المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. صبحى عسيلة
د. صبحى عسيلة

«حماس الجديدة»

الإثنين 09/أكتوبر/2017 - 01:27 م
حماس في ثوبها الجديد أو «حماس الجديدة» هي أحد أهم أوجه الانتصار المصري في الملف الفلسطيني في الآونة الأخيرة. وبكل تأكيد فإن زيارة اللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة المصرية الأراضى الفلسطينية وخاصة لقطاع غزة يوم الثلاثاء الماضي كانت إعلانا عن مولد حماس جديدة تختلف تماما عن حماس بطبيعتها التي شهدناها خلال الأعوام الثلاثة عشر عاما الماضية، منذ أن اغتالت إسرائيل الأب الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين في 22 مارس 2004 ثم اغتيالها بعد أقل من شهر الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. وخلال تلك السنوات فقدت حماس ما يمكن تسميته «المايسترو» القادر على ضبط توجه وتحركات حماس سواء فيما يتعلق بالساحة الداخلية أو الخارجية واتخذت من القرارات إزاء الساحتين ما ثبت لاحقا عدم جدواها بل وخطورتها على الحركة نفسها، ولم تستطع قيادات الحركة إخفاء الخلافات فيما بينهم ناهيك عن القضاء عليها، ومن ثم عرفنا الخلافات والاختلافات بين حماس الداخل وحماس الخارج بل وبين المستويين السياسي والعملياتي أو العسكري في الداخل بين رئيس وزراء حماس وقائد كتائب القسام.

إدراك وجود أو مولد حماس الجديدة التي تتحدث بصوت واحد وتعلي المصلحة الفلسطينية العليا وتتجاوب مع الرؤية المصرية كفيل بالرد على الأسئلة التي يطرحها المناوئون للدور المصري داخليا وخارجيا والمشككون في نجاح وتثبيت المصالحة الفلسطينية. إذ يطرح هؤلاء التساؤل، بكثير من التشكيك والاستغراب، عن السبب الذي دفع مصر إلى ذلك التعاون مع حماس واستقبال قياداتها على أراضيها عدة مرات لن يكون آخرها لقاء الغد الذي يجمع الحركة بقيادات حركة فتح لإتمام عملية المصالحة الفلسطينية، بينما كانت حماس متهمة في مراحل عديدة بأنها حركة إرهابية وضالعة في بعض العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر منذ عام 2011 خاصة اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، ومسئوليتها في قضية فتح السجون المصرية في نفس العام. بل إن هؤلاء اتخذوا من الموقف الأخير لمصر تجاه حماس تكئة لإعادة طرح موضوع التصالح مع الحركة الأم التي تنتسب لها حماس وهي جماعة الإخوان. وهنا لابد من التأكيد أولا على أن التصالح مع حماس وتحسن العلاقات معها لم يحمل أي تنازل من جانب مصر بالمعنى الذي يروج له هؤلاء، ولكنه جاء على خلفية التطورات الإيجابية التي شهدتها الحركة بدءا من تعديل ميثاقها في مايو الماضي والذي سعت فيه الحركة لفك ارتباطها بالإخوان وما تبعه من تعامل حماس الإيجابي مع المطالب المصرية بشأن ضبط الحدود وملف المطلوبين أمنيا. وثانيا على أن علاقة مصر مع حماس قامت بشكل واضح على اعتبار حماس أحد أهم أقطاب الساحة السياسية الفلسطينية وكونها تمثل رقما مهما في معادلة قوة الطرف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وثالثا أنه على الرغم من الخلاف مع حماس وما اتهمت به فإن مصر الدولة لم تسحب خلافها مع الحركة ليطال مقاومتها للجانب الإسرائيلي، ولعل ذلك ما دفعها للوقوف بجانب حماس والشعب الفلسطيني في غزة إبان الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على القطاع أعوام 2008 و2012 و2014.

ومع أن مصر لم تخف امتعاضها أو بالأحرى معارضتها لانقلاب حماس في منتصف عام 2007 واستقلالها بقطاع غزة، فإنها لم تقطع خطوط التواصل مع الحركة في إطار سياستها بالاحتفاظ بمسافة واحدة من كل الفصائل الفلسطينية في ظل وجود عنوان واحد للعلاقة مع الجانب الفلسطيني ممثلا في السلطة الوطنية الفلسطينية. ومن ثم لم تنقطع محاولاتها لإنهاء ذلك الانقسام. كما عملت مصر على محور آخر يتصل بالأساس بتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في غزة من خلال محاولة فك الحصار المفروض على القطاع منذ استيلاء حماس عليها، وهو الأمر الذي تطلب أولا العمل مع الجانب الإسرائيلي لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من خلال التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وحماس بدأت في 18 يونيو عام 2008 ورفضت حماس تجديدها عند انتهائها في 18 ديسمبر من العام نفسه، بما أعطى إسرائيل ذريعة لشن عدوانها على غزة بعد أسبوع من تجميد العمل بالهدنة. وثانيا محاولة إيجاد صيغة للخروج من مأزق إغلاق معبر رفح بعد مغادرة رجال السلطة الوطنية الفلسطينية المعبر منذ استيلاء حماس على غزة، واشتراط إسرائيل والمجتمع الدولي ضرورة عودتهم لإعادة فتح المعبر طبقا لاتفاق المعابر عام 2005، ومع ذلك التزمت مصر بفتح المعبر بين الحين والآخر لتلبية المطالب الإنسانية للفلسطينيين. وظل المبدأ الحاكم للسياسة المصرية تجاه الفلسطينيين أن تجاوزات حماس أو غيرها لا يمكن أن تثني مصر عن دورها في مناصرة الشعب الفلسطيني وفي القضية الفلسطينية عامة لحمايتها التجاذبات الإقليمية بكل تداعياتها السلبية على الملف والقرار الفلسطيني.

باختصار فإنه كما لم تكن علاقات مصر بحماس قائمة على البعد الأيديولوجي المتمثل في انتماء حماس لجماعة الإخوان، فإن إعادة العلاقة حاليا وتفعليها لا يمكن لها أن تنسحب للمصالحة مع الإخوان. بتعبير آخر فإن فتور العلاقة مع حماس أو تأزمها أو تحسنها لم تحكمه سوى المصلحة الفلسطينية واعتبارات الأمن القومي المصري. ومع ذلك فإن القراءة الجيدة لما حدث مع حماس تشير إلى الطريق التي على الإخوان ومناصريها اتباعها للولوج في عملية المصالحة!.

وبما أن حماس كانت المسئول الأول عن إفشال جهود المصالحة السابقة فإن أحد أهم الضمانات لكي لا يكون مصير المصالحة الحالية كسابقاتها هو التغيير الحقيقي الذي تمر به حماس وتؤكده الشواهد على الأرض والذي انعكس في هذا الدعم غير المسبوق من جانب مصر. فنحن الآن إزاء حماس جديدة وليست تلك التي كانت قبل عقد أو عقدين من الزمن أو قبل نحو عام من الآن. ولعله لن يكون من المبالغة القول إن ما تقوم به مصر حاليا تجاه حماس هو محاولة لـ «تعميد» حماس الجديدة داخل الساحة الفلسطينية وداخل الساحتين الإقليمية والدولية، بما يعني أنه ما زال أمام حماس الكثير لتقدمه على الأرض تثبيتا لصورتها الجديدة. فعليها على سبيل المثال أن تحسم ملف علاقاتها بقطر فليس من المتصور أن تكون حماس الجدية بتلك العلاقة مع مصر بينما تحتفظ بعلاقتها القديمة مع قطر المقاطعة من مصر والسعودية والإمارات والبحرين نتيجة دعمها للإرهاب.
*نقلا عن الاهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟