المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

اللجنة الدولية للصليب الأحمر: دراسة تقويمية لدورها في النزاعات المسلحة، فلسطين نموذجاً

الأربعاء 20/سبتمبر/2017 - 02:17 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
دينا شيرين شفيق*

تلتزم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالاستجابة السريعة والفعالة للاحتياجات الإنسانية لأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية الواقعة في منطقة نزاع، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن العمليات العدائية قد تندلع دون تحذير، كما أن الكوارث الطبيعية قد تقع على غير انتظار وربما تضافرت آثارها في البلدان التي تمزقها الحرب بالفعل. وفى مواجهة مثل هذه الأزمات غير القابلة للتوقع، تولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أهمية كبيرة لقدراتها على الانتشار الميدانى بسرعة في مناطق النزاعات أو الكوارث الطبيعية.

تستهدف اللجنة الدولية للصليب الأحمر توفير الحماية لضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، مما يعطى مزيد من الأهمية لدور هذه اللجنة الدولية لارتباطه بالأرواح البشرية التي تكون عرضه للاستهداف من قبل الأطراف المتحاربة، كما أن اللجنة الدولية تبذل جهودا هائلة في تطبيق قواعد القانون الدولى من خلال استقبال مندوبين وإصدار مطبوعات وتنظيم برامج تدريبة، والتعاون مع الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ولعل انشاء اللجنة قسم خاص بشؤؤن الخدمات الاستشارية عام 1997 دليل على الدور الهام لهذه اللجنة، والهدف من هذه الخدمات الاستشارية هو تقديم الدعم والمساندة للدول الأطراف في اتفاقية جنيف.

كما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر دورها الميدانى في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية حيث تقوم بمهام عديدة مثل زيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين، والبحث عن المفقودين، وإعادة الروابط الأسرية.

إن الواقع يفرض على اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعباء متزايدة باعتبارها من أكثر الآليات فاعلية في تخفيف حدة الآلام والأضرار الناجمة عن النزاعات المسلحة عن طريق المبادرة باتخاذ ما يمكن توفيره من حماية للمدنيين والممتلكات المدنية التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية، إلا أن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر يكون عادة محفوفا بالمخاطر لأنها تعمل دائما على أرض الواقع، وبالتالي كثيرا ما تواجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر صعوبات وتحديات أثناء تأدية مهمتها، ومصدر بعض هذه الصعوبات يكون نابعا من الإطار القانوني المؤسس لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذى يفرض عليها قيودا عديدة أو من تمسكها بمبادئ الحياد والاستقلال من أجل توصيل رسالتها، مما قد يعرضها لمعضلتين: الرفض من جانب والاستغلال من جانب آخر، أيضا هنالك صعوبات مرتبطة ببيئة ومواقف الأطراف المتحاربة، كما لا تستطيع تجاهل بيئة النظام الدولى ومدى تأثيرها على دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث أن فاعلية دور اللجنة يتوقف على مدى تعاون والتزام الدول بأحكام القانون الدولى.

وعلى ذلك تنقسم هذه الورقة البحثية إلى: تحديد ماهية المنظمات غير الحكومية فى التنظيم الدولى، ومن ثم تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها تعد من المنظمات الدولية غير الحكومية، ودور ومهام اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الحرب الاسرائيلية-اللبنانية، ودور ومهام اللجنه الدوليه للصليب الأحمر في الحرب الاسرائيلية-الفلسطينية مع استعراض تأثير ممارسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لدورها على الوضع الميدانى فى لبنان وفلسطين، ويأتى بعدها تناول التحديات التى يفرضها تطور وتنوع النزاعات المسلحة الراهنة على القانون الدولى الإنسانى وتقييم فاعلية اللجنة الدولية للصليب الأحمر من حيث الصعوبات والانجازات.

أولاً-ماهية المنظمات غير الحكومية فى التنظيم الدولى

على الرغم من أن تاريخ المنظمات الدولية غير الحكومية أو التنظيم الدولى قديم قدم الدولة الحديثة بتنظميها القانوني والسياسى والمؤسسى المتعارف عليه، إلا أن نمواً غير مسبوق في عددها وحجمها ومهامها وتأثيرها ونفوذها قد برز في نهايات القرن الماضى وبدايات القرن الحالي على نحو أصبحت فيه المنظمات غير الحكومية ليس فقط فاعليين أساسيين من جهة القضايا العالمية وأنما أيضا شركاء أساسيين للحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية فى التنظيم الدولى في هذا الخصوص، مما جاز معه بحق إطلاق عصر المجتمع المدنى أو عصر النمظمات غير الحكومية على المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولى فى ظل العولمة وتنامى قضايا التنمية المستدامة وتفاقم مشكلات تهديد السلم والأمن الدوليين من مثل النزاعات المسلحة والحروب الأهلية واللاجئين والهجرة غير الشرعية والإرهاب.

وهناك العديد من الأسباب والدوافع التي يمكن ذكرها لتفسير نمو ونهوض المنظمات الدولية غير الحكومية وتعاظم دورها على المستويين المحلى والدولى، على سبيل المثال؛ المساهة فى إشباع حاجات الأفراد والشعوب وتمتعهم بالحقوق والحريات الأساسية، وكذلك فيما يتسم به النظام الدولى الراهن من تلاشى حواجز مسافات وتنامى الاتصال المتبادل، وتقديم الدعم المادى والسياسى للمنظمات غير الحكومية من قبل كثير من القوى الكبرى الفاعلة والمؤثرة، كل هذه الأسباب مجتمعة ومتداخلة مع بعضها البعض، تنهض بالمنظمات غير الحكومية لتجعل منها آلية يمكن من خلالها مواجهة المواقف والأزمات الطارئة والتعامل مع المشكلات الاجتماعية العاجلة والاسهام بدور إيجابى فاعل في تحقيق التنمية المتواصلة والمستمرة لشعوب هذه الدول.

وبصفة عامة، يمكن تصنيف الأهداف التي تنشدها المنظمات غير الحكومية إلى نوعين رئيسين من الأهداف يكمن أولها: فى العمل على تحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية بالمفهوم الواسع وتشمل العمل من جانب المنظمات الدولية غير الحكومية على تحقيق الرفاهية وتلبية الحاجات الأساسية وتقديم الخدمات المختلفة بما في ذلك الخدمات الصحية وخاصة في أوقات الكوارث والحروب والأزمات الطبيعية، وثانيها: يتمثل في الدفاع عن قضايا معينة تؤرق الشعوب والمجتمعات الداخلية أو الدولية ويكمن في التصدي والدفاع عن قضايا معينة كما هو الشأن في قضايا البيئة، والمرأة وحقوق الإنسان في أوقات السلم والحرب على حد سواء.

وتعد قضية التمويل تعد من أهم المشكلات التي تواجه المنظمات غير الحكومية سواء في شقها السلبى (قلة مصادر التمويل وضألته) أو حتى في شقها الإيجابى (تعدد مصادر التمويل مع ارتباط البعض منها بالمشروطية السياسية)، ونجد أن المنظمات الدولية غير الحكومية تعتمد في تمويلها على ثلاثة مصادر رئيسية تتمثل في: التمويل الذاتي من حاصل اشتركات العضوية، والأموال الناتجة عن تسويق وبيع الإنتاج الخاص للمنظمة المعنية، إلى جانب قبول التبرعات والمنح الخارجية. ويمكن القول أن قضية التمويل الخارجى للمنظمات غير الحكومية تثير العديد من القضايا، أهمها قضية الاستقلال الذاتي للمنظمة غير الحكومية، ومدى قدراتها على القيام بأنشتطها بشكل مسقل.

ثانياً-اللجنة الدولية للصليب الأحمر: نشأتها وتطورها ومصادر تمويلها ومركزها القانونى فى التنظيم الدولى

-       نشأة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومهامها:

تمثل موقعة سولفرينو عام 1859م نقطة الإنطلاق في نشأة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث كانت سبباً أساسياً في تطور كيان الصليب الأحمر الذى يرجع الفضل في تأسيسها للسويسرى "هنرى دونان"، الذى بدأ التفكير فيها على أثر زيارة لميدان معركة سولفرينو في مقاطعة لومبارديا التي وقعت بين قوات فرنسا وسردينا من جانب، والقوات النمساوية من جانب آخر، حيث لفت انتباهه الأعداد الكبيرة للجرحى الذين تركوا دون رعاية مما جعله يبحث عن حلول عملية وقانونية من شأنها تحسين حالة ضحايا الحروب، وفى عام 1863 شكلت جمعية خيرية لبحث إمكانية تحويل أفكار دونان إلى واقع ملموس. وانشأت هذه الجمعية بعد ذلك اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى التي أصبحت فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبعد التأسيس شرع مؤسسوها في تحويل الأفكار التي طرحها دونان، حيث تجسد ذلك في المؤتمر الدولى الذى افتتح في جنيف في 26 أكتوبر1863.

ومن خلال هذا المؤتمر ظهرتت مؤسسة الصليب الأحمر، ومن أجل إضافة الطابع الرسمي والحصول على اعتراف دولى، عقد المجلس الإتحادى السويسرى مؤتمراً دبلوماسياً في جنيف عام 1864 شارك فيه ممثلوا الحكومات، وذلك لاعتماد "اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى الجيوش في الميدان" والتي مثلت أولى معاهدات القانون الانسانى.

فى ضوء ذلك يمكن القول أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هي عبارة عن: مؤسسة إنسانية غير متحيزة، ومحايدة، ومستقلة، تتولى مهمتها بتفويض من المجتمع الدولى، وتعمل كوسيط محايد بين الأطراف المتحاربة، وذلك لتأمين وتوفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة، أما مهامها ودورها يتمثل في:

1.    لعمل على صون ونشر المبادئ الأساسية للحركة الدولية لحماية ومساعدة ضحايا النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية.

2.    الاعتراف بكل جمعية وطنية يتم إنشاؤها أو يعاد تنظيمها.

3.    الاضطلاع بالمهام  المؤكلة إليها بموجب اتفاقية جنيف والعمل من أجل التطبيق السليم للقانون الدولى في النزاعات المسلحة.

4.    ضمان الحماية والمساعدة للمدنيين والعسكريين.

5.    يحق لللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تقوم بأى مبادرة إنسانية تأتى في نطاق دورها المحدد كمؤسسة ووسيط محايد ومستقل.

-       المركز القانوني لللجنة الدولية للصليب الأحمر ومصادر تمويلها:

تتمتع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالشخصية الاعتبارية، وذلك بوصفها مؤسسة يقع عملها ضمن الماده(6) وما يليها من القانون السويسرى، إلا أن هذا لا يمنع الجدل الفقهى حول مدى تمتع اللجنة الدولية بالشخصية القانونية الدولية من عدمه، فالدور الذى تقوم به اللجنة الدولية جاء من خلال الصكوك المتعددة للقانون الدولى الإنسانى، فإن اللجنة تصر في كافة الأوقات على استقلالها بشكل يضمن لها العمل بحرية واستقلالية لخدمة المصالح الملموسة لضحايا النزاعات المسلحة.

نظراً إلى أن تاسيسها لم يتم بمقتضى إتفاقية أطرافها الدول، لذا فهناك من يصنف اللجنة الدولية بكونها لا تعد شخصاً من أشخاص القانون الدولى العام بل تعد من زاوية التحليل القانوني منظمة غير حكومية. وفى المقابل يسود رأى آخر بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لها طبيعة مختلط أو كما توصف (كيان فريد)، وتختلف عن بقية المنظمات الأخرى، فبصفتها جمعية تشكلت بموجب القانون المدنى السويسرى، ولم يكن وجودها بتفويض من الحكومة، ومن جانب آخر فأن وظائفها وأنشطتها حددت بتكليف من مجموعة الدول وفقا التى شاركت فى مؤتمر تدشينها والأطراف فى إتفاقية جنيف، وبالتالي هناك إقرار بأن اللجنة الدولية تمتلك شخصية قانونية دولية، أو وضع خاص بها يميزها عن كل الوكالات الدولية كمنظمة الآمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية.

بينما فيما يتعلق بمسألة التمويل الذى يعتبر أساس إمكانيات المنظمات غير الحكومية ومنها اللجنة الدولية للإيفاء بأهدافها والقيام بمهامها الإنسانية، ومن المعلوم أن الدول الأطراف في إتفاقية جنيف تغطى أكثر من (90%) من ميزانية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالإضافة للجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.

وياتى الجانب الأكبر من التمويل النقدى لللجنة الدولية من ستة أطراف هي: الولايات المتحدة، المفوضية الأوروبية، سويسرا، بريطانيا، هولندا، السويد، حيث توفر مجتمعة (60%) من ميزانيتها، وربما ذلك يؤثر بدوره على حيادية واستقلالية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ثالثا-دور ومهام اللجنة الدولية للصليب الأحمر في فلسطين:

أعلنت الصهيونية قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 وانطلقت في شن سياسة الترويع والتعذيب والقتل وتشريد سكان فلسطين وصادرت ممتلكاتهم وأراضيهم، وذلك فى تحدى غاشم للشرعية القانونية والسياسية والتاريخية والوجود الفلسطيني العربى، ودخلت في حروب متعددة ضد الفلسطنيين والعرب في فترات تاريخية متعددة، وبالرغم من التنازلات التي قدمها العرب والفسطنيين، وكذلك رغم الجهود الدولية والإقليمية والعربية لإيجاد تسوية عادلة بين العرب وإسرائيل، إلا أن هذه الأخيرة تستمر في تعنتها وتحديها للمجتمع الدولى إلى حد الوقت الراهن، ليستمر ضياع حق الشعب الفلسطيني.

ويعد الوضع في الأراضى الفلسطينية المحتلة واحداً من أطول فترات الإحتلال العسكرى في التاريخ الحديث، حيث مارست إسرائيل "السلطة الفعلية" على الضفة الغربية وقطاع غزة لنصف قرن تقريبا، وفي حين أخذ هذا الإحتلال العسكرى أشكالا ودرجات مختلفة، أحكمت إسرائيل باستمرار سيطرتها الفعلية على الأراضى التي احتلتها على أثر حرب 1967، وعلى السكان الفلسطنيين الذين يعيشون في هذه الأراضى ومن خلال سياسات إستيطانية ومخططات الطرق الإلتفافية والتوسع فى بناء المستوطنات وكذلك استمرار التهديدات الأمنية والعسكرية. وهناك بالفعل تكرار للعنف المسلح وما يعقبه من مآسى يعانيها المتضررين من الفلسطينيين، والصدمات النفسية التي يمر بها المجتمع الفلسطينى الأوسع، إلا أن الوضع يشهد عدم إحراز تقدم بشأن القضايا الإنسانية التي تحظى باهتمام كبير دون تحقيق تحسين ملموس في حياة ملايين الفلسطينيين، مع التأكيد أن كل ذلك لم يجعل الفلسطينيين يتراجعوا عن خيارات والحق فى المقاومة المشروعة.

قد بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر العمل في الأراضى الفلسطينية المحتلة عقب اندلاع الصراع العربى-الاسرائيلى وتحديدا بعد نشوب حرب عام 1948. وتذكر اللجنة الدولية إسرئيل باستمرار بالمسئوليات التي تقع عاتقها بموجب القانون الدولى الإنسانى حيال السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال. وتركز المنظمة على حماية المدنيين وتحسين أوضاع المحتجزين الذين تحتجزهم سلطات الإحتلال الإسرائيلية، وكذلك ما قد تحتجزه السلطات الفلسطينية، وتقدم المساعدة إلى السكان الأشد عوزا. وتدعم اللجنة الدولية جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وجمعية ماغن دافيد أدوم (نجمة داود الحمراء) الإسرائيلية.

        وفيما يلى استعراض لأهم وأبرز مهام وأدوار اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى الأراضى الفلسطينية:

§        تقوم اللجنة الدولية بدعم المرافق والمنشآت الصحية في غزة، حيث توفر الإمدادات والمستلزمات اللوجستية الطبية اللازمة، وأيضا الوقود في بعض الأحيان، حيث أن الخدمات الطبية في غزة تعانى نقصاً مزمناً في الأدوات والمستلزمات الطبية والمواد الاستهلاكية والوقود، ويؤدى عدم الانتظام في الإمداد بالكهرباء إلى تعريض حياة الجرحى للخطر ووقف خدمات الرعاية الصحية اليومية.

§        كما يعانى الفلسطنيون في الضفة الغربية المحتلة في حياتهم اليومية من المستوطنات الإسرائيلية والجدار العازل والقيود المفروضة على الحركة في الضفة الغربية. وتعمل اللجنة الدولية على تحسين إمكانية وصول المزارعين الى أراضيهم، ودعم المجتمعات الأكثر استضعافاً عن طريق المشروعات الزراعية. كما يسعى أيضاً مهندسو المياه والصرف الصحى التابعين لللجنة لتحسين إمكانية الحصول على مياه الشرب النظيفة في الضفة الغربية ومعالجة مياه الصرف الصحى بطريقة سليمة في قطاع غزة.

§        تزور اللجنة الدولية بانتظام الفلسطنيين الذين تحتجزهم إسرائيل لرصد طريقة معاملتهم وظروف معيشتهم. وتمكن اللجنة الدولية أيضا المحتجزين من تبادل الأخبار مع عائلاتهم ومن تلقى الزيارات العائلية. وتواصل اللجنة الدولية دعوة إسرائيل إلى السماح باستئناف برنامج الزيارات العائلية الخاص بأهل غزة، والذى تم تعلقيه منذ عام 2007.

§        على الرغم من إخفاق الجهود الدولية الرامي إلى إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وكذلك عدم وجود رؤية تلقى إجماع دولى وإقليمى للحل والخروج من المأزق، وذلك نظراً لتشبث لتعنت إسرائيلى قائم على معادلات صفرية. ماتزال تواصل اللجنة الدولية دورها فى الإطار المسئولية الإنسانية من خلال لآليات معالجة التبعات الإنسانية الناجمة عن سياسة إسرائيل المحتلة وإقناع السلطات الفلسطينية وقوى المقاومة بضرورة إحترام المدنيين وأفراد الخدمات الطبية في جميع الأوقات.

§        يذكر كذلك أن اللجنة الدولية تبذل جهوداً متميزة ميدانياً وقت المواجهات أو الهجمات المسلحة وأعمال العنف من أجل جمع المعلومات عن سير العمليات العدائية ودراسة النتائج التي تشكل أساساً للحوار الثنائى بين الطرفين، وتقوم بتقديم مساعدات الطوارئ للأشخاص الذين دمرت منازلهم وتقديم الدعم للمستشفيات وتحسين مرافق الخدمات العامة وشبكة الصرف الصحى.

وفى مثل هذه الظروف، تظل لللجنة الدولية مواقفها الجوهرية من الانتهاكات المتكررة للقانون الدولى في الأراضى الفلسطينية المحتلة والتي تعرب عنها اللجنة الدولية إزائها بتجريمها، فمنذ بدايه الإحتلال كانت اللجنة تقوم برصد الانتهاكات والإبلاغ عنها، وتقديم التوصيات بانتظام بشأن التدابير الناجزة لإعمالها من قبل الأطراف المعنية لمعالجة هذه الإنتهاكات والأضرار الناتجة عنها، مع توفير المساعدات الإنسانية والحماية للسكان الذين يعيشون تحت الإحتلال.

رابعاً-انعكاس تحديات تطور النزاعات المسلحة الراهنة على فاعلية اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

يشكل المدنيون الضحايا الرئيسيين لانتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها الدول وأطراف النزاع من غير الدول في النزاعات المسلحة المعاصرة. وما فتئت طبيعة النزاعات المسلحة المعاصرة تفرض تحديات حيال تطبيق القانون الدولي الإنساني واحترامه في عدة مجالات تتراوح بين تصنيف النزاعات المسلحة وصولاً إلى استخدام التقنيات الحديثة. وهناك حاجة لفهم تلك التحديات والاستجابة لها من أجل ضمان استمرار القانون الدولي الإنساني في أداء مهمته في توفير الحماية في حالات النزاع المسلح.

لقد اثار التعقيد المتزايد للنزاعات المسلحة نقاشات حول مفهوم النزاعات المسلحة وأنواعها، بما في ذلك ما إذا كان تصنيف القانون الدولي الإنساني للنزاعات المسلحة إلى نزاعات مسلحة دولية ونزاعات مسلحة غير دولية يكفي لتناول أصناف النزاعات المسلحة التي تجري في الوقت الراهن.

وتعتقد اللجنة الدولية أن هذا التصنيف كافٍ، وتقر في الوقت نفسه بوجود عدد متزايد من السيناريوهات الواقعية المختلفة التي يجوز تصنيفها على أنها نزاعات مسلحة غير دولية.

مازال للتفاعل بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان تداعيات فعلية على سير العمليات العسكرية. وتؤثر العلاقة بين قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على القضايا ذات الصلة بالاحتجاز، فضلاً عن استخدام القوة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء، وكذلك استهداف الأشخاص خارج الحدود الإقليمية.

ولايزال نطاق الحماية الذي يوفره القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة الراهنة مسألة تحظى باهتمام بالغ. وتكون الدول إما غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين في العديد من الحالات أو غير راغبة في ذلك. وينص القانون الدولي الإنساني في مثل هذه الحالات على جواز اضطلاع جهاتفاعلة أخرى بأعمال الإغاثة، بما في ذلك المنظمات الإنسانية، شريطة موافقة الدولة. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العقبات أمام وصول المساعدات الإنسانية، منها العوائق العسكرية والسياسية التي تعوق تقديم المساعدات لمن يحتاجها من المدنيين.

أفرزت العمليات العسكرية خارج الحدود الإقليمية خلال السنوات الأخيرة أشكالاً جديدة من الوجود العسكري داخل إقليم الدولة، وأعادت الأنظار إلى حقوق دولة الاحتلال وواجباتها، وإلى تنظيم استخدام القوة داخل الإقليم المحتل،وانطباق قانون الاحتلال على القوات التابعة للأمم المتحدة. وتطورت أيضًا المسؤوليات والمهام الموكولة إلى القوات متعددة الجنسيات لتشمل طيفًا من العمليات يتضمن منع نشوب النزاعات وحفظ السلام وصنع السلام وفرض السلام وبناء السلام.

وتشير الطبيعة متعددة الجوانب لهذه العمليات أن القوات متعددة الجنسيات ستلجأ إلى استخدام القوة على الأرجح، وتثير تساؤلاً كذلك حول وقت وكيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني على أفعالها.

دخل نسق متنوع من التقنيات الجديدة ساحات القتال الحديثة، فقد أفسح الفضاء الإلكتروني المجال العسكرى لإمكانية شن نوع جديد من الحروب، في حين ازداد استخدام أطراف النزاعات المسلحة لمنظومات الأسلحة التي يُتحكَّم بها عن بعد. ليس هناك ثمة شك في انطباق القانون الدولي الإنساني على هذه الأسلحة الجديدة وعلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في الحرب. ومع ذلك، تطرح وسائل وأساليب الحرب الجديدة تلك تحديات قانونية وعملية في ما يخص ضمان استخدامها على نحو يمتثل لقواعد القانون الدولي الإنساني القائمة وإيلاء الاعتبار الواجب للتداعيات الإنسانية المتوقعة جراء استخدامها.

تعد أيضًا العمليات العدائية التي تقوم بها جماعات مسلحة من غير الدول تعمل داخل مناطق مأهولة بالسكان ضد قوات حكومية تستخدم وسائل عسكرية أكثر تفوقًا بكثير أحد الأنماط المتكررة التي يتعرض فيها المدنيون والأهداف المدنية لتبعات العمليات العدائية. وقد استغلت بعض الجيوش التداخل بينالجماعات المسلحة والمدنيين، الذي يمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني،كمسوغ لتجنب اتخاذ جميع التدابير الاحترازية الممكنة لتقليل المخاطر بينصفوف المدنيين على النحو المطلوب في القانون الدولي الإنساني. ومازالت آثار استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان على المدنيين والهياكل المدنية تشكل مصدرًا للقلق في هذا السياق.

ويُعتبر عدم التنظيم الكافي لتوافر الأسلحة التقليدية وسوء استخدامها تحديًا مستمرًا أمام توفير الحماية للمدنيين. فالدول ملزمة بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي بكفالة احترام القانون الدولي الإنساني، ويشمل ذلك مسؤوليتها عن كفالة عدم وقوع الأسلحة والذخائر التي تنقلها في نهاية المآل في حوزة أشخاص من المحتمل أن يستخدمونها في انتهاك القانون الدولي الإنساني، وتهدف معاهدة تجارة الأسلحة التي تدعمها اللجنة الدولية إلى معالجة بعض تلك المخاوف.

أحد التحديات التي برزت مؤخرًا أمام القانون الدولي الإنساني هو نزعة الدول إلى وسم جميع الأعمال القتالية التي تشنها الجماعات المسلحة من غير الدول ضدها، لا سيما في النزاعات المسلحة غير الدولية "بالإرهابية". وينظر الآن إلى النزاع المسلح والأعمال الإرهابية على أنهما مرادفان تقريبًا، على الرغم من أنهما شكلان مختلفان من أشكال العنف تحكمهما مجموعة مختلفة من القوانين، وذلك بسبب الخلط المستمر بينهما في المجال العام. ويتسبب استخدام مصطلح "عمل إرهابي" في سياق قضايا النزاعات المسلحة في حدوث خلط بين مجموعتين منفصلتين من القوانين، وقد يؤدي ذلك إلى حالة تتغاضى فيها الجماعات المسلحة من غير الدول عن قواعد القانون الدولي الإنساني لتصورها أنه لا يوجد لديها دافع للالتزام بقوانين الحرب وأعرافها، هذا خلاف الخلط بين ما تقوم به حركات المقاومة وما تنتهجه جماعات العنف المسلح.

إن تسمية بعض الجماعات المسلحة من غير الدول "بالجماعات الإرهابية" له آثار ضمنية كبيرة على التعهدات الإنسانية وقد يعوق العمل الإنساني كذلك.

يواجه القانون الدولي الإنساني تحديات مستمرة جراء تطور النزاعات المسلحة المعاصرة. ويعتمد تحقيق حماية أكبر للمدنيين في النزاعات المسلحة على احترام القانون الدولي الإنساني وتنفيذه وإنفاذه. وستظل الأولوية الدائمة بالنسبة لللجنة الدولية هي ضمان قدرة القانون الدولي الإنساني على معالجة واقع الحرب الحديثة بصورة ملائمة وتوفير الحماية لضحايا النزاعات المسلحة.

الخاتمة:

فى ختام الورقة البحثية يتم طرح التطورات الهامة التي طرأت على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث خضعت اللجنة الدولية لإعادة تنظيم جوهرية، بناء على دراسة، حول مستقبلها، وهو ما عرف بمشروع المستقبل، وهدفه تحسين فاعلية اللجنة الدولية، وتحسين قدراتها على أداء المهام التي ائتمنتها عليها الدول الموقعة على إتفاقية جنيف، حيث قامت اللجنة الدولية بتعزيز قدراتها وتطور أسلوبها وأهدافها، لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وذلك من خلال دعم القانون الدولى الإنسانى ونشره من جهة وتطوير أنظمة الاتصالات من جهة أخرى.

وكان هناك هدفاً آخر لهذا التطوير، وهو إعطاء استقلال واسع ومسئولية أكبر للفرق العاملة في الميدان مما يضمن تقوية روابط الفريق وبالتالي ينعكس على كفاءة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول العالم.

وكذلك تقوم اللجنة الدولية بتنسيق أنشطتها مع جميع الجهات الفاعلة في المجال الإنسانى وذلك بسبب الطابع المعقد للعمل الإنسانى ومن أجل توفير أفضل ما يمكن من الحماية والمساعدة للشعوب، والتأكد من أن الاستجابة الإنسانية تدعم القدرات الذاتية على مواجهة الصعاب والتحديات، وبناء قدرات الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة وغيرها من حالات العنف فى استعادة نشاطهم وحياتهم، وكذلك لضمان الوصول إلى المحتاجين وضمان أمن موظفيها.

المراجع:

  1. إبراهيم أحمد خليفة، الرقابة الدولية على تطبيق القانون الدولى الإنسانى، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2006، ص114.
  2. هالة السيد إسماعيل الهلالى، دور المنظمات الدولية غير الحكومية في حماية حقوق الإنسان: دراسه لحالتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007، ص ص 69-70.
  3. مرجع سابق،ص75.
  4. جمال عبد الفتاح وآخرون،مقدمة كتاب: التمويل الإجنبى ومنظمات المجتمع المدنى، القاهرة، مركز العدالة للدراست السياسية والاجتماعية، بدون تاريخ، ص ص 5-13.
  5. ديفيد ديلابرا، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الدولى الإنسانى، فى: مفيد شهاب (تحرير)، دراسات في القانون الدولى الإنسانى، القاهرة، دار المستقبل العربى،2000، ص ص 21-23.
  6. خالد محمود عبد الكريم الدغارى، دور اللجنة الدولية للصليب الأحمرفى إنفاذ القانون الدولى الإنسانى: دراسة قانونية سياسية مع التطبيق على حالتى أفغانستان والعراق، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2013، ص ص 50-51.
  7. مرجع سابق، ص 52.
  8. أنظر: Francois Bugnion,The international committee of the red cross and the protection of the war victims,the I.C.R.C and macmillan,Geneva,1995,  ICRC prevention policy,icrc,april 2010, p10.
  9. بيتر ماورير، التحديات التي تواجه القانون الدولى الإنسانى: سياسة الإحتلال الإسرئيلى، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد888، تاريخ2-12-2013، على الرابط التالى: http://www.icrc.org/ara/resources/documents/article/review-2012/irrc-888-maurer.htm
  10. هانى البنا وهبة رؤؤف عزت، العمل الإغاثى والإنسانى وتفاعل الثقافات (رؤية وخبرة)، في: خبرات فى المجتمع المدنى، سلسلة محاضرات الحوار (6)، مركز الدراسات الحضارية وحوار الحضارات، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2011، ص ص 89-90.
  11.  اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضى المحتلة، نظرة عامة،1-3-2012، على الرابط التالى: http://www.icrc.org/ara/where-we-work/middle-east/israel-occupied-territories/overview-israel.htm
  12. أنظر: palestine red crescent society,12-4-2014http://www.palestinercs.org/en/

13.  أنظر: ElsenldtMicheal,The Palestinians between state failture and civil war,policy facts,no78,Washington D.C:the Washington institute for near east policy,2007.

14.  الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة الخامسة والستون، البند69، بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نيويورك، 15 كانون الأول/ ديسمبر2010، على الرابط التالى: http://www.icrc.org/ara/resources/documents/statement/united-nations-humanitarian-coordination-statement-2010-12-15.htm

  1. المدنيون والحرب،مجله الانسانى، العدد35، ربيع 2006، على الرابط التالى:

http://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/alinsany35.htm

  1. أمانى غانم، ومدحت ماهر (محرران)، العدوان والمقاومة الحضارية في لبنان: الدلالات والمآلات، القاهرة: برنامج حوار الحضارات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007، ص ص 45-47. 

* باحثة فى العلوم السياسية

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟