المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

حرب السفارات: تنامي المعارضة الشيعية ومستقبل النظام الإيراني

الخميس 12/أبريل/2018 - 03:56 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
علي عاطف حسان

أثارت موجة الاعتداءات الأخيرة على السفارات والقنصليات الإيرانية في الخارج، خاصة اقتحام السفارة الإيرانية في العاصمة البريطانية لندن في 9 مارس الماضي، العديد من التساؤلات حول أسباب ودلالات اندلاع مثل هذه الاعتداءات في الوقت الحالي، وهو ما يُعد إفرازاً لتطورات يمر بها النظام الإيراني داخلياً وخارجياً خلال الفترة الأخيرة.

    فقد باتت التظاهرات والاحتجاجات داخل إيران منذ أواخر العام الماضي تندلع بشكل شبه يوميأ في مختلف المدن الإيرانية. وتعود أسباب هذه الاحتجاجات بشكل أساسي إلى عدم تلبية النظام الإيراني للطموح الاقتصادي والسياسي الذي كان يحلم به ثوار عام 1979.

    وعلى الرغم من أن الاعتداء على السفارات الإيرانية في الخارج يأخذ طابعاً سياسياً في مجمله، إلا أن عملية "اقتحام السفارة الإيرانية في لندن" على وجه الخصوص تبعث برسالة خاصة تأخذ طابعاً آخر، ألا وهو "تصاعد المعارضة المذهبية الشيعية داخل وخارج إيران لنظام ولاية الفقيه".  

    فقد تصاعدت المعارضة المذهبية ضد النظام "الثيوقراطي" الإيراني، خاصة في الآونة الأخيرة. وليس ذلك فحسب بل إن النظام الإيراني، يواجه ومنذ عشرات السنين، معارضة "مذهبية" شيعية من جانب مراجع كبار في إيران والعراق وغيرهما تصاعدت مؤخراً وألقت بظلالها على وسائل الإعلام وعلى مقار التمثيل الدبلوماسي في الخارج.

    وهنا نتناول جوانب المعارضة الشيعية للنظام الإيراني من الداخل والخارج وآثارها على مستقبل استقرار النظام:

  طبيعة المعارضة الشيعية للنظام الإيراني

    بدأت المعارضة الشيعية للنظام الإيراني تتبلور منذ عشرات السنين، وكان من أوائل أقطابها داخل إيران المرجع الشيعي الإيراني، محمد كاظم شريعتمداري، الذي اعترض وبشدة على قيام دكتاتورية في إيران يقودها "الولي الفقيه"، وكذلك آية الله حسين علي منتظري.

    أما في الخارج، فقد قوبلت نظرية ولاية الفقيه، التي يعتقد مؤيدوها بنيابة الولي الفقيه على الأمة إلى حين عودة إمامهم الثاني عشر "محمد بن الحسن المهدي"، بمعارضة واضحة وشديدة من مرجعية النجف العراقية، والتي يأتي على رأسها حالياً "آية الله علي السيستاني" وآخرين.

المعارضة الشيعية لنظرية "ولاية الفقيه" داخل إيران

    تأصلت المعارضة الشيعية لولاية الفقيه والنظام الإيراني الجديد منذ الأيام الأولى لحكم الخميني وإلى يومنا هذا. وكان هناك مقربون جداً من النظام الإيراني في بداياته يعترضون على مبدأ ولاية الفقيه مثل آية الله محمد كاظم شريعتمداري وحسين علي منتظري. ولا تزال هذه المعارضة تستمر حتى الوقت الحالي.

    حيث يبرز على الساحة الشيعية المعارضة لنظام ولاية الفقيه الآن عدد من الشخصيات البارزة، التي ينكّل بها النظام الإيراني، وذلك مثل آية الله محسن كديور الذي تتلمذ على يد حسين منتظري. يعارض كديور بالأساس السلطات الممنوحة للمرشد الإيراني، أي للولي الفقيه، ولا يتوافق مع سيطرة الأخير على كل مناحي الحياة بمختلف أوجهها، ويدعو لأن يكون دور الولي الفقيه إشرافياً رقابياً. وتحوّل كديور من كونه إصلاحياً إلى الدعوة مؤخراً لإقامة الحكومة "الديمقراطية العِلْمانية".

    ومثالُ آخر على المعارضة الشيعية المذهبية للنظام الإيراني هو آية الله يوسف صانعي، المعارض البارز لسلطة خليفة الخميني، "علي خامنئي". يناهض صانعي سيطرة رجال الدين الشيعة (الروحانيون) على مقدرات السلطة السياسية في إيران، وينادي، مثل كديور بالدور الرقابي والإشرافي لرجال الدين. وكان صانعي من أكبر المؤيدين لاحتجاجات الثورة الخضراء في إيران عام 2009.

    ومن الأهمية بمكان القول إن هناك كثيرين آخرين من رجال الدين الإيرانيين الذين يعارضون نظرية ولاية الفقيه والسلطات الممنوحة بموجبها، إلا أن النظام الإيراني بشكل عام ينكّل بهم سواء مادياً، عن طريق السجن، أو معنوياً عن طريق التشهير بهم في الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية والخارجية الموالية له.

المعارضة الشيعية لنظرية "ولاية الفقيه" خارج إيران:

    تبرز المعارضة الشيعية للنظام الإيراني خارج البلاد وتتمثل في رجال دين كبار من العراق والكويت ولبنان وغيرهم، يصل الخلاف بينهم وبين النظام الثيوقراطي في إيران إلى حد مذهبي بعيد للغاية. ونحاول هنا عرض أبرز هذه الحالات:

-         آية الله السيستاني...تهديد لولاية الفقيه:

    تمثل المعارضة الشيعية للنظام الإيراني في العراق خطراً كبيراً تأخذه في الحسبان مرجعيات إيران، وعلى رأسهم خامنئي، فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية وعارضت المرجعيات النجفية في العراق نظرية ولاية الفقيه، منذ ثمانينات القرن الماضي، وحتى الآن انتهاءً بالسيستاني، وذلك على الرغم من تأييد بعض الأحزاب العراقية لهذه النظرية، إلا أنه يبدو أن دعمها هذا له دوافع سياسية للاستئثار بالسلطة.

    فمرجعية النجف بوجه عام لا تؤيد تدخل رجال الدين الشيعة والمراجع في الشؤون السياسية، ولكنها ترجح مكانة توجيهية وروحية في السياسة ولا تؤيد تولّيهم للمناصب السياسية، على الرغم من أنها تغيّرت بعض الشيء في الآونة الأخيرة.

    إن المرجع العراقي آية الله السيستاني لا يؤمن، مثله مثل آيات الله الإيرانيين، بالوجه المطلق لولاية الفقيه، حيث يمكن أن نقول إنه يؤمن بالولاية الجزئية للفقيه التي لا تسمح له بالتدخل في كل الأمور السياسية وشؤون الحكم. بل إن هناك صراعاً مستتراً ما بين مرجعية "قم" والنجف والتي أثّرت بالتالي على العلاقة بين خامنئ والسيستاني. ولهذا، كانت ولازالت مرجعية العراق تؤرق وتهدد مرجعية إيران من الناحيتين المذهبية والسياسية، وتنتصر عليها أحياناً في بعض المعارك السياسية، على الرغم من التناغم في بعض أوجه المصالح.

   ويمكن القول إن مرجعية العراق، ممثلة في السيستاني، تلقى قبولاً أكبر لدى شيعة إيران؛ لأنها تقدم نموذجاً للحكم في البلاد يختلف عما يقدمه "الولي الفقيه" في إيران، حيث إن مرجعية النجف، كما سبق القول، لا تدعم تولّي رجال الدين الشيعة للمناصب السياسية. وإلى جانب السيستاني، يأتي آخرون من رجال الدين الشيعة ممن يعارضون التطبيق الحرفي لنظرية ولاية الفقيه، مثل الشيخ محمد اليعقوبي وآخرين.   

   ولا يمكن الوقوف عند هذا الحد في الحديث عن المعارضة الشيعية للنظام الإيراني في العراق، حتى وإن كانت غير مذهبية 100%. فعلى سبيل المثال، تأتي بعض التيارات العراقية التي ترفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعراق، وتنطلق هذه الجماعات السياسية، بعضها مسلح، من دوافع قومية عراقية أو عربية، مثل التيار الصدري الذي يشكل صداعاً في رأس التيارات الأخرى العراقية الموالية لإيران.  

   وهنا، لا يمكن إغفال نقطة في غاية الأهمية وهي الشعور السلبي المتنامي لدى فئات كثيرة من الشيعة العراقيين تجاه إيران؛ بسبب ما يرونه من سيطرة للميليشيات العراقية المدعومة من إيران على مناحي الحياة في البلاد وتدخل إيران في كل أمور العراق السياسية، وتغييرها أحياناً لديموجرافية بعض المناطق العراقية والطائفية التي تنشرها هذه الميليشيات.

-         التيار الشيرازي...معارضة صريحة للنظام الإيراني:

    أسس هذا التيار الشيعي المذهبي السيد محمد الشيرازي في مدينة كربلاء العراقية خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وقدر توارثه الأبناء والأحفاد إلى يومنا هذا بداية من المرجع الشهير آية الله محمد حسن الشيرازي في القرن التاسع عشر. ويُعد التيار الشيرازي من الفرق المتطرفة في المذهب الشيعي التي تعادي بشكل فج أهل السنة والجماعة. ويختلف الشيرازيون اختلافاً جذرياً مع أصول النظام الإيراني حول نظرية "ولاية الفقيه" ويوجهون سهام النقد بشكل صريح إلى خامنئي، على خلاف بعض التيارات الأخرى التي لا تعلن ذلك.

    وتصاعدت الخلافات مؤخراً بين الشيرازيين، المنتشرين في عدد من الدول كالكويت والعراق وإيران وبريطانيا، وذلك إثر اعتقال حسين الشيرازي، نجل المرجع الشيعي صادق الشيرازي، من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني، مما أدى إلى ردة فعل عنيفة من قبل الشيرازيين المقيمين في بريطانيا والذين اقتحموا السفارة الإيرانية في لندن، يوم الجمعة 9 مارس الماضي.

   وأبرزت عملية اقتحام السفارة عاملاً آخر في معارضة النظام الإيراني وهو تشكيل جماعات مذهبية، إلى جانب الجماعات المسلحة،  أحد أهدافها مهاجمة نظام الولي الفقيه في إيران. حيث ظهرت هيئة تُدعى "خدام المهدي" وقيل إنها هي من هاجمت مقر السفارة. ويقود هذه الهيئة "ياسر الحبيب" رجل الدين الشيعي الشيرازي الذي يقيم في لندن ويدير هذه المنظمة التي يشمل مقرها وحدات لتدريب عسكريين.

   ولا يمكن إغفال أن هناك العديد من الهيئات ورجال الدين الشيعة المنتشرين في دول عدة حول العالم يعارضون النظام الإيراني مذهبياً. فعلى سبيل المثال، لا يمكن غض الطرف عن شيخ أفغاني يُسمّى "حسن الله ياري" كان قد طُرد من إيران ويقيم الآن في الولايات المتحدة الأمريكية ويدير قناة "أهل البيت" التي تهاجم ولاية الفقيه وتصف خامنئي بأشنع الألفاظ،  وآخرون كثر.

التداعيات المستقبلية لتنامي المعارضة الشيعية للنظام الإيراني

    يمثل تنامي المعارضة الشيعية لنظام ولاية الفقيه بوجه عام، في ظل الاحتجاجات السياسية المشتعلة في مختلف المناطق الإيرانية، لأسباب سياسية ومعيشية، تهديداً لبقاء النظام الإيراني نفسه؛ حيث إن أحد الأعمدة التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه هو مركزية المرجعية بين مختلف شيعة المنطقة والعالم، فلا يمكن أن يمد النظام الإيراني نفوذه بين الشيعة من دون الاتفاق أو "شبه إجماع" على مرجعية المرشد الإيراني ومكانة الحوزة العلمية في "قم".

   كما لا يبنغي أن نفغل أن خامنئي نفسه لا يلقى قبولاً بين الأوساط الشيعية على مكانة علمه وبحثه، بل إنه لا يمكن القول إن هناك توافقاً بين علماء الشيعة على مكانة خامنئي من الناحية المرجعية أو العلمية منذ توليه منصبه عام 1989، مما يؤكد أن ذلك الجدل المثار حول مرجعية خامنئي سيؤثر بشكل واضح على اختيار المرشد الإيراني القادم.

 وبذلك، فإن تدني دعم رجال الدين الشيعة للنظام الإيراني، الذي يُعد أحد الأسس التي يقوم عليها النظام بالأساس سواء داخل إيران أو العراق أو غيرهما، من الممكن أن ينتج عنه انحسار نفوذه في الداخل والخارج، وخاصة بالخارج؛ الذي يعتمد بشكل كبير على رسوخ وأهلية ومكانة رجال الدين الإيرانيين بين عوام الشيعة.                            

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟