المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

في مهب الريح: خطة المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن

الثلاثاء 15/مايو/2018 - 05:43 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
وفاء الريحان

في محاولة جديدة لإخراج اليمن من دوامة الحرب الأهلية المستمرة منذ عام 2011، تم تعيين البريطاني مارتن غريفيث في 13 فبراير 2018 مبعوثًا جديدًا للأمم المتحدة في اليمن، خلفاً للمبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذى تم تعيينه في 25 أبريل 2015 وأعلن استقالته في فبراير 2018.(1)

ولعل المتابع لعملية إدارة المفاوضات السلمية في اليمن من قبل الأمم المتحدة، يجد أن هناك العديد من نقاط الضعف التي أدت إليها المنهجية التي اتبعها المبعوثون السابقون الذين توافدوا على البلاد، في حين ذهب البعض إلى وصف أداءهم بالفشل الكبير.

البعثات الأممية في اليمن

في إطار جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية اليمنية، أرسلت العديد من المبعوثين الدوليين، وكان البريطاني من أصل مغربي جمال بن عمر أول مبعوث أممي هناك؛ حيث تم تعيينه في أبريل 2011 حتى أبريل 2015، ولقى عمر ترحيب من مختلف الأطراف اليمنية في البداية، ولكن مع الوقت فقد ثقة بعض منها حيث اتهمته بالتساهل مع الحوثيين، وعلى إثر ذلك دخلت البلاد في براثن حرب أهلية دامية، وقد قامت السعودية بقيادة تحالف دولي ضد الحوثيين تحت مسمي "عاصفة الحزم" في 26 مارس 2015، قدم على أعقابه بن عمر استقالته بعد خمس سنوات من تعثر مسار حل النزاع.(2)

 ثم عينت الأمم المتحدة مبعوث جديد موريتاني الأصل هو إسماعيل ولد الشيخ أحمد لإنقاذ الموقف، ولكنه لم يُبلي أي جديد في حل القضية، خاصة في ضوء تعنت الحوثيون واختلافهم معه، وهكذا فقد رحل ولد الشيخ في 22 يناير 2018 وخلفه البريطاني مارتن غريفيث الذى يُعتبر أول مبعوث غربي للأمم المتحدة إلى اليمن على عكس أسلافه، وقد تم اختياره بالأساس استناداً إلى خبراته في مجال حل النزاعات والتفاوض والشئون الانسانية، فهو واحد من أهم الدبلوماسيين الأوروبيين وفقاً للأمم المتحدة، كما إنه يشغل منصب المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسيل.(3)

أوضاع داخلية وإنسانية حرجة

يأتي المبعوث الجديد في ضوء بيئة داخلية مضطربة؛ حيث يُعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017 من أكبر التحولات في مسار الحرب الأهلية باليمن منذ أن بدأ التحالف الدولي ضد الحوثيين بقيادة السعودية، وقد أدت وفاته إلى تفاؤل في الرياض حول إمكانية هزيمة الحوثيين عسكرياً خلال العام 2018.

أفرز مقتل صالح عدد من القضايا المؤثرة على مجرى الصراع في اليمن، تبدأ من الجدال حول مستقبل حزب المؤتمر الشعبي العام الذى يُعاني من الانقسام، فقد تفرع الحزب إلى كتلتين في بداية عاصفة الحزم، الأولى يقودها على عبد الله صالح في صنعاء، والثانية يتزعمها الرئيس عبد ربه منصور هادى في المملكة العربية السعودية، وبمقتل صالح أضحى الحزب في موقف صعب؛ حيث انقسم إلى ثلاثة تيارات متنافسة بداخلة، يتمثل الأول في الجناح الذى كان يتبع صالح وظل في أماكنه وغير معروفة وجهته، والثاني استطاع الإفلات من قبضة الحوثيين وفر إلى المناطق المحررة، وبالنسبة للثالث لايزال يعمل تحت قيادة الرئيس هادي، كما تكمن المعضلة الكبرى التي خلفها مقتل صالح في الوضع المفترض لأبنه داخل الحزب، خاصة في ضوء تضارب الرؤى بينهما تجاه قيادة الحزب.(4)

ومن أبرز هذه القضايا نقل السيطرة الإقليمية لقوات التحالف، فحتى الآن حققت قوات الجيش اليمني المدعوم من التحالف العربي تقدم في معقل الحوثيين بصعدة إلى جانب تزايد الخسائر البشرية في صفوف الميليشيات، كما تمكنت قوات الجيش الوطني مدعومة بطيران التحالف من إحراز تقدم جديد في جبهات صعدة وتحرير عدة مواقع.(5)

وتُعد تقلبات العملات ومحدودية الموارد هي الأخرى من هذه القضايا، ففي الشهور الأخيرة شهدت المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ندرة في توافر السلع والمواد الغذائية بسبب محدودية الأموال، لاسيما مع بداية عام 2018 والذي شهد انخفاض كبير في قيمة العملة اليمنية.(6)

من ناحية أخرى، صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بأن الحرب في اليمن تُمثل حالياً أسوء أزمة إنسانية في العالم؛ حيث يحتاج أكثر من 22 مليون شخص – نحو ثلاثة أرباع السكان- للمساعدات والحماية، كما أن البلاد معرضة بشكل كبير لوباء الكوليرا،  ووضح أن كل عشر دقائق يموت طفل دون الخامسة، وأن معدلات زواج الأطفال ارتفعت بشكل ملحوظ "ما يقرب من ثلثي الفتيات يتزوجن قبل سن 18 عاماً والكثيرات قبل أن يبلغن 15 سنة".

وفيما يتعلق بالأموال المطلوبة لتنفيذ خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية نحو 2.96 مليار دولار فلم يتم توفير أكثر من نصفها، برغم أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قدمت بالفعل 930 مليون دولار، وتعهدت بتأمين 500 مليون دولا إضافية للمنطقة.(7)

رؤية مارتن غريفيث لمسارات الحل في اليمن

قدم غريفيث في نوفمبر 2017- قبل تعيينه مبعوث أممي في اليمن من قبل الأمم المتحدة- محاضرة بعنوان ""إخماد الحرائق: كيفية إنهاء النزاع المسلح في العراق وسوريا واليمن"، أقامها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، وقدم في إطارها رؤيته عن الحرب في اليمن؛ حيث ذهب أن فرص حل الصراع في اليمن تتضاءل يوماً بعد يوم، وخاصة أن الأزمة أصبحت تأخذ شكل الحرب بالوكالة.

واعتبر غريفيث أن أي تسوية للخلافات بين الأطراف اليمنية يجب أن تأتي بمبادرة منهم أنفسهم، وأن يكون لديهم استعداد للمفاوضات، وفي ذات الوقت أن يتم العمل على بناء بيئة سياسية جديدة تشمل المؤسسات السياسية وجماعات المصالح والأحزاب، كما أشار إلى أن إجراء مثل هذه المفاوضات إنما يحتاج إلى وقف إطلاق النار مع إشراك القبائل.(8)

ومع تكليف غريفيث مبعوثاً أممياً إلى اليمن في فبراير 2018 تجددت الآمال مرة أخرى لدي اليمنيين حول إمكانية وضع حلول للحرب الأهلية بالبلاد، وقد استهل عمله بعقد عدد من اللقاءات مع مختلف الأطراف والأحزاب السياسية اليمنية؛ حيث يرى أن مهمته الأساسية تتعلق بسماع وجهات النظر المختلفة لتكوين رؤية واضحة للتخلص من الصراع المدمر الذي تعيشه اليمن.(9)

وفي منتصف أبريل 2018 أعلن المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن الدولي عزمه على تقديم إطار عمل أمام المجلس لإجراء مفاوضات خلال شهرين بهدف إنهاء الصراع، وعليه تم الإعلان في وقت لاحق على ثلاثة ملامح هامة لهذه الخطة، "تتمثل في سحب السلاح، ومرحلة انتقالية تشمل مشاركة أنصار الله في الحكومة، وتنتهي بانتخابات، كما أوضح أن هذه المفاوضات ستتم بين الحكومة والانقلاب"، ويُترك بعد ذلك الحرية لليمنيين لحل قضاياهم الأخرى كالقضية الجنوبية، ولكنه أكد في نفس الوقت على التزام الأمم المتحدة بالوصول إلى الحل في إطار الحفاظ على وحدة اليمن.(10)

سيناريوهات التفعيل

فور إعلان مارتن غريفيث عن خطته لإعادة إحياء عملية السلام في اليمن، تصاعدت التحليلات حول مدى إمكانية تفعيل هذه الخطة من عدمه، ومدى استعداد مختلف الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات من أجل إنهاء الصراع بالبلاد، وأشارت معظم الآراء إلى صعوبة قبول الحوثيين قرار وقف الحرب؛ فهم يؤمنوا بأن ما حصلوا عليه بالقوة لن يتخلوا عنه إلا بالقوة، إلى جانب أن إيران تراهن على سلاح الحوثيين، وأن فكرة سحب السلاح بالنسبة لها ستعني عرقلة مشروعها التوسعي بالمنطقة، وبالتالي ستعمل بقوة لإجهاض هذه الخطة.(11)

                لذا، فإن من أفضل الطرق لإجبار جماعة الحوثي على قبول التفاوض هي انهاكها عسكرياً لدفعهم للقبول بالخطة المقترحة، مع استغلال كونها تُعاني حالياً من انتكاسات عسكرية متتالية ومشاكل اقتصادية وخسارات لأبرز قيادتها تُوجت بمقتل صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، بما يضعها في موقف حرج، مع الأخذ في الاعتبار أن ترك الحركة على وضعها الراهن قد يتطور إلى أن تصبح قوة موازية للدولة اليمنية كما يفعل حزب الله في لبنان، وهو ما تسعى إليه إيران في إطار رغبتها للهيمنة على المنطقة.

المراجع

 1 – Moosa Elayah, Lau Schulpen and others, The Role of The United Nations And Its Special Envoys in The Current Yemeni War: Floundering In a Tragic Reality, GPBC and CIDIN, Radboud University, 1 March 2018, pdf, on the link:

https://www.kpsrl.org/sites/default/files/2018-03/180305%20The-Role-of-the-United-Nations-and-its-Special-Envoys-in-the-current-Yemeni-War_Floundering-in-a-Tragic-Reality%20%283%29.pdf

2 – يوسف حسني، المبعوثون الأمميون: سبع سنوات من الفشل المستمر، موقع الخليج أونلاين، 16-2-2018، على الموقع التالي:

http://klj.onl/tFS9s

3 – من هو المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن؟، بي بي سي عربي، 16 فبراير 2018، على الرابط التالي:

http://www.bbc.com/arabic/in-depth-43075458

4 – عامر الدميني، سيناريوهات مستقبل حزب المؤتمر الشعبي العام بين البيات والميراث (الحلقة الثالثة)، الموقع بوست، 31-12-2017، على الرابط التالي:

https://almawqea.net/interviews/26407#.WvA6AGW-nIU

5 – صالح البيضاني، تطورات سياسية وميدانية تحكم مهمة غريفيث الجديدة في صنعاء، موقع جريدة العرب، 4-5-2018، على الرابط التالي:

alarab.co.uk/تطورات-سياسية-وميدانية-تحكم-مهمة-غريفيث-الجديدة-في-صنعاء

6 – المرجع السابق.

7 – Daniel Nikbakht and Sheena McKenzie, The Yemen war is the world’s worst humanitarian crisis, UN says, CNN, 3-4-2018, on the link:

https://edition.cnn.com/2018/04/03/middleeast/yemen-worlds-worst-humanitarian-crisis-un-intl/index.html

8 – عبد الحكيم شار، محلل سياسي دولي: إيران الرابح الأكبر من الصراعات في العالم العربي، صحيفة سبق الإلكترونية، 21-11-2017، على الرابط التالي:

https://sabq.org/Cs94SR

9 - المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن: لن نبدأ من الصفر، موقع قناة الميادين، 24-3-2018، على الرابط التالي:

almayadeen.net/news/politics/866736/المبعوث-الأممي-الجديد-إلى-اليمن--لن-نبدأ-من-الصفر

10 – بدر القحطاني، ملامح خطة غريفيث لليمن: مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات، الشرق الأوسط، 26-4-2018، على الرابط التالي:

aawsat.com/home/article/1249686/ملامح-خطة-غريفيث-لليمن-مرحلة-انتقالية-تنتهي-بانتخابات

 11 - ماجدة أبو طير، إيران ستعمل على عرقلة السلام في اليمن، صحيفة البيان، 30-4-2018، على الرابط التالي:

https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2018-04-30-1.3251369

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟