأزهر في حاجة لتجديد فعلي، يمس المنهج واللغة والرؤية، ودون ذلك فإن الحديث عن التجديد هو وهم. الأمر الذي يتطلب من الأزهريين التفاعل الخلاق مع ما طرأ من تطورات أصابت علوم اللغة والبلاغة والتفسير.

ثالثها: أن النزول للشارع ضرورة حتى يتجدد الخطاب بحق، تجددا يسبقه إعادة تدريب وتأهيل الدعاة بالاستفادة والاطلاع على العلوم الاجتماعية والإنسانية وفهم أحدث نتائجها، والاستفادة من الصراعات الفكرية دون النأي عنها. لأن الحوار والجدل هو الذي يجدد الخطاب، فالخطاب ليس شيئا جاهزا، يمكن تعلمه، لكنه نتاج للنقاش العام الحر.

رابعها: على الدولة أن توفر في الأخير مناخاً حقيقياً لحرية التعبير، ما يمكن المجتمع من النقاش الحر.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟