المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

القمة الإسلامية باسطنبول: لا جديد في القضية الفلسطينية!

الإثنين 21/مايو/2018 - 06:14 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

بدعوةٍ من الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، انطلقت القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة أزمة افتتاح سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس بالإضافة إلى دراسة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في مسيرات العودة التي شهدها قطاع غزة تزامنًا مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين. ولم تُسفِر القمة عن أي جديد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة في ضوء الانقسام العربي الحاد، والتنافس التركي السعودي على قيادة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الخلاف العربي الإيراني في ضوء تنامي الدور العدائي لإيران في المنطقة العربية خاصة لبنان، وسوريا، واليمن. في ضوء هذه السياقات، تبرز العديد من الأسئلة المتعلقة بجدوى انعقاد القمة الاستثنائية الخاصة بالقدس سيما أن المنظمة دعت لقمة استثنائية في الربع الأخير من عام 2017 لمناقشة قرار "ترامب" بنقل السفارة دون أن تفضي إلى نتائج ملموسة.

جدوى الانعقاد: بيان للناس وليس للقدس

تعالت العديد من الأصوات السياسية حول جدوى الدعوة لانعقاد القمة الاستثنائية السابعة بإسطنبول خاصة عند النظر للبيان الختامي الذي خرجت به القمة، والذي جاء إنشائيًا، ومحدود التأثير؛ إذ اقتصر على دعوات الشجب والإدانة والتأكيد على هوية القدس(1)، وبذلك لم يختلف كثيرًا عن البيانات السابقة التي أخرجتها المنظمة. تجدر الإشارة إلى أن هناك تفسير يعتبر كثرة دعوات الانعقاد الاستثنائي للقمم يفقدها قيمتها أمام الرأي العام والجمهور سيما إذا لم يتمخض عنها قرارات حاسمة من شأنها تغيير الوضع القائم كما حدث في قمتي إسطنبول الخاصتين بالقدس.

من ناحية أخرى، نجح الرئيس التركي أردوغان، الذي يسعى لاستعاد أمجاد أجداده العثمانيين، بدعواته المتكررة للقمم الاستثنائية باللعب بمشاعر الرأي العام العربي والإسلامي لما للقدس والقضية الفلسطينية من أهمية وقدسية في نفوسهم.  ويعود ذلك لاعتبارات تتعلق بحالة الفراغ العربي التي نتجت عن أحداث 2011 وكذلك ما تشهده منطقة الخليج من انقسامٍ حاد بين دولة قطر وجيرانها. جدير بالذكر أن الرئيس الإيراني حسن الروحاني قد حضر قمتي إسطنبول حول القدس سواء السابقة أواخر 2017 أو الحالية، ويمكن اعتبار حضوره محاولة لكسب ثقة الرأي العام الإسلامي على حساب المملكة العربية السعودية التي شاركت بتمثيل منخفض في القمتين. وهو بالتالي يحاول إبراز أن طهران أكثر التزامًا بقضايا الأمة الإسلامية من الرياض.

قمة القدس... غياب عربي واضح

ألقت الخلافات السياسية بين كل من تركيا، ومصر والسعودية والإمارات بظلالها على القمم الخاصة بالقدس؛ حيث غاب زعماء مصر والمملكة العربية السعودية عن قمتي القدس بإسطنبول، واكتفوا بالمشاركة على مستوى وزراء الخارجية.

يعتبر العديد من المحللين السياسيين أن القضية الفلسطينية والقدس باتت وسيلة للمزايدات السياسية، وهو ما يبرر مقاطعة الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز للقمم الإسلامية الاستثنائية الخاصة بقرار نقل السفارة الامريكية إلى القدس. في هذا الإطار، يحاول الرئيس التركي المزايدة على مصر والسعودية فيما يتعلق بالقدس والقضية الفلسطينية لكسب ثقة الرأي العام.  فرغم تصريحات أردوغان الحادة تجاه إسرائيل وطرده للسفير الإسرائيلي، إلا أنه ما زال يمتلك  علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع إسرائيل.

قمة الخطب والشعارات

                هيمنت دعوات الشجب والإدانة على كلمات المشاركين في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول 18 مايو/أيار 2018، وبالتالي لم تختلف القمة في مخرجاتها عن سابقاتها في شيء، بل أنها عززت من حالة الاستقطاب على حساب "القدس" التي يجب ألا تكون محلًا لأي خلاف أو تصفية حسابات.

على مستوى كلمات المشاركين(2)

 واعتبر الرئيس التركي أردوغان في كلمته أن القدس تمثل إرثًا لجميع المسلمين، ومكانًا مقدسًا لجميع الديانات السماوية. ورأى ان ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين هو "إرهاب دولة" منتقدًا في الوقت ذاته الحماية السياسية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني من خلال حق النقد "الفيتو" في مجلس الأمن لمنع إصدار أي قرارات تدينها.

وفي سياق كسب التعاطف الإسلامي، دعا الرئيس الإيراني إلى قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. وقال أمير الكويت بأن بلاده ستواصل دعم القضية الفلسطينية في مجلس الأمن باعتبارها ممثل العرب، وتعهد الشيح جابر الصباح بمواصلة الجهود للخروج بقرارٍ أممي لحماية الشعب الفلسطيني من الممارسات القمعية التي يمارسها الكيان الصهيوني.

وأكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس "يعمق اليأس الذي يؤدي إلى العنف". ودعا ملك الأردن الدول العربية والإسلامية لدعم صمود الشعب الفلسطيني، وتوفير سبل التمكين الاقتصادي له. وأكد رئيس وزراء فلسطين، رامي الحمد الله، أنه "لا سلام ولا استقرار بدون حرية القدس وأهلها". وشدد على عدم قانونية القرار الأمريكي باعتباره يمثل تعديًا على حقوق فلسطين التاريخية.

على مستوى البيان الختامي

                 ما خرجت به القمة يتمثل فقط في الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني بهدف موضحا أن ما ستخرج به القمة هو فقط الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني، وخطوات عملية تدعم حق الفلسطينيين في هذه الأرض كنوع من التضامن معهم. لم تختلف مخرجات البيان الختامي لقمة إسطنبول الأخيرة عن سابقتها في سبتمبر/أيلول من عام 2017، إذ اقتصرت على الدعوة، والتأكيد، والشجب دون أن تقدم خطوات فعلية وحقيقية لمواجهة غطرسة الكيان الصهيوني. أدى ذلك إلى التساؤل عن جدوى الدعوة لها من الأساس. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة الخليج الإماراتية: "أن كلامًا كثيرًا قيل في القمة، بعضه كان مستهلكًا، ولم يعد يصلح لمعالجة قضية بحجم قضية فلسطين. ورأت الخليج أن القمة كانت للشو الإعلامي والتقاط الصور التذكارية لإبراء الذمة أمام التاريخ وذلك بالنظر للقرارات التي اتخذتها القمة، ولم تختلف في جوهرها عن قمة أيلول التي انعقدت قبل ستة أشهر(3). ومن القرارات التي خرجت بها القمة:

1-      مطالبة المؤسسات الدولية باتخاذ الخطوات اللازمة لتشكيل لجنة تحقيق دولية حول الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على حدود غزة، وإرسال قوة دولية لحماية الفلسطينيين.

2-      دعوة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان للاضطلاع بمسؤولياتهم لحماية الشعب الفلسطيني.

3-      جددت القمة رفضها للقرار غير المشروع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل المحتلة، واعتبرته باطلًا.

4-      دعا البيان الختامي للقمة، الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوقوف على الحياد، الذي يكفل تأسيس سلام شامل يقوم على مبدأ حل الدولتين.

قمم إسطنبول... أسباب الفشل!

أحاطت بعديد القمم التي عقدت في اسطنبول علامات الفشل، وقد رجع ذلك لعدة عوامل نابعة بالأساس من سياسات تركيا وعلاقاتها:

الخلاف العربي التركي

                شهد التمثيل العربي، والخليجي ضعفًا في المشاركة بقمتي القدس بإسطنبول، ويعود ذلك إلى فتور العلاقة بين تركيا وعددٍ من الدول العربية بسبب اختلاف الرؤى في السياسة الخارجية. وكانت قد شهدت العلاقات العربية التركية في الفترات الأخيرة توترات كبيرة وذلك للخلافات الشديدة في عدد من القضايا أهمها: دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك علاقتها مع دولة قطر، إضافة إلى التنافس السعودي التركي على زعامة العالم الإسلامي.

من ناحيةٍ أخرى،  شهدت العلاقات المصرية التركية حالة من الجمود والتوتر بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، وتعزز الخلاف مع تركيا بعد قرار الرباعي العربي (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين) بمقاطعة دولة قطر وما ترتب عليه من تقارب تركي قطري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

العلاقات السعودية الإيرانية

أدرك الخميني منذ قيام الثورة الإيرانية 1979 أهمية القضية الفلسطينية كمدخل لكسب التأييد لثورته، لذلك عمل على إظهار دعمه للقضية. على مدى عقود، خدمت القضية الفلسطينية طموحات إيران الإقليمية؛ فمنذ عام 1979 خصصت إيران يومًا سنويًا للقدس، وأسست قوة خاصة من النخبة أُطلق عليها "فيلق القدس" تابعة للحرس الثوري الإيراني، كما وسَّعت نفوذها بالعالم العربي من خلال دعم وتسليح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني.

في المقابل، قدمت السعودية نفسها كقائد للعالمين العربي والإسلامي، وقدمت الدعم المالي للقضية الفلسطينية على مدى عقود. وفي ظل ما شهدته المنطقة مؤخرًا من تزايد للنفوذ الإيراني، وفي ظل الحرب السعودية مع الحوثيين المدعومين إيرانيًا، قدمت المملكة المواجهة مع إيران عن أي شيء آخر، وباتت جهودها منصبّة على كيفية مواجهة النفوذ الإيراني. وبالفعل، سعت إيران لتوظيف الانشغال السعودي عن القضية الفلسطينية لصالحها؛ حيث سلَّط الإعلام الإيراني الضوء على مشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني في قمتي إسطنبول حول القدس والقضية الفلسطينية، وإظهار غياب الملك سلمان عن المشاركة والاكتفاء بإرسال وزير الخارجية.

ختامًا: تعد مخرجات القمة الإسلامية في إسطنبول عادية، ولا ترتقي للظرف الذي عُقدت له؛ حيث لم تخرج قراراتها عن الإدانة بأشد العبارات للأفعال الإسرائيلية، والتأكيد على رفض القرار الأمريكي بنقل سفارتها إلى القدس، إضافة إلى دعوة مجلس الأمن والمنظمات الدولية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. وبالتالي هي لم تختلف كثيرًا عن مخرجات قمة إسطنبول في سبتمبر/أيلول 2017 التي شجبت قرار نقل السفارة، ودعت العالم لحماية الحق الفلسطيني دون أن تقدم خطة عمل لذلك.

الهوامش:

1-       البيان الختامي الصادر عن القمة الإسلامية الاستثنائية السابعة(18/5/2018)، الرابط

2-       القمة الإسلامية الطارئة حول القدس: يجب محاسبة إسرائيل وعلى العالم الإسلامي التحرك فورًا (18/5/2018)، روسيا اليوم، الرابط

3-       الخليج: القرارات التي صدرت عن قمة اسطنبول عادية ولا ترتقي للفعل المطلوب (20/5/2018)، الرابط

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟