المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
شيرين جابر
شيرين جابر

الدولة اليهودية ... إلى أين؟!

الجمعة 18/أغسطس/2017 - 12:15 م

أكثر من قرن مضى على فكرة إنشاء الدولة التي صاغها هرتزل في كتابه "دولة اليهود" عام 1896، هذا الكتاب الذي لا يتجاوز المائة صفحة ولكنه غاية في الأهمية فيعد دليلاً للعمل الصهيوني، أمنت الحركة الصهيونية بمضمونه، واعتبرته دستورًا لها، وسارت على خطى أفكاره حتى تمكنت من بناء الدولة اليهودية، لدرجة أن رجال الحركة الصهيونية وضعوا هذا الكتاب في منزلة لا تقل عن منزلة التوراة عند اليهود.

          واليوم حينما نقرر أن نغوص فى هذا الكتاب من أجل التأكيد أن الأمة العربية فى حاجة ماسة إلى إعادة النظر فى كثير من الظروف التاريخية التي مرت بها، والتعرف على الأسباب الحقيقة لأزماتها ونكساتها، واستخلاص العبر منها، كخطوة لوضع مشروع مستقبلي قائم على أسس حضارية للأجيال القادمة.

 وإذا كنا نتحدث عن عدو نجح فى وضع أسس أفضت إلى انتزاع جزء غالى من الأرض العربية، إلا أن هذا لا يمنعنا أن ندرس تلك التجربة التي استخدم فيها هرتزل كل قدراته الذهنية والنفسية وخبراته الصحفية والقانونية من أجل خلق دولة لا وجود لها، وتهيئة كل الأسباب من أجل إنجاحها، والاستفادة من كل القوى العالمية لضمان قيامها واستمرارها، هي تجربة تستحق منا أن نقف عندها ونتطرق إلى أبعادها.

  انطلقت فكرة هرتزل من شحنة نفسية وعاطفية متمثلة فى شعوره بالآلام اليهود وأمالهم فتحولت تلك الشحنة إلى محاولة ذهنية لإيجاد مخرج سياسي قانوني لتلك المعاناة فإذا به يقحم العالم الدولي بفكرة الدولة اليهودية.. الدولة المتكاملة الأركان، فأثار هرتزل أسس وقواعد تأسيس الدولة حتى أنه يمكن القول أنه وصل إلى مرحلة أنه يبنى بيديه الدولة اليهودية لبنة لبنة.

   فوضع خطة محكمة تقوم عليها عماد الدولة اليهودية فيقول "فَلَمنْحُ السيادة على جزء من الأرض يكفى للاحتياجات الحقيقية للأمة، وسوف نتكفل نحن بالباقي".

  ثم يستمر في رسم معالم الخطة السياسية والاقتصادية فيقول " إن الخطة، وهى بسيطة فى تصميمها معقدة فى تنفيذها، سوف يقوم بها مؤسستان: جمعية اليهود والشركة اليهودية، سوف تقوم جمعية اليهود بالأعمال التمهيدية فى مجالي العلم والسياسة، ثم تقوم الشركة اليهودية فيما بعد بتطبيقها عمليًا، سوف تنظر الشركة اليهودية فى تحقيق المصالح المالية لليهود الراحلين، وسوف تنظم الاقتصاد والتجارة فى الدولة الجديدة".

  وبالرغم من كل هذا وذاك إلا أن ثمة حيرة صهيونية لعدم القدرة على اختيار المكان لإقامة الدولة الصهيونية، وأنه لم يكن بين القيادات الصهيونية اتفاق حول اختيار بلد معين مقرًا للدولة اليهودية وأنه لم يكن هناك ما يمنع هجرة اليهود إلى بلد أخر غير فلسطين، ولعل هذا أكبر دليل على أن ما تروجه إسرائيل من مزاعم فى فلسطين ما هي إلا إدعاءات كاذبة لا أساس لها.

  فيقول هرتزل "هل نختار فلسطين أم الأرجنتين ؟ إننا سنأخذ ما يُعْطَى لنا، وما يختاره الرأي العام اليهودي، وسوف تقرر الجمعية كلا الأمرين".

ثم يستمر هرتزل في رسم معالم الدولة من خلال إنشاء شركة يهودية فيقول: " لقد صممت الشركة على أساس أن تكون إلى حد ما شركة كبرى للحصول على الأرض، ويمكن أن نطلق عليها "الشركة اليهودية القانونية"، رغم أنها لا تستطيع أن تمارس سيادة، إن مهمتها مهمة استعمارية خالصة. سوف تُؤسس الشركة كشركة مساهمة خاضعة للقضاء الانجليزي مصاغة وفقا للقانون الانجليزي وتحت حماية انجلترا، وسيكون مركزها الرئيسي في لندن، ولا استطيع الآن أن احدد مقدار رأس مال الشركة، فسوف اترك هذا التقدير لممولينا الكثيرين".  

  كما تطرق هرتزل إلى طريقة شراء الأراضي التي قال عنها "إن الأرض التي ستستحوذ عليها جمعية اليهود بالقانون الدولي لابد بطبيعة الحال أن يكون الحصول عليها بطريقة خاصة.  أما الخطوات التي اتخذتها بعض الأفراد بالنسبة لمستوطناتهم الخاصة فإنه لا يقع فى إطار هذه العملية العامة".

وعقب الاستيلاء على الأرض يأتي دور تنظيم الشئون الداخلية فيجب بناء المباني وتوفير مساكن العمال وتحديد ساعات العمل اليومي، وبأسلوب محنك يضع هرتزل كل تفاصيل أسس العمل اليومي فيقول "سيكون النظام المتبع هو سبع ساعات عمل فى اليوم وسيتم تنظيم هذا بأسلوب عسكري، وسيكون هناك أوامر ومعاشات".

وبعد أن تم وضع أسس قيام الدولة كان لازمًا أن يتم تحديد الطرق المناسبة التي يتم جمع بها اليهود المشتتين في الأرض  وهو ما وضحه هرتزل بعناية فائقة "على شعبنا أن يهاجر فى جماعات من الأسر والأصدقاء، كل مجموعة سيكون لها حاخامها يسافر مع رعيته".

لقد نجح هرتزل بأسلوبه القانوني في وضع دستور للبلاد فيقول "أرى أن الملكية الديمقراطية والجمهورية الارستقراطية هما أروع أشكال الدولة، ففيها شكل الدولة ومبدأ الحكومة متعارضان، ومن هنا يأتي التوازن الصحيح للقوة".  

هذا فضلا عن تطرق هرتزل إلى العديد من الأمور المنظمة للدولة منها على سبيل المثال لا الحصر، اللغة، أهمية الزواج المبكر، وسائل الرفاهية لدى اليهود، إلى غير ذلك من التفاصيل الدقيقة المنظمة للحياة.

ويؤكد من بعد انتهائه من كتابة كتاب الدولة اليهودية "أننى اشعر أنني بنشر هذا الكتيب تكون مهمتي قد انتهت، وإنني لن أحمل القلم مرة أخرى إلا إذا دفعني إلى ذلك هجمات خصوم ذوى شأن، وإذا أصبح من الضروري التصدي لاعتراضات غير متوقعة، أو أن أزيل خطأ ما.

   فهل أنا أقرر ما ليس واقعا ؟ هل جئت قبل زمني؟

هل معاناة اليهود ليست على درجة كافية من الخطورة؟

سوف نرى. .."

وبالطبع نحن الذين نرى الآن.

   حقا إن هذا الكتاب نقل المسالة اليهودية من قضية محلية تخص اليهود فى الوطن الذي يعيشون فيه إلى قضية عالمية، فلم تعد مسئولية مواجهة تلك المشكلة تعود إلى السلطات المحلية فى كل بلد على حده، بل أصبحت مسئولية عالمية على كل دولة مناقشتها، وإيجاد الحلول لها. . فمن خلال هرتزل تعلم اليهود معنى الإصرار، تعلم اليهود ألا يخشوا من أثار ظهور حركة دولية للمطالبة بحريتهم القومية.

    إن اليهود وجدوا أمامهم لأول مرة فى تاريخهم دليل عمل وخطة عمل ممنهجة للحركة الصهيونية متمثلة فى الدولة اليهودية الذي حدد لهم معالم الطريق، وطرح المشكلات التي قد تعرقل الدولة، وقدم لها الحلول.  

لم يكتب هرتزل مجرد كلمات على ورق ويتركها مجرد شطحات فى الهواء من الممكن أن يلتفت إليها البعض ومن الممكن أن يصبح كتيب كغيره ولكن إصراره على الفكرة هو الذي كتب له الظهور إلى النور فقد كان الفكر والتخطيط لدى هرتزل مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالعمل والتصميم والمتابعة اليومية لمشروعه.  فمنذ أن بدأ كتيبه "الدولة اليهودية" فى عام 1895 قام باتصالاته العديدة ومقابلاته مع مختلف السياسيين والمسئولين فى العالم، فمن يرتجى منهم خيرًا لمشروعه، أو ممن يمكنهم أن يقدموا له الدعم والمساندة، وعلى مدى تسع سنوات كاملة كان دائم النشاط والحركة، لم يتوقف عن عقد الاجتماعات وإجراء الاتصالات وكتابة الرسائل، والالتقاء مع عشرات السياسيين فى العالم خاصة الألمان والبريطانيين والايطاليين والنمساويين، كما قابل قيصر ألمانيا وملك إيطاليا، والبابا فى روما والسلطان عبد الحميد والزعيم المصري مصطفى كامل وغيرهم.  

   لقد حاول هرتزل تحقيق فائدة في كل مقابلة، ولم يجعل لليأس أثرًا فى نفسه، بل ظل رافعًا رايته، مدافعًا عن فكرته مستميتًا فى الدفاع عنها، مستخدمًا كل الوسائل الموصلة إليها، مشروعة كانت أو غير مشروعة.  

   إن هرتزل استند إلى أدلة باطلة ونجح فى الدفاع عنها أمام المجتمع الدولي، فلماذا تعجز الأمة العربية عن الدفاع عن أرض مملوكة لها ؟!

إننا اليوم لابد أن نعترف أن المخططات الصهيونية نجحت فى تحقيق أهدافها، نتيجة لجوء روادها إلى التفكير المنظم والتخطيط الواعي، واستماتتهم من أجل تحويل الأفكار إلى واقع عملي.

فهل تستطيع الأمة العربية بما توفرت لها من فكر وعقول مبدعة، وثروات هائلة أن تدرك هذه المعاني وتوقف زحف الدولة اليهودية، هذا لن يبدأ إلا إذا أدرك الشباب إلى أين الدولة اليهودية ذاهبة، ومن أين تبدأ الأمة العربية؟ وما هي السبل المؤدية إلى تحقيق الغايات. . وما هي المسئولية التي تقع على عاتق الشباب وكل مفكر وكاتب ومثقف فى هذه الأمة، فيكفى ما وصلنا إليه ولنخرج من الانغلاق على الذات وننطلق إلى معرفة الآخر لنعلم إلى أين. .............! 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟