المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الانتخابات التركية: كيف يقاتل أردوغان في معركة عسكرية لكسب معركة سياسية؟

السبت 23/يونيو/2018 - 06:36 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
ترجمة- مصطفى صلاح

تشهد تركيا في الـــ 24 يونيو/ حزيران 2018، انتخابات مزدوجة لكل من رئيس الجمهورية والبرلمان، وعلى الرغم من أن شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما زالت مفضلة لدى البعض، إلا أنه يواجه أكبر موجة معارضة له منذ توليه السلطة في أول فوز انتخابي له عام 2002.

وقبل أسبوع من بداية الانتخابات، أولى أردوغان اهتمامًا متزايدًا بما يسميه استنزاف الإرهاب في مستنقع شمال العراق، والذي يأتي في وقت غريب ومتأخر للغاية، خاصة بعد أن غض الطرف عن تلك المناطق لسنوات عدة ومعسكرات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل. إلا أنه الآن يقدم على مواجهة تلك المناطق، المشكلة في الأمر أن حزب العمال الكردستاني لم يعد موجودًا هناك ولا يوجد لتركيا ما يمكن أن تكسبه عسكريًا من خلال قصف الجبال القاحلة، لكن من الواضح أن أردوغان يفعل الكثير والكثير من أجل تحقيق مكاسب سياسية وذلك من خلال مدخل تشتيت الانتباه.

التدخل العسكري واستراتيجية التحول

شهد يوم الـــ 11 من يونيو/ حزيران 2018، قيام الجيش التركي بالعديد من الضربات الجوية على 11 هدفًا مستهدفًا قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، جاءت هذه الضربات بالتزامن مع قيام أردوغان بحشد مسيرات مؤيدة له في مساء نفس اليوم في نيغدة وسط الأناضول، ومدينة بورصا وهي منطقة صناعية ذات كثافة سكانية عالية تبعد 60 ميلًا عن اسطنبول؛ حيث شكلت تلك المناطق في يوم من الأيام معقله الأساسي في حشد الأصوات الانتخابية، إلا أن الآن يبدو الأمر غير مستقرًا بشكل متزايد تجاهه؛ حيث تراجعت نسبة تأييده في تلك المناطق بسرعة كبيرة، خاصة بعد أن شهدت انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، فوزه في مدينة بورصا بأكثر من من ضعفي تصويت أقرب منافسيه، لكن عندما نقارن المسيرات الداعمة له الآن نجد أن حملته الانتخابية في المدينة شبه فارغة.

في السنوات الأخيرة، أصبحت تلك المشاهد مألوفة لحملات أردوغان، على الجانب الآخر هناك تحالف علماني آخر في مواجهة أردوغان، بقيادة محرم إينجة والقيادية القومية السابقة ميرال أكشنار والتيار الإسلامي المعارض بقيادة كرم ملة أوغلو، مما يقلل من فرص مكاسبه السياسية، وفي استطلاع حديث أجرته أحدى شركات الاقتراع في تركيا، أظهرت النتائج أن 51% من العينة أن الاقتصاد هو الشاغل الرئيسي، بحيث جاء الأمن في المرتبة الثانية بنسبة 13.4%.

وإذا كان أردوغان سيفوز، فإنه يعلم أنه بحاجة إلى تغيير حسابات الجمهور إذا استطاع أن يحقق الأمن في مقدمة أذهان الناخبين، وبذلك يمكنه استعادة جزء من شعبيته الانتخابية أمام المعارضة في الانتخابات الرئاسية ، إلا أنه قد يخسر البرلمان وربما أيضًا الانتخابات الرئاسية ومن ثم الرئاسة الإمبراطورية التي كان يطمح إليها بشدة.

إن عملية قنديل ما هي إلا عرض درامي لكيفية تحويل ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي(الناتو)، إلى أداة سياسية لتحقيق طموحاته.

وفي يونيو/ حزيران 2015، انهارت هدنة أردوغان مع حزب العمال الكردستاني، وساعدة فسخ هذا الاتفاق وعودة الأعمال العدائية من جديد إلى تحقيق فوز سهل في الانتخابات التي أجريت في يوليو/ تموز 2016، أي بعد خمسة أشهر من إعلان إلغاء الاتفاق مع الأكراد ومحاولة الانقلاب الفاشل الذي يعتقد أردوغان أنه تم تنظيمه من جانب  رجل الدين التركي الموجود في بنسلفانيا فتح الله جولن، حليفه القديم الذي تحول إلى عدو، تبع ذلك إعلان أردوغان عن عملية درع الفرات داخل سوريا كامتداد لتوظيف تدخلاته العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية.

وفي يناير/ كانون الثاني 2017، قبل ثلاثة أشهر من الاستفتاء الرئاسي، كامتداد لعملية درع الفرات العسكرية في سوريا، استخدم أردوغان نفس الحيلة مرة أخرى، وهذا يعني أن هذه العمليات لم يكن لها أي ميزة لحماية الأمن القومي التركي، بيد أن توقيتها وتنفيذها يمكن أن يتم تحديده من قبل الحسابات السياسية لأردوغان أكثر من كونه ضرورة عسكرية.

وبالنظر إلى الجهود التي بذلها أردوغان منذ فترة طويلة للسيطرة على الجيش، فإن هذه العمليات لم تكن مفاجأة، فابتداءً من أواخر عام 2000، بدأت تركيا حملة تطهير جماعي مع محاكمتي  إيرجينيكون و باليوز، والتي اتهم فيها تحالف من كبار الضباط العسكريين ووسطاء السلطة العلمانيين بالتآمر للإطاحة بالحكومة المنتخبة في البلاد.

وهناك العديد من الأمور الناقدة لمثل هذه التصرفات في وصف هذه المحاكمات بالاستعراضية على النمط السوفيتي، في حين هاجمهم العديد من الخبراء القانونيين هذه الإجراءات بأنها ملفقة بالأدلة المريبة، ومع ذلك حُكم على مئات من العلمانيين البارزين في تركيا بما يتضمن أيضًا ضباط مثل رئيس هيئة الأركان السابق "إيكلر باسبوغ" بالسجن في أكثر من اثنتي عشرة لائحة اتهام مختلفة، كما تم فصل وسجن العديد من جنرالات الجيش والبحرية والقوات الجوية.

الجدير بالذكر، أن أردوغان وجولن كانا معًا في ذلك الوقت أثناء حملة أردوغان ضد المؤسسة العسكرية التي لم تكن لتنجح أبدًا دون جولن، حيث المحققين الموالين له هم من يديروا التحقيقات والذين كان لهم الدور الكبير في كتابة لوائح الاتهام وقرارات القضايا، ثم بدأ التحول الآن في موقف أردوغان الذي أعتاد أن يتهم كل من ينتقده بأنه يتبع حركة جولن في تلك الأثناء.

الغريب في الأمر، أن هذا لم يحدث إلا في أواخر عام 2013، بعد أن أصدر المدعون العامون وهم نفس الأشخاص الذين ترأسوا محاكمتي إرغينكون و باليوز، مذكرات توقيف بحق عشرات المشتبه بهم في قضايا فساد متعددة؛ حيث وجهوا الاتهامات إلى من هم في دائرة أردوغان  الداخلية بما في ذلك أولاده وأربعة من وزراءه والمديرين التنفيذيين للبنوك المملوكة للدولة.

وعليه؛ غير أردوغان لحنه تجاه جولن بعد أن كان يطاردون العلمانيين وأفضل صديق لجولن، إلا أنه وعندما جاء من أجله أصبح أسوأ عدو لهم على عكس ما كان عليه جولن قبل ذلك في وجهة نظر أردوغان.

كل ذلك لم يحدث في الغرف المغلقة، ولم يكن سرًا؛ حيث كان هناك العديد من التحذيرات من ذلك، ففي عام 2011، حيث استقالت القيادة العليا التركية بالكامل مثل الجنرال إيزك كوسانير- رئيس هيئة الأركان العامة، بالإضافة إلى قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية، بسبب مواقفهم من هذه المحاكمات الشكلية بعد ذلك بعامين استقال الأدميرال نوسرت غانر، احتجاجًا قبل أسابيع فقط من ترقيته إلى المنصب الأعلى في البحرية ، كما فعل العديد من ضباط البحرية الآخرين.

خارج الثكنات؛ حذرت العديد من الشخصيات مثل رئيس المخابرات السابق في الشرطة حنفي افسي والصحفي أحمد سيك ونشروا العديد من الأوراق المتعلقة بتعاون أردوغان وجولن للقضاء على خصومهم العلمانيين، ليجدوا أنفسهم خلف القضبان، فكل هذه التحذيرات سقطت على آذان صماء في ظل التهليل باعتقادهم الزائف بأن أردوغان يدفع الجيش فقط للخروج من العملية السياسية، ولكن في الواقع كان هدفهم جعل الجيش أداة لتفضيلاتهم السياسية.

أردوغان وجولن خلاف بعد اتفاق

سمح التقارب الذي يرعاه أردوغان لضباط جولن بالتمكين كما لم يحدث من قبل، وعندما اختلف الأثنان، واجه الضباط العديد من المشكلات من حيث الولاء؛ حيث أنهم أصبحوا في مواجهة معضلة الاختيار بين أردوغان وجولن، خاصة بعد ترقية العديد من القيادات العسكرية والذين يصل عددهم 63 من أصل 123 خاصة بعد عمليات التطهير التي قام بها أردوغان لمواجهة العلمانيين، هذه الأرقام ليست سوى غيض من فيض، فهناك العديد من الضباط الآخرين المنتسبين إلى جماعات إسلامية أخرى.

ضباط إسلاميون حاربوا ضباطًا علمانيين للسيطرة على الجيش التركي ، وفازوا، ثم انقلبوا على بعضهم البعض، وظهر أردوغان على القمة الآن، ما تبقى وراء ذلك هو أن العسكريين مدينون بالكامل لأردوغان، حيث أن كبار قادتهم يديرون مهماته السياسية  كما  كان الحال من قبل عندما استدعى رئيس الأركان العامة "خلوصي أكار"، للتحدث مع الرئيس السابق "عبد الله جول" عن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.

الخلاصة، لا يمكن لأي جنرال الحكم على أفضل ما يمكن لتركيا دون النظر أيضًا في أفضل ما يمكن لأردوغان ليس إلا إذا كانوا يبحثون عن التقاعد المبكر.

وهذا ما يفسر العلاقة بين الجيش التركي وأردوغان وما يتضح الآن من المضي قدمًا جنبًا إلى جنب مع خطط أردوغان، ولم تعد قضية جبال قنديل هدف أردوغان  حول ما يتعلق بمهاجمة مقر حزب العمال الكردستاني، والذي انتقلت معظم قواته شرقًا منذ فترة طويلة في المناطق التابعة لها أو في الشمال السوري والحدود العراقية السورية.

الأكراد والولايات المتحدة

يعتبر الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة في سوريا، وكان الأكراد في طليعة القتال بجانب واشنطن ضد الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من إعلان واشنطن وقف دعم المقاتلين الأكراد، لكن من الصعب قطع العلاقة بينهم نهائيًا، خاصة في ظل عدم التحقيق الكامل لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة؛ حيث لا يزال الأكراد يشكلون جزءًا كبيرًا من خططها لتحقيق تلك الأهداف، وعلى ذلك فإن تركيا متخوفة من تلك العلاقة خاصة فيما يتعلق بطموحات إقامة دولة كردية على الحدود الجنوبية لها.

في الوقت نفسه، لابد من مواجهة الحقائق خاصة المتعلقة بتخلي واشنطن عن الأكراد لمجرد أن أنقرة طلبت منها ذلك، ولن يتخلى الأكراد السوريون عن تطلعاتهم لإقامة دولة عندما يتمتعون بالفعل بحكم ذاتي فعلي في أكثر من ربع الأراضي السورية ويسيطرون على العديد من حقول النفط الرئيسية مثل تاناك وعمر وشادادي والسويداء،

علاوة على ذلك، لو كان أردوغان جادًا بشأن التشدد على حزب العمال الكردستاني، لكان استهدف الأماكن التي يسيطرون عليها، إلا أنه قام بتفجير الجبال القاحلة ذلك لأن النجاح الذي يسعى إليه سياسيًا وليس عسكريًا، كما يهتم أردوغان أكثر من ذلك بالفوز في صناديق الاقتراع أكثر من اهتمامه في ساحة المعركة.


TURKER ERTURK, SELIM SAZAK, Turkey’s Wag-the-Dog Election, JUNE 19, 2018:

https://foreignpolicy.com/2018/06/19/turkeys-wag-the-dog-election/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟