المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التداعيات الإقليمية للانتخابات اللبنانية الأخيرة

الجمعة 25/مايو/2018 - 11:40 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
علي عاطف حسَّان

في ظل التطورات المختلفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، خاصة منطقة الشام، جاءت الانتخابات البرلمانية اللبنانية لتمثل وتضيف تطوراً جديداً في المشهد السياسي للشرق الأوسط. فمن المعروف أن لبنان تمثل كتلة حيوية في الصراع الدائر في الشرق الأوسط؛ وذلك لموقعها الجغرافي المجاور لإسرائيل وسوريا مما منحها أهمية كبرى في المشهد السياسي الشرق أوسطي.

    وبعد قدوم الانتخابات البرلمانية اللبنانية وظهور نتائجها، زادت المخاوف لدى البعض و شعر البعض الآخر بأن نفوذ حزب الله قد أخذ الطابع الرسمي في لبنان تلك الدولة التي  تعج بالتيارات السياسية التي تلقى دعماً وتأييداً من الخارج، مما يجعل من الانتخابات البرلمانية الأخيرة فيها أمراً لا يخص لبنان وحده فقط. وعليه، سنحاول هنا إلقاء الضوء على التداعيات الإقليمية لهذه الانتخابات من خلال ما أفرزته نتائجها.

أولاً- نتائج الانتخابات اللبنانية 2018

    جاءت نتائج الانتخابات اللبنانية لتبرز تقدم حزب الله اللبناني وحركة أمل، حيث حصل الطرفان، مع بعض التيارات الأخرى، على الثلث المعطل، وهو ما يمثل ما يزيد على ثلث مقاعد البرلمان، مما يعطي حزب الله وحركة أمل قدرات كبيرة داخل البرلمان تتيح لهما، خاصة حزب الله، السيطرة عليه.

    أما تيار المستقبل، بزعامة سعد الدين الحريري، فقد حصل على عدد غير قليل من المقاعد البرلمانية وهو 21 مقعداً، إلا أنه بالتأكيد أقل منم حصل عليه حزب الله. وجاء بعد ذلك التيارُ الوطني اللبناني الحر حاصداً حوالي 20 مقعداً، ثم حزب القوات اللبنانية الذي حصل على 15 مقعداً، وحزب الكتائب اللبنانية 3 مقاعد ونال الحزب التقدمي الاشتراكي 9 مقاعد في البرلمان.

ثانياً- التداعيات المتوقعة إقليمياً للانتخابات اللبنانية

                ترجع أهمية الانتخابات البرلمانية اللبنانية ونتائجها إلى التداعيات التي يمكن أن تلقي بها على الساحة الإقليمية، وذلك بسبب تشابك المشهد السياسي اللبناني إقليمياً. وعلى الرغم من أن المناصب السياسية العليا في لبنان محددة سلفاً، حيث إن رئاسة الوزراء للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة ورئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، فإنه من المتوقع أن يعقب الفوز البارز لحزب الله اللبناني بعدد كبيير من المقاعد، إلى جانب حركة أمل، تداعيات إقليمية نحاول حصرها فيما يلي:

(1) تمدد وتوسّع دور حزب الله اللبناني:

    بعد حصول حزب الله اللبناني وحركة أمل الشيعيتين على نسبة كبيرة من المقاعد في البرلمان اللبناني، فإنه من المتوقع أن يتصاعد دور حزب الله داخلياً في لبنان، ولكن هذه المرة تحت غطاء أكثر رسمية. فإذا كان الحزب يعمل على تقديم خدمات اجتماعية داخلية، مما حقق له بعض المكاسب بين بعض اللبنانيين، وعلى الرغم من مشاركة بعض عناصره في الحكومة اللبنانية، إلا أن سيطرته على مزيد من المقاعد داخل البرلمان اللبناني سيوسّع من دوره وسيعطيه سيطرة أكبر على عملية صنع القرار في لبنان، وهذا بالنظر إلى كتلته الحكومية المقبلة.

(2) تغيّر طبيعة الدور اللبناني في المواجهة مع إسرائيل:

    إن حصول حزب الله اللبناني على هذه النسبة المذكورة من المقاعد البرلمانية يعني أن الحكومة اللبنانية وجماعة حزب الله اللبناني لم يعدا منفصلين بشكل كبير، بل إنهما باتا تقريباً شئياً واحداً. ولذا، فإن أي صراع ما بين حزب الله اللبناني وإسرائيل في المستقبل سيعني صراعاً حقيقياً ما بين الدولة اللبنانية وإسرائيل من جهة أخرى.

    وسيشكل هذا معضلة كبيرة للدولة اللبنانية، حيث إنه إذا ما اندلعت حرب في أي وقت ما بين حزب الله و إسرائيل فإن الأخيرة ستعتبر أن حربها مع الدولة اللبنانية، وهو ما صرّحت به إسرائيل على لسان وزيرها للتعليم، نفتالي بينيت، حينما قال إن "مكاسب حزب الله في الانتخابات اللبنانية تظهر أنه لا فرق بين الدولة والجماعة الشيعية المدعومة من إيران، وإسرائيل يجب ألا تفرق بينهما في أية حرب مستقبلية".

    وهذا تصريح خطير من مسؤول بالاحتلال الإسرائيلي؛ لأنه بهذه الطريقة وبهذا النحو فإن دخول حزب الله الحرب مع إسرائيل سيعني على الجانب الآخر دخول الدولة والجيش اللبنانيين هذه الحرب، وهو ما يمثل خطورة على الدولة اللبنانية واستقرارها. بل إن هذا الوزير الإسرائيلي قال مرة أخرى إن" إسرائيل لن تفرق بين دولة لبنان ذات السيادة وبين حزب الله وستعتبر لبنان مسؤولاً عن أي عمل داخل أراضيه".

إلا أنه، ومن ناحية أخرى، من الممكن لكل ذلك أن يدفع بالتقارب ما بين الجيش اللبناني وحزب الله اللبناني في حالة حدوث مثل هذه الحرب.

(3) تبعية من زاوية أخرى لإيران:

من المعروف أن حزب الله اللبناني يتلقى دعمه بشكل مباشر من إيران، فالحزب يعترف رسمياً وعلى لسان قادته بأن تمويله إيراني وإيديولوجيته تتبع ما يُلق عليه "ولاية الفقيه" الإيرانية. فالحزب لم يعد يعتبر ذلك الأمر وهذا الدعم أمراً خفياً، بل إنه يجاهر به علناً.

                وعلى ذلك، فإن حصول حزب الله اللبناني على هذه النسبة من المقاعد البرلمانية داخل لبنان، إلى جانب نفوذه المتوقع داخل الحكومة اللبنانية من الممكن له أن يشرعن التبعية لإيران، وهو ما يمكن أن يدخل بالدولة اللبنانية في نفق مظلم ومستقبل مجهول. فإذا ما كان حزب الله سيسيطر على عملية صنع القرار داخل الحكومة والبرلمان اللبناني، فإننا لن نتوقع، إذا ما سارت الأمور على ما هي عليه، أن يصدر قرار لا يلقي قبولاً إيرانياً جرّاء سيطرة حزب الله وحركة أمل على البرلمان.

      وهو ما يمكن أن يثير لاحقاً الرأي العام اللبناني ضد الحكومة وحزب الله اللبناني، وهذا ما يشبه إلى حد ما النموذج العراقي الذي أفرز لاحقاً جماعات وتيارات منهضة للنفوذ الإيراني في العراق، فضلاً عن الرفض الشعبي العراقي المتنامي ضد نفوذ طهران في العراق.

(4) تصاعد الصراع السعودي الإيراني داخل لبنان:

تتشابك وتتداخل في لبان مصالح دول إقليمية متعددة، ومن بينها هذه القوى الإقليمية المملكة العربية السعودية وإيران. فإذا كانت المملكة تدعم وتؤيد استقرار الدولة اللبنانية ومحاولة منع تنامي النفوذ الإيراني فيها؛ لأسباب استراتيجية، فإن صعود حزب الله اللبناني برلمانياً وحكومياً سيجعل المنافسة أكثر شراسة ما بين السعودية وإيران داخل لبنان. ومن ناحية أخرى من الممكن أن يسبب مشكلات مادية داخل الجيش اللبناني في حالة التوقف التام عن الدعم المادي الخارجي من بعض الدول الإقليمية والتي من بينها المملكة العربية السعودية.

(5) مزيد من تفاقم الأزمات اللبنانية بسبب الأزمة السورية:

     كان تدخل حزب الله اللبناني في السنوات القليلة الماضية في الأزمة السورية أمراً خاصاً به هو، على الرغم من تشكيله بعض المشكلات للدولة اللبنانية نفسها، إلا أنه كان في النهاية شأناً حزبياً. وبعد النجاح الذي حققه حزب الله وحركة أمل مؤخراً في هذه الانتخابات، فمن المتوقع أن يتسبب مزيد من تدخل حزب الله في الأزمة السورية في تفاقم المشكلات المتعلقة بهذه الأزمة بالنسبة إلى الدولة اللبنانية. حيث إن تدخل الحزب في الأزمة السورية لن يؤخذ بعد ذلك على أنه تدخل حزبي، بل تدخل من قِبل الحكومة التي سيكون من صميمها مسؤولون من حزب الله.

(6)  الضغط الإيراني على الولايات المتحدة الأمريكية:

بعد تزايد دور حزب الله اللبناني في الحياة السياسية اللبنانية، وبعد تحقيقه فوزاً في الانتخابات الأخيرة فإن نفوذ إيران داخل لبنان من المتوقع أن يسير باتجاه تصاعدي، مما سيمنح إيران مزيداً من أوراق اللعب السياسية داخل لبنان المحاذية لإسرائيل.

    و فتزايد نفوذ حزب الله في لبنان معناه تصاعد دور إيران على الحدود الإسرائيلية مما سيشكل فرصة لإيران للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في العديد من الملفات والتي يأتي على أبرزها قضية الملف النووي الإيراني والاتفاقية النووية التي أعلنت الولايات المتحدة خروجها منها مؤخراً. ففور حزب الله سيدعم الموقف الإيراني أمام الدول الغربية في المفاوضات الجارية.

    وأخيراً، فإنه وبرغم فوز حزب الله بهذه المقاعد إلا أن طبيعة الحكومة اللبنانية تخضع لتوافقات ما بين الكتل المختلفة داخل الدولة، هذا بالإضافة إلى الاتفاق وطنياً على تولّي الطوائف المختلفة في لبنان للمناصب العليا. ولا يعني ذلك ضعف دوره المستقبلي، بل على العكس من ذلك لن يقتصر دور حزب اللبناني داخل البرلمان، بل سيكون له الأولوية في الائتلافات الحكومية المقبلة، حيث سيستطيع تشكيل وزارات مختلفة بلبنان، مما سيعطيه مكانة سياسية وقدرات قوية داخل الأراضي اللبنانية تعزز من دوره إقليمياً.

                إلا أن هذه الحكومة اللبنانية الجديدة من المتوقع أن تواجه مشكلات دولية في التعامل السياسي< وذلك بسبب تصنيف العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية لحزب الله اللبناني كجماعة إرهابية، مما سيضع الحكومة والدولة اللبنانية في مأزق دولي. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟