المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

رؤية شبابية: تقييم استراتيجية وزارة التربية والتعليم الجديدة

الخميس 07/سبتمبر/2017 - 07:43 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود نبيل الرامي*

شكلت خطط وزراء التربية والتعليم، على مدار تاريخها القريب، ملامح خارطة مستقبل التعليم في مصر؛ ما نتج عنه آثارًا وانعكاسات متباينة، على مستوى التعليم والبحث العلمي في مصر بين الدول، وليس خافيًا على أحد، أن مستوى التعليم في بلادنا أصبح يستدعي من القائمين عليه سعيًا حثيثًا، لا سيما أنه يحتل مكانة متأخرة للغاية في التصنيف العالمي لجودة التعليم، ما جعل مسألة تطوير التعليم، مطلبًا مجتمعيًا آنيًا ومستعجلًا.

وبالتالي كان من الضروري، تجديد حراك إصلاح التعليم؛ لمعالجة الأخطاء التي رافقت سيرورة التعليم، وتحسين المنتج التعليمي الذي أصبح لا يرقى لمتطلبات سوق العمل؛ حسبما صرح وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، الذي وضع تصورًا جديدًا، من شأنه أن يرفع مستوى التعليم، اتساقًا مع أهداف استراتيجية مصر للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030".
سنتناول في هذه الورقة بالعرض والتحليل، الاستراتيجية الجديدة للوزارة، من خلال عدة محاور رئيسية بلورها الوزير، والتي أثارت لدى الجمهور ردود أفعال متقاطعة ومتوازية، ومِنْ ثَمَّ سنلقي الضوء على التحديات المرجح وقوعها من جراء نقل هذه الاستراتيجية من الورق إلى الأرض، وكذلك النتائج الإيجابية التي يمكن أن تعود على عناصر العملية التعليمية.

إطلاق بنك المعرفة المصري

يمكن ببساطة، التعرف على محتواه من خلال تعريف الوزير له: "يُعَد أكبر مكتبة معرفية رقمية في العالم، متاحة عبر شبكة الإنترنت، وتحتوي على آلاف الدوريات العلمية الحديثة، والكتب، والأفلام الوثائقية، وقواعد بيانات في شتى فروع المعرفة، وشروحات للمناهج الدراسية المصرية، وتستمد المكتبة محتواها، من أكبر دور النشر في العالم، كأوكسفورد، وكامبريدج، وسبرنجر، ونيتشر، وناشونال جيوجرافيك".

تبدو المبادرة للجمهور، آخذة إلى مصاف الدول المتقدمة، وتشير التوقعات والترجيحات إلى حدوث نقلة نوعية ثقافية للمواطن المصري، وقبل أن يسلم الجمهور بهذه التصورات شديدة الإيجابية، يجب لفت الانتباه إلى التحديات التي يمكن أن تحول دون هذه المبادرة الطموحة؛ حيث تخبرنا التقارير أن هناك طلاب يجلسون على مقاعد الدراسة المدرسية في مراحل التعليم المختلفة، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة؛ نتيجة لنظام تعليمي غير قادر على تقييم الطالب على نحو سليم، لا سيما أن هناك زيادة ملحوظة في معدلات الغش في الامتحانات، بالإضافة إلى تجاوز عدد المتسربين من التعليم من سن 8 إلى 12 عامًا، 2 مليون طالب تقريبًا؛ وبالتالي تنخفض نسبة الطلاب – وهي الشريحة المستهدفة إلى حد كبير- الذين يمكن أن يستفادوا من المحتوى

ومن جهة أخرى، فإن المبادرة تهدف إلى نشر الثقافة في المجتمع بوجه عام، مع الأخذ في الاعتبار، أن المجتمع المصري مصنف كواحد من المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة الأمية، ووفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تصل نسبة الأمية في مصر، إلى حوالي 27%، فضلًا عن الأمية الثقافية، وبالتالي هذا القطاع العريض من المصريين، يحتاج إلى أن يتعلم القراءة والكتابة أولاً، وأولى من أن يُوضَع أمامه أحدث الدوريات العلمية العالمية.
ومن المعلوم، أن دور النشر المنقول منها المحتوى، تصدر دورياتها العلمية وكتبها، باللغة الإنجليزية، ما يعني ضرورة أن يكون الطالب أو المواطن بشكل عام، متقنًا للغة الإنجليزية، ليتمكن من تصفح المكتبة وقراءة محتواها، ومن هذه النقطة يجب توضيح أمرين، أن مناهج التعليم المصري، التي دأب الطالب والمعلم للتعامل معها، على أسلوب الحفظ والتلقين، من الصعب، أن يكتسب الطالب فجأة، مهارات الفهم والتحليل والبحث، لا سيما أنه يتعامل مع مكتبة تضم أبحاث ودوريات عالمية، والأمر الثاني: أن مستوى الاهتمام بتدريس اللغات، والمواد الدراسية، في المدارس، بشكل عام، لا يرقى إلى المستوى الذي يؤهل الطالب للتعامل مع محتوى المكتبة.

وفي سياق متصل، أعلن الوزير، ربط مناهج العلوم والرياضيات للصفين الأول والثاني الثانوي العام ببنك المعرفة المصرى، ما يحيلنا إلى مراجعة قراره المتعلق بإلغاء مادة الحاسب الآلي من المجموع، وهو قرار ضمن حزمة القرارت الوزارية الأخيرة، وفسر ذلك بعدم جاهزية المدارس بالمعامل والأجهزة، التي تسمح بتدريس المادة بشكل سليم، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا، لنربط بين إطلاق الوزارة بنك المعرفة الإلكتروني، الذي يحتاج للإطلاع عليه، حاسب آلي مُوصَل بالشبكة العنكبوتية، وبين تفسير الوزارة إلغاء مادة الحاسب الآلي من المجموع، لعدم توافر الأجهزة بالمدارس، ما يعني عدم وجود الإمكانيات بالأساس التي تتيح للطالب الإطلاع على بنك المعرفة والمناهج التي ربُطت به، والتدريب على التعامل معه، ما يطرح علامات استفهام وتعجب إزاء هذين القرارين المتضاربين.

ومن الناحية التقنية، رفع أكبر مكتبة معرفية في العالم على موقع بنك المعرفة المصري الإلكتروني، يتطلب شبكة اتصالات فائقة الجودة؛ ليتصفح القارئ الموقع بسلاسة دون عقبات، لأن كِبر حجم مساحة المكتبة إلى هذا الحد الضخم، مع وجود ضغط من العنصر البشري على الموقع، من المتوقع إلى حد كبير، أن تصبح عملية التصفح والتعامل مع المكتبة بالغة الصعوبة، في ظل خدمة اتصالات يختلف على جودتها المستخدمون.

إضافة مادة القيم والأخلاق والمواطنة

في إطار التركيز على ترسيخ قيم: التعاون، والتسامح، والولاء، والسلام مع النفس، والتعايش مع الآخر، ومزيد من المبادئ والتعاليم والضوابط الأخلاقية، التي تحدد سلوك الطالب، وترسم له الطريق السليم الذي يقوده إلى أداء واجباته الحياتية، ودوره في المجتمع الذي ينتمي إليه، قرر الوزير أن يجتمع بشيخ الأزهر، والبابا تواضروس، فكان كتاب القيم والأخلاق والمواطنة هو السبيل؛ لتأكيد تلك القيم والمبادئ، لدى الطالب خلال السنوات الثلاث الأولى من التعليم الأساسي، وقراءة المشهد برؤية أوسع، تكشف عن مادتين، من شأنهما تحقيق هذه الأهداف المرجوة، ويتم تدريسهما بالفعل بالمدارس لكل الصفوف التعليمية، وهما مادتي: الدين الإسلامي، والدين المسيحي، وبالتالي إضافة هذه المادة الجديدة، بنفس محتوى وأهداف وسياق مادتي الدين الإسلامي، والدين المسيحي، تبدو إضافة لا حاجة لها، ومن المؤكد أن هذه المادة لن تضاهي في قوتها كوسيلة، تأثير النص الديني المقدس في نفس الطالب، وبالتالي الأفضلية يمكن أن تحسم لصالح مادتي الدين.

من اللافت بشكل أساسي في سلوك الطالب، أن مادة الدين، لم تحدث عليه آثارها المرجوة، وتشير الحقائق إلى أن هناك مجموعة من العوامل، أدت إلى تهميش المادة من قِبل الطالب والمعلم، وأهم هذه العوامل، طرق التدريس القديمة، التي لم تكن على مستوى تنشئة الطالب على نحو منضبط، وتدريس المادة من قبل معلمين ليسوا متخصصين في الشؤون الدينية بشكل خاص، علاوة على النظام التعليمي الذي يعتمد فيه الطالب على تجميع الدرجات، وليس تحصيل المعرفة وتهذيب الوجدان، لا سيما أن المواد الدينية لا تضاف للمجموع، وبالتالي ترسيخ القيم المأمولة، يحتاج لبحث سبل إعادة الاعتبار للمادة الدينية، وليس لإضافة مادة جديدة، تحمل نفس محتواها.

في حال تطلع الوزارة إلى إبطاء حركة سقوط المادة الجديدة في فخ التهميش، ينبغي النظر مجددًا إلى النظام المعمول به، لتدريس المواد التي تحمل هذا المحتوى؛ فمادة التربية الدينية الإسلامية يتم إسنادها لمعلم اللغة العربية، وبالتالي من المرجح، أن يُسنَد تدريس هذه المادة الجديدة، لمعلم ما – أيًا كان تخصصه - ما يمكن أن يؤدي إلى إضعاف تأثير المحتوى على الطالب، لعدم تخصصية ومهنية القائم على التدريس، وبالتالي نوصي في هذا الحال إلى إسنادها للأخصائي الاجتماعي، بعد تدريبه بصورة جدية، لا سيما أن أهداف المضمون تقع ضمن أهداف عمله في المؤسسة التعليمية.

جرت العادة، أن تُستغَل أوقات حصص المواد التي لا تضاف إلى المجموع، لصالح المواد الأساسية، وبالتالي ينبغي أن يكون هناك تهيئة ثقافية للطالب والمعلم تجاه هذه المواد، لاسيما أن المواد التي تهدف إلى زرع وتنمية القيم والمبادئ، باتت مطلبًا أساسيًا في عصر يواجه فيه الطالب تغيرات عدة، ينساق إليها، في الفكر والسلوك.

حذف 40% من المناهج الدراسية

يعكس هذا الاتجاه، غرض الوزارة في تخفيف عملية الحفظ والتلقين، ومن المُستنتَج، أن ثمة اقتناع منها، بأن حشو المناهج، التي تعمل على تخفيفها، هو سبب هذه الظاهرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن نمط الأسئلة في الورقة الامتحانية، يمكن أن يكون مسببًا أساسيًا لهذه الظاهرة؛ فالورقة تتضمن أسئلة من نمط (علل - بم تفسر - ما النتائج المترتبة على)، وهذه الأسئلة تكون اعتيادية ومتوقعة، وبالتالي الكتب الخارجية تعد لها إجابات نموذجية، فالطالب يقوم بحفظها ونقلها إلى ورقة الامتحان.

بالإضافة إلى أن عدد الأسئلة في الورقة صغير، والطالب يكون على دراية بالنقاط موضع السؤال، لاسيما أنها تكون متكررة في امتحانات الأعوام السابقة، فيركز عليها ويحفظها، ومن المشجع على الحفظ، دراسة الطالب كتابًا 200 صفحة، ثم يُختبَر في جزئيات معينات تبدو لواضع الامتحان مهمة، مع تجاهله باقي أجزاء المنهج التي درسها الطالب، ونشير أيضًا، إلى أن حفظ الطالب للمنهج راجع لأن الإجابة على أسئلة الامتحان تتطلب كتابة مقالية، والطالب يعلم أن مصحح الامتحان لديه نموذج إجابة يقيس عليه إجابة الطالب، فرغبة الطالب في الحصول على درجة السؤال كاملة، تجعله يجيب السؤال بالنص كما هو موجود في نموذج الإجابة – كما حفظه من الكتاب الخارجي - والذي يقيس عليه المصحح، وبالتالي من الأولى، تغيير الطريقة الامتحانية قبل تحديث أو تخفيف المناهج، لأن الجزء المتبقي بعد التخفيف سيظل خاضعًا لهذه السياسة الامتحانية، التي فندنا إياها.

مادتي التربية الفنية والحاسب الآلي خارج المجموع

القرار في نصفه الثاني صائب، رغم أنه قرار إضطراري، بسبب عدم وجود الأجهزة في المعامل المدرسية، وبالتالي صلاحية هذا القرار جارية إلى حين توافر الأجهزة، وفي نصفه الأول صائب ظاهريًا، وتحتاج علة اتخاذه إعادة النظر، حيث يفسر الوزير السبب وراء هذا القرار، بأن المدارس لا تحتوي على المعامل والأجهزة الكافية لتدريس مادة التربية الفنية، ما يعني أن لو المعامل والمعدات متوفرة سيتم احتساب درجات المادة.

إن تدريس المواد التي تعتمد بصورة رئيسية على الموهبة والقدرات الخاصة لدى الطالب، كالتربية الفنية، والموسيقى، لكل الطلاب على اختلاف مواهبهم في المدرسة، أمر ربما يكون ليس منصفًا لقطاع من الطلاب، فالغير موهوب في الرسم، على سبيل المثال، لا يمكن أن يصبح فنانًا مهما درس أو اجتهد، ومن الممكن أن تكون مدرسة بالكامل ليس بها طالبًا واحدًا موهوبًا في الرسم، ورغم ذلك يوجد بالمدرسة للرسم: مدرسين، ومعامل، ويشتري كل طالب معدات للرسم، وهو غير موهوب من الأساس، وبالتالي تدريس مادة للطالب هو غير موهوب فيها، أمر بلا جدوى، وكذلك اختباره فيها من المؤكد أنه أمر ليس عادلًا.

بناء 100 ألف فصل دراسي

أي قرار من هذا القبيل، من المؤكد أنه سيحظى بقبول غير عادي من الجمهور؛ لأنه يبدو في ظاهره بطولياً، ولمعرفة مدى جدوى هذا القرار، يمكن أن نرجع إلى عام 2014، عندما منحتنا الإمارات ٢٩٠ مليون جنيه لبناء ما يقرب من ٥٥٠ مدرسة جديدة ، ما جعل الجمهور يتفاءل أن الكثافة ستخف، ولكن لا جديد حدث، لأن المدارس بُنيَت في المناطق النائية، المحرومة من المدارس، ولم تُبنَى في مدن الحضر كالقاهرة، ونلفت النظر إلى أن الكثافة السكانية في القاهرة، المتمثلة في تمدد عمراني أفقي، ضيقت الخناق على الوزارة، فأصبح من الصعب إيجاد قطعة أرض لبناء مدرسة، وبالتالي ظلت الكثافة سائدة، وهذا بالضبط ما يكرره الوزير الحالي.

ومن جانب آخر، وطبقًا للإحصائيات ، هناك ٢٠ مليون طالب، و٥٥ ألف مدرسة، ما يعني مدرسة واحدة لكل ٣٦٣ طالبًا، ولو شملت المدرسة ١٦ فصلاً فقط، يصبح هناك فصل لكل ٢٢ طالبًا، وبالتالي الوزارة ليست بحاجة لبناء مدارس جديدة، وما يحدث من قِبل الوزارة، يمكن أن يكون عدم استثمار جيد للموارد والإمكانيات المتاحة.

ومن جانب اقتصادي، الدولة تكلفت مليارات هائلة لبناء المدارس الحالية، والتي يبلغ عددها ٥٥ ألف مدرسة، والوزارة تستغل هذه المدارس للدراسة لنحو ست ساعات في اليوم وستة أشهر في العام؛ وبالتالي عمل المؤسسات التعليمية لهذه المدة الزمنية القصيرة من اليوم والعام، لا يمكن أن يكون استثمارًا مثاليًا لحجم رأس المال الموضوع في تلك المباني النعليمية، فبناء مدارس من جديد وإخضاعها لنفس هذه السياسة الفنية والاقتصادية، أمر لا يعكس رؤية ثاقبة لحل الأزمة.

ترقية نصف مليون معلم

يمكن أن يسر القرار شريحة المعلمين بعد ترقية 516 ألف معلم، على الرغم من أن تقييم المعلم وترقيته وفق أقدميته وليس وفق تطوره، أمر يحتاج للمراجعة، لأن تحصيل المعلم من العلم والمعرفة في مادته، لا يزيد بالضرورة مع العمر، بينما باجتهاد المعلم ونشاطه، والنظرة المتأنية إلى حال المعلم بعد ترقيته، يمكن أن تعكس لنا أمورًا غائبة عنا، فيتضح أن كلما ترقى كلما استبعد من التدريس؛ فعندما يصل المعلم إلى درجة متقدمة في سلمه الوظيفي؛ فإنه يكون مرشحًا لأن يشغل وظيفة إدارية، وهو ليس مؤهلًا لذلك؛ لأن الإدارة علم وفن؛ فلا علاقة بين براعة معلم في مادة الكيمياء، على سبيل المثال، وبين أن يكون مديرًا كفء.

وفق نظام الترقية الحالي، الذي يعتمد في المقام الأول على الأقدمية، فحتى يصل المعلم إلى درجة مدير عام، فإنه غالباً يكون تجاوز الخمسين من عمره، وفي هذا العمر يكون أغلب المصريين مرضى بأمراض شتى: كالسكر، والضغط، وعدم القدرة على بذل مجهود بشكل فعال، علاوة على ضعف ملكة الابتكار والتجديد؛ بالإضافة إلى أنهم غير مؤهلين أكاديميًا من الأساس لشغل المناصب الإدارية التي يُحضَر فيها ماجستير ودكتوراة في علم منفصل يسمى "علم الإدارة"، مع العلم أن هناك كليات متخصصة في تخريج علماء في علم الإدراة، ككلية التجارة، شعبة إدارة الأعمال، وبالتالي المعلم الذي تمت ترقيته، يُستبعَد من تدريس مادته التي هي موطن قوته، ويصبح إدارياً، غير متمكن، لأنه ليس متخصصًا في هذا الشأن.

من المكشوف، أن المعلم المترقى إن لم يشغل وظيفة إدارية، يتم تقليل عدد حصصه، حيث يتم إعطاء عدد حصص كبير للمعلمين حديثي العمل؛ ليحتكوا أكثر بالطلاب ويكتسبوا الخبرة، وإلى هنا يبدو الأمر منطقيًا، ولكن عندما يكتسب المعلم هذه الخبرة وتتم ترقيته، يتم تقليص عدد هذه الحصص إن لم يتم إسناد منصبًا إداريًا إليه، أى أنه بعدما تعلم واكتسب الخبرة وأصبح مؤهلًا، يتم إقصاءه من التدريس خطوة تلو الأخرى، ما يعكس رؤية وزارية بحاجة إلى مراجعة جدية.

نقل دفعة أولى من معلمين مسابقة 30 ألف معلم

إعادة توزيع المعلمين لعلاج العجز والزيادة

تبدأ أحداث الرواية، من حيث إعلان الوزارة، عن مسابقة لتعيين ٣٠ ألف معلم، وبعد أن تم اختيازهم الاختبارات، كان من ضمن مسوغات التعيين أن يوقع المعلم على إقرار بأن يعمل في أي مدرسة، في أي محافظة في الجمهورية، ترسله إليها الوزارة، وبعد أن وافق المعلمون الجدد على هذا الشرط الأساسي، وتم تعيينهم بالفعل، احتج المعلمون، رافعين لافتات (لا للاغتراب)، رغم أن المسابقة في الأساس كانت لجلب معلمين يسدوا مواقع العجز في المحافظات المختلفة وليس للعمل مجرد العمل، وبالتالي هذه الاحتجاجات لا محل لها من القانون أو المنطق، ومن المتعارف عليه، أن أي خريج حديث، يجب أن يتحمل عناء سنواته الأولى في المهنة ما بين اغتراب، ومحاولة اكتساب خبرة، وعائد مادي ضعيف، وغيره، فكلها أمور واردة.
وعندما يصدر قرار بنقلهم إلى محافظات إقامتهم، بالتأكيد ستظل أماكنهم شاغرة في المحافظات التي نُقلوا منها، وعلى الرغم من قوة موقف الوزارة من جوانب عدة، إلا أنها خضعت لمطلبهم المخالف لمسوغات التعيين ، ونقلت ٣٣٧٨ معلمًا كدفعة أولى من المدارس التي تعاني العجز إلى محافظات إقامتهم؛ ما يعكس رؤية غير مستقرة للوزارة.

كان من المهم، تحليل هذين القرارين بالتوازي، لأنهم يقعان داخل إطار واحد، فالقرار الثاني نتيجة للأول؛ فبعد أن ظهرت من جديد فجوات العجز، قرر الوزير مجدداً إعادة توزيع المعلمين لعلاج العجز والزيادة، وبعد أن ينقل الوزير معلمين آخرين ليسدوا مواقع العجز، سيرفعوا لافتات من جديد كمن قبلهم، ويخضع الوزير الحالي أو القادم لمتطلباتهم الغير قانونية، وتبدأ أحداث الرواية من جديد مع كل وزير يأتي.

درجات امتحانات الميد تيرم خارج المجموع

قرارات تخفيف الامتحانات أو إلغائها، بصورة عامة تبدو في ظاهرها مريحة للجمهور؛ لكونها ترحم الطالب من عناء الحفظ، وطول ساعات المذاكرة، رغم أنها مجرد مسكنات للمشاكل وليست حلاً لها؛ لأن المشاكل التي يتوقع وزير التعليم أن تتقلص من جراء قراره ستظل موجودة، وفق سياسة ترحيل الأزمات وتسكينها وعدم مواجهتها التي تتبعها الوزارة، ما يعني بقاء (الحفظ والتلقين-طرق التدريس القديمة-التعليم الموازي-الطريقة الامتحانية القديمة).

نظام الثانوية العامة التراكمي الجديد

بعد إعلان هذا النظام الجديد، بدت تعليقات الجمهور ليست على النحو الذي كان يتوقعه الوزير، فمحاولة منه لامتصاص عدم رضاء الجمهور؛ أعلن مؤخرًا أن النظام الجديد لن يُطبَق هذا العام، وسيؤجل تطبيقه إلى العام القادم بعد خضوعه لحوار مجتمعي ومناقشات مع الجمهور، كطريقة جديدة ليسحب بها هذا النظام خطوة تلو الأخرى إلى الوراء.

في حال خضوعه بالفعل لحوار مجتمعي، من المرجح أن احتمالية قبوله من قِبل الجمهور والمتخصصين ستبدوعلى نحو ضعيف، لأن الطالب سيتحمل عبء سنوات ثلاث من التعليم في نظام تعليمي يعتمد على الحفظ والتلقين، ويعتمد فيه الطالب على الدروس الخصوصية بدلًا من الحصص المدرسية، وعلى الكتب الخارجية بدلًا من الكتب المدرسية، وبالتالي ينبغي تطوير النظام التعليمي ذاته، ثم طرح هذا النظام للمناقشة.
ما يمكن أن يعكس الرؤية الغير حكيمة للوزارة، إعلانها مبكرًا عن نظام جديد للثانوية العامة، وهو ما زال خاضعًا للدراسة والتكوين، وسيخضع إلى حوار مجتمعي لاحقًا، وبالتالي، منذ البداية، يبدو أن لم يكن هناك رؤية واضحة المعالم ومحددة التفاصيل ومجدولة زمنيًا.

اعتماد نظام القدرات للالتحاق بالجامعات

صرح العديد من وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالي، من ذي قبل، بقرارات من هذا القبيل، وكالعادة يرحل الوزير بقراراته وتصريحاته، دون تنفيذ، ويأتي وزير تلو الآخر على نفس النهج، ونحن الآن أمام وزير آخر جديد اسمه طارق شوقي، قدم إلينا حزمة قرارات جديدة من ضمنها هذا القرار الذي يبدو من أول وهلة منصفًا للطالب، ومحققًا العدالة الاجتماعية، والشفافية.

من الجيد أن تتيح الوزارة أكثر من فرصة للطالب؛ ليلتحق بالكلية التي يرغبها، وتؤهله قدراته للنجاح فيها، بدلاً من أن يلتحق بالكلية التي يجبره عليها مجموعه في امتحانات الثانوية العامة، كما أن هذا النظام معمول به في دول عدة مع اختلافات ما، عما صدق عليها الوزير المصري، وقد حقق نجاحًا في المجتمع الغربي.

ولكن عند نقل تجربة ناجحة من دولة رائدة، إلى دولة أخرى، يجب أن تمتلك الدولة الناقلة للتجربة نفس ظروف الدولة التي نجحت فيها التجربة؛ فلا يمكن، على سبيل المثال، إلغاء الكتاب المدرسي واستبداله بالتابلت، كما في بعض الدول الفائقة، كما مضى الدكتور محمود أبو النصر، حين كان وزيرًا للتربية والتعليم، حين نقل إلينا تجربة التابلت ، وفعل التجربة في بعض المدارس، ودرب عليها نخبة من المعلمين، ولكنها لم تنجح في مصر، واختفت التجربة فجأة؛ رغم أنها تجربة متميزة وناجحة بامتياز بالخارج.

وبالتالي عندما يفكر الوزير في تطبيق تجربة نظام القدرات، رغم أن أوراق هذا المقترح حبيسة أدراج مجلس الوزراء منذ سنوات، ينبغي الانتباه إلى أن نجاح التجربة بالخارج لا يعني بالضرورة أنها ستنجح داخل مصر.

وكون الوزير يعترف أن امتحانات الثانوية العامة لا تعكس بشكل واقعي قدرات الطالب؛ لكون العملية التعليمية تعتمد على الحفظ، ويبحث عن مصدر جديد للتقييم، فهذا إقرار ضمني منه بعدم نجاح المنظومة التعليمية، وأنها تخرج طالبًا كرتونيًا، وبالتالى، من الأهم، إصلاح المنظومة التعليمية ذاتها؛ لتجعل امتحاناتها تعبر فعليًا عن قدرات الطالب ومستواه.
من الغريب، أن محاولة الربط بين قرار جعل الثانوية العامة بنظام تراكمي لمدة ثلاث سنوات لضرورة تقييم الطالب كلياً وإعلان شكل التقييم الجديد الذي يعتمد على امتحان اختيار من متعدد، ومشروع تخرج، وبين قرار جعل التقييم في الأساس يعتمد على اختبار القدرات وليس الثانوية العامة، تبدو محاولة غير موفقة من الجمهور أو المتخصصين، لما يظهر من عدم توافق وتناغم قد يصل إلى حد التضاد، بين إعلان نظام جديد للثانوية العامة وامتحاناتها وبين تهميش دورها، واعتماد نظام القدرات بدلاً منها.

إصدار تشريع يمنع الدروس الخصوصية

في سبتمبر ٢٠١٥، عندما تولى الدكتور الهلالي الشربيني، الحقيبة الوزارية شرع في محاسبة المعلم، الذي يُضبط متلبسًا وهو يعطي دروسًا خصوصية، وبدأت لجان من الوزارة تهجم على مراكز الدروس الخصوصية لغلقها ومحاسبة العاملين بها ، ما جعل الدكتور رضا عبد السلام الذي كان محافظًا للشرقية آنذاك يتحمس للفكرة، ويتفرغ لمطاردة الطلاب والمعلمين في «أوكار الدروس الخصوصية» على حد تعبيره، وأحدث ضجة إعلامية هائلة وقتها، لإغلاق مراكز الدروس الخصوصية بالشرقية، وسار على خطاه محافظ بورسعيد، ولكن لم تنجح هذه المحاولات من القضاء على الدروس الخصوصية بسبب تجمهر الأهالي؛ لأن ليس لهم بديلًا يغنيهم عن الدروس الخصوصية، وهذه الرؤية هي نفسها التي يتبعها الوزير الآن.
يمكن لوزير الصحة أن يحقق نجاحاً زائفاً، لو فكر ليقضي على المرض أن يطارد المرضى ويقتلهم، بدلاً من تطوير المستشفيات، أو ليقضي على الإدمان، يطارد المدمنين ويقتلهم، بدلاً من توفير مصحات نفسية لهم، هذا النهج بالضبط يسلكه وزير التعليم، فهو يفكر في القضاء على الدروس الخصوصية فيهاجم المعلمين والطلاب في مراكز الدروس الخصوصية، بدلًا من إصلاح المدارس.

وبالتالي، اختفاء الدروس الخصوصية يجب أن يكون نتيجة لظهور التعليم في المدارس وليس سببًا؛ لأن الدروس الخصوصية ليست مرضًا بل هي عرض لأمراض المنظومة التعليمية، وعلاج المرض ذاته من جذوره، سيؤدي لاختفاء العرض.

إلغاء الشهادة الابتدائية

هو قرار نابع من رؤية افتصادية، يهدف لتوفير المبالغ المالية، التي يتم صرفها على الكنترولات، وذلك أثناء فترة تصحيح أوراق امتحانات الشهادة الابتدائية كل عام ورصد الدرجات، ورغم ترحيب الجمهور به؛ لكونه سيخف الضغط من على الطالب، ولن يحمله مشقة الصف السادس الابتدائي، وبالتالي يبدو القرار خطوة على طريق تطوير التعليم بالنسبة للبعض، والبعض الآخر بنظرة نافذة يرى عدم جدوى حقيقة.

يمكن القول أن هذا القرار عادي وليس بجديد؛ ففي عام ١٩٨٨ عندما كان الدكتور أحمد فتحي سرور وزيرًا للتربية والتعليم تم إلغاء الشهادة الابتدائية، وإلغاء الصف السادس الابتدائي من الأساس لينتقل الطالب من الصف الخامس الابتدائي، إلى الصف الأول الإعدادي، ثم في عام ٢٠٠٤ قرر الدكتور حسين كامل بهاء الدين، عودة الشهادة الابتدائية من جديد، ثم جاء الدكتور إبراهيم غنيم، في عام ٢٠١٣، ليصرح بإلغاء الشهادة الابتدائية، حتى جاء الدكتور محمود أبو النصر، في نفس العام ٢٠١٣، ليقرر أن الشهادة الإعدادية لن تُلغى، وفي عام ٢٠١٧، جاء الدكتور طارق شوقي، ليقرر إلغاء الشهادة الابتدائية، ومن جراء المتابعة لنتائح هذه القرارت؛ فإنها لم تسهم في أي تطوير على مدار سنوات طويلة مرت ، كما أن إلغاء الشهادة الابتدائية مجدداً، يضع الطالب من جديد داخل مصيدة التجارب.

 

* باحث في شؤون التعليم

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟