المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
هاني سليمان
هاني سليمان

القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي الإيراني

الأحد 21/يناير/2018 - 08:48 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

يتسم الخطاب السياسي الإيراني، منذ اندلاع الثورة الإيرانية 1979، وعبر النخب السياسية الحاكمة المتعاقبة، بمحورية القضية الفلسطينية والقدس في الخطاب الموجه للعالم العربي، إلا أنه العديد من الأحداث والوقائع تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن تلك الخطابات الحماسية لا تعدو إلا أن تكون مجرد متاجرة بالقضية الفلسطينية كأحد أدوات إيران لاختراق عواصم العالم العربي وكسب قلوب الشعوب العربية كون القضية الفلسطينية الأقرب إلى وجدان كل عربي.

ولقد مرَّت التوجهات الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية بعدة مراحل؛ اتخذت أولاها بُعدًا أيديولوجيًّا شعاراتيًّا حمل مفاهيم التضامن والوحدة الإسلامية في انسجام مع الخطوط الأيديولوجية العريضة للثورة الإسلامية الإيرانية؛ لكن هذه التوجهات وبفعل التحولات الاجتماعية والتحديات السياسية بدأت تأخذ منحى واقعيًّا براغماتيًّا في العلاقات الدولية، سعيًا إلى تحقيق ما تسعى إليه الجمهورية "الإسلامية" من تعزيز مكانتها الإقليمية، والاعتراف بدورها كلاعب دولي مهم.*

ولقد اتسم خطاب إيران بالازدواجية؛ حيث هو خطاب متضامن ومتعاطف ظاهرياً مع الحقوق الفلسطينية ومعادياً لإسرائيل، في حين هو في حقيقته يتسم بالاستغلال السياسي للقضية، والمراوغة الشديدة إزاء القضايا المفصلية التي تؤرق شعوب المنطقة وتقلق حكوماتها، وهو ما يتضح بجلاء في علاقاتها الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبخاصة تدخلاتها المتكررة في شئون الدول العربية في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وإثارة الأزمات مع السعودية والإمارات، وغيرها من دول العالم العربي.(1)

وبعد الثورة الخمينية مباشرة أُعلن عن يوم القدس السنوي، وتبنت إيران و«حزب الله» شعار "حماس" أن "أرض فلسطين وقف، ولا بد من إقامة دولة إسلامية فيها بعد التحرير"، وهو ما كانت تدركه إيران أنه سيؤثر سلباً على الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة 1987). بعد ذلك انتظمت طهران في علاقتها بحماس، فأعطتها بطهران مقر السفارة الفلسطينية، فضلاً عن مؤتمرات الوحدة الإسلامية السنوية بطهران، والتي يخطب فيها رؤساء التنظيمات الشيعية في العالمين العربي والإسلامي، وزعماء حركات المقاومة في فلسطين، ثم يزورون منظمة الثقافة الإسلامية، ومدرسة صغيرة أقامتها إيران زاعمة أنه يُدرس فيها المذاهب الأربعة السنية، وهو ادعاء كاذب حيث أن السنة وعددهم في إيران 15 مليوناً لم يتمكنوا يوماً من إقامة مسجد لصلاة الجمعة بالعاصمة، علاوة على ممارسات الاضظهاد ضدهم. وفي كل عام وفي يوم القدس تحديداً، كما في عاشوراء، يتسابق ويتفنن الإيرانيون بشتم العرب "أتباع الإمبريالية الأميركية والذين لا يريدون تحرير فلسطين، والذين لا يستحقون الولاية على الحج".(2)

إن البداية كانت واضحة، منذ مقابلة الخميني عام 1979 للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، حيث تفاجأ عرفات من طلب الخميني أثناء لقائه في إيران مترجماً للفارسية رغم أنه يعرف العربية جيداً، وقوله في مجالس مغلقة بعد ذلك "الثورة الإسلامية التي لا تتحدث العربية، وإنما فقط الفارسية"، تظاهر بمساندة القضية الفلسطينية ولكن في أول اختبار حقيقي، ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية طلبوا من عرفات موقفاً مؤيداً لهم، وموقفاً عملياً مناهضاً من الرئيس العراقي صدام حسين والعرب، لكنه بعد عدة وساطات ومحاولات لتجاوز أمر الحرب برمته، اختار الانحياز لعروبته. فقام بإغلاق مقر المنظمة في "الأهواز" ومنع لقاء القيادات الفلسطينية هناك، وعانت العلاقة من ركود لم يزل حتى اليوم.(3) كما لا يخفى أيضاً كيف أن إيران لم تحرك ساكنا لنجدة عرفات المحاصر في بيروت عام 1982، بل ذهبت ميليشيات شيعية بعد ذلك تابعة لحركة "أمل" التي بايعت الخميني لارتكاب مجازر في المخيمات الفلسطينية.

أولاً- التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية

هذا التوظيف السياسي لقدسية الأقصى وفلسطين ومعاداة أمريكا واسرائيل يتحدث عنه بكل وضوح المعارض من داخل رحم النظام السيد مير حسين موسوي عن أن كافة الشعارات والمراسم والمناسبات الإسلامية والثورية للنظام كيوم القدس ومعاداة اسرائيل هي مجرد وسائل وأدوات بيد النظام لخدمة مصالحه في الداخل والخارج.

وكان شعار الخميني الجديد "الطريق إلى القدس تمر ببغداد" شاهداً على أن طهران تستخدم اسم القدس كورقة سياسية ودعاية فجة, ومحاولة لاستمالة العرب، ولقد صرحت قيادات إيران غير مرة بأن بغداد ونظامها يشكلان عقبة أمامها من أجل إنجاز وعدها بتحرير القدس. فقدمت إيران المساعدات لأمريكا عام 2003 لاحتلال العراق، وهو ما أكده أكثر من مسؤول ايراني منهم رفسنجاني، ومحمد علي أبطحي النائب السابق رئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية للشؤون القانونية في كلمته أمام مؤتمر "الخليج والتحديات" حين قال: "لولا الدور الايراني المتعاون لما تمكنت أميركا من إسقاط كابول وبغداد!"، ورغم سقوط بغداد، لم تتحرك طهران تجاه القدس لتحريرها. بل استمرت، بدلاً من ذلك، في العبث بسوريا واليمن عبر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وفي لبنان أيضاً عن طريق حزب الله، في محاولة لحار الدول العربية والسيطرة على عواصمها.(4) أيضاً، وفي صورة متكررة، فرغم الخطب الحماسية، امتنع الإيرانيون عن تسيير سفن مساعداتهم لكسر حصار غزة، أعلن الأمين العام للمؤتمر الدولي لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني السيد حسين شيخ الإسلام وهو أحد رجال وزارة الخارجية الإيرانية المخضرمين, خبر إلغاء إرسال سفينة المساعدات، وهو تعبير حقيقي عن انكشاف الوجه المخادع للسياسة الإيرانية، كما استمرت في تدبير وإدارة المناورات في مياه الخليج العربي لتهديد دول الخليج واستفزازها. (5)

أيضاً، في الوقت الذي شن فيه أحمدي نجاد حملته الخطابية ضد عنصرية الدولة اليهودية وسياساتها، كانت إيران ذاتها لا تزال تحتل أراضي عربية صرفة وتدعي ملكيتها لها، لا بواقع الحقوق الجغرافية والوقائع التاريخية والمعطيات الديموغرافية، وإنما بواقع القوة الغاشمة والاستباحة العسكرية.(6)

هذا التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية، ينطلق من اعتبارات عقائدية راسخة، جوهرها أن القدس لا تحتل تلك المكانة الدينية المقدسة في نفوس وأدبيات رجال الدين التابعون لولاية الفقيه في إيران؛ حيث لهم نظرة خاصة للقدس والمسجد الاقصى تتاقض مع أبسط الادبيات الإسلامية العامة؛ حيث يخلص جعفر مرتضى العاملي -رجل الدين الشيعي المعروف والمقرب من القيادة الإيرانية، في كتابه المعنون «الصحيح من سيرة الرسول الأعظم» والذي حاز على جائزة أفضل كتاب في إيران, وكرمه عليه الرئيس أحمدي نجاد شخصياً- حيث يخلص إلى أن (المسجد الأقصى في السماء وليس في القدس)(7).

أيضاً الشيخ محمّد باقر تقي المجلسي، وهو من كبار علماء الشيعة، الذي أورد ما نصه «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته يوماً عن المساجد التي لها الفضل، فقال المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ فقال: ذالك في السماء, وإليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون أنه بيت المقدس؟، فقال: مسجد الكوفة أفضل منه.(8)(9)

ثانياً- سياسات الاختراق، والدعم المشروط

لفترات طويلة ادعت إيران أنها تثدم دعماً غير مشروطاً للقضية ولكل فصائل المقاومة الفلسطينية، واستخدمت هذا الاستقطاب في تشكيل محور «الممانعة والمقاومة» الذي كان يضم إلى جانب إيران، سوريا، "حزب الله" اللبناني، حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. لكن  التطورات والأحداث اللاحقة كشفت كيف أن هذا الدعم القادم من طهران قد توقف تماماً لمجرد الإختلاف في بعض الرؤى والمواقف السياسية لتلك الحركات الفلسطينية عن طهران، مثلما حدث حول سوريا. فإيران كانت تريد من حماس دعم الرئيس بشار الأسد ضد الثورة التي اندلعت في مارس 2011، لكن رفض حماس ذلك كلفها خسارة الدعم المالي الإيراني، ولجات طهران إلى محاولة عمل انشاق داخل الحركة عن طريق تقديم دعم للجناح المسلح لحماس كتائب القسام في محاولة لتحريضه على المكتب السياسي.

ومثلما طلبت من عرفات موقفاً ضد العراق، وطلبت من حماس موقفاً مع الأسد، طلبت من "الجهاد الإسلامي" موقفاً واضحاً من الحرب في اليمن وهو نفس الطلب الذي قُدم لحماس من أجل استئناف العلاقات. أيضاً عادت طهران في اجتماع عُقد في 4 يناير 2016 بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع ممثل حماس في طهران خالد القدومي للبحث في علاقات الجانبين إذ عرض ظريف على القدومي أن تقوم حماس بإعلان موقف سياسي رسمي ضد السعودية بعد إعلانها قطع كافة العلاقات مع طهران مقابل أن تقوم الأخيرة بتلبية مطالب حماس كافة ومنها الدعم المالي الثابت والدائم.

لقد أدرك الإيرانيون أن نقطة الضعف الأميركية في منطقة الشرق الأوسط هي الأمن الإسرائيلي، ولذا وتحت عنوان تحرير الأرض اللبنانية وتحرير فلسطين لاحقاً، أنشأوا «حزب الله»، واستتبعوا الجهاد ثم حماس فضلاً عن تنظيمات أخرى غير إسلامية، واستخدموها ضد إسرائيل أحياناً، وأسكتوها أحياناً أخرى حسبما تقتضيه مصالحهم الباقية فوق كل اعتبار، والآن تقاتل إلى جانب الميليشيات الإيرانية بسوريا فصائل فلسطينية قومية ويسارية، من بينها جيش القدس، وشأن جيش القدس في العلاقة بإيران، مثل شأن الإرهابيين الذين يسمون أنفسهم بيت المقدس، ويقاتلون الجيش المصري بسيناء من سنوات، وربما كانت لهؤلاء أيضاً علاقات بإيران، إذ تلقوا سلاحهم من قطاع غزة.

مع الوقت طوعت طهران عناصر حماس وبالتدريج، ليكونوا منفذين لأهداف السياسة الخارجية الإيرانية، والتي ما كان دعم القضية الفلسطينية مهماً عندها، وإنما الضغط على الولايات المتحدة من أجل فك الحصار عليها، وغض الطرف عن استراتيجيات إيران تجاه المنطقة العربية.(10) ولم تتوقف محاولات إيران استقطاب الفلسطينيين على الفصائل الكبيرة فتح وحماس والجهاد، بل سعت حتى لتجنيد مجموعات مسلحة لها في غزة والضفة الغربية كانت ترسل لهم الدعم مقابل تنفيذ عمليات. وحاولت إيران تشكيل فصائل بأسماء تدل على الأصول الشيعية، مثل جماعات عماد مغنية وما يسمى «حزب الله» الفلسطيني، وأيضاً إنشاء حركة الصابرين المتشيعة التي أصبحت ممثلا شبه رسمي لطهران، وتوجهها إيران في قطاع غزة منذ نحو أربع أعوام. وهو ما أكده موقع «عصر إيران» القريب من المحافظين في طهران أن المذهب الشيعي بدأ في الانتشار بغزة، وأن العدد وصل إلى المئات، كما صرح بذلك عبد الرحيم حمد وهو أحد المتحولين الغزاويين، حيث ذكر الموقع أن مئات الفلسطينيين الذين تشيعوا سيتحولون بعملية حسابية بسيطة إلى ألوف ثم إلى عشرات الألوف وسيطالبون بوجود سياسي ومذهبي، وسيلعبون دوراً بارزاً في إدارة هذه المنطقة مستقبلاً.(11)

إيران لم تكتف بتوجيهها لحركة الجهاد الاسلامي في غزة حيث تمول لها ميزانيتها كاملة كما تقدم لها الدعم العسكري والتدريب وكل ما يتطلبه العون اللوجستي، وإنما أرادت إحكام السيطرة على حماس، ما دفع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بتقديم استقالته من موقعه بسبب ازدياد السيطرة الايرانية على كوادر الحركة في غزة ومحاولة تغيير بوصلة حماس عن الأهداف الأولى التي قامت لأجلها، كما أن ذلك الربط بين اتخاذ مواقف معينة وبين استمرار الدعم، دفع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، لمهاجمة إيران بشدة حيث قال: "منذ 2009 تقريباً ما وصل منهم أي شيء".(12)

أيضاً قامت طهران بدفع حركة فتح لاحتضان القيادات التي هربت من الشاه، ثم استقرت في بيروت حيث تلقت التدريب على حرب العصابات في البقاع، ثم أوجدت لهم عملاً منتظماً في وكالة الأنباء الفلسطينية في بيروت، وكان من بين أولئك اللاجئين إبراهيم يزدي وزير خارجية الخميني، والسيد مصطفي شمران وزير الدفاع للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولم يمضِ وقت طويل, حتى أبعدت الحكومة الأردنية اثنين من أعضاء السفارة الايرانية بعد اكتشاف الخلايا التنظيمية التي أسسوها في المخيمات والأموال الهائلة التي أنفقوها لتجنيدهم، لقد فشلوا في اختراق الأردن، ونجحوا في التأثير على العراق من خلال البعد الطائفي، حاولوا في فلسطين، واخترقوا سوريا ويحاولون تغيير الطبيعة الديموغرافية للمناطق التي يسيطرون عليها وبخاصة بعد موقعة حلب.(13)

ثالثاً- المصالح فوق الأيديولوجيا

ومما يدل على استغلال إيران للقضية لصالحها رفضها عملية التسوية؛ بين منظمة التحرير وإسرائيل بموجب اتفاقية أوسلو؛ مخافة أن تصبح معزولة في المنطقة، تحت ذريعة عدم استجابتها لحقوق الشعب الفلسطيني، لأن هذه التسوية في المنظور الإيراني جاءت لخلق نظام جديد في الشرق الأوسط بناء على العملية السلمية بين فلسطين وإسرائيل، وإدراكها بأنه من شأن التسوية الحيلولة دون تحقيق مصالحها وتراجع دورها الإقليمي في المنطقة. وكان من مصلحة طهران استمرار الصراع، بما يعزز فكرة التضامن الإيراني مع القضية، وهو ما يمهد الطريق لإيران لزعامة المنطقة، بعدما اتخذت من القضية ورقة ضغط على الدول الكبرى بشأن ملفها النووي، وإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على الاعتراف بإيران كقوى إقليمية عظمى في المنطقة، لأن إيران من شأنها التأثير على مصالح واشنطن المتمثلة في النفط وأمن إسرائيل. (14)

وقد كانت إسرائيل، ورغم الثورة الإسلامية في إيران وسيطرة نظام معادٍ لها على الحكم، ترى أن الخطر الاستراتيجي على وجودها يتأتى من العرب وخصوصًا من الجبهة الشرقية، ولذلك كانت ترى أن انتصار العراق في الحرب على إيران سيجعله أقوى وصاحب رصيد يمكنه من قيادة العالم العربي. وفي المقابل، فقد رأت طهران أن المصالح والحقائق الجيوسياسية أقوى من الأيديولوجيا في رسم العلاقة الجدلية بينها وبين القضية الفلسطينية وإسرائيل، فقد كانت مصلحة إيران وتعزيز قوتها الذاتية المعيار الناظم لعلاقتها بالقضية الفلسطينية وإسرائيل، وقد جاءت الأيديولوجيا والمذهب كأدوات استراتيجية للحفاظ على المصالح العليا لإيران.

ولقد تعاطت إيران في وقت مبكر مع إسرائيل سرًا، حيث عملت إسرائيل على توريد السلاح للنظام الإيراني بشكل مباشر بالإضافة إلى الدور الذي لعبته كوسيط من أجل إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة توريد السلاح لإيران، ويذكر تريتا بارزي في كتابه "حلف المصالح المشتركة" أن إيران اشترت بشكل مباشر من إسرائيل أسلحة فاقت قيمتها الـ 500 مليون دولار في الفترة الواقعة بين عامي 1980 و1983، وذلك استنادًا إلى معهد "يافي" للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، وقد تم سداد معظم هذا المبلغ عبر تسليم شحنات من النفط الإيراني لإسرائيل.

ولكن ورغم التكتم الشديد، بات التعامل ما بين إيران وإسرائيل مفضوحًا مع توالي الشواهد والأحداث عليه مثل: تحطم طائرة الشحن الأرجنتينية على الحدود التركية السوفيتية في 18 يوليو1980، والتي كانت تحمل شحنات سلاح من إسرائيل إلى إيران وأثارت حينها ضجة على المستوى الدولي، وقدمت على إثرها منظمة التحرير احتجاجًا على معايير إيران المزدوجة.

أما الحادثة الأخرى والتي تعد الأبرز والأكثر شهرة فهي فضيحة "إيران - كونترا" والتي لعبت فيها إسرائيل دور الوسيط لإقناع إدارة الرئيس الأمريكي السابق ريغان بتزويد إيران بالسلاح الأمريكي، وقد اعترف ريغان في 25 نوفمبر 1986 "، مدافعاً عن تعامله السري مع إيران بالقول أنه " بأنه على الرغم من "حظر الأسلحة لإيران، فقد باعت أمريكا أسلحة لها .. وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لإيران ونفوذها في العالم الإسلامي، اخترنا تفحص إمكانية إقامة علاقة أفضل بين بلدينا".(15)

كما أن المؤتمر "الدولي" الذي احتضنته طهران لـ"نصرة" غزة، والذي جاء تحت عنوان "غزة رمز المقاومة"، وتم برعاية رئيس البرلمان علي لاريجاني، والذي يعد الخامس من نوعه لطهران في أقل من سبع سنوات، جاء بشكل أساسي لمحاولة تجميل صورة إيران لدى الشارع العربي، في أعقاب تدخلاتها الدموية في كل من سوريا والعراق واليمن، ووقوفها إلى جانب أنظمة ومليشيات طائفية، في مسعى لمواصلة الاحتفاظ بمكاسبها الجيوستراتيجية كما يحدث في سوريا، ولمحاولة إضافة مكاسب أخرى كما يحدث في اليمن، مستغلة في كل الأحوال البعد المذهبي.(16)

كل تلك الأحداث، لاقت طريقاً لدى الوعي والفهم الفلسطيني، حيث في استطلاع للرأي في عام 2016 تمّ قياس الرأي العام تجاه بعض القضايا، وفي مقدّمها: كيف ينظر الفلسطينيّون إلى السياسات الخارجيّة ومنها السياسة الإيرانية؟، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن حوالي 70% من الفلسطينيين يؤمنون بكذب الخطاب السياسي الإيراني، وأن سياستها تجاه المنطقة العربيّة سلبيّة".(17)

وختاماً، فإن خطاب دعم القدس وعبارات التنديد بممارسات إسرائيل في خطابات الرؤساء الإيرانيين المتعاقبين، بدءاً من الخميني، وحتى روحاني، وكل الرؤساء القادمين في طهران، سوف تستمر بشكل كبير، لأن هذا الخطاب ضمانة للحشد والتأييد، ويلقى قبولاً لدى الشعوب، ويمثل أداة سهلة لاستقطاب الحركات والجماعات الموجودة في العالم العربي التي تلعب أدوار مناهضة ومعارضة للنظم، بحيث تشترك مع طهران في نفس الهدف من تدمير وإثارة القلاقل في هذه الدول.

ولقد أثبتت كافة الممارسات الإيرانية لعقود أن فلسطين ما هي إلا "ورقة" سياسية قوية التأثير، تستخدمها للضغط والتأثير، وتغليف طهران بصفة ثورية ودولة عظمى، ويعزز بقاء مشروعها "الفارسي" الذي يعتمد بقاؤه على هدم المشروع العربي، وهو ما اتضح بجلاء في سياسات طهران مبكراً، وبشكل أكثر عمقاً بعد 2011، في العراق، سوريا، اليمن، ولبنان. وبالتأكيد، لن تجد إسرائيل أفضل من طهران في تحقيق هذا الهدف، في مقابل خطاب عدائي وتوترات مصطنعة، في مقابل علاقات قوية ومتينة في الخفاء.

الهوامش

* انظر: فاطمة الصمادي، أثر الثورة السورية في تغير دور إيران في القضية الفلسطينية، 7 سبتمبر 2015، مركز الجزيرة للدراسات.

(1) انظر: إيران وحلفاؤها.. تهديدات لإسرائيل في الهواء من أجل القضية الفلسطينية (فيديو)، الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=2PRRjXpvzQA

(2) رضوان السيد، إيران والقضية الفلسطينية والإسلام، أكتوير 2016، الرابط:

https://www.ncr-iran.org/ar/2011-04-01-13-55-17/terrorism-a-fundamentalism/29676-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.html

(3) أنس مقداد، إيران والقضية الفلسطينية.. دعم مغموس بالدم، الرابط:

http://alkhaleejonline.net/articles/1455699895065571800/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%85%D8%BA%D9%85%D9%88%D8%B3-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85/

(4) د. أيمن الهاشمي، أكذوبة اسمها يوم القدس العالمي، جريدة السياسة الكويتية، 5 سبتمبر2010م.

(5) داود البصري، الجبن الإيراني المخجل أمام الإسرائيليين!، السياسة الكويتية، 27 يونيو2010م.

(6) ثامر عباس، ازدواجية الخطاب السياسي الايراني، السنة الحادية والعشرون، العدد6193، الاثنين 4  مايو 2009.

(7) جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة الرسول الأعظم (طهران: دار الهادي، الجزء الثالث، 1995) ، ص104-106".

(8) باقر تقي المجلسي، بحار الأنوار حار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار(طهران: إحياء الكتب الإسلامية، الجزء 22)، ص 90.

(9) انظر: رجا طلب، طريق إيران إلى القدس يمر بماذا؟!، الرأي الأردنية 27، 6-سبتمبر-2010م.

(10) رضوان السيد، مرجع سابق.

(11) حمد الماجد، حماس والثدي الإيراني: الشعب يريد إرجاع الفطام، جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 11 من إبريل 2011م، الرابط:

http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=616632&issueno=11822

(12) كفاح زبون، إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة .. ترفع شعار «تحرير فلسطين» منذ الخميني.. وتحارب في العراق وسوريا واليمن، 10 أكتوبر 2016، الرابط:

https://aawsat.com/home/article/756786/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B3%D9%88%D9%84%D8%A9

(13) د. موسى الكيلاني، الأطماع الإيرانية في فلسطين، الرأي الأردنية 16 يناير2013م، الرابط:

http://alrai.com/article/563027.html

(14) مصطفى لمغاري، إيران والقضية الفلسطينية خلال العهد الملكي والجمهوري، المركز الديمقراطى العربى، 7 يونيه 2017، الرابط:

http://democraticac.de/?p=47001

(15) نبيل عودة، إيران والقضية الفلسطينية: الخميني والذخيرة الإسرائيلية، 16 يونيو 2016، الرابط:

http://www.noonpost.org/content/12361

(16) صالح النعماني، إيران وغزة.. توظيف بلا مقابل، الجزيرة

(17) عدنان أبو عامر، الفلسطينيون غاضبون من إيران، 10 أبريل 2017

https://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/04/palestine-public-opinion-opposition-iran-hamas-relations.html

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟